أزمة غياب المشروع الوطني السوداني: ستون عاما من التيه

ناصف بشير الأمين

في الذكرى الستين للإستقلال تقف الدولة السودانية على حافة إحتمالات المزيد من التقسيم والتفكك على أسس عرقية وثقافية ودينية لما تبقى من حدودها بعد فصل وإستقلال جنوب السودان، وحافة الإفلاس والإنهيار الإقتصادي التام، وقد اجتمعت فيها كل محددات الدولة الفاشلة. فهي دولة عاجزة عن السيطرة على كامل أراضيها، في ظل فقدان إحتكار السلطة العامة للعنف. وهي أيضا دولة عاجزة عن القيام بوظيفتها الأساسية في توفير الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والأمن والغذاء لمواطنيها. وهي عاجزة خارجيا عن التفاعل مع المجتمع الدولي كعضو فاعل فيه. وهي تعاني أزمة فقدان اوتضاؤل شرعية الحكومة في اعين مواطنيها او المجتمع الدولي. السبب الرئيسي الذي يقف وراء عملية التراجع والإنحدار المستمرين في مسيرة الدولة السودانية منذ الإستقلال وصولا الى حالة الدولة الفاشلة هو، من بين أشياء أخرى، عدم وجود مشروع وطني لدى “آباء” الإستقلال والإنظمة التي تعاقبت بعدهم على حكم البلاد. والمقصود هنا مشروع تأسيس دولة وطنية حديثة وظيفتها الأساسية تحقيق النهوض والتنمية الإقتصادية والتغيير الإجتماعي وكفالة الحقوق السياسية والأقتصادية والثقافية للمواطنين على أساس قاعدة حقوق المواطنة المتساوية لجميع السودانين دون تمييز ودون أستبعاد او إقصاء اي مجموعة ثقافية اودينية.

الفكرة المركزية في هذا المقال هي ان وصول الدولة السودانية مرحلة الدولة الفاشلة و حالة إنسداد الأفق التام بعد ستين عاما من إعلان الإستقلال وحوالي 27 عاما حكم الإسلاموين هو ليس فقط بسبب إستيلاء الأسلامويين على السلطة وتطبيقهم برنامج التمكين العنصري الإقصائي فحسب، وإنما تعود جذور الفشل الى فشل النخب التي ورثت الحكم عن المستعمر في تطوير مشروع وطني لتأسيس الدولة-الأمة السودانية الحديثة يعبر عن خصوصية تكوين السودان بتعدده العرقي والثقافي والديني واللغوي ويستوعب كل مكونات هذا التعدد دون تمييزاو إستبعاد. و يخاطب كذلك احتياجات الشعب بمختلف مكوناته في التنمية وبناء إقتصاد ومجتمع حديثين وتأمين الحقوق السياسية والإقتصادية والإجتماعية لكل السودانين على قدم المساواة. وأن ذات الشي ينطبق، ولو بدرجات متفاوته على جميع الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت على الحكم وصولا الى دكتاتورية الإسلامويين. المقال يحلل أزمة غياب المشروع الوطني بالتركيز على مفهوم المواطنة وبعض المفاهيم المساعدة المرتبطة به كالتعددية الثقافية وعدم التمييز. إن علاقة دولة الإستعمار بسكانها هي علاقة إستعمارية (علاقة مستعمر بمستعمر) مضمونها هو القهر والإخضاع بإستخدام القوة المسلحة والغلبة. بينما علاقة الدولة الوطنية بمواطنيها هي علاقة مواطنة مضمونها ومحتواها هو الخدمة وكفالة الحقوق السياسية والإقتصادية والثقافية وفقا للتعاقد الإجتماعي الطوعي. لذلك يأتي التركيز في هذا المقال على مفهوم المواطنة والحقوق الإنسانية المرتبطة به في هذا السياق التحليلي بإعتبارها تشكل معا القواعد الأساسية لأي مشروع وطني لبناء دولة-أمة في مرحلة ما بعد الإستعمار. والتي شكل على العكس إنكارها وتغيبها في التجربة السودانية الأسباب الجذرية التي اطلقت مسيرة التطور الإنحداري التقهقري منذ إعلان الإستقلال وصولا الي حالة الدولة الفاشلة المهددة بالانهيار والمزيد من التفكك كحال يوغسلافيا السابقة او الصومال.

