المعارضة السودانية والبحث عن برنامج الحد الأدنى المشترك

محجوب محمد صالح

منذ أن تم تنشيط المفاوضات بين الحركة الشعبية وحكومة السودان في كينيا في العام 2002م، بدعم أميركي بحثاً عن حل لمشكلة جنوب السودان ظللنا نحذر من مغبة تجزئة قضية أزمة الحكم في السودان ومحاولة حل مشكلة أزمة الجنوب بمعزل عن أزمة السودان الشاملة، ولكن ورغم كل تلك التحذيرات تواصلت مفاوضات التجزئة في نيفاشا حتى أنجزت اتفاقية السلام الشامل التي فصلت جنوب السودان عن شماله، وحتى عندما اندلعت حرب دارفور في 2003 وتصاعدت إلى ذروتها ظلت مفاوضات نيفاشا تتواصل بضغوط أميركية متجاهلة تماماً ما يحدث في دارفور والرسالة الواضحة التي يرسلها الصراع المسلح في ذلك الإقليم من أن أزمة السودان أزمة شاملة لن يعالجها إلا حل شامل يعيد تأسيس دولة ديمقراطية على أسس جديدة فوق هذه الرقعة من الأرض.

والشيء المثير للدهشة أن هذا النهج ما زال سائداً حتى اليوم، وما زلنا نتعامل مع أزمة السودان بأسلوب التجزئة الذي لا يجدي فتيلا فقد عقدت الحكومة اتفاقيات ثنائية لشرق السودان ولدارفور وللنيل الأزرق ولجنوب كردفان كل على حدة، ولكن ذلك لم يحل الأزمة وحاورت ثنائياً أحزاباً وقيادات سياسية بدءاً من اتفاقية القاهرة مع التجمع الوطني واتفاقية جيبوتي مع السيد الصادق المهدي واتفاقية الخرطوم مع رياك مشار واتفاقية مع الشريف زين العابدين باسم فصيل من الاتحاديين، ولم يحدث تقدم يذكر في أي من تلك الاتفاقات لأنها كانت ثنائية أو جزئية لا أثر لها على أزمة شاملة. الإصرار على الحلول الجزئية لم يكن من الحزب الحاكم وحده، بل ساندته فيه كل الدول الكبرى والمجتمع الدولي، وظل الجميع يحرثون في البحر، بينما الأزمات تتصاعد وتحيط بالسودان وتهدد وحدته وبقاءه، وزاد الأمر سوءاً بالنسبة للمواطن العادي بعد استفحال الأزمة الاقتصادية أثر انفصال جنوب السودان الذي هو نفسه أحد نتائج أسلوب التجزئة في مسار القضية السودانية.

التطور الذي حدث مؤخراً هو أن جهات عديدة بدأت تدرك ضرورة مفارقة أسلوب التجزئة والبحث عن حل شامل يتصدى لكل أزمات السودان، ويخرج بالبلاد من مستنقع الحروب الأهلية والحكم الشمولي، ولكن البعض لا يصدر في هذا التحول عن قناعة وحرية وهو ما أدى إلى حالة الارتباك الحالية، وإلى التصريحات المتعددة والمتناقضة الحكومة -مثلاً- بدأت تتحدث عن الحل الشامل وعن عدم تجزئة القضايا وعن ضرورة إشراك الجميع في الحوار الوطني الذي لا يستثني أحداً ولكنها عندما تحاول الحركة الشعبية في أديس أبابا حول مشكلة ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ترفض أن تناقش في ذلك الاجتماع موضوع الحل الشامل، وتصر على أن يقتصر الحوار فقط على قضايا الولايتين متناسية ما قاله رئيس الجمهورية في خطابه الأخير عن الحل، نعم للولايتين خصوصيتهما ومشاكلهما المتفردة التي يجب الاتفاق على معالجتها، ولكن ذلك الحل يجب أن يأتي في إطار الحل الشامل لأزمة السودان، وكان من الممكن القبول بمبدأ الحل الشامل والاتفاق حول معالجته في منبر الحوار مستصحباً ما يتم الاتفاق عليه بالنسبة لقضايا الولايتين، ومن جانب آخر فإن الحكومة تتحدث عن حوار جامع لا يستثني أحداً، ولكنها لا تخفي رغبتها في حوار ثنائي مع بعض الأحزاب، كأنما تسعى لأن تعرض عليها مشاركة أثبتت مراراً عدم جدواها!!

بل إن هذا الأسلوب يتجاوز تجزئة القضايا وتجزئة المفاوضين إلى مستوى إدارة حوار قبلي وتجزئته، فقد قبلت الحكومة مبادرة للرئيس التشادي عقد مؤتمر لقبيلة واحدة من قبائل دارفور هو قبيلة الزغاوة لتوحيد صفوف أبنائها لاتخاذ موقف موحد وسمى المؤتمر باسم مؤتمر (أم جرس)، وهي القرية التي عقد فيها المؤتمر، ويبدو أن ذلك أغرى الرئيس التشادي بالتفكير في (نيفاشا) تشادية بالنسبة لدارفور، إذ إن الأنباء تفيد أنه يعد الآن لمؤتمر (أم جرس2) لقبيلة الفور!! بمثل هذا الارتباك لا يمكن أن نعالج أزمة السودان، ولو سرنا على هذا النهج فستستمر الأزمة وستتصاعد والمعارضة لو كانت راغبة حقاً في إحداث تغيير جذري في الواقع السوداني مطالبة بتبني مشروع جديد لتوحيد صفوفها والاتفاق على تفاصيل ذلك المشروع، وأن تبدأ بالخروج من هذا الوضع المرتبك بتصور واضح تتوحد حوله وتتفق كل فصائلها حول تفاصيله، وأن توسع قواعدها لتشمل منظمات المجتمع الدولي والجماعات الأخرى الساعية للتغيير لتخلق جبهة موحدة من أجل التغيير، فإذا حاورت حاورت بصوت واحد، وإذا عارضت عارضت بصوت واحد، فتجزئة المعارضة وتجزئة القضايا منهج لا يقود إلا للفشل.

