مقالات وآراء سياسية

د. جون غرنق ديمبيور: أعظم مفكر سياسي سوداني ناجح

ابوبكر القاضي

++ د جون غرنق .. و التفكير خارج الصندوق .. اخرج الفكر السياسي السوداني من ( دولة العقيدة ) الي ( دولة المواطنة ) :

++ انفصال الجنوب يدل علي فشل المشروع الحضاري الاسلامي في (ادارة التنوع السوداني ، و قبول الآخر غير المسلم ) ، و لا يدل باي حال علي فشل (مشروع السودان الجديد).

++ د جون غرنق صانع الملوك :

++ لا مشاحاة في استخدام عبارة ( الدولة المدنية ) التي تودي ذات المعني و هِي (الدولة المحايدة تجاه الاديان جميعها ، و لا تسمح لاي مجموعة مهما كبرت بفرض دينها علي الدولة و علي الاخرين ) :

ما ذا اعني بعبارة ( د جون غرنق اعظم مفكر سياسي سوداني ناجح ) ؟ :

د جون غرنق هو زعيم قاري افريقي ، و لكني لن اشتت مقالي ، لذلك فسوف اركز عليه بصفته (رائد السودانوية) ، و صاحب (مشروع السودان الجديد ) .. فقد عاش سودانيا .. و استشهد سودانيا ، و تم اغتياله لانه كان يحلم بسودان جديد يسع السودانيين جميعا علي (تنوعهم الديني و العرقي و اللغوي و الثقافي ) ، فهو الزعيم السوداني الوحيد (باستثناء الحزب الشيوعي / له التجلة) الذي استطاع ان يفكر ( خارج الصندوق الظلامي ، الاقصائي ،  صندوق العقيدة الاسلامية و القومية العربية بتفاصيلها الناصرية و البعثية ) ، اهم ما تميز به الشهيد د جون هو وضوح الرؤية و الهدف ، و الخيارات البديلة ، علي اعتبار ان السياسة هي فن الممكن ، فقد كان هدفه من اتفاقية السلام الشامل تحقيق الوحدة الطوعية الجاذبة ، و ان لم يكن ذلك ممكنا ، فالبديل هو ممارسة حق تقرير المصير ، و هذا حق من حقوق الانسان ، و هذا معناه ، اذا رفض الاسلامويون تفكيك مشروعهم الاحادي ، نفكك السودان نفسه طوعيا بممارسة حق تقرير المصير ، ثم نعيد تجميعه لاحقا ، حين يعم الوعي بمشروع السودان الجديد العلماني جميع اصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير ، لاسيما اجزاء الهامش ( في كردفان / جبال النوبة ، النيل الازرق و دارفور ، و الشرق ) ، و قد احسن الجنوبيون صنعا حين سموا دولتهم (جنوب السودان ) .. مما يعني ان باب الوحدة الطوعية مفتوح متي ما زالت اسباب المفاصلة ، و هي ( الدولة الدينية .. دولة العقيدة ) . فقد حارب الجنوبيون بما فيه الكفاية ضد مشروع (السودان القديم )  ، و لتذهب الراية الي مجموعة اخري من  اصحاب المصلحة في التغيير  من اهل الهامش ، فجاءت ( الجبهة الثورية مجسدة لاحلام الهامش) ، فحملت الراية بكل كفاءة ، و نجحت باقتدار في استنزاف دولة الانقاذ و حولتها الي دولة فاشلة ، و عاجزة تماما عن ادارة الدولة ، فقامت ثورة الجياع من اضعف الحلقات .. من الدمازين و عطبرة بلد الطبقة العاملة ، و عمت مدن الاطراف و اخيرا وصلت الثورة للعاصمة ، و لازال التغيير تغيير (وجوه ) ..و لن يتحقق التغيير الحقيقي الا بتفكيك (مشروع الانقاذ ) المتمثل في ترسانة القوانين القمعية الظلامية التي لم يطبقوها علي انفسهم ، و انما قصدوا بها فقط ارهاب الشعب .