الجذور التاريخية لغياب المشروع الوطني والفشل السياسي

لم تعط النخبة الشمالية التي تولت قيادة الإستقلال إعتبارا كافيا لحقيقة تاريخية هامة وهي أن الإستعمار التركي المصري ومن بعده البريطاني لعبا الدور الأساسي في خلق السودان بحدوده التي استقل بها عام 1956م. وأن هناك أجزاء انضمت حديثا لهذه الحدود مثل دارفور التي ضمتها الإدارة التركية المصرية للسودان في العقد الأخير من عمر الحكم التركي المصري 1874م لتعود مرة أخرى للإستقلال، مع نهاية الدولة المهدية 1899م، تحت حكم السلطان على دينار حتى 1916م. كذلك لم يتم توحيد جنوب السودان مع بقية أجزاء القطر عمليا الا بعد الغاء سياسة المناطق المقفولة في العقد الأخير من الحكم البريطاني. لم تراع خصوصية المنطقتين وكذلك جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ولا ما يتطلبه الإعتراف بهذه الخصوصيات من إعتراف بالحقوق الثقافية لمواطنيها. كذلك من مخلفات الماضي التي لعبت دورا رئيسيا و خطيرا في تشيكيل جذور الأزمة حملات الإسترقاق المكثفة في فترة الحكم التركي المصري ضد سكان مناطق بعينها، ومساهمة بعض الأفراد والمجموعات السودانية في هذه الحملات. مع الإقرار بان الرق ظاهرة موجودة منذ عهد الفراعنة والممالك النوبية القديمة وكذلك في سلطنتي الفونج والفور وفي الجنوب و كل المجتمعات التقليدية، الا انه كان يمارس في نطاق تقليدي محدود. التطور النوعي الذي حدث في فترة الإستعمار التركي المصري هو ان ظاهرة الرق تحولت الى ممارسة منهجية واسعة النطاق (كصناعة وتجارة واسعة النطاق شبيهة بتجارة الرقيق الأوروبية من غرب أفريقيا ما بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر للميلاد وتصدير الرقيق لآمريكا). وتحولت كذلك الى ممارسة مؤسسية بمعنى انها مرتبطة بسياسة الدولة كأحد الأهداف الرئيسية لغزو السودان (جلب العبيد والذهب). أدى هذا الإنتشار الواسع في ممارسة الإسترقاق ومشاركة أطراف وطنية فيه الى بذر أخطر بذور الإنقسام والكراهية في المجتمع السوداني. في رأي بروفيسور أمير إدريس (2013م)، أن تركات الرق و الإستعمارقد أسست نسقا مضطردا عاما من التمييز والعنصرية. هذه التركات الموروثة تعمل على تشكيل العلاقات السياسية والإقتصادية والثقافية ما بين دولة ما بعد الإستقلال والمجموعات الخاضعة لها. الحديث اللاحق في هذا المقال عن غياب مفهوم المواطنة والحقوق المتساوية عن متن المشروع الوطني المفترض يصطدم بالمفارقة الحادة – في هذا السياق الخاص – بفعل هذه التركة الثقيلة. فانا اتحدث هنا عن إعطاء حقوق مواطنة متساوية لقسم من السكان كان ينظر اليهم ك(مال) Property وليس كبشر لديهم كرامة وإستقلال ذاتي وحقوق أنسانية.

