أخبار السودان

الحرب تفتت القوة المشتركة لحماية المدنيين في دارفور

تخلت عن حيادها وانضمت للقتال إلى جانب الجيش: لا نريد "حميدتي" و"دعم سريع" جديدين

منذ إنهاء مهام قوات الـ”يوناميد” (البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحماية المدنيين في دارفور) تعثرت بصورة متكررة محاولات إنشاء قوات وطنية في الإقليم بموجب “اتفاق جوبا” للسلام لسد الفراغ الذي خلفه انسحاب البعثة. وبنشوب حرب أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش وقوات “الدعم السريع” اتخذت الحركات المسلحة موقفاً محايداً وشكلت قوة مشتركة للاطلاع بذلك الدور، لكن تداعيات الحرب سرعان ما فككت تلك القوة ودفعت بها للتحالف مع الجيش، فما أبرز محطات مساعي محاولات تشكيل قوات لحفظ السلام في دارفور وأسباب تفككها؟ وما مصير حماية المدنيين في وقت يهدد القتال المستعر مدينة الفاشر وينذر بأزمة إنسانية كارثية ويفتح الباب أمام العنف العرقي والحرب الأهلية في الإقليم كله؟

الترتيبات الأمنية

عدت محاولة تشكيل قوات حفظ السلام بدارفور بمشاركة كل الحركات الموقعة على اتفاق السلام بلا استثناء بقيادة اللواء محمد عبدالله الفكي في سياق تفعيل تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ضمن اتفاق سلام جوبا أول المساعي لتشكيل قوة مشتركة لحماية المدنيين لسد فراغ قوات بعثة “يوناميد”، ولتمثل لاحقاً النواة لبناء جيش وطني موحد بعد إتمام عملية الدمج والتسريح بالنسبة إلى مقاتلي الحركات المسلحة.

بموجب تنسيق مشترك بين الجيش وقادة فصائل حركات مسار دارفور الموقعين على اتفاق جوبا للسلام، شرع في تشكيل هذه القوات من خمس حركات، هي جيش تحرير السودان، مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة السودانية، جبريل إبراهيم، وتجمع قوى تحرير السودان، الطاهر حجر، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، الهادي إدريس، وحركة التحالف السوداني برئاسة خميس أبكر.

كان التصور المقترح أن تضم قوة حفظ السلام في دارفور وفق اتفاق سلام جوبا، في مرحلتها الأولى نحو 3300 عنصر: 300 من الجيش، و1500 من “الدعم السريع”، و1500 من الحركات المسلحة الخمس الموقعة على اتفاق السلام (مسار دارفور) بواقع 300 مقاتل من كل حركة.

وبدأت بالفعل في 2021 عمليات تجميع قوات الحركات المسلحة في معسكر “جديد السيل” شمال مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، إلى جانب قوات الجيش السوداني و”الدعم السريع” والشرطة والاستخبارات العسكرية المشاركة ضمن القوات المشتركة لحماية المدنيين التي نصت عليها اتفاقية جوبا.

مراحل وعثرات

يوضح سليمان صندل رئيس “حركة العدل والمساوة” المنشقة عن جبريل إبراهيم نائب رئيس لجنة الترتيبات الأمنية سابقاً أن نشأة القوات المشتركة شملت مرحلتين: الأولى ضمن تنفيذ بند الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاق جوبا لسلام السودان، وهي قوات “حفظ السلام في دارفور” المنوط بها أن تحل محل قوات الـ”يوناميد” لملء الفراغ الأمني الكبير الذي ستخلفه في مجال حماية المدنيين. ويتابع، “بدأ تشكيل تلك القوات بتدريب وتأهيل بتخريج 2500 من عناصر الحركات المسلحة في معسكر (جديد السيل) في انتظار صدور قرارات من المجلس السيادي بإنشاء هذه القوة، بما في ذلك تعيين رتب الضباط من جانب قوات الحركات، وطلبنا في اللجنة من الجيش و(الدعم السريع) إرسال قواتهم المشاركة في هذه القوة، لكن القرارات المطلوبة لم تصدر حتى نشوب الحرب في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي”.

