عربي | BBC News

صحتنا النفسية في زمن كورونا: عن البكاء بسبب وبلا سبب

منذ أشهر تسيطر كلمة واحدة على حياتنا: كورونا.

وتزامن وباء كورونا مع جوائح موازية مثل: تصاعد وتيرة العنف الأسري عالمياً، وخسارة الملايين لوظائفهم، وتنامي الخوف من المستقبل المجهول…

وجد ملايين البشر أنفسهم في حالة حداد، وفوق ذلك، غير قادرين على التعامل مع مشاعرهم المتضاربة وهم منعزلون، كلّ خلف باب بيته.

سـألت “بي بي سي” عدداً من الشباب والشابات العرب، عن تجاربهم النفسية خلال هذا الوباء، توزعوا بين عدة مدن ودول، في المنطقة العربية وخارجها.

وفضّل معظمهم الحديث إلينا باسم مستعار، حفاظاً على خصوصيته.

بعضهم وجد في الانعزال بعيداً عن الآخرين مواساة، وبعضهم الآخر، حلّت عليه الأزمة الصحيّة في وقت عصيب جداً من حياته. في هذه الشهادات المختصرة، يفتحون قلبهم لنا.

فالتجارب وإن كانت مختلفة وفرديّة إلى حدّ كبير، إلا أنّها تختصر على الأرجح كلّ ما شعرنا به خلال مرحلة من أصعب مراحل التاريخ المعاصر.

مصدر الصورةGETTY IMAGES
سمير: أعيش باكتئاب مؤجل

لم أجد الوقت لأفكّر وأمتصّ ما يحدث، وتلك كانت معاناتي النفسية الأساسية.

كان عليّ أن أتصرّف بسرعة لكي أحمي عائلتي. تطلّب الأمر شهراً من الجدال والأخذ والردّ لإقناع أهلي بضرورة البقاء في المنزل، وبأخذ الخطر على محمل الجدّ.

لا أعيش معهم في المنزل ذاته، لذلك أمضيت وقتي على الهاتف، لأتأكد من أنهم يتبعون إجراءات السلامة.

لحسن حظّي، سمحوا لنا بالعمل من البيت، لكن ذلك لم يمرّ من دون انعكاسات سلبية على صحتي النفسية. أعرف أنني محظوظ لأن عملي استمرّ، مع أنّ معظم الناس كانت تخسر أشغالها. ذلك وضع عليّ عبئاً آخر، لأنّي كنت صاحب الدخل الوحيد في العائلة، وفجأة شعرت أني مسؤول عن ثلاث أسر. وفهمت أنّي إن أردت تغيير عملي، فإنني لم أعد أملك ذلك الترف الآن، على العكس، لقد باتت وظيفتي تمتلكني.

كان عليّ أن أجد طريقة لتخطي أمرين: الانهيار المالي في لبنان، ووباء كورونا. شعرت بالاختناق. لم يكن لديّ ما يكفي من الوقت للتفكير بكلّ ما يحدث. لم أجد الوقت للتفكير بما يتغيّر من حولي وفي العالم.

شعرت أني حُرمت من تلك المتعة الشخصية البسيطة بأن أسمح لنفسي بالتفكير. كل ما أتمناه لو أني منحت بعض الوقت لأعيش حدادي. أحاربه الآن بطريقة غير صحية. أعيش باكتئاب مؤجل. أشعر أننا محاربون جُرحوا في معركة، ولكن طلب منهم أن يواصلوا المسير.

 

ليلى: ارتحت من عبء المحاولة

في العزل، كنت مرتاحة جداً.

بدأت أشعر بالقلق مع عودة الحياة إلى طبيعتها، والإعلان عن فتح المتاجر وانتهاء الاغلاق.

لا أشعر أنّ الوضع آمن من جهة، ومن جهة أخرى، كنت أشعر في الداخل أنّي بأمان، بعيداً عن ضغط العمل والتوتّر.

كانت فترة الحجر ممتازة بالنسبة لي. بعد سنوات من تناول العقاقير المضادة للاكتئاب والقلق، وصلتُ خلال فترة العزل المنزلي إلى مرحلة شعرتُ فيها أنني مرتاحة لدرجة يمكنني تخفيف جرعتي اليومية، وأني لم أعد أحتاج للحبوب.

خلال الحجر، لم أعد أشعر بأنّه عليّ أن أركض وأحاول طوال الوقت لكي أنجز شيئاً ما.

في العزل، شعرتُ أن الأعباء قلّت، وأنّ الحمل خفّ. لم يعد عدم الإنجاز في العمل مشكلتي وحدي، بل مشكلة الكوكب بأكمله، ما أعطاني راحة داخلية كبرى، وارتحتُ من عبء المحاولة.