في فترة الثورة المهدية، يمكن الجدال ولو نظريا بأن مشروع الأمام محمد أحمد المهدي كان تتوفر فيه عناصر أولية لمشروع وطني جامع، منظور اليه في سياق زمانه ومكانه، قابلة للبناء عليها لاحقا. وأنه لولا رحيله المبكر كان يمكن المحافظة على الإستقلال الأول الذي حققه 1885م لأول دولة مستقلة في افريقيا وتطويره. علامات هذا المشروع تتبدى في ? من بين أشياء كثيرة أخرى- في انه لم يمنعه كونه دونقلاويا من أقصى الشمال من ان يعتمد على قبائل غرب السودان في دارفور وكردفان وكذلك جبال النوبة في انجاز ثورته وتحرير البلاد. كذلك لم يوص الإمام المهدي بتوريث السلطة لأحد أبناءه او اقرباءه من بعده، وأنما اختار خلفاءه من أنصاره (او رفاقه في الفكرة والثورة بلغة اليوم). ولم تكن تجمعه أي علاقة قرابة بأي من خلافائه الثلاثة الأوائل، بل ان احدهم كان من خارج السودان (سنوسي ليبيا). وفي رأي الكثيرين، توظيف الإمام المهدي لفكرة دينية (شيعية) لتوحيد من استطاع توحيدهم من السودانين ناتج عن حقيقة انه لم تكن تتوفر له اولغيره، من ناحية واقعية وتاريخية، اية ايديولوجية بديلة فعالة يمكن ان يوظفها لتوحيد السودانين تحت رايته من أجل تحرير البلاد من الإستعمار الأجنبي. في وقت لم تكن الأفكار الأوروبية الحديثة كالوطنية والإشتراكية واللبرالية قد وصلت أرض السودان بعد. الا انه وغض النظر عن صحة او عدم صحة فرضية توفر مشروع الأمام المهدى التحريري على عناصر أولية لمشروع وطني جامع كان يمكن البناء عليها لاحقا، فإن الذي لا خلاف حوله هو أن الأمور قد سارت بعد وفاته في الإتجاه المعاكس تماما. يتفق الكثيرون حول ان الصراع اللاحق بين ما عرف ب “أولاد البحر” و “أولاد الغرب” كان من أهم تركات المهدية التي ساهمت بدورها سلبا في تعميق حالة الإنقسام والفشل اللاحق. علي سبيل المثال لا الحصر، معاملة أهل المتمة من قبل جيش محمود ود أحمد يصعب تصورحدوثها في حرب أهليه بين طرفين وطنيين. وهي شبيهة في الواقع بما فعلته الجيوش الأجنبية الغازية كجيش محمد علي باشا بقيادة الدفتردار وحملاته الإنتقامية. وذات الشيء يمكن ان يقال عن ما يفعله النظام الحالي في حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وحملات الإغتصاب الجماعي واستخدام الطعام كسلاح ضد مواطنيه في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. الفرق أن الممارسة الأخيرة تحدث في القرن الواحد والعشرين وفي ظل وجود شرعة دولية لحقوق الأنسان وقانون دولي إنساني يحكم الحرب.

بالإنتقال لفترة الحكم البريطاني، نواجه بالتركة الثقيلة لقوانين المناطق المقفولة المعروفة وتأثيراتها اللاحقة في تطور الأحداث والعلاقات الوطنية، خاصة بين الشمال والجنوب. بالإضافة لذلك، فإن اخطر تركة خلفتها هذه الفترة وساهمت سلبا مع غيرها في تعميق جذور فشل المشروع والدولة الوطنيين (من وجهة نظر الكاتب) هي سياسة الحكم غير المباشر من خلال الزعامات القبلية. وهي سياسة ما تزال الكثير من الأقطار الأفريقية التي طبقت فيها تعاني من مخلفاتها الخطيرة في مرحلة ما بعد الإستعمار. يعتقد كثير من الدارسين خطأ ان هذه السياسة الإستعمارية تم تطويرها في السودان كرد فعل على ثورة 1924م. الصحيح أنها جزء من إستراتيجية فرق تسد الإستعمارية المعدة سلفا وأيضا طريقة للحكم بأقل تكلفة مالية. حيث أن توصيات لجنة اللورد الفرد منلر وزير المستعمرات وقتها والتي صدرت عام 1920م كانت قد تضمنت التوصية بعدم الإعتماد على المتعلمين ومنحهم سلطات اوسع والإعتماد بدلا منهم على الزعامات القبلية. ويدخل في ذلك أيضا قانون مشايخ الرحل 1922م و قانون المحاكم القروية 1926. كذلك عملت الإدارة البريطانية على دعم الإسلام التقليدي وشجعت إنتشار التعليم التقليدي وخلاوي القران. سياسة الحكم غير المباشر ادت الى تعزيز الإنقسام القبلي وتقوية النزعة والولاء القبليين في مجتمع لم يخرج أصلا من طوره القبلي، على حساب تنمية وتطوير الولاء الوطني الذي كان تحت التكوين. كذلك عملت على تقوية نفوذ الزعامات القبلية ومنحها صلاحيات (إدارية وقضائية معا) لم تكن تتمتع بها من قبل وفقا للأعراف القبلية التقليدية. وترسخ في وعي هذه القيادات القبلية إن مصدر سلطتها ليس مستمد بالتالي من المجتمع والقواعد القبلية وإنما من إرتباطها بالسلطة المركزية وأدوات القهر والترغيب والترهيب التي تمتلكها تلك السلطة. وهذه هي بالضبط أزمة الشرعية القائمة الى اليوم في الدولة السودانية والتي شكلت بدورها أحد أهم أسباب فشلها. هذه الزعامات التقليدية والقبلية ستصبح بعد رحيل المستعمر رصيدا دائما لقوى الطائفية والتخلف ومعادية بحكم تكوينها ومصالحها لقوى التغيير والتقدم وتحديث المجتمع، التي تسعى لأحداث تغيير هيكلي في بنية الدولة السودانية ومؤسساتها وسياساتها لتحويلها من دولة إستعمار و إستتباع/أمن ونظام عام الى دولة مواطنية/خدمية.

