بتمحيص ماهية السلطة، يعني ذلك أن نفهم السلطة التي نخضع لها، أو تلك التي تحاول ان تخضعنا لهيمنتها ونستوعب ما تريده منا، ومايمكن أن تحققه لنا، وأن نطمئن إلى خضوعنا لها، أو أن نرفض هذا الخضوع ونقاومه إن كان يمثل امتهانا لكرامتنا، .. اغتيال أو اغتصاب لحقنا في آن نقول “لا” في وجه السلطة لناحية أمر لا نريده نحن، ولكن ترمي إليه هذه السلطة.
وأن نتقصى ماهية السلطة، .. يعني أيضا أن نقف على مرجعية بعض مواقفها وقراراتها، وبعض ممارساتها التي تتقاطع ومستهدفنا، أو لا نتفق معها، فنجد لها العذر أو لا نجد، .. نلوم أو لا نلوم، .. نقبل أو نعارض، .. نهادن أو نقاوم تلك المواقف، .. القرارات، والممارسات التي تتبناها السلطة.
ومن أجل ذلك، ولأن ماهية السلطة أمر يقتضي التمحيص، يتعين علينا إبراز بعض أوجهها، .. أي تلك السلطة التي تمتلك إصدار القرار، .. الأمر، أو افعل أو لا تفعل، من وجهة منظار نفسي اجتماعي، ينطلق من طبيعة السلطة ذاتها، ومن المفاهيم التي يكاد يجتمع حولها كل من في السلطة، وفق هرميتها على نحو أو آخر.
إن كل سلطة تنهض على أساس نفسي/عقلي، وتمارس فعلها انطلاقا من موجهات، تجارب، وخبرات ظاهرة أو باطنة، اكتسبتها من وعيها التاريخي لمفهوم السلطة، ومن خلال استيعابها لما بالواقع من أحداث، أشكال، وعلاقات، وما يكتنفها من مظاهر للقوة والضعف، الخطأ والصواب، ومايمكن أن تحدثه السلطة فيه بعد أن تخضعه لإرادتها من تبدلات وتحولات.
وإن كل سلطة تتارجح بين ما تعلنه وتخفيه، .. بين الآيديولوجيا، وهي الوجه المعلن للسلطة، وبين نفسيتها، وهي الوجه الخفي لها، .. فهي رسميا مع الآيديولوجيا التي تعلنها أو تتبناها، .. وهي نفسيا تنحاز إلى “الأنا” السلطة التي تخترق الآيديولوجيا، متى ما رأت أن ذلك يصب ضمن مصالحها ويحقق أهدافها كسلطة، حتى لو كانت الآيديولوجيا من إنتاجها.
وكل سلطة تختار، بناء ما استقر في نفسيتها من وعي تاريخي، وما اكتسبته من خبرات وتجارب نفسية عقلية، تنتقي الكيفية المناسبة لممارسة السلطة، والدرجة التي تعمل ضمن معاييرها، في محاولة لكسب الخضوع والطاعة، فيما تختار تبعا لتلك الوسائل التي تراها أنجع من غيرها لتحقيق مآربها، وفق ما يسمح به الوضع الدستوري، إن كان هناك دستور نافذ، والبناء الثقافي الاجتماعي السائد، ومدى تقبل هذا البناء للممارسة التطبيقية، أو الكيفية/ الوسيلة التي تقررها السلطة لإدارة وقيادة المجتمع، وبسط نفوذها وهيمنتها عليه.