عظمة د جون تكمن في انه ( مدرسة تطبيقية ) لمشروع السودان الجديد العلماني ، القادر علي تجاوز ( عقلية دولة العقيدة الواحدة ، و الانتقال الي الدولة العلمانية / المدنية المحايدة تجاه جميع الاديان ، و القادرة علي ادارة التنوع العرقي ، و اللغوي ، الثقافي .. الخ ) . اشكالية ابناء المركز الشمالي انهم يعتقدون انهم و لمجرد انهم يشكلون اغلبية ( مسلمة ) فان هذا الوضع يعطيهم الحق في ان يطبقوا دينهم علي الاقليات الدينية الاخري  .. يقولون بسذاجة : السنا اغلبية ؟ لماذا (تمنعنا الاقلية من تطبيق شريعتنا ؟ و نحن الاغلبية ؟!!) . الاجابة علي هذا السؤال تاتي من الاقليات الدينية الاخري علي هذا النحو : ايها المسلمون ! اذا كنتم تصرون علي تطبيق شريعتكم الاسلامية في الدولة السودانية علي مستوي قانون العقوبات ..و الاقتصاد الاسلامي ببنوكه الاسلامية .. الخ .. قانكم بذلك تطردوننا من دولتكم ،، لاننا لا نريد ان ( نعيش كاهل ذمة في دولة اسلامية.. و لا نريد ان نعيش كمواطنين من الدرجة الثانية في وطننا . لذلك فان الحل الوحيد هو (المفاصلة .. و تقسيم الوطن بسبب اصراركم علي تطبيق شريعتكم الاسلامية علي كافة المواطنين رغم التنوع الديني و العرقي و الثقافي في السودان .. و لانكم ايها المسلمون رفضتم الحل الوسط الذي يرضي جميع اشكال التنوع السوداني !! فما هو هذا الحل الوسط؟!!

الحل الوسط هو ( مشروع السودان الجديد ، الذي يهدف الي اسقاط و تفكيك ( الدولة الدنية الانقاذية العنصرية العروبية الاقصائية ، التي فشلت في ادارة التنوع السوداني ، و تفكيك هذه الدولة ، و اعادة هيكلتها ، و انشاء (سودان جديد ) / علماني .. باي معني ؟!

أ- علماني .. محايد .. يقف علي مسافة واحدة من كل الاديان .

ب- مرجعية الحقوق في (السودان الجديد هي : المواطنة .. الانتساب الي الوطن و التراب السوداني .. و هي المرجعية التي تجمع كل السودانيين ، و تحول دون تفرقهم .. لان اي مرجعية غيرها تقرق السودانيين ، و لا عبرة ب (الكم .. اغلبية ام اقلية ) .. فمرجعية (الاسلام تفرق السودانين الي مسلمين و مسيحيين و يهود،  روحانيين اصحاب كريم المعتقدات .. الخ . و مرجعية  (العروبة ) تفرق السودانيين .. لان الاغلبية الساحقة من السودانيين افارقة زنوج .. يحترمون العروبة .. و يتشرفون جدا بتعلم اللغة العربية .. و لكنهم لا ينسبون انفسهم للعرب ، و بالمقابل لا يعترف بهم العرب كجزء من المكون العربي .

كيف تميز د جون غرنق عن بقية السياسيين .. خاصة قادة الفكر و السياسة من ابناء النخبة النيلية ؟

*** الشهيد محمود و الاخوان الجمهوريون (في منشور هذا او الطوفان ) .. ادركوا ( حجم المأذق ) الناجم عن تطبيق قوانين سبتمبر ١٩٨٣. و لكنهم اخطأوا طريق الحل .. كيف ؟!!!

في منشور هذا او الطوفان الذي وزعه الجمهوريون يوم ٢٥/ديسمبر ١٩٨٤ ، قال الجمهوريين فيه  ؛ ( بما معناه ) .. ان قوانين سبتمبر ١٩٨٣ (قوانين شريعة نميري ) .. تهدد الوحدة الوطنية .. و يضار منها المواطن الغير مسلم .. تحديدا يضار منها المسيحيون الجنوبيون .. لانها (تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم) . هذا التشخيص سليم ١٠٠٪‏ ، .. اين المشكلة اذن؟

 

المشكلة هي ان الحل الذي يقدمه الجمهوريون هو نفس حلول ( الاخوان المسلمين و انصار السنة )!! كيف ؟

** الاسلام السياسي الاخواني يقول ( الاسلام هو الحل )

*** الجمهوريون ايضا يقولون (الرسالة الثانية من الاسلام ) هي الحل ) .. و بالنسبة للمسيحي فان الفرق بين الرسالة الاولي و الثانة كالفرق بين ( محمد ، و محمد احمد ) ، و كالفرق بين ( المؤتمر الوطني ، و الشعبي ) .. كله .. في النهاية (اسلام ) .. و الفرق بينهما هذا شان ، و تفاصيل تخص المسلمين .