حول مفهوم المواطنة والمفاهيم المساعدة المرتبطة به
مفهوم المواطنة كما عرفه مارشال Marshal يعني العضوية الكاملة في المجتمع: ?Full membership of the community.?. في رأي الكثيرين، ان مصطلح “العضوية الكاملة” يعني ان المحتوى الملموس للمواطنة هو حقوق المواطنة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية. فالمواطنة كما عرفها براين تيرنر Brian Turner، هي حزمة من الممارسات القانونية والإقتصادية والثقافية التي تعرف الفرد كعضو فاعل في المجتمع. هذه الممارسات عند تيرنر، هي التي تحكم إنسياب الموارد للأفراد والمجموعات الإجتماعية. ووفقا لمبدأ حقوق المواطنة المتساوية، فإن هذا المضمون من الفرص الإقتصادية والإجتماعية والسياسية يجب ان يكون الوصول اليه والتمتع به متاحا لجميع المواطنين على قدم المساواة ودون تمييز. هذا يقودنا لمجموعة مفاهيم أخرى مساعدة وهي أن علاقة وحقوق المواطنة ذات طبيعة عالمية او عامة Universal وإنها شاملة لجميع المواطنين دون تميييز Inclusive . ولتحقيق ذلك يجب ان تكون علاقة المواطنة مشيدة حصريا على قواعد المواطنية المرتبطة بالأرض civic ties . والتي تنطبق على كل شخص يقيم بصفة دائمة في اقليم الدولة الجغرافي وينتمي لمجتمعها. ولا تتبع الخطوط العرقية او الدينية او الثقافية او اللغوية او الطبقية او الجهوية (المناطقية). النقد الذي وجه للمفهوم اللبرالي الذي عبر عنه مارشال والذي يركز على الحقوق القانونية والسياسية المتساوية للمواطنين هو انه وبدون إغناء المضمون الإقتصادي والإجتماعي للمفهوم، تصبح المواطنة القانونية الشكلية تعبير مفرغ من اي محتوى مواطنية حقيقية. وفقا لأنصار المدرسة الإشتراكية الديمقراطية (دولة الرفاهية الإجتماعية) فإن المساواة القانونية المجردة (المساواة أمام القانون) والحق المتساوى في المشاركة السياسية للمواطنين (كفالة الحقوق السياسية والمدنية) غير كافيين لوحدهما لمواجهة مشكلة التهميش. فالناس لا يتم تهميشهم فقط من خلال الإستبعاد القانوني والسياسي وإنما ? وهذا هو الأهم- من خلال مصادرة الفرص الإجتماعية (الفقر- العطالة ? الأمية..الخ). الفكرة المفتاحية في نموذج الإصلاح الإشتراكي الديمقراطي هي عدالة توزيع الفرص Equality of opportunities : أعطاء الأفراد الفرصة المتساوية للتنافس في المجتمع بناء على قدراتهم ومؤهلاتهم الشخصية ورغبتهم في العمل. لكن هذا النموذج للعدالة الإجتماعية لا يمكن تحقيقه الا من خلال نظام هندسة إجتماعية Social engineering يهدف الى القضاء على الفقر ومحدودية الفرص في المجتمع. ومن هنا ينبع تشديدنا على واقعة غياب المحتوى الإقتصادي الإجتماعي التنموي في المشروع الوطني المفترض لآباء الإستقلال. والذي يلخصه شعارهم الشهير “تحرير لاتعمير”. هناك أيضا نقد للمفهوم اللبرالي التقليدي للمواطنة القانونية-السياسية الشكلية طوره تيار ما يعرف بالتعددية الثقافية Multiculturalism. والمفهوم لا يحيل لواقع التعدد الثقافي في المجتمع وإنما للطريقة العادلة التي يجب إعتمادها لإدارة ذلك التعدد لجهة منح فرص التطور والتقدم المتكافيء للمجموعات المهمشة. هذه المدرسة تعتقد أن ظاهرة التهميش لها جذور أعمق من تلك التي توقفت عندها المدرسة الإشتراكية الديمقراطية. فتهميش المجموعات المهمشة وفقا لهذا المنظور ليس فقط ظاهرة قانونية سياسية