من ناحية أخرى، خفّ عني أيضاً عبء الاهتمام بشكلي وترتيب ملابسي وشعري. لم أعد أزور الحلاق، ولا صالون تقليم الأظافر.

السلبية الوحيدة أنّي اشتقت لبعض أفراد عائلتي، لأصدقائي.

طوال فترة الحجر، لم ألتق بأصدقائي المقربين إلا مرة واحدة، وكانت العودة إلى البيت بعدها صعبة، شعرت أنّي حزينة، كأني أودّع أحداً ما على المطار.

للصراحة اشتقت لممارسة الجنس، ولا أستطيع المخاطرة الآن بعد كورونا.

تيما: كوابيس العجز عن المشي

مع بداية فترة الحجر، صرتُ أعاني من كوابيس مزعجة، تزورني بوتيرة شبه يوميّة.

صرتُ أرى في المنام أنّي لا أستطيع السير، وأحاول النهوض للذهاب إلى مكان ما، لكن قدمي لا تستجيبان لي.

أحياناً، كنت أرى قدمي مقوستين، ولا أستطيع تقويمهما. أحياناً أخرى، كنت أرى في المنام أنّي انتعل حذاءً بكعب عال، مع انّ ذلك ليس من عاداتي الدائمة في الحياة، وأني أحوال السير فيه، لكنني أقع.

يترافق ما أراه في المنام مع شعور عارم بالخجل من أن يراني أحد، ويعرف أنّي غير قادرة على المشي. يزعجني هذا الحلم كثيراً، وأحياناً أستيقظ باكية بسببه، غير قادرة على الفصل بين الواقع والمنام.

كذلك أحلمُ كثيراً بجدتي التي توفيت قبل سنوات. كنت مقرّبة جداً منها، ولكني لم أرها في مناماتي سابقاً إلا بوتيرة قليلة. الآن أراها في منامي بشكل متواصل، وأرى بيتها المقفل، بكل تفاصيله.

أحلم أيضاً بأشخاص، لا يخطرون في بالي خلال الأيام العادية، لكني أرى في المنام أنهم ماتوا، وأستيقظ ليلاً لتفقّد صفحاتهم على مواقع التواصل، لأطمئّن أنّهم لم يصابوا بأي مكروه.

بعيداً عن المنامات الغريبة، أشعر بالامتنان لأني حافظت على عملي وراتبي خلال هذه الفترة، لكني على قلق وخوف دائم من فقدانه، ومن تبخّر الأمان المادّي الذي يوفره لي بلحظة. المشكلة أنّي أعمل ساعات طويلة جداً، ولا أستطيع أن أدرك كلّ ما يدور حولي يومياً، لكي أعرف كيف أتعاطى معه.

من ناحية أخرى، أجد مشكلة في العمل من المنزل، لأنّه لم يعد هناك فاصل بين البيت والمكتب بين النوم والاجتماعات، ولا دوام محدّداً، تعملين طول الوقت، بغض النظر عمّا تشعرين به، أو عمّا تمرين به من صعوبات، عليك فقط المواصلة.

عمر: أسوأ أيام حياتي

قبل أن أدخل كغيري في سرداب كورونا، كنت أعاني مع صحتي النفسية. لست مريض اكتئاب وقلق فحسب، بل شخّصتُ بداء توهّم المرض. لذلك كان الحجر أسوأ المراحل التي مرّت عليّ في حياتي على الإطلاق.

يسبّب لي مرضي أعراضاً جسدية، فأشعر بآلام تقلقني. طوال فترة العزل المنزلي، كنت أقرأ وأسمع عن أعراض مرضيّة، وذلك أمر أنا ممنوع عنه في الأساس، من المفترض أن أتجنّبه.

لكن كان من المستحيل أن أعزل نفسي عن المقالات والأخبار التي تصف الأعراض وعدد الحالات المستجدة والوفيات، مع تدفق الأخبار المستمرّ على مواقع التواصل. وكل يوم أشكّ أني مصاب بفيروس كورونا.

في الأساس، وعلى مدى سنوات طويلة من حياتي، كنت أشعر على الدوام أنّي مصاب بعارض صحّي خطير، لا أعرف ماهيته، وأنّه عليّ الذهاب إلى الطوارئ. وكانت الرحلة إلى قسم الطوارئ في المستشفى، مسكناً مؤقتاً لذلك القلق، لأنهم كانوا يقولون لي أنني بخير.

تعليق واحد

  1. العمل من المنزل افضل وبصراحة كل امر المؤمن خير حتى ننتبه للبيوت وننسى ما تعودنا عليه من مادية زايفة والخيرة في ما اختار الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..