 

فما هو الذي يميز د جون غرنق عن الشهيد محمود محمد طه ؟

 

١- الشهيد محمود يدعو الي ( الرسالة الثانية من الاسلام ) ..  و الي ( دستور مستمد من القرآن ) .. في حين ان د جون غرنق يدعو الي ( دولة علمانية محايدة تجاه الاديان .. تعترف بجميع الاديان .. و ينص دستورها علي حرية الفكر و الاعتقاد .. و حق ممارسة الشعائر الدينية .. و هذه الامور منصوص عليها في مواثيق حقوق الانسان ، و التي تشكل جزءا من دستور السودان بحكم مصادقة الدولة السودانية عليها .

٢- مرجعية الشهيد محمود لتوحيد الشعب السوداني هي (طريق محمد ) .. و يقول الاستاذ محمود : ( بتقليد محمد تتوحد الامة ويتجدد دينها ) .. بالمقابل : فان كان الاستاذ محمود يدعو الي (اسلام جديد .. فان د جون يدعو الي .. (سودان جديد ) .. و شتان .. شتان ما بين (مشروع الشهيد محمود و مشروع الشهيد جون غرنق ) .. ان شرط قبول المسيحيين و جون غرنق لدخول مشروع ( الرسالة الثانية من الاسلام ) هو ( ان يشهد د جون  : الا اله الا الله .. و ان محمدا رسول الله ) ، و في مشروع الفكرة الجمهورية وحدة الامة السودانية تتم ( بتقليد النبي محمد صلي الله عليه و سلم ) ،، هذا هو ذات مشروع الكيزان و انصار السنة !!  (مع تميز الجمهوريين في مجالات اخري عديدة  اهمها قضية  المراة ، فالفكرة الجمهورية اذا ما قورنت بالاخوان المسلمين في مصر السودان تعتبر فكرة متقدمة جدا ، و لكنها في نهاية المطاف .. لم تخرج من نطاق (دولة العقيدة الاسلامية ، دولة الرسالة الثانية من الاسلام ) ، فالجنوبي المسيحي اذا اراد ان يكون جمهوريا يجب عليه ان (ينطق الشهادتين .. و يتطهر ويصلي و يصوم كما يفعل النبي محمد صلي الله عليه و سلم .. حتي يقال عليه : (حسن اسلامه ) .. و لا اعتقد انه توجد اهانة للمسيحي اكبر من ان تشترط عليه ان يتخلي عن دينه المسيحي ليدخل مشروع الاستاذ محمود .. و بالمقابل فان شرط القبول لدخول نادي (السودان الجديد ) هو فقط ان (تكون سودانيا ) .

 

هل انفصال دولة الجنوب يدل علي فشل ( مشروع السودان الجديد) ؟

 

السبب الاساسي لانفصال الجنوب عام ٢٠١١ يعود .. للامانة .. الي فشل النخب النيلية المتراكم  منذ عام ١٩٥٦ ، المتمثل علي سبيل المثال لا الحصر في عدم وفاء اباء الاستقلال بوعد (الفيدرالية) ، و محاولات حكومة عبود فرض التعريب و الاسلمة ، و تدخلها في شؤون الكنيسة ، و تعريب الكنيسة ، و التصعيد الذي وصل درجة المواجهة بين الخرطوم و روما .. فشل كل جيل اكتوبر في تحقيق تقدم و نجاح في مؤتمر المائدة المستديرة .. مماحكات الصادق المهدي في تنفيذ اتفاق الميرغني/غرنق عام ١٩٨٨ مما مهد لانقلاب الانقاذ المشؤوم في ٣٠/يونيو ١٩٨٩ . الذنب الاعظم لفصل الجنوب يتحمله نظام الانقاذ الذي رفض التنازل عن تطبيق الشريعة حتي علي مستوي العاصمة القومية الخرطوم لتكون عاصمة لكل السودانيين بكل تنوعهم . جزء من المسؤولية يقع علي عاتق الذين اغتالوا الشهيد غرنق في وقت مبكر ليقفلوا الطريق امام اي جهد لخلق الوحدة الجاذبة . هل انتهي مشروع السودان الجديد ، و اندفن مع د جون في ضريحه في جوبا ؟ هذا ما نجيب عليه في الفقرة التالية

 

