في مسألة الطاقة والاقتصاد

في مسألة الطاقة والاقتصاد
في السياسة:

د. هاشم حسين بابكر
[email protected]

ذهبت لشراء الكهرباء، ومن المعروف وحتى الشهر الماضي أن الكهرباء المدعومة تعادل مائتي كيلواط، ولكن في هذا الشهر لاحظتُ أن المدعوم من الكهرباء أصبح مئة وخمسين كيلواط أي أن المدعوم قد نقص وبنسبة الربع، تم هذا وبدون إعلان، وقد قامت الدنيا ولم تقعد حين أعلن الرئيس عن تخفيض في الكهرباء بنسبة خمسين في المائة، وكان ظن المواطن الحسن أن هذا التخفيض يسري على الكهرباء بكل فئاتها، ولكن الهيئة القومية للكهرباء تحايلت على الأمر الجمهوري وجعلته ساريًا فقط على الكهرباء المدعومة، وقد قال البعض إن قرار التخفيض سارٍ لمدة معينة وليس على الدوام.
لكن هيئة الكهرباء في شكلها الجديد تحايلت مرة أخرى وقلَّصت المدعوم من مائتي كيلواط إلى مائة وخمسين، دون إنذار أو حتى إعلان.
ولا أعتقد أن الموظف المسؤول قد ارتكب خطأً في الحساب فهذا عمله، ولا أظنه يرتكب مثل هذا الخطأ.
وهذا يعني فيما يعني أن الكهرباء في السودان تعاني حتى بعد أن ظهرت في شكل إدارة جديدة، ورغم الوفرة في التوليد المائي والحراري، فإن الكهرباء وإنتاجها عالي التكلفة حتى اضطرت الإدارة الجديدة إلى التحايل على القرار الجمهوري وجعلته قاصراً على الكهرباء المدعومة ومن ثم سطت على المدعوم فقلّصته إلى خمسة وسبعين في المائة، وفي خطتها كما يبدو أن تقضي بالتدريج في صمت على ما تبقى من المدعوم لتعيده سيرته الأولى ويصبح القرار الجمهوري حبراً على ورق!!.
كم تبلغ تكلفة إنتاج الكيلواط من الكهرباء وكم تبلغ قيمة نقله ولماذا هذه التكلفة المالية والتي تزداد كل حين ويدفع المواطن تكلفة زيادتها؟!.
المحطات الحرارية كم تبلغ كفاءتها وهل الوقود الذي يحترق يوازي الكهرباء المنتجة؟
ولماذا يدفع المواطن قيمة هذا الفاقد الذي لو تمت إزالته لدفع المواطن فاتورة الكهرباء على أقل تقدير بنسبة ثلاثين في المائة في المدعوم وغير المدعوم.
لقد أنفق الشعب السوداني ثلاثة مليارات دولار على سد مروي، هذا حسب تصريح وزير المالية السابق الزبير محمد الحسن الذي تقلد أيضاً كرسي وزارة الطاقة، وقد جاء التصريح في صحيفة إيلاف الاقتصادية.
وقد تابعت إنتاج الكهرباء في الدولة الجارة إثيوبيا والتي وقّعت عقداً مع الصين لإنشاء سدين لإنتاج الكهرباء بطاقة خمسة آلاف ميقاواط وبتكلفة واحد مليار وتسعمائة مليون دولار.
وقد انخفضت تكلفة إنتاج الكهرباء الحرارية من واحد مليون دولار للميقاواط أي ما يقارب الستمائة ألف دولار للميقاواط أو تزيد قليلاً.
فأين صُرفت مبالغ ثلاثة المليارات دولار التي ذهبت إلى المحطات الحرارية أيضاً؟
أن يدفع الشعب السوداني مبلغ ستة مليارات دولار تتقاسمها الكهرباء المائية والحرارية بالتساوي حسب ما صرّح به الوزير الزبير أين ذهبت هذه الأموال؟
مما تقدم يبدو أن التخطيط في أمر الطاقة في بلادنا تخطيط فاشل مثله مثل الزراعة والنقل وغيرهما، والعجز في إنتاج الطاقة وارتفاع تكلفة إنتاجها يقعدان حجر عثرة في طريق التنمية.
هناك مصادر أخرى للطاقة يمكن أيضاً استخدامها كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وهي مستخدمة في كثير من البلدان المتقدِّمة كأمريكا وأستراليا وروسيا، فقبل عقدين من الزمان كانت أمريكا تهدف إلى إنتاج ثلاثين ألف ميقاواط من الرياح فكم تنتج أمريكا اليوم؟.
وفي السودان يمكن استغلال الكهرباء المولدة من الرياح على أوسع نطاق كوجود ممرات رياح على مدار السنة وفي مناطق كثيرة داخل السودان!
هذا إلى جانب استغلال المساقط المائية في الجارة إثيوبيا حيث يمكن الاتفاق معها على شراء الكهرباء أو بناء سدود أعلى النهر لتوليد الطاقة مع العلم بأن الطاقة المولَّدة أعلى النهر أضعاف ما يتولد أدنى النهر، وأقل تكلفة، وهذه ليست بدعة، فجنوب إفريقيا بنت سداً في بتسوانا لتوفير المياه وباتفاق بين الدولتين دفعت بموجبه جنوب إفريقيا مبلغاً محدداً لبوتسوانا مع تعويضات على الأراضي التي غمرتها المياه، مع إيحار سنوي، وبموجب الاتفاق استمتعت جنوب إفريقيا بالمياه، وحين تحتاج بتسوانا لمياه يمكنها ذلك بعد دفع قيمتها.
وهذا يجنب السودان خسائر في المياه التي تتبخر نسبة لدرجة الحرارة العالية في السودان، كما أن السدود في السودان تغطي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة.
ما الذي يجعل السودان يوقع اتفاقية السد العالي ويمنعه من الاتفاق مع إثيوبيا لبناء سدود لتوليد الطاقة؟!
علمًا بأن السدود في إثيوبيا تنظم الوارد اليومي من النيل الأزرق والذي يصل إلى خمسة ملايين متر مكعب لأكثر من نصف العام، وإنشاء سدود في إثيوبيا يرفع الوارد اليومي من المياه إلى أضعاف تلك الكمية الأمر الذي يسمح بزيادة الرقعة الزراعية ويرفع من إنتاج الكهرباء المنتجة مائياً.
يجب على الذين يخططون لهذه الدولة أن يبحثوا عن مورد حقيقي للدخل غير الضرائب والجبايات والأوتاوات التي تُفرض على الشعب المسكين!
كيف يا تُرى سيكون حال اقتصادنا بمثل هكذا تخطيط، زيادات في الأسعار وفي الأساسيات: الكهرباء والنقل والمواد البترولية والسلع الأساسية، وإن سارت الأمور على هذه الحال حتى نهاية هذا العام فلا شك سنقول «عليه العوض» في السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..