إقتصادية، وإنما هو أيضا ظاهرة ثقافية. وهي تعمل من خلال الأنماط والقيم التي تشكل الطريقة التي من خلالها وبها يرى الناس أنفسهم ويتم النظر اليهم من قبل الآخرين. لذا يجب أيضا إعطاء الفرصة للمجموعات المهمشة لتأكيد ذواتها من خلال إبراز هوياتها الثقافية. وذلك من خلال الإعتراف بالمجموعات الثقافية وإحترام تنوعها ومنحها حقوقا خاصة، وفي حالات معينة التمييز الإيجابي لصالحها كمجموعات مهمشة بما يمكنها من المحافظة على هويتها الخاصة. ففي المجتمعات التي تنفرد فيها مجموعات معينة بالإمتيازات بينما تكون مجموعات أخرى مقموعة ومهمشة فإن الإصرار على أن يتنازل الأشخاص ? كمواطنين- عن هوياتهم الخاصة وأن يتبنوا توجهات وتصورات عامة سيخدم فقط تعزيز حالة التهميش. وذلك لأن مصالح وأيديولوجيات أصحاب الأمتيازات تنزع دوما في مثل هذه الوضعيات للهيمنة على هذا (العام) الموحد المفترض، وفي ذات الوقت تهميش او إسكات الأصوات والروايات الأخرى. المواطنة ينظر اليها أيضا، وفقا لزاموديو (Zamudio (2004))، كعلاقة ثلاثية الأبعاد: وضعية قانونية و ممارسة عملية ووعي ذاتي. كوضعية قانونية تعني مجموعة من الحقوق والواجبات بين المواطن والدولة . أما الممارسة العملية فتشير الى الشروط الضرورية الواجب توفرها من أجل تمكين الأفراد من ممارسة هذه الحقوق (التي قد يكون منصوص عليها نظريا في الدستور) والتمتع بها عمليا على أرض الواقع. بناء على اكتمال البعدين الأول والثاني يتولد في وعي الفرد الإحساس بالبعد الثالث وهو الشعور بالهوية الوطنية وبكونه مواطن يرتبط عضويا بوطن. بمعنى اخر اذا كانت الدولة ومؤسساتها لاتعامل أفرادا كمواطنين وإنما تعاملهم كرعية Subjects (تصادر المكونين الأول والثاني) فإن هولاء الأفراد لن تتوفر لديهم القابلية لأن يتطور لديهم وعي بالمواطنة والإنتماء. إن المساهمة الفاعلة في أي مجتمع او كيان سياسي تتطلب ان يحوز الأفراد والمجموعات على قدم المساواة الحد الأدني من الشروط المتعلقة باللوجستيات وبالمعارف والمهارات السياسية. لذا فإن أولئك الذين يحوزون هذه الإمكانيات والمعارف والمهارات سيكونون أعضاء أكثر تأهيلا وفعالية في المجتمع من غيرهم. وبفضل هذه الإمتيازات والمزايا سيتمكنون من الوصول الى الموارد الإجتماعية والإقتصادية من خلال ممارسة حقوق المواطنة المدنية والسياسية والإجتماعية. بالمقابل فإن أولئك الذين ينقصهم الحد الأدني اللازم من اللوجستيات والمعارف والمهارات فسيتم تهميشهم. لذلك فإن أوضاع اللامساواة الإجتماعية والفقر الحادتين ينتجان بنية سياسية إستبعادية (إقصائية)، والتي تتمكن فيها فقط أقليات مسيطرة من تأمين مصالحها بطريقة مؤسسية وفاعلة ومن خلال القنوات الرسمية. بينما مجموعات أخرى مثل الأقليات العرقية او الثقافية او الطبقية (الفقراء) والعاطلين عن العمل او النساء (حتى لو كانت أغلبية عددية) سيجدون أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية. لأن فقدانهم الإمتيازات الإجتماعية يمنعهم من المشاركة الكاملة في حياة المجتمع. وبسبب عدم الإعتراف بمطالبهم المشروعة بمنحهم حقوق المواطنة المتساوية وقفل قنوات المشاركة في خيرات المجتمع أمامهم لا يعود متاحا أمام المهمشين ومواطنى الدرجة الثانية سوى خيار الثورة او التمرد لإستراداد حقوقهم، كما هو الحال في سودان ما بعد الإستعمار.