د جون غرنق صانع الملوك :

 

يروي الاستاذ احمد دالي رائد ركن نقاش الجمهوريين المشهور في جامعة الخرطوم ، يروي المثل الذي يقول ( المزارع ينام .. و لكن البذرة لا تنام ) .. و المقصود من ذلك ان المزارع يرمي بذرته في الارض الزراعية ، و يذهب الي بيته لينام .. و لكن البذرة التي رماما في الارض لا تموت اذا توفرت لها الظروف الموضوعية للنمو ، و كذلك المفكر يرمي فكرته .. و تبقي الفكرة .. بقطع النظر عن موت صاحبها ، فقد كتب كارل ماركس راس المال ، و اصدر مع انجلس البيان الشوعي ١٨٤٨ ، ووجدت بذرة الماركسية التربة الصالحة و عوامل النمو الاخري في روسيا علي يد لينين ١٩١٧  ، و في الصين علي يد ماو تسي تونغ .

و في حالتنا الماثلة ، فقد وجدت فكرة السودان الجديد تربتها لدي ابناء الهامش السوداني .. بدءا بابناء جبال النوبة ، القائد يوسف كوة مكي / رحمه الله ، ملك متوج الي الابد ، لا يغيبه الموت ابدا ، و القايد عبد العزيز الحلو يسير علي الدرب بخطوات ثابتة ،  ابناء غرنق في النيل الازرق .. القايد مالك عقار و خميس جلاب ، و ياسر عرمان ، و لا يذكر الشهيد غرنق الا و يذكر المفكر العملاق د منصور خالد و هو افضل من عبر عن رؤية جون غرنق . و الشباب الذين كتبوا بوعي عن جدل الهامش و المركز (ابكر ادم اسماعيل ، محمد جلال هاشم ) .. مصدر الهامهم هو الشهيد جون غرنق و مشروع السودان الجديد . و علي صعيد ملف دارفور فقد توجه الشهيد داود بولاد في وقت مبكر الي د جون غرنق .. و الي الجيش الشعبي لتحرير شعوب السودان .. و لاحقا .. خرجت حركات المقاومة التي تنطلق من دارفور كلها من رحم الحركة الشعبية بقيادة د جون .. و حتي بعد الانفصال خرجت الجبهة الثورية العملاقة من كاودا ، و قد وجدت الجبهة الثورية الدعم المعنوي علي الاقل من الحركة الشعبية / جوبا .. و كذلك شكلت الجبهة الشرقية مهددا حقيقيا لنظام الخرطوم منذ تحالف الميرغني ، و مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية ، باختصار ملوك الهامش بقاماتهم  السامية هم ثمار لشجرة مشروع السودان الجديد .. الداعي لتحالف الهامش لتفكيك دولة المركز التي تتخذ من (الاسلام و العروبة ) ادوات لاقصاء ابناء و بنات الهامش .

 

ستبقي الجبهة الثورية ( اكبر مؤسسة للنضال و التاريخ المشترك ) بين ابناء (الهامش السوداني العريض) من اجل تفكيك (دولة مرجعية العقيدة الاسلامية ) ، الي (مرجعية المواطنة ) :

 

رمزية الجبهة الثورية ستبقي (و ان تغيرت الوجوه ، و اساليب ووسائل مقاومة مشروع السودان القديم ) ، فقد بدات مقاومة الهامش لمشروع المركز الاسلامو/عروبي الاقصائي بشكل انفرادي في تكتلات اقليمية ، مثل : مؤتمر البجه ، اتحاد جبال النوبة ، و نهضة دارفور . ان اعظم انجاز يسر بال كل من آمن بمشروع السودان الجديد هو ( الجبهة الثورية ) التي ضمت كل اصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير البنيوي في الدولة السودانية ، و احداث النقلة المفاهيمية ، (الانتقال من (مرجعية دولة العقيدة الاسلامية ) الي (مرجعية المواطنة ) ،  و اعادة هيكلة الدولة السودانية . و اهم جند في برنامج اعادة هيكلة الدولة السودانية هو بناء ( جيش وطني ) بعقيدة قتالية جديدة ، اساسها قدسية دم المواطن السوداني ، و ان مهمة الجيش هي توفير السلامة للمواطن ، و حماية حدود الوطن و سلامة اراضية ، مع ملاحظة انه و منذ الاستقلال كانت الحكومة المركزية هي اكبر مهدد لامن و سلامة المواطن في الجنوب و جبال النوبة و النيل الازرق و دارفور و الشرق . هذا الجيش الوطني قطعا لن ناتي به من المريخ ، و انما سيتشكل من الجيش السوداني بتركيبته المخلة الان ، يضاف اليه قوات الدعم السريع ، و قوات حركات المقاومة المسلحة بعد وقف اطلاق النار الشامل و الترتيبات الامنية .

اهم انجاز تحقق بسبب الكفاح المسلح عبر الجبهة الثورية هو (الوعي الجمعي للمهمشين ) .. لقد حارب المهمشون في السودان في جبهة واحدة (١٨٨١-١٨٨٥ ) بقيادة المهدي ، و حرروا السودان من الاستعمار التركي ، و لكن كان ذلك النضال المشترك في اطار (دولة العقيدة ، و كان جهادا في سبيل الله ) ، الكفاح المشترك في اطار (الجبهة الثورية ، كان نقلة نوعية ، في الاتجاه المعاكس للنضال المشترك في عهد الدولة المهدية ) .. النضال المشترك تحت راية الجبهة الثورية هو من اجل (تفكيك دولة المشروع الحضاري الاسلاموي ، اقامة دولة علمانية (او مدنية ) ، لا مشاحاة في التسميات و الشكليات ما دام هنالك اتفاق علي المضمون.

 

شاهدنا ان الجبهة الثورية جاءت لتبقي (كسجل للنضال المشترك بين المهمشين في السودان ) .. و سوف ينتقل  هذا الوعي الجمعي الي المقاومة المدنية السلمية بعد الوصول الي سلام شامل في السودان ، و هكذا سينداح مشروع السودان الجديد ليتحول من (مشروع نخب ) الي ثقافة شعبية علي امتداد الهامش السوداني ، من دارفور الكبري الي كردفان الكبري (الغرب الاجتماعي ) .. الي النيل الازرق ، و الشرق . و نسبة لا التهميش (جغرافي ) و ليس عرقي ، فقد ضمت الجبهة الثورية المجموعات المضطهدة ثقافيا / الكوشيين في اقصي الشمال .. و غيرهم ،  و لن يكتمل تحالف المهمشين الا بانضمام ابناء القبايل العربية في كردفان و دارفور الي تحالف المهمشين لتفكيك السودان القديم ، و بناء دولة السودان الجديد (من نملي الي حلفا ، بدون اي تفريط في حلايب ) .

 

لكل من يحلم بوحدة السودان ( من نملي الي حلفا ) فان مشروع السودان الجديد /العلماني.. هو الطريق الوحيد .. لماذ؟!!!

 

١- لان الدولة السودانية تفتتت بسب اصرار الكيزان علي تطبيق مشروعهم الحضاري الاسلاموي علي الدولة السودانية ، و بالتالي .. فان الدواء من جنس الداء ، لذلك فان اول خطوة في طريق الوحدة الطوعية هي الغاء القوانين التي قسمت البلاد، و تبني المشروع العلماني الذي يرضي تطلعات جميع اهل السودان (الراغبين في وحدة تراب الوطن و شعبه) .. لاسيما في الجنوب و بقية المناطق المتاثرة بحروب الهامش.

فاذا كانت العلمانية لدول مثل تركيا و تونس تبدو مسالة (تحسينية ) ، فانها بالنسبة للسودان (مسالة ضرورية ) .. ضروة وجود . و اهمس في آذان كيزان مصر و السودان الذين رفضوا العلمانية بطريقة هتافية شعبوية ، دون تحليل مضمونها .. اقول لهم : انظروا الي الشيخ راشد الغنوشي و هو يتربع علي عرش الديمقراطية في تونس .. و اسألوا انفسكم : لماذا نجحت حركة النهضة و فشلتم انتم ؟!! الاجابة لان النهضة استجابت لندا اردغان للاسلاميين بتبني العلمانية ، فوافقت النهضة (فربحت الجماهير ) .. لان الغنوشي اعلن ان لا شان لحركته بما يلبس النساء ، و قال علي الجزيرة ليس لدي حركة النهضة اعتراض علي ان تمشي البنت (بالمايوه ) .. و لا تجرم النهضة علي شرب الخمور .. بمعني ان الاسلام عندها ليس دين الحدود فحسب ، و انما هو دين الطهارة ، و نظافة اليد و البعد من الفساد ، و احترام قيم حقوق الانسان . و بالمقابل فشل كيزان مصر و السودان لانهم رفضوا وصفة (العلمانية ) التي قدمها لهم (اخوهم – الكوز – رجب طيب اردغان ) ، و لرفضهم للعلمانية  خسروا الجماهير و خرجوا من السياسة الي الابد !!!

