مجمع الفقه الاسلامي عدو الفقراء و المساكين

تاجرت الحركة الاسلامية دائما بقضية الدين في السودان و هذا بالمناسبة بدءا بمايو ثم الديمقراطية الثالثة التي صاروا فيها خميرة عكننة هتافا و صياحا و تحريكا لجماهير مخدوعة ثم في عهد الانقاذ ,ما رأي الفقراء و المساكين في السودان من الحركة الاسلاموية خيرا اللهم الا زيادة أعدادهم و هذا لعمري خير, فما آمن لنوح الا أفقر الناس (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) و ما نصر محمدا الا الفقراء و المساكين و قد عاش صلي الله عليه مثلهم ووسطهم و قد خير بين أن يكون ملكا أم عبدا رسولا فاختار العبودية لله وحياة الكفاف.
اللافت للنظر أن معظم قياديي الحركة الاسلامية أتوا من أسر فقيرة أو عادية و تسنموا ربي التعليم المجاني الذي وفرته لهم الدولة من عرق المواطن المسكين, الآن تنكروا لكل هذا و خربوه بعد أن أخذوا أرفع المناصب و ذاق معظمهم طعم مال الفساد السائب و عرفوا حياة الرفاه بل و صار رؤساء اتحادات الطلاب يصبحون ملتي مليارديرات مثل ذاك الذي يأخذ ايجارات 2000 دكان في الشهر (يا مفتري حرام عليك).
الاسلامويون كونوا طبقة بورجوازية تترفع علي الفقراء و لا تهتم بهم, سبحان الله هل هذا هو دين الاسلام الذي أتي به محمد ابن تلك المرأة من مكة التي كانت تأكل القديد.
الاسلام ليس دين الفقراء أو الاغنياء أو الجهلة أو المتعلمين بل هو دين الكل و يعطف علي الفقراء و المساكين و يخفف عليهم الآثار الجانبية لحراك المجتمع الاقتصادي, بل و روحانيا هم الاقرب الي الله لان ملهيات الدنيا ما عندهم منها الا القليل.
تم تدمير مجانية التعليم و لم يتم القضاء علي الامية و أعلن عن ثورة التعليم العالي التي لم تتواءم مع احتياجات البلد و زادت من اعداد العاطلين, كنا في حوجة لنظام تعليم مثل الصيني : محو أمية و تعليم كبار ,مدارس ثانوية و معاهد متوسطة و قليل من الجامعات, التخصصات و أعداد الخريجين متكافئة مع حاجة السوق,كل من يتخرج يجد عمله جاهزا.
العام الماضي ناقش مجلس تشريعي ولاية الخرطوم ظاهرة التسول و أعتبرها تشوه وجه المدينة(الحضارى) وشدد تقرير لجنة الشئون الاجتماعية بتشريعي الخرطوم حول مشروع قانون مكافحة التسول والتشرد بالولاية على ضرورة إجراء تعديلات في بعض بنود المشروع، وطالبت اللجنة في تقريرها بأن تكون عقوبة المتسول السجن مدة لا تتجاوز (6) أشهر مع الغرامة بما لا يتجاوز (1000) جنيه لمن يرتكب جريمة، بجانب سجنه السجن مدة لا تتجاوز سنة مع الغرامة بما لا يتجاوز (3) آلاف جنيه لكل متسول يتصنع الإصابة بجروح أو عاهات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور بغرض التكسب كما و دعم مشروع القانون ,دعم المشروع فتوى أصدرها (مجمع الفقه الإسلامي) أجازت وضع قانون لمكافحة التسول والتشرد بولاية الخرطوم باعتبار أن التسول جريمة و نصت الفتوى على إنشاء نيابة ومحاكم خاصة بإجراءات ومحاكمات المتسولين المهنيين والمحترفين ، ورأى بعض النواب أن الفتوى والقانون بمثابة السيف المسلط على رقاب الضعفاء، وطالبوا بتعطيل القانون استناداً على قرار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بتعطيل حد السرقة في عام الرمادة، وهاجم النواب (مجمع الفقه الإسلامي) لإصداره الفتوى، وطالبوا بحضوره للمجلس لإقناعه.
في النهاية مرر مجلس تشريعي الخرطوم قانون معالجة السائل والمتسول ومكافحة التسول المنظم بالإجماع، ونص القانون على سجن المتسول مدة لا تتجاوز شهراً مع الغرامة (3) آلاف جنيه لمن يرتكب جريمة التسول.
القانون غريب لكن الفتوي أغرب ,مادخل الفتوي بانشاء نيابات و شرطة خاصة؟ الفتاوي لا صلة لها بهيكلية الدولة الا أذا كان (مجمع الفقه الاسلامي جزءا من الدولة).
ربك يستر , بالامس الرئاسة طلبت من (مجمع الفقه الاسلامي) تقديم رؤية تأصيلية لملف حقوق الانسان في السودان, عرفناها مقدما و كما قال المثل السوداني ؛الداير يشوف فاطنة يشوف محمد في السوق.
من المبادئ المعروفة في الفقه و التشريع الاسلامي أن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح و هذا يعني ان كان هناك متسولين كذبة أقلية فلا يجب أن يتضرر الغالبية من المتسولين, تضرر الغالبية أكبر مفسدة و لم؟ حفاظا علي وجه العاصمة الحضاري!! و أي وجه حضاري بقي للخرطوم بعد كل ماجري و يجري؟ الخرطوم خلاص غسلت وجهها بي مرقة!!
الحركة الاسلامية تفكيرها الاستراتيجي كله محصور في الحدود, الشريعة ليست هي الحدود فقط, الشريعة هي العدل والحدود تحتاج لمراجعة في كيفية توصيفها و تطبيقها باختلاف الظروف و الازمان, كما رأينا ما صنع عمر بن الخطاب في عام الرمادة , هذه طفولة فكرية و تلاعب بعواطف الناس, كل كتب الفقه الاسلامي(ماعدا القرآن الكريم) تحتاج لتنقيح و مراجعة وكما كتب تأويل القرآن الكريم, نتمني أن يصل الناس الي نتيجة قبل ظهور المهدي المنتظر.
تطبيق العقوبات أيا كان نوعها تعزيرا أم حدا يحتاج للعدل أولا, ليس في نظام يسمح اذا سرق فيه القوي بالمليارات تركوه و أذا سرق الضعيف الذي أضعفته و أنهكته الدولة طبقوا عليه العقوبة, دولة تسمح للفقراء بأن يتنافسواعن طريق التعليم المجاني الذي هو مفتاح الرزق الكبير.
رأينا في عهد مايو ما طبقت الحدود الا علي أفقر الناس, السرقة في عرفها القرآني ذات مفهوم شامل قد يمتد الي كل مال حرام و الفساد أسوأ نوع من السرقات خصوصا الفساد الملياري و الدولاري, لو طبقت الحدود الآن لقطعت يد كل المختلسين في عهد الانقاذ و كلهم من القطط السمان الشحمانين.
بعض الدول في آسيا مثل الصين و سنغافورة تعدم جزاء وفاقا لجرائم الفساد, الاعدام في الصين بطلقة في الرأس من الخلف و يطبق بكل صرامة.
النظام قبل فترة أعلن عن رفع ميزانية الجيش و جعلها الاعلي في البلاد لكن نور الدين زنكي فعل العكس ,رفض انقاص ميزانية الفقراء و رفع ميزانية الجيش, قطعا لم يفكر في ادخال الفقراء السجن!!!!
من هو نور الدين زنكي
هو أبو القاسم محمود بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر. يلقب بالملك العادل، ومن ألقابه الأخرى ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام، كما لقب بنور الدين الشهيد رغم وفاته بسبب المرض. وهو الابن الثاني لعماد الدين زنكي. حكم حلب بعد وفاة والده، وقام بتوسيع إمارته بشكل تدريجي، كما ورث عن أبيه مشروع محاربة الصليبيين..
شملت إمارته معظم الشام، وتصدى للحملة الصليبية الثانية، ثم قام باسقاط الفاطميين وضم مصر لإمارته و اعادةالخطبة للخليفة العباسي في مصر بعد أن اوقفها الفاطميون طويلا، واوقف مذهبهم. وبذلك مهد الطريق أمام صلاح الدين الأيوبي لمحاربة الصليبيين وفتح القدس بعد أن توحدت مصر والشام في دولة واحدة. تميز عهده بالعدل وتثبيت المذهب السني في بلاد الشام ومصر، كما قام بنشر التعليم والصحة في إماراته، ويعده البعض الخليفة الراشدي السادس.
أتاه قائد الجيش يوما طالبا زيادة في الميزانية خصما علي بيت المال حتي يتمكن من تحرير القدس فاعتذر زنكي بأن الوضع لا يسمح فاقترح قائد الجيش أن يخصم زنكي من مال الفقراء و القراء و حفظة القرآن و الحديث فرفض زنكي و قال له : أتريدني أن أخصم من مال من يحفظني دعاؤهم و سهامهم لا تخطئ( عند العارفين سهام الليل هي الدعاء في الثلث الاخير) و أعطيه لمن قد لا يستطيعون حمايتي و قد تخطئ او تصيب سهامهم لا و الله وهو قادر علي تحرير القدس باذنه.
علمنا من نصير الفقراء و المساكين محمد بن عبد الله أن أمرأة أدخلت النار في قطة سجنتها و لم تسمح لها بأن تضرب في الارض و تبتغي ما كتب لها من الرزق حتي ماتت فكيف بانسان نفخ الله فيه من روحه و أسجد له الملائكة بل نهي حتي عن انتهار السائل(ايا كانت عقيدته أم جنسه) و لو كان متسولا محترفا فكيف بأن ترسل له جلاوزة الشرطة مفتولي العضلات ليقبضوا عليه مهانا ذليلا.
كسرة :
ليس دفاعا عن وزير المالية أو وزير الكهرباء فتحميلهما كل الوزر و التنادي باقالتهما طفولة فكرية فقد حملا أوزارا متراكمة شارك فيها آخرون منذ سنوات و كل من يحل محلهما سيقع في نفس المشكلات, يحمد لهما أنهما كانا صريحين و لم يكذبا علي الشعب, ليس دفاعا عن جيشنا فتحميله كل الوزر أيضا طفولة فكرية, كل انقلاب فاشل أم ناجح أو تبرير لانقلاب كان وراءه حزب أو فشل أحزاب, فلنتعلم أن نعالج المشاكل من أساسها و نترفع عن الصغائر و لا نترفع عن النقد الذاتي.
صلاح فيصل
[email][email protected][/email]