أخبار السودان

6 أبريل.. في تذكّر “الذكرى الأبدية”

يعد السادس من أبريل يومًا مفصليًا في تاريخ ثورة ديسمبر المجيدة، فعند وصول المتظاهرين إلى محيط القيادة العامة للقوات المسلحة أصبح صغار الجنود أمام خيارين، إما الدفاع عن النظام الإسلاموي أو الدفاع عن السودانيين والسودانيات في محيط القيادة، وقد كان بالفعل أن انحاز الضباط الصغار إلى جانب الشعب ودافعوا عن المعتصمين، ومنهم من استشهد ومنهم من أصيب، لكن السادس من أبريل 2019 علامة فارقة في وجدان الشباب والشابات، فما تزال هتافات “6 أبريل.. ذكرى أبدية” باقية.. حاولنا الاقتراب أكثر لمعرفة ما يعنيه تاريخ السادس أبريل للسودانيين والسودانيات.

تقول سمر (26 عامًا): “في 6 أبريل نبذنا التطرف والعنصرية ووضعنا أساس المدينة الفاضلة، حيث استطعنا صناعة السودان المصغر الذي يشبهنا”
قالت سمر التاج (26 عامًا): “6 أبريل بالنسبة إلي إشراق السودان الجديد”، مضيفةً أنها كانت تحمل أملًا كبيرًا بالتغيير والسقوط الفعلي للإنقاذ في ذلك اليوم. “في ذلك اليوم نبذنا التطرف والعنصرية ووضعنا أساس المدينة الفاضلة، حيث استطعنا صناعة السودان المصغر الذي يشبهنا” – تردف سمر.

ماذا حدث في 8 رمضان؟
وتضيف سمر: “لقد وقعنا على عهد بناء السودان ومواصلة المشوار الثوري بالسلمية مع الإيمان بقوة السلمية وحراسة قيم الثورة السودانية: حرية، سلام وعدالة”. “تعاهدنا على عدم الردة عن مبادئنا التي مهرت بدماء طاهرة، ولن نقبل بتدنيسها بالتراجع أو الاستسلام أو المساومة” – تشدد سمر التي تصف السادس من نيسان/أبريل 2019 بأنه كان أشبه بوداع للأعوام التي عاشتها خارج السودان.

بينما قال مصطفى علاء الدين (26 عامًا) إن “السادس من أبريل أهم تواريخ الثورة”، معللًا بأنه شهد أولى خطوات اقتلاع نظام الإنقاذ، وقائلًا: “لقد أثبتنا جميعًا أن أصواتنا حق”.

كان الزخم الثوري في أقصى حدوده قبل السادس من نيسان/أبريل 2019 وخلاله، لذا سألنا عن أهم ذكريات هذا اليوم من منظور شخصي، فقالت سمر التاج: “كنت أشارك في الحراك من دون علم أسرتي الصغيرة، فكانت دائمًا ما ترفض مشاركتي نسبة لخوفهم على حياتي ولأن جهاز الأمن كان في أشرس حالاته”. وتضيف: “ولكن بالنسبة للسادس من أبريل كان لدي أمل كبير في أن الجيش سينحاز إلى إرادتنا”. وتحكي سمر أحد المواقف التي تقول إنها لن تنساها ما حييت، وتقول إنه ومع بداية وصولهم إلى محيط القيادة العامة للجيش، بدأ ضرب قنابل الغاز المسيل للدموع. وتواصل سمر: “كنت ارتدي كمامة، وعند ازدياد الضرب بالقنابل بدأت بالتراجع”.. عندها أوقفها أحد ضباط الجيش قائلًا: “يا بتي طلعي كمامتك، نحن معاكم، والبضربكم بمبان نحن بنضربه رصاص”.. “عندها سالت دموعي” – تقول سمر.

وفي موقف آخر –تحكي سمر– أن شابًا لا تعرفه أصيب بينما كان يقف بالقرب منها بعبوة غاز مسيل للدموع في ركبته، فبدأت بالصراخ: “نحن اتضربنا في منطقتكم، مفترض تحمونا وتجيبو لينا حقنا!” ومن ثم أسعف الشاب، وحاول بعض العساكر تهدئتها.

أما مصطفى علاء الدين فيقول: “كانت لنا ذكريات لا تحصى ولا تُعد، ومن أهم هذه الذكريات لحظة كسر كل الحواجز الأمنية وقبضتها في ذلك الحين والوصول إلى محيط القيادة العامة للجيش”. “بعدها بلحظات من ثبات الثوار والكنداكات أمام القيادة العامة دعا تجمع المهنيين في بيان له جميع الثوار إلى الاعتصام أمام القيادة العامة، وقد كان” – يضيف مصطفى.

تشير سمر إلى الإعلان القوي لـ”مليونية 6 أبريل” في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. وتقول: “جاءتني صديقة من إحدى ولايات السودان، وفي ليلة الخامس أبريل كنا نرتب لليوم الكبير، ونفكر في خطة تأمينية، ونسقنا مع بعض الصديقات للخروج في مجموعة واحدة”. وتضيف: “أذكر أني اتصلت بوالديْ وأخبرتهما بعزمي على الخروج في 6 أبريل وطلبت منهما العفو، ولم يرفضا مشاركتي”. وتحكي سمر أنها كتبت اسمها وعمرها ورقم هاتف والدها على ورقة، وعلى جانبها الآخر كتبت :”أنا الليلة طلعت عشانكم يا أمي وأبوي، عشان اتحرمتو واتغربتو، وعشان أنا حاسة يادوب إني اتولدت في الثورة، اعفوا لي وكملو المشوار”.

كيف خُلق الحشد التاريخي؟

قال مصطفى علاء الدين: “لقد كانت هناك عدة ترتيبات تسبق كل المواكب والمليونيات وحتى النشاطات البسيطة من المقاومة على مستوى الأحياء الصغيرة، ولكن بالنسبة إلى مليونية 6 أبريل، فقد كان هناك تكثيف للعمل بوسائل متنوعة وتحفيز للمواطنين لضمان مشاركتهم في الموكب”.

مشاهد من مليونية 6 أبريل 2019مشاهد من مليونية 6 أبريل 2019 (Getty)
وقالت سمر إن أهم الدروس المستفادة من ذلك اليوم هي أن “الوحدة كانت سبيلنا إلى الانتصار على النظام البائد”. وتردف: “علمنا في ذلك اليوم أن حب الوطن مزروع فينا منذ القدم، وأن الإسلاميين عرفوا ذلك وحاولوا تفريقنا بشتى السبل، باختصار تعلمنا درسًا مهمًا جداً، وهو أننا عرفنا ماذا يعني السودان”.

6 أبريل في الخارج:

في الوقت الذي كان فيه السودانيون والسودانيات بالداخل يعملون على تنظيم دقيق لإنجاح اليوم، كان البعض بالخارج في حالة ترقب، تحدثنا إلى الشابة “ف.ج” (24 عامًا)، وقالت إنها غادرت السودان بنهاية شباط/فبراير 2019، أي بعد أيام من قوانين الطوارئ التي سنها البشير في آخر أيامه. وأضافت: “كنت مدركة أن قرار سفري في ذلك التوقيت خطأ، لكن لظروف خطتي الدراسية واصلت في قراري. وتوضح أنها شعرت في يوم السادس من أبريل بأنها “خائنة للثورة” لعدم مشاركتها في الموكب. “خصوصًا بعد أن علمت أن لدي أقرباء في دول المهجر جاؤوا إلى السودان خصيصًا للمشاركة في موكب 6 أبريل” – تشرح (ف.ج). تضيف أنها جلست في مقهى ممسكة بهاتفها لتتابع الأخبار دون تصديق، فمنذ زمن مبكر جدًا توالت أخبار اقتحام القيادة العامة للجيش وأنباء مخالفة أفراد الجيش لأوامر قادتهم. “كنت مكتوفة الأيدي، وأنا أشاهد التاريخ يصنع، وبقدر ما بكيت فرحًا في ذلك اليوم، بكيت لعدم مشاركتي فيه” – توضح هذه الشابة.

مشاهد من مليونية 6 أبريل 2019مشاهد من مليونية 6 أبريل 2019 (Getty)
وتتابع (ف.ج) : “بنهاية اليوم كنت موقنة تمامًا بأن هذا هو يوم السقوط الفعلي للنظام، وكنت أنتظر ارتفاع وتيرة الأخبار حتى تصل إلى إعلان التنحي”. وتزيد: “نذرت يومها بزغرودة في الشوارع المصرية حال سقوط النظام في 6 أبريل”، وتبين أنه “اليوم الفاصل بين عزيمتنا وبين استسلامنا للأمر الواقع”، لافتةً إلى أن “ذكريات السادس من أبريل و25 ديسمبر هي وقودنا اليوم للمضي إلى الأمام”. وتردف: “لقد رأينا من قبل نتيجة إصرارنا ونتيجة مقاومتنا، ما يجعلني أتساءل أحيانًا: كيف للأجيال التي شهدت ثورتي أكتوبر وأبريل أن تصمت بعد ذلك”. “لكن هذا الجيل تعلم دروسه واستعد جيدًا للمستقبل، على ما أظن وآمل” – تردد هذه الشابة.

6 أبريل 1985:

قالت سلمى الشوية (60 عامًا): “في 6 أبريل 1985 كنت حديثة التخرج، وكنت منخرطة في العمل الثوري، كان ذلك اليوم يعني فجرًا جديدًا للسودان، لأن نميري قتل شهداء وعذب معتقلين وضيق الحياة على السودانيين، وكل ذلك كان باسم الدين”. وأضافت: “كنا نعمل في مناطق سكننا، كنت أنا في حي الرياض بالخرطوم، أنسق العمل مع بقية الأحياء، كنا نصل إلى السودانيين في بيوتهم، وندعوهم إلى الخروج إلى الشارع، بالإضافة إلى العمل النقابي”. “فالسادس من أبريل 1985 كان حراكًا نقابيًا وطلابيًا في المقام الأول” – تؤكد سلمى.

وتابعت سلمى: “ذكرياتي عن هذا اليوم أنه كان يومًا عظيمًا لكل السودانيين، كان ثورانًا شعبيًا ورفضًا لدكتاتورية مايو ومطالبة بالحكم المدني”. “كانت الشوارع مليئة بالنساء والرجال، كانوا يحملوا فروع الأشجار، وأعتقد أنها كانت رمزًا للسلمية آنذاك” – توضح سلمى.

وتشرح سلمى: “بالنسبة للترتيب لـ 6 أبريل، عقدنا اجتماعًا في نقابة المحامين في الثاني من أبريل، واتفقنا فيه على التنسيق مع الأجسام النقابية والخروج في 6 أبريل لإسقاط النظام”. وتضيف: “كان الترتيب دقيقًا جدًا بين الأحزاب السياسية والنقابات والطلاب وجمعيات الأحياء والنساء، وكانت لدينا لجنة للمرأة تصل إلى النساء المحاميات، والاتحاد النسائي السوداني كان له أيضًا دور فعال في المشاركة”.

تنبه سلمى الشوية إلى أن الواجب الحالي هو أن نضع تصورًا كاملًا لما بعد السقوط، معربةً عن ثقتها في لجان المقاومة
وتقول سلمى: “أعتقد أنه لا بد من خطة، فمثلًا نحن اتفقنا على مجلس وزراء، واتفقت النقابات على تسمية رئيس وزراء”. وتنبه إلى أن الواجب الحالي هو أن نضع تصورًا كاملًا لما بعد السقوط، معربةً عن ثقتها في لجان المقاومة لأنها “وقود الثورة” – على حد وصفها. “لا بد من توافق كل قوى الثورة على ترتيبات الفترة الانتقالية” – تشدد سلمى.

الترا سودان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..