الحياد لحماية المدنيين

لكن بعد اندلاع الحرب تقوضت كل جهود إنشاء “قوات حفظ السلام في دارفور”، ومعها الترتيبات الأمنية التي قبرت إلى الأبد، بحسب صندل، ونتيجة لتداعيات الحرب على المدنيين في دارفور، أعلنت الحركات المسلحة الخمس (تحرير السودان، مني أركو مناوي، والعدل والمساوة، جبريل إبراهيم، وتحرير السودان، المجلس الانتقالي، وتجمع قوى الديمقراطية للتحرير، الطاهر حجر، والتحالف السوداني) الوقوف في جانب الحياد وتشكيل قوة مشتركة تضم معهم قوات “الدعم السريع” بغرض حماية المدنيين قوامها ما لا يقل عن 250 عربة مسلحة وعدد 3000 مقاتل.

يرى صندل أن قضية الترتيبات الأمنية على النحو الوارد في اتفاق السلام قد تجاوزتها الأحداث، إذ يقتضي الأمر بعد توقف الحرب صيغة جديدة تقوم على إعادة تأسيس المنظومة الأمنية وبناء جيش وطني مهني موحد، ولم يعد هناك مجال للحديث عن دمج القوات في الجيش بصورته الراهنة التي تكشف كثيراً عن توغل فلول النظام البائد بداخله، فضلاً عن تدمير الحرب معظم بنية البلاد التحتية، الأمر الذي يستدعي بدوره إعادة النظر في اتفاق جوبا للسلام على أساس مطلوبات الواقع الجديد.

 قوة “مشتركة” جديدة

بعد خروج قوات مناوي وجبريل وجزء من قوات التحالف عن الحياد يقول رئيس “حركة العدل والمساوة” المنشقة “أطلقنا دعوة لتشكيل قوة مشتركة (جديدة) بواسطة القوات المتبقية من أربع حركات ما زالت تلتزم خط الحياد، هي (تحرير السودان، المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وتجمع قوى تحرير السودان، الطاهر حجر، والعدل والمساوة، سليمان صندل، والتحالف السوداني، حافظ عبدالنبي)، لافتاً إلى مساع حثيثة تجري لاستكمال تشكيل تلك القوة بهدف المحافظة على النسيج الاجتماعي، ومنع انزلاق الإقليم نحو حرب إثنية، وحماية الأعيان المدنية، وفتح المسارات المساعدات الإنسانية.

وأشار صندل إلى أن خروج قوات مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم عن الحياد ومغادرة كثير منها للمشاركة في القتال مع الجيش في ولايتي الخرطوم والجزيرة، يهدد بإعادة الحرب القبلية في الإقليم، وعودة التجييش على أساس إثني بصورة تضع قبائل الزرقة (ذات الأصول الأفريقية) في مواجهة القبائل العربية، كما تسبب الأمر في ارتفاع وتيرة التوتر بدرجة خطرة في مدينة الفاشر تنذر بتفاقم الوضع الإنساني، كون المدينة ملاذ للنازحين وما زالت تدفقات الفارين من الحرب تفد إليها.

مهب الريح

من جانبه يعتقد الباحث والمحلل الأمني عبدالرؤوف الصائغ أن مصير قوات حفظ السلام وفق ما جاء ببند الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام (مسار دارفو) بات في مهب الريح عقب اندلاع الحرب والانشقاقات التي ضربت الحركات المكونة للمسار، لكنه يرى أن نجاح تلك القوات وانتشارها في إقليم دارفور ظل مرهوناً بقضية شح الإمكانات اللوجيستية العسكرية.

وأشار الصائغ إلى أن الحرب الراهنة وما ترتب عليها من فراغ أمني وإداري وغياب لمؤسسات الدولة في دارفور نتيجة لعدم تنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية فيما يخص إكمال تشكيل ونشر قوة حفظ السلام، كانت أحد أسباب تشكيل الحركات للقوات المشتركة، فضلاً عن أن تداعيات الحرب نفسها هي التي تسببت في تفتيتها بتخلي تلك الحركات عن مبدأ الحياد.

مشاركة وتنسيق

على صعيد جبهات القتال الأخرى، تقاتل قوات من “الحركة الشعبية، مالك عقار”، وحركة “تحرير السودان، مني أركو مناوي”، وحركة “التحالف السوداني”، وجميعها موقعة على اتفاق جوبا للسلام، إلى جانب “حركة تحرير السودان، مصطفى تمبور”، ضمن صفوف الجيش في كل من الخرطوم والجزيرة.

