الانفصال الثاني ( من ينقذ رعايا شمال السودان ؟ )

(1) مازالت تداعيات الانفصال تظهر كل يوم بشكل جديد , فمن الانفصال عن الدولة الأم بهدف إقامة دولة
مستقلة مزدهرة كانت الوحدة تعوقها وتعتم مستقبلها إلى دولة تتصارع فيها الدول و( الأجندات ) والطموحات
المستقبلية من أكبر دولة كأمريكا إلى أصغر دولة ككينيا , فالجنوب ليس به مقومات الدولة , وإنما مقومات الصراع والحروب الأهلية ,
وليس به مقومات الاستقلال لأنه دولة ممتلئة بالموارد جاذبة للطامعين من الدول والشركات ودولة لم تضع السلاح بعد وجيشها مكون
من متمردين حاربوا من قبل بعلاقات خارجية مشبوهة لا تعرف الاستقلال ولا تفرق بين الظروف الداخلية من الخارجية وحاربوا من
أجل سودان كامل البنية وليس من أجل قطعة أرض تحولت شيئا فشيئا إلى آبار نفط . وتحولت الأحلام الكبيرة إلى أحلام شخصية
صغيرة في الزعامة بتوجيه ودعم خارجيين .
(2) فصل الجنوب كما يبدو الآن من أجل لحظة ( التكالب ) هذه , ولم يرد في الفكر السياسي السوداني من قبل قط سؤال نراه مهما ومستقبليا وهو
أين سيذهب الجنوب بعد انفصاله ؟ سلفاكير في مرة من المرات أجاب على هذا السؤال دون أن يوجهه إليه أحد حينما قال إننا لن نأخذ الجنوب ونذهب به بعيدا بل سيظل موجودا وملتصقا بالوطن الأم . الآن بعد أن انفصل من السودان الكبير سيتعرض لانفصاله الثاني وهو أن تذهب به القوة التي أنزلت ( المارينز ) والقوات الأوغندية بالآلاف و التي تتحرك بالإشارة و (البرطوش ) بأعداد هائلة لا تعلن على الملأ إلى جانب تحييد القوات ( السودانية ) التي تقف عاجزة ومحتارة أيضا بالإشارة و ( البرطوش ) , و ستذهب به بعيدا في المحيط لتلتهمه بهدوء وسلام . فالسودان الشمالي الإنقاذي وافق على شيئين أولهما وافق على الانفصال بكل جرائمه وخيانته للجنوبيين البسطاء بتسليمهم الأرض المتفجرة وهم يعلمون أنها ستتعرض للابتزاز وثانيهما الموافقة على نهب الجنوب والسيطرة على إرادته السياسية وتوجيه حركته وموارده , سلما وحربا , وهدوءا وتفجرا , وفسادا وتخريبا , والجريمة الثانية لا تقل تواطؤا وبشاعة من الجريمة الأولى لأنك لا تسلم أرضا وإنما شعبا , ولا تسمح بأن يسيل النفط في غير طريقه المعهود وإنما أيضا أن تسيل الدماء أمام أنظار الملأ .
(3) لماذا لم تدخل القوات السودانية وطائرات القتل في جبال النوبة لإجلاء الرعايا السودانيين بينما دخلت قوات من كينيا ويوغندا وأمريكا وألمانيا في وقت تعلن فيه الأخبار أن القتلى بالآلاف ؟ مع أن مجرد ورود إشارة صغيرة ولو كذبا لدعم الحكومة السودانية لهذا أو ذاك من أطراف النزاع , يمكن أن تحدث مجازر للشماليين تفوق في بشاعتها ما حدث في1955 , خاصة أن الانفصال تم لأسباب عرقية ودينية وشحنات عاطفية تاريخية ورغبة في الانتقام وتصفية الحسابات من الجانبين عبر عنها باقان أموم بأن قال ( وداعا وسخ الخرطوم ) وعبر عنها من الجانب المفترض أن يكون أكثر عقلانية وتفهما بوصفه الوطن الأم بأن ذبح أحد العنصريين المتعجلين ثورا أسود مركزا على اللون وليس على الثور لأنه لو ذبح غزالا فلن يكون أبيض اللون بأي حال من الأحوال . ودخول القوات لإجلاء الرعايا لا يكون جزافا واعتباطا وإنما بتفهم من الجانبين للظروف التي تحدث فيها المواجهات وبأعداد غير مقاتلة وبأسلحة تصلح للحراسة والحماية والإنقاذ أكثر منها للحروب والقصف واحتلال المدن ورغم ذلك انكمشت الخرطوم على نفسها سعيدة مستبشرة بما يحدث لجزء من الوطن مازال الملايين في الجانبين يحسون أنه عائد بأي شكل من الأشكال وأن العودة لجد قريبة بأي شكل من الأشكال حتى ولو كانت عودة الإخاء والتمييز الإيجابي لشمال السودان اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا , وفي ذلك يقول الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة ( لن نتدخل في دول الجوار إلا عبر بروتوكولات ) ولم يطلب منه أحد التدخل العسكري المعروف بإطاحة هذا ومساعدة ذاك في احتلال مدينة أو قرية وإنما فقط إنقاذ الرعايا وإرسال رسالة لكل من يدبر أمرا بالتلاعب بأرواح المجاورين من الجاليات خاصة وأن الجميع يقول إن الحرب ذات طابع قبلي مهما انحصرت في جنود الحركة الشعبية التي تتكون أصلا من القبليات وأعدادها بنسب تطابق النسب الحقيقية لأعداد القبائل في الأرض . الحكومة السودانية تشارك في تخريب الجنوب بصمتها وهي بدلا من أن تبدو سعيدة ومنتشية وشامتة من اندلاع الحرب القبلية المتوقعة كان لها أن تعترف بأن الانفصال كان خطأ كبيرا لأنه لم يجلب السلام للجنوب وإنما المستعمرين وأصحاب الغرض الذين سيعوقون أيضا حركة الشمال نحو المستقبل ولم يجلب السلام للشمال الذي استبدل حربا بحرب وجنوبا بجنوب وقوى من سواعد الدول التي تتدخل في إرادته وتحاصر تطوره السياسي وتحرك الاضطرابات من خلف الأستار وتتقدم شيئا فشيئا لمحاصرة والقبض على المطلوبين دوليا .
(4) إذا نجح الحوار الشامل المزمع إقامته في أدبس أبابا بين الفصائل الجنوبية , وأدى إلى محاربة حقيقية للفساد والدكتاتورية , ومتابعة للشارد والوارد من أموال النفط , وأدى إلى تحول ديمقراطي حقيقي يلجم فتنة القبائل , ويحد من تأثيراتها , فعلى حكومة ( الإنقاذ) أن ( تبل ) رأسها , إذ سيكون السودان الشمالي الجموح أيضا المرشح رقم واحد لعمل عسكري موسع شامل يقود إلى هذا التغيير السياسي والإداري بدالة عسكرية حيث تكون هذه ( الانتفاضة ) العسكرية التي تسيطر على مفاصل النفط والذهب بديلا حيويا ومنطقيا ( للحرب الأهلية ) والفوضى الشاملة . ولابد أن أهل الإنقاذ يدعون الله سرا وجهرا بأن تفشل المفاوضات , ويستمر القتال القبلي , حتى يكون بيدهم الدليل الدامغ , أن بقاء سلطتهم الدكتاتورية الدموية الإسلاموية , أفضل كثيرا من الرغبة في الإصلاح , والبحث عن سبل لفتح ثغرات , يمكن أن ترينا بعض شعاع من المستقبل المنشود .
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الحرب والفتنة القبلية في الجنوب اذا استمرت وتفاقمت فحتما ستبتلع الشمال فلحدود بين الدولتين ستشهد اكبر موجة نزوح من الجنوبيين الى الشمال وذلك بدوره سيرهق ميزانية الشمال المتهالكة اصلا اضف الى ذلك فاجعة توقف تصدير النفط على نظام الخرطوم المأزوم اقتصاديا سيعود العمق الجنوبي مرتعا للحركات المسلحة ضد حكومة الخرطوم ولعل الدول العظمى والدول المجاورة للجنوب سينتهون لحل ويتمثل في اسقاط نظام الخرطوم المتهالك بدعم التمرد الذي سيتحرك بحرية اوسع بعد اليوم وقد يتمكنوا من ايقاف تصدير النفط الشمالي لذات السبب وقد يجد اقبال الكثير من الجنوبيين للقتال في صفهم بدعم اقليمي ودولي سخي لان الجنوبيين هم والقوى الاقليمية والدولية سيتوصلوا او قد توصلوا لقناعة بعدم مقدرة الجنوبيين لحكم انفسهم ولا مناص لهم الا بعودة الوحدة على اسس جديدة ولن يتحقق ذلك الا بإسقاط نظام الخرطوم والايام حبلى [email protected]

  2. لا يا حبيبي السودان لن يتدخل في الجنوب أبدا لأن الجنوبيين لا يعاملون الشماليين كما يعاملون الكينيين أو اليوغنديين، نعم الحب هذا نقرأه في مقالتكم أنتم معشر الكتاب فقط لكن على أرض الواقع لو حاولت أي قوة سودانية التدخل في الجنوب سيتوحد الاعداء جميعهم ضد الجيش السودانية .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..