 

٢- لماذا يصر كاتب هذا المقال علي استخدام كلمة (العلمانية الصادمة ؟!!)

 

هذا المقال توعوي .. الهدف منه هو (التطبيع ) مع كلمة (العلمانية) ، و التذكير بان العلمانية لا تعني (الكفر ) ، و ان رفض (العلمانية من مجرد اسمها دون البحث في مضمونها ، هو سلوك غوغائي شعبوي ) مصدره (كيزان مصر و السودان ) بدليل ان اخوانهم – كيزان تركيا و تونس قد تعايشوا مع (كلمة العلمانية ) ، و دعوا لها (اي العلمانية ) اخوانهم في مصر في اوج عهد المرحوم (مرسي ) ، و لكن اخوان مصر رفضوا العلمانية فهلكوا .  في حين تقبلها اخوانهم التوانسة فافلحوا .

 

٣- لاًمشاحاة في استخدام عبارة (الدولة المدنية ):

 

كاتب المقال الذي (يعبر عن رايه الشخصي لا اتنظيمي ) ، اختار ان يستخدم (كلمة العلمانية ) ، و هذا رايه و موقفه الشخصي، و لكنه يعذر ، و يتفهم كل من اختار استخدام عبارة (الدولة المدنية ) ، وذلك تجنبا لخلق معارك جانبية تضر بمسيرة التحول الديمقراطي كما حدث ابان عهد اكتوبر فيما يسمي ( فتنة معهد المعلمين العالي ) التي اثارها الطالب شوقي ، و التي وظفها الاخوان المسلمون ، و الاحزاب الطائفية لحل الحزب الشيوعي آنذاك ، لهذه التجربة ، جهات كثيرة تتحفظ ، و تتردد في استخدام كلمة (علمانية ) و تفضل استخدام عبارة (الدولة المدنية ) .. منها الحزب الشيوعي ، و الجبهة العريضة بزعامة المرحوم / علي محمود حسنين ، و منها حركة العدل و المساواة السودانية التي اتشرف بالانتماء اليها ، فلدينا راي وجيه داخل الحركة يقول : لماذا نستخدم كلمة (علمانية ) التي قد تجعلنا نخسر شيخا وقورا في اقاصي دارفور او كردفان او همشكوريب ، يؤيد برنامجنا ، و مشروعنا ، و معنا قلبا و قالبا ، و لكنه لا يستسيغ ( كلمة العلمانية ناشفة كدة ) .. لما لا نملحها له بعبارة مبلوعة من ابتكار الشيخ محمد عبده و تلميذه في السياسة – سعد زغلول – و هي عبارة (الدولة المدنية )؟!! شاهدنا انه لا مشاحاة في المسميات اذا اتفقنا علي المحتوي و المضمون ، فاذا كانت الدولة المدنية تعني الدولة التي تقف علي مسافة واحدة من جميع الاديان ، و تقام الحقوق فيها علي مرجعية (المواطنة ) و ليس العقيدة او الدين ، و لا تسمح باستخدام الدين للوصول الي السلطة ، فان عبارة الدولة المدنية تفي بالغرض .

ان قدرنا المقدور في الجبهة الثورية ان نحلم (حلما كبيرا ) .. هو ان نعيد مجمل الاوضاع في السودان الي ما كانت عليه في عشية  الاستقلال في ١٩٥٦ ، و ان نعمر الخراب الذي اصاب تراب الوطن و شعبه من تجزئة و تمزق ، و حروب و دمار و ابادة ، و لعل اول خطوة في هذا الاتجاه هي تحقيق السلام الشامل ، لتنطلق دولتنا نحو اعادة رتق ما تبقي من السودان بعد الانفصال . ان اي حلم دون افاق وحدة السودان (من نملي الي حلفا ) لا يعدو ان يكون من احلام العصافير . ان شعبنا الصبور الذي صنع التغيير لقادر علي تحقيق السلام ، و التعمير ، و اكمال اعادة هيكلة الدولة السودانية ، و انجاز مهام المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في ميثاق الحرية و التغيير و الاعلان الدستوري  ، و تحقيق الوحدة الطوعية الجاذبة ، و بناء دولة ( المواطنة ) و تحقيق (حلم الشهيد د جون غرنق المتمثل في بناء دولة : السودان الجديد / العلماني القادر علي ادارة التنوع السوداني ، و تكريس ثقافة قبول الاخر كما هو ، و حقه في ان يكون آخر ، في وطن يسع الجميع .

