حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا.. حلقة “9”

حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا.. حلقة “9”

نهر الأوز يعطي لشمال يوركشير معنً إضافيا. كلمة “الأوز” تعني الماء والماء تعني الحياة. يعبر النهر مدينة يورك مروراً بسيلبي حيث يقيم آل منوتجمري فمدينة قوول ليتحد مع نهر أور عند قرية فلاكسفليت في مقاطعة شرق يوركشير. نهر الأوز لا أمان له، متقلب المزاج، كثيراً ما يفيض مهدداً سيلبي التي تمرست بدورها على مقاومته وأقلمت ذاتها على مزاجه بالإحتياطات اللازمة. سيلبي قرية كبيرة أخذت إسم مدينة “تاون” كون بها الجهاز الحكومي والإدارة للقرى الصغيرة المجاورة ومنها هامينقبرو فأصبح الكل يعرف نفسه للأغراب بسيلبي.
طرقت فانيسا الباب بكثير من اللهفة وهي تعلن من ثقب المفتاح “ها نحن جئنا”.

كان هناك بالخارج فانوساً ذا وميض أحمر أعلى الباب الخشبي، يضيء ويطفئ بشكل تلقائي. غرفة الجلوس فسيحة متعرجة ومقوسة الجدران، في منتصفها مدفأة كلاسيكية غير مستخدمة وعلى الجانب الأيسر قبل المطبخ المفتوح يوجد جهاز بيانو مغطى بورق بلاستيكي بني اللون تقوم فوقه مباشرة على الحائط صورة أبيض أسود لرجل ذي شوارب معكوفة يركب حصان ويحمل بيده بندقية صيد، تتراص من تحتها عدة صور بأحجام مختلفة قديمة وحديثة لأسرة مونتجمري الممتدة، تنتهي من الأسفل بطفل عمرة ثلاث أعوام هو دانيس إبن جانيت.

كان دانيس تلك اللحظة ينام في الطابق العلوي. وفي الجانب الأيمن الأكثر سعة ورحابة طاولة الجلوس بمحتوياتها المعتادة وهناك أربع غرف نوم وحمام وتوليت منفصلين. وهناك مباني خارجية ملحقة ومرآب مزدوج يقوم في الناحية اليسرى عدة أمتار من المبنى.
كان هناك ثلاث مقاعد للجلوس ذات سعات مختلفة على إحداهن جهاز كومبيوتر حديث “لابتوب” مغروز في فيشة كهرباء مثلثة الثقوب وعدة لعب أطفال تتناثر على الأرض.

أزاحت جانيت اللابتوب رفعته إلى الأعلى وهي تحييني للمرة الثانية ثم دعتني إلى الجلوس في الركن الأقصى من المنزل ناحية اليمين وهي تضم اللابتوب على حجرها. في تلك الأثناء كنا نسمع صوت ماكينة تنظيف كهربائية يأتي من الطابق العلوي، كانت مارغريتا تجهز غرفة فانيسا.
الطابق العلوي مكون من ثلاث غرف نوم وحمام وتوليت مشتركين ينتهي من أعلاه بقبو صغير مهجور كانت ألينا الشقيقة الوسطى تستخدمه في تربية طيور الزينة في يوم من الأيام. غرفة صغيرة أمام الأدراج مباشرة وأخرتان من جهتي اليسار واليمين أكثر إتساعاً، وهناك بلكونة صغيرة جهة اليمين تبدو وكأنها مقتطعة بطريقة تعسفية.

الغرفة الواقعة في الزاوية اليسرى الملاصقة للحمام هي غرفة فانيسا مذ كانت بنت تسعة أشهر، ذات شباك صغير مستطيل مطل على نهر الأوز.

في اللحظة التي وضعت فيها حقيبتي على الأرض في محاذاة السرير كانت فانيسا تفتح النافذة محدثة بعض الصرير “ظلت هذه النافذة مغلقة منذ مدة طويلة” شرحت لي فانيسا معنى الصرير ثم واصلت “خذ راحتك، انظر للأمور بسهولة، تستطيع أن تستحم إن أحببت”.
ثم فتحت لي باب الحمام، أطلعتني على الأدوات والمواد الموجودة بداخله “هذه الزاوية لي، هذه أشيائي أنا، تستطيع أن تستخدمها إن أحببت”.

أخذت زهاء نصف ساعة تحت الماء الدافئ، وفي اللحظة التي فتحت عندها الباب أهم بالخروج تصادف عبور جانيت التي جاءت تأخذ دانيس إلى الأسفل.

جانيت طويلة القامة تميل إلى البدانة واسعة العينين، مهملة الشعر ولطيفة العبارة. تلك الأيام ليست على وفاق مع شريكها منذ عدة أشهر خلت. جانيت البنت الكبرى تعقبها أبيقيل فألينا وأخيراً فانيسا. أبيقيل تقيم وتعمل في مدينة يورك إثنتين و عشرين كيلوميترأً شمال سيلبي. ألينا مرتبطة بطبيب إيرلندي ويقيمان ويعملان معاً في مدينة أونتاريو الكندية منذ سنة ونصف. وأما فانيسا، فهي رهينتي!.
“أتمنى أن يطيب لك المقام”، جاملتني جانيت بينما تمسك بيد دانيس على أول أدراك السلم الخشبي المتعرج، “شكراً سيدتي، شكراً على الحفاوة”.

عدت إلى الحمام من جديد أنضدد هيئتي أمام المرآة وعندما جئت إلى الغرفة من جديد صرت أسمع صوت ضحكات من حين إلى آخر تأتي عبر النافذة، حاولت أن أشبع فضولي لكن دون جدوى، لم أستطع رؤية أحد، فقط تبدى لي النهر يستقبل شمس الأصيل الوانية فغضت طرفي خشية ورهبة.

جلست على السرير، قمت فجلست ثم قمت فجلست عدة مرات، تجولت في الغرفة الصغيرة منمقة الجدران، لمست حيطانها الأربعة وتشممت رائحتها. تأملت حقائب وأدوات فانيسا، كانت محببة بالنسبة لي بغض النظر عن قيمتها الفعلية والموضوعية.

تعالت الأصوات والصيحات والضحكات من جديد مددت رأسي عبر النافذة، كانا دانيس وجانيت يلعبان معاً الكرة في المسافة الصغيرة القائمة بين البيت ونهر الأوز تقف بجانبهما فانيسا في ثوب رهيف تضع على رأسها طاقية دانيس البلاستيكية الحمراء، كان مشهدها فكهاً وشهيا. رأتني، أشارت لي بيدها وكذلك فعل دانيس بشكل تلقائي ، ثم صاحت تأمرني “أنزل، تعال”.

عندما هبطت إلى الأرض ووقفت بجانب فانيسا وجانيت ودانيس أحملق ناحية النهر كادت تتلبسني من جديد لوثة الأوز، لكن وقفت فانيسا حيالها ملتصقة بي “أما زلت تشعر بالإنتماء للأوز؟”. نظرت إليها ملياً، رأيتها هذه المرة كما لم أرها من قبل، فانيسا أجمل وأرق وأعذب مما خطر لي أول وهلة “لا أشعر بالإنتماء للأوز فحسب بل لك أنت أشد يا فانيسا”.

يتواصل.. حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا.
محمد جمال
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ده ملاح شنو؟انا افتكرت دي قصة رمزية أو تمويه لحاجة تحصل في النهاية وتفسير أخر تتطلع بتحكي لينا قصص حقيقية.ان شاء الله بعد استحميت عملت حاجة قبل الحمام ده الناقص تورينا ليهو.ماهكذا تورد الابل نحن شعب محافظ.امشي أحكي قصصك دي الدول المتقدمة المتعرية العاجباك دي وخلينا في تخلفنا وسترتنا دي

  2. رائع رائع رائع، تصوير لا تسنعه كاميرة محترف هناك نقل عجيب للصور والمشاعر والأفكار. تسلم يا زول

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..