في إطار تنسيق مشاركة القوات المشتركة سابقاً (قوات الحركات) عقد الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة اجتماعاً مع قيادات القوة المشتركة بولاية القضارف، خلال تفقده القوات المشاركة في تحرير ولاية الجزيرة من قبضة قوات “الدعم السريع” عبر المحور الشرقي، وفق مصادر ميدانية.

وعلى نحو متصل، طالب مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، رئيس “الحركة الشعبية – شمال” قواته بالقتال تحت إمرة الحيش، مبرراً لهم بالقول، “لا نريد حميدتي جديداً”.

وأوضح عقار لدى مخاطبته قوات الحركات المتحالفة مع الجيش أن هذه القوات ليست لتنظيمات ولا حركات ولا أحزاب، لكنها جميعها تحت قيادة قائد الجيش بإقليم النيل الأزرق.

كما أوضح رئيس حركة تحرير السودان مصطفى تمبور في منشور على “فيسبوك” أن قواته التي تقاتل إلى جانب الجيش ستندمج فوراً في القوات المسلحة عقب انتهاء العمليات الحربية، مضيفاً، “لن نقبل بصناعة (دعم سريع) مجدداً”.

بدوره، برر رئيس “حركة العدل والمساوة” ووزير المالية السوداني جبريل إبراهيم انخراط قوات حركته في القتال إلى جانب الجيش وتخليها عن موقف الحياد، باتخاذ الحرب منحى ليس مقبولاً وتحول المواطن إلى هدف مباشر لها بالسلب والنهب والاعتداء من قبل قوات “الدعم السريع”.

معارك المصفاة

في الأثناء قالت القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح إنها تخوض معركة حاسمة إلى جانب الجيش لتحرير مصفاة نفط الخرطوم بمنطقة الجيلي من “الدعم السريع” وتلقينها درساً في الوطنية والقتال وتكبيدهم خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وأوضحت في بيان للرائد أحمد حسين المتحدث الرسمي باسمها، “تمكنها مع الجيش من تفكيك جميع خطوط الدفاع الأمامية للعدو في جميع المحاور المحيطة بالمصفاة الجيلي، إذ دمرت أكثر من 37 سيارة عسكرية ومدرعة، وتم تسلم 18 سيارة عسكرية دفع رباعي، ومدرعة وثلاث شاحنات محملة بالمؤن والذخائر، فضلاً عن محاصرتها قوات (الدعم) في منطقة ضيقة جداً داخل المصفاة”.

وأشار البيان إلى تصدي الجيش والقوات المشتركة لهجوم من “الدعم السريع” في محور الجزيرة بمنطقة الكيلو 40، ودحر المهاجمين ومطاردتهم.

الفراغ المستمر

تأسست بعثة “يوناميد” في يوليو (تموز) 2007، وبدأت قوتها بالانتشار في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، وأنهت مهامها في الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 2020.

وكانت بعثة الاتحاد الأفريقي المسؤولة عن حفظ السلام في دارفور قبلها تضم 9000 فرد، واندمجت في القوة الجديدة لتصبح البعثة الأكبر والأولى لحفظ السلام بالشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إذ قامت في نهاية 2008 بنشر 15136 فرداً، منهم 12194 جندياً، و2767 ضابط شرطة، إلى جانب آلاف آخرين من المراقبين العسكريين والموظفين المدنيين والدوليين والمتطوعين، وتعمل بموجب تفويض قرار مجلس الأمن رقم 1769 لحماية المدنيين في دارفور.

وكان من المنتظر أن تسد قوات حفظ السلام في دارفور التي شرع في إنشائها عام 2020 وفق اتفاق سلام جوبا فراغ حماية المدنيين عقب انسحاب بعثة “يوناميد”، غير أن إجراءات تشكيلها وانتشارها لم تكتمل حتى اشتعال الحرب في منتصف أبريل 2023 بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، لتنشأ على أنقاضها القوة المشتركة لحماية المدنيين التي تفتت بعد تخليها عن الحياد وانضمامها للقتال إلى جانب الجيش.

اندبندنت عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..