[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. كلام جميل جدا وراي واضح وسديد يا حاج محجوب اطال الله عمرك ومتعك بالصحة البسك ثوب العافية انت واهلك اجمعين.

  2. حملت في مقالك الحزب الحاكم وبمساندة بعض الدول الكبرى في تجزءة مشاكل السودان في محاولة حلها كل على حدى اذا افترضنا مشاكل السودان ( هي ذي لحم الراس) كل له مزاق وطعم ونكهتة ولغباء اهل الحكم في السودان بلعوا الطعم الاول ولم. والدور القادم دارفور مسبوكة على نار هادئة وعلى وشك الاسواء ومازالت مرارت الطعم المبلوع في حلوقهم

  3. يا أستاذنا .. إنت لسه تسميها مشكلة الجنوب ؟ ألم تستنتج بعد ان المشكلة هي مشكلة السودان بدليل ان المشكلة باقية بل متأججة أكثر بعد إنفصال الجنوب ؟؟ خذ بعض المؤشرات: إستمرار الحرب الأهلية .. الظلم في كل شئ .. القوانين المقيدة للحريات العامة .. نهب أموال البلد والفساد بعمومه .. الإقصاء السياسي والإقتصادي .. كذب المسئولين أمام ممثلي الشعب وعلى الشعب السوداني دون مواربة أو حياء .. المراوغات الحزبية التي هي ديدن القيادات الطائفية الصوفية ألخ ألخ .. كل هذا لم يعلمك أن بعد أن المشكلة منذ الإستقلال وبعد إنفصال الجنوب وإلى اليوم هي مشكلة السودان وحلها في الخرطوم .. ولم تكن يوماً مشكلة إقليم بعينه؟؟ ..

    طيب .. إنت نبراس الصحافة السودانية وأب الصحفيين ما فهمت حاجة .. فماذا يفهم تلاميذك وأمثالنا؟؟ ولو كنت تتعمد عدم الفهم بدافع تعمد الإختلاف مع من يقول من مفكري الهامش أن المشكلة هي مشكلة السودان كما يفعل الترابي وعمر البشير وغيرهم من الظلاميين أعداء الحرية والتقدم فالمصيبة أكبر وأزمة أمثالك أعمق.

  4. يا استاد محجوب لا اظن انة يخفى عليك و انت الخبير فى السياسة انة قد اتفق التنظيم العالمي للاخوان المسلمين (و الاسلام منهم براء)مع الامريكان على تثبيت نظام الانقاد ,كل حسب اجندتة , ودلك بتغير بعض وجوة النظام امثال نافع وعلى عثمان و عوض الجاز وتوحيد الاسلاميين تحت مظلة الترابى لكى يكون النظام من وجهة التنظيم العالمى للاخوان و بموافقة امريكية مركز تحرك لاسقاط نظام السيسى فى مصر والعمل على ارجاع الاخوان فى مصر( ادخال سلاح و ارهابين و مركز تجميع و تدريب الخ) كما وان الامركان ساعين على عقد اتفاق بين نظام النقاد والجبهة الثورية على شاكلة نيفاشا تعطى الجبهة الثورية حكم داتى فى كردفان و النيل الازرق كل على حدة مع تقرير المصير فى نهاية الفترة الانتقالية و دلك ( بهدف تقسيم السودان الى عدة دويلات اخرى متنافرة متناحرة!!!) و تمشيا مع مخطط امريكا لتجزئة وتقسيم دول الشرق الاوسط الى اجزاء لتكون دولة اسرائيل دولة يهودية واقوى دولة عسكريا و اقتصاديا فى المنطقة. و من ثم يستمر المشير عمر البشير فى الرئاسة لمدة 5-7 سنوات قادمة ولن يحاسب هو و لاالنظام على ما ارتكبة من جرائم و تدمير للسودان و نهب ثرواتة. لقد رفض ياسر عرمان رئيس وفد الحركة الشعبية المفاوض فى اديس ابابا على تجزءئة القضية عندما اراد وفد الحكومة دلك و من الواضح ان ياسر عرمان يومن بالحل الشامل لمشاكل السودان كما تدعو انت فى مقالك ولكن خوفى ان يكون مصيرة كمصير د جون قرنق الدى كان يدعو لحل جميع مشاكل السودان فى حزمة واحدة داعيا لوحدة السودان و رافضا للانفصال. و قد تعمد الادارة الامريكية على ابعاد ياسر عرمان عن المفاوضات والاتيان باشخاص من جبال النوبة و النيل الازرق قابلين للمخطط الدى ينتهى بتقسيم السودان مرات ومرات!!
    ارجو ان اكون مخطئا فى تحليلى و متشائما اكثر من اللازم!!!

  5. تلك الحلول ما هي الا كسبا للوقت ومضيعة للزمن وتطويل عمر النظام لا تنسوا اننا من دول العالم التحت الثالث فهذا النظام يحاور ليناور لافائده في سكب الحبر فيما لا يفيد ف الحل ان تشتعل جميع الجبهات والولايات والاحياء والفرقان والمدن بصراحة نحن محتاجون لهزه شديده علها تفيق العقول من التخدير والوهم وكل شخص وحزب وطائفة وطريقة وجماعات تعرف حجمهاالحقيقي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..