 

ابوبكر القاضي

ويلز / المملكة المتحدة

 

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. لا نختلف معك في دور جون قرنق كمفكر سياسي واجتماعي أساسي وكمقاتل حرب عصابات ذكي استطاع خلق جيش وقف ندا للجيش المركزي بل واستطاع هزيمته مرارا لكن من جهة أخرى جون قرنق فشل في التالي:
    1. بناء حركة مؤسسية تستطيع البقاء موحدة بعد رحيله .. تم بناء الحركة حول شخصيته لهذا تضعضعت بموته وتم إقصاء التيار الأقرب لأفكار ومواقف جون قرنق “أولاد قرنق”.
    2. بناء حزب سياسي حديث يتجاوز ويعالج قضايا الانتماءات القبلية والجهوية لهذا عاد كل قائد في الحركة العشبية لقاعدته القبلية يتقوى بها في صراعه مع القادة الآخرين
    3. وبالرغم من كونه شخصية وحدوية إلا أنه فشل في ترسيخ وتعزيز تيار الوحدة داخل الحركة لهذا تولى القوميون القيادة بمجرد موته.
    ورغم كل هذا لا يمكننا شيطنة أو تأليه جون قرنق وفصله عن ظروف وطبيعة التوازنات التي تحرك فيها وروى لي أحد قادة الحركة قصة توضح ذلك وهي أن جون قرنق طلب من مالك عقار ان يقلل من الجلالات العسكرية التي بها نعرات عنصرية أو “شتيمة” شخصية لبعض الشخصيات السياسية “الصادق المهدي تحديدا” فرد عليه عقار بأن هذه هي الأفكار والجلالات التي تجذب المقاتلين وتبقيهم في الحركة وأن دورهم كقادة ميدانيين هو تجنيد المقاتلين بأي طريقة وعلى جون قرنق أن يعلمهم مبادئ السودان الجديد بعد ذلك!

  2. مقال عاطفي لايحمل اي شئ جديد غير تبجيل ومدح شخص جون قرنق والحركة الشعبية اختبرت في اتفاق نيفاشا والتي استطاعات ان تفصل فيه جنوب السودان عن شماله وبمساعدة الكيزان اقتسام السلطة والثروة والتي تم خم كل النخب السياسية فيها الاتحاديين الشيوعية ماعدا حزب الامة القومي الذي رفض مشاركة اقتسام السلطة والثروة ماادي الى انشقاق مبارك الفاضل وتكوينه حزب امة ليدخل في حكومة 2005 والذي بدوره تمزق الى احزاب ومن هنا اتضح سطحية فكر قادة الحركة الشعبية وانهم لاينفعون كساسة تمجد وتبجل في اليساريين الذين يشبهون اليمنيون مع اختلافات الايدلوجا لكن المبدا واحد حكم الفرد الشمولية الجهوية العنصرية والجمهوريين والبعثيين والشيوعية ماهم الا نافخي ابواق لافكار وايدلوجيات عفى عنها الدهر ليس هنالك جديد في قوانيين لينين او افكار ماركس كدي اقر برنامج الخلاص الوطني لتعرف من المفكر الاعظم في تاريخ السودان

  3. مقال سطحي يتجاهل كثيرا من تاريخ السودان وكأنما هامش السودان هو دارفور وجنوب النيل الازرق والشرق وكأنما شمال السودان في قارة أخري ولا يمت للهامش بعلاقة وكذلك الشمال العروبي واذا قرأءت تاريخ السودان بتجرد واعطاء كل ذي حق حقه فإن شمال السودان هم نوبا وليس عرب واذا رجعت لتاريخ السودان القديم والحديث فإن دخول العرب لشمال السودان كان مع الفتوحات الاسلامية يعني قبل ١٤٠٠ سنه واذا اخذت شرق السودلن فتواجد القبائل العربية بالشرق من الهجرات العربية الاولي لذا دعو العنصرية ووصف الشمال بالجلابة مع انهم هم اصل حضارة البشرية وليس السودان فقط يعني اصل وحضارة ان شئت العنصرية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..