توهان الأجيال

جُبل السودانيين دوماً التركيز على مقارنة ما كان عليه حال الوطن في الزمن الماضي وما آلت إليه الأوضاع الآن.

ومن خلال هذه المقارنة نستخلص العبر المحزنة والتي مفادها أن بلادنا تسير عكس التيار وعكس التقدم والتطور والرقي إن كان ذلك على مستوى الدولة المتمثل في مشاريعها التنموية او أداء مؤسساتها التنفيذية أو كان على مستوى سلوك الإنسان المواطن وأيضاً كذلك الحال في التحوّل الدينماميكي للمجتمع.

إن مصيبتنا الكبري تكمن في قابلية الأفراد والمجتمع بصورة عامة للتحور السلبي تبعا للعوامل الخارجية و الموثرات المسببة والتي تتزامن مع ذلك التدهور.

إن بنية المجتمع الثابتة الصلدة تساعده في مقاومة المحدثات. الشئ الذي يحتم عليه مجابهتها بعد تعيين وفرز الصالح من الفاسد . كذلك من أولوياتها (بنية المجتمع والنسق العام) لفظ وإبعاد الأجسام الغريبة والسلوكيات الفاسدة التي تبدر من فرد او جماعة ما أو تنظيم سياسي أوخلافه . ولتقريب هذه الصورة كمثل الفاكهة والخضروات الفاسدة عند وضعها في سلة واحدة مع أخري صالحة فهي تفسد الصالح

والذي حدث هنا أن المجتمع أيضا تصيبه الأمراض وأخطرها المعدية في شكل ظواهر تنتشر وتعُم ثم تستفحل فيصعب بعد ذلك مقاومتها او كبحها أو إيقافها أو تغييرها

ما أريد إبرازه في إيجاز هو أنه مع وجود العصبة ذات الفكر الفاسد ، والمحدثات الهدامة والغايات المظلمة إن لم يتمكن الناس مبكرا من تصنيفها وعزلها كفئة ضالة دخيلة أتت بممارسات بشعة ومنبوذة وجب النظر لها بأستهجان ثم الخوض مباشرة في معترك مقاومتها منذ بدايه مهدها

وما حدث أنه تُرِك الأمر حتي إستفحلت آثار سمومها وبالتالي لم يستطيع مجتمعنا الهش تعيينها ومن ثمّ مقاومة الضلال والفسق والفساد والكذب والنفاق المصاحب لها في الوقت المناسب مما أدي لإنجراف المجتمع ووقوعه سهلا مستجيباً للدسائس والمكائد والإنزلاق في هوة تآمر الفاسدين على الأقوات وتماسك المجتمع. ثم من بعد ذلك تعزر عليه التعامل مع هذه الفتن التى أوشكت على العصف به وتمزيقه وإضمحلال قِيمهُ الموروثة

ظهرت بعد ذلك بوادر التفريط في الكثير من الثوابت كالفضيلة والاخلاق والامانة والشرف وعزة النفس والآخلاص للوطن وتبدلت ملامح الشخصية السودانية. وقد إزداد ذلك التفريط ومن ثمّ إستفحل خصوصاٍ في جانب القِيم والعُرف الإجتماعي.
أضف على ذلك المعضلة الأكثر ثقلاً وهي الجانب والواقع الديني.
إن تلاعبهم بالخطاب الديني وتعاليمه عن طريق تشبسهم الواهي به أدى بدوره بالكثير من الناس وخاصة الشباب بتجاهل الخطاب الديني وما به من تعاليم ونور رباني. فالبعض ملّ سماع التعاليم والخطب الدينية لأن قدوتهم الذين جاءوا رافعين راياته لتطبيقه والسير على تعاليمه ظهرت حقيقتهم الضلالية الظلامية.
هذا التأثر فعل فعله حتى داخل الجماعة نفسها وإنجر الصالح منهم إذا وضعنا في الإعتبار أن إستقطابهم بداية كان للشباب المتدينين الملتزمين فكانت كلمة التنظيم الإسلامي كمغنطيس جاذب لهم. رويدا رويدا حتى أُجبروا على الصمت ، وأن لا تسأل عن ما لايعنيك ، وكن مطيعاً لتنظيمك قبل وطنك ثم كُلوا وإستتروا ثم بعد ذلك صعب على غالبيتهم مفارقة هذا النعيم والنأي بالنفس عن فساد التنظيم

الآن مؤخرا وبعد أن إتضحت لنا الأمور واضحة جلية بعد التأخير الذي طال أمده بفعل الطيبة وحسن الظن تارة وسؤ الظن تارة أخري نحاول أن نلملم أطرافنا ونجمع شملنا المتهالك من جديد. ونسعى بكل جدية لإعادة رتق ما إنحل وإنفتق.