على العكس تماما، في التجربة السودانية لدولة ما بعد الإستعمار، تم تبنى المواطنة الحصرية الإستبعادية Exclusive citizenship والتي تتبع تلك الخطوط العرقية والثقافية واللغوية والدينية والجهوية (المناطقية) والطبقية، بدلا من المواطنة الشاملة المرتبطة بالأرض. ومن خلال تبنيها لهوية ثقافة اولغوية اوعرقية اودينية او جهوية واحدة كمحدد للهوية الجماعية (الثقافة العربية والإسلام) فإنها تستبعد بالمقابل الهويات الثقافية للمجموعات الوطنية الأخرى. وتزداد حدة هذه العملية الإستبعادية كلما كان المجتمع يتميز بدرجة أعلى من التنوع الثقافي والعرقي واللغوي والديني كما هوحال المجتمع السوداني. ومؤدي ذلك ان هذه المحددات الثقافية واللغوية والدينية يتم توظيفها كاليات للتمييز ضد المجموعات والأفراد المستبعدين Excluded groups فيما يتعلق ببمارسة حقوق المواطنة المتساوية في التمثيل السياسي والمساهمة الثقافية والحقوق الإقتصادية والإجتماعية. هذه الآليات التمييزية تعمل على إدخال البعض الى دائرة المستفيدين ذوي المصالح المعترف بها وتعطيهم الشعور الكامل بالانتماء وبالمقابل تعمل على أستبعاد آخرين وترفض الإعتراف لهم بالحقوق والفرص المتساوية ومن ثم تشتغل عمليا على انتاج درجتين من المواطنة: مواطني الدرجة الأولى (أصحاب الإمتيازات) ومواطني الدرجة الثانية (المهمشين). هذه الوضعية هي التي عمقت من حالة الإنقسام المجتمعي وفشل المشروع الوطني وشكلت وقودا لتغذية النزاعات الحتمية بين أصحاب الإمتيازات الذين يمارسون عنف الدولة المركزية للدفاع عن إمتيازاتهم والمهمشين الذين يصارعون من أجل الحصول على حقوق المواطنة المتساوية.

عبادة العجل الذهبي وسنوات التيه والإحتراب
بناء على الفرشة النظرية المتقدمة، فإن آباء الإستقلال لم يكن لديهم مشروع حقيقي لبناء دولة وطنية حديثة وموحدة يكون هدفها الرئيسي هو خدمة ونماء وتطور مواطنيها وتمتعهم جميعا بحقوق المواطنة المتساوية دون تمييز. ولا اعتقد انني سأكون قد ظلمتهم اذا شبهت مشروع إستقلالهم المفرغ من المحتويين الإجتماعي والمساواتي بذلك “العجل الذهبي” في القصة التوراتية المعروفة. والذي حافظت عليه للأسف كل الأنظمة التي ورثت السلطة المركزية بعدهم، مع أدراكها بأنه (أي العجل الذهبي) صنم فارغ وليس إله حقيقي. والذي كتبت بسببه على السودانين أن يعيشوا سنوات (التيه) والإقتتال الممتدة طوال مرحلة ما بعد الإستقلال. في إنتظار (ألواح) المشