ليس للخبز وحده تتفجر الاحتجاجات فالفساد والديكتاتورية وجوه أخرى لمعاناة الجزائريين

تواصلت أعمال الشغب في مدن الجزائر التي اندلعت يوم الأربعاء، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وامتدت الاحتجاجات العنيفة خارج العاصمة الجزائر إلى ست ولايات جديدة، وهي وهران، بومرداس، بجاية، البرج، الشلف، وتيبازة، كما امتدت داخل العاصمة إلى أحياء جديدة
والمواجهات بين الشباب الغاضبين، وقوات مكافحة الشغب سجلت إصابات بين الشرطة والمتظاهرين، الذين قذفوا الشرطة بالحجارة، وقطعوا الطرق الرئيسية بالإطارات المشتعلة، وعلى خلاف الانتفاضة التونسية لم تسجل حتى الآن حالة انتحار واحدة، كما تميزت انتفاضة الجزائر باستخدام المتظاهرين لرسائل أس أم أس "الرسائل الهاتفية القصيرة" لنقل الانتفاضة إلى أماكن جديدة، وأيضا للتنسيق بين المتظاهرين في نفس الحي والأحياء المجاورة، مما جعل السلطات توقف خدمة هذه الرسائل في كل أنحاء البلاد.

تعتيم إعلامي
وعلى غرار ما حدث في تونس تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية ما يجري في الشوارع، إلا أن التلفزيون الرسمي بث ليلة أمس لأول مرة في نشرة الأخبار صورا لمشاهد التخريب الذي طال الممتلكات العامة والخاصة، في حين غطت الصحف المستقلة مثل الخبر والشروق الأحداث. ومن الواضح أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو السبب المباشر لهذه الانتفاضة، التي انطلقت بشكل عفوي ولا يبدو أن وراءها أي من التيارات السياسية في البلاد.

وارتفعت أسعار المواد الأساسية مثل الزيت والدقيق والسكر واللحوم بنسبة كبيرة، وفي ظرف أسبوعين ارتفعت أسعار الخبز، وقفز كيلو السكر من دولار أمريكي إلى دولار ونصف. ليس ارتفاع الأسعار هو السبب الوحيد لهذه الاحتجاجات، فقد لعبت قوائم توزيع المساكن دورا كبيرا في إشعال فتيل الانتفاضة، بالإضافة إلى ارتفاع البطالة إلى ما فوق 10 %، كما أن انقطاع التيار الكهربائي، ومياه الشرب بشكل متكرر ساهم في تأجيج الغضب على الحكومة، التي تفضل أن تحدد البورصة سعر المواد الغذائية، بينما لا ترغب في رفع الرواتب.

صحيفة الخبر الجزائرية لا تستبعد أن تكون الإجراءات التي فرضتها الحكومة مؤخرا هي السبب في الاحتجاجات، فقد نظمت وزارة الداخلية مؤخرا حملة وطنية للتخلص من السوق الموازية، وهي أسواق عشوائية عبارة عن عربات وسيارات تبيع المواد الغذائية بأسعار في متناول المستهلكين، ولكنها تفتقد للشروط الصحية، وغالبا ما يستفيد منها العاطلون عن العمل، ويبدو أن تجار الجملة والمستوردين استغلوا غياب هذه الأسواق فرفعوا الأسعار بشكل صاروخي، وبذلك تشبه الانتفاضة الجزائرية في انطلاقتها الانتفاضة التونسية، التي اشتعلت بعد أن منع عاطل عن العمل من بيع الخضروات على عربة صغيرة، مما دفعه إلى اليأس المطبق مقررا حرق نفسه.

نظام مغلق
وفي لقاء قال بوشاشي مصطفى رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن ارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة هو الشرارة الذي أشعل الاحتجاجات، ولكن ليس فقط غلاء الأسعار هو السبب وراء ما حدث، وإنما أيضا التضييق على الحقوق والحريات، والفساد الذي مس أغلب مؤسسات الدولة، وعلى كل المستويات كان ينبئ منذ فترة بأن الأوضاع مقبلة على انفجار اجتماعي، وقال إن رابطته حذرت منذ أشهر من أن البلاد مقبلة على الانفجار.

كما يقول بوشاشي مصطفى إن الاحتجاجات اتخذت هذا الشكل العنيف، الذي أدى إلى حرق المقرات الحكومية، والأملاك الخاصة "بسبب رفض النظام الجزائري إعطاء الفرصة للطبقة السياسية، وللأحزاب والمجتمع المدني لتأطير المجتمع، وتأطير مطالبه لتكون الاحتجاجات بطريقة سلمية، وهو ما أدى إلى هذه الطريقة في الاحتجاج العنيفة".

ويشبه مصطفى ما يحدث بالانتفاضة التي حدثت يوم 5 أكتوبر 1988، وهي الانتفاضة التي أدخلت الجزائر في نفق من العنف ما زالت آثاره ماثلة حتى اليوم. ويرى أن هناك رابطا بين ما الاحتجاجات في تونس والجزائر مضيفا: "لا شك أن الأزمة الاقتصادية، والبطالة والفساد التي تشترك فيها كلا من الجزائر وتونس، وأغلب الأنظمة العربية، بالإضافة إلى أن النظام الجزائري والتونسي هما من الأنظمة المغلقة، التي لا يجد فيها المجتمع المدني، والمعارضة والحقوقيون مجالا للتفريج عن الاحتقان الموجود داخل المجتمع، كذلك هناك نقص في الحريات، وحالة الطوارئ التي تسود في الجزائر منذ 18 سنة، وخصوصية النظام باعتباره نظاما شموليا، ونظام دكتاتوري من بين الأسباب المشتركة بين النظامين التونسي والجزائري، والتي أدت إلى هذه الاحتجاجات العنيفة".

صراعات في قمة السلطة
ويرى بوشاشي مصطفى أن المعارضة ومنظمات المجتمع المدني على ضعفها، بدأت في محاولة تأطير هذه الاحتجاجات والاستفادة منها، لتؤدي إلى تغيير سياسي في صلب وطبيعة النظام، ولكنه يشكك في قدرة هذه الإطارات على النجاح في ذلك، لأنها تفتقد للقوة والتنظيم والمصداقية.
وحول بعض التقارير التي تقول إن بعض الأطراف في قمة السلطة هي من أشعل هذه الاحتجاجات، والغرض منها هو إحراج رئيس الوزراء أحمد أويحي، والتخلص منه باعتباره خليفة الرئيس بو تفليقة، وهو ما يفسح الطريق للرئيس الحالي للترشح لولاية جديدة، يقول بوشاشي مصطفى: "النظام الجزائري ذو تركيبة معقدة، يقوم على التوافق بين رجال في أعلى هرم السلطة، وهذه الزمر متفقة ضد الشعب، ولكن تختلف مصالحها في فترات معينة، وعادة تلجأ إلى هذه اللعبة القذرة، وخلال صراعاتهم الداخلية يقومون باستغلال الشارع، وهو شيء وارد أن تكون هذه الاحتجاجات مسيرة من طرف فريق في قمة السلطة، ولكن هذا لا يعني أن هذه الاحتجاجات غير شرعية، وتمثل قمة الإحساس بالقهر داخل المجتمع الجزائري، وليست هذه هي الظاهرة الوحيدة، فهناك يوميا وأسبوعيا مئات الأشخاص يهربون من الدولة الغنية في قوارب الموت نحو أوروبا".

ولكن مصطفى يؤكد أنه حتى وإن كانت هذه الفرضية صحيحة فستخرج الاحتجاجات عن السيطرة، مستشهدا بما حدث في أكتوبر 1988، حيث حدث تقريبا نفس السيناريو، ولكن الأحداث سرعان ما خرجت عن سيطرة الفريق الذي حاول استغلال مأساة الشعب الجزائري.

فهل تدل هذه الأحداث عن انفجار وشيك سيطال كل الدول المغاربية؟، التي تتشابه أوضاعها الاقتصادية والمعيشية، وخاصة زيادة عدد الشباب، ومعاناتهم من البطالة، بالإضافة إلى التضييق على الحريات العامة، وهو ما يعني أن الذي بدأ في تونس سيعبر الحدود إلى حيث تستطيع موجات الغضب الوصول إلى شواطئ تفترشها النقمة، والشباب الجاهز للهجرة أو الموت

الهدهد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..