إلا أننا نواجه بعض من الصعاب التي لا يمكن تجاوزها مما يفرض علينا الوقوف عندها وإبرازها وتناولها.

قد تبدو الأمور سهلة للجيل ما بعد العقد الرابع من عمره لإنكار الواقع والسعي حثيثاً للتغيير لكن الإشكال الأكبر ما هو مفهوم الجيل في الستة وعشرون سنة الماضية وزد عليهم من كان حتي الخامسة عشرة من عمره عندما أتت هذه الجماعة كونه كان طفلا او مراهقا ليس مئولا عليه التقييم والمقارنة بين عهود مضت وبين ما هو صائر الآن لأن كل ما سبق كان في زمن طفولته التي يرفع فيها عنه التكليف.

أذن ما حال هؤلاء من عمر 26-41 من هم في داخل الوطن. ما هي أفكارهم؟ وكيف وبأي صورة نمت وتشكلت؟ كيف ينظرون للحياة والمستقبل؟ ماهي نظرتهم للوطن وما هو مفهومهم عنه؟ والسؤآل الأهم ما هو مقدار وطنيتهم؟

تلك الوطنية العطشى التي لم تتغذى البتة الشئ الذي أدي لفتورها وضعفها؟ هنا يكمن سر عدم تحرك الشعب للذين يستنبطون معاني القول.

لم يجد هؤلاء الشباب منفذا ومرتعاً خصبا وأنشطة ورعايةً وتبنياً قومياً لمنهج واضح المعالم والخطى محدد الأهداف يحبون وطنهم من خلاله ويتدافعون من أجل تحقيقه ، وبالتالي يستوجب تضحياتهم من أجله بالغالي والنفيس. هكذا حالهم إلا من رحم ربي منهم وأستلهم طريق النور والعدل والإستقامة وقدرته على التمييز المجرد.

شبابنا إفتقد الكثير مما يدفع بالإعتراز بالوطن ، . كالمناسبات والمهرجانات القمومية ، والإنجازات الوطنية ، والإنتصارات الرياضية وكل ما من شأنة تحفيز الروح الوطنية وتعاضد الوجدان القومي

الشباب أيضاً لم يجدوا القدوة الوطنية الشامخة التي يستمد منها الشباب عنفوان وطنيتهم شاخصة أمامهم. لم يجدوا الرعاية من ولاة الأمر الغيورين الهامين برفع رايات الوطن عالية خفاقة ، والذين يفنون أعمارهم من أجل رفعة أوطانهم ومن أجل حياة أفضل لهؤلاء أجيال الغد زخر الأمة ودعائم مستقبلها.
لم يبذلوا ما يجب لكي ينعم ويفخر بإنجازاتهم من هم دونهم وسِواهم وخصوصا الشباب وتكون بمثابة مبعثا للتحفيذ ومواصلة السير والمسير على ذات المنوال تفانياً وتحديثا وتطويرا وإبتكارا ما لشئٍ إلا محبة خالصةً للوطن و خطىً يغدونها على آثار من سبقهم من العظماء!!!

لكن وا حسرتاه لم يجِدوا أمامهم أولئك العظماء؟

أين من يُشفِق على هذا الجيل المبتور عن عراقة ماضيه وشموخ وعزة أبناءه والمحجّب عنه الكثير من معاني الحرية والكرامة والعدل؟ هذا الجيل وهو “الدينمو المُحرِك الفاعل” لم يُزرع فيه حب الوطن ومعاني رفعته وتقدمه والقدرة على تغيير أنظمة حكمه عند الفشل؟

فكيف نحصد ثمرهم ونلهب عنفوانهم إن كنّا لم نسقي زرعنا ولم نصُن آلياتنا وأعددناهم جيلاً صابرا مثابرا صامدا مستنيرا معدا وزخراً لمستقبل الوطن؟

إن الأنظمة الفاسدة التي تسعى لإسترقاق شعبها والإستحواذ على مقدراته لن تناقض نهجها وتزرع فيهم العزة والكبرياء بل ستعمل جاهدة لإيصالهم لدرجة الخنوع والإذلال. تماما كما يحدث اليوم.

أننا نعتمد على كبريائنا وتفهم شبابنا وحكمة كبارنا في الفعل المضاد وهذا المضاد هو الحق عينُهُ الذي سوف يجمع كل أبناء الوطن في نسق مهيب ستشهده الأمم ويسطّرهُ التاريخ فكاكاً من هذا المأزق والخندق الذي نحن فيه.
قال الله تعالى (وقُل جَآءَ الحقُ وزَهَقَ الباطل إن الباطلُ إن الباطِلَ كان زهُوقا)

وقال جّل جلالهُ (قُل جآء الحَقُ وما يُبدِئُ البَاطِلُ وما يُعِيدُ )
صدق الله العظيم

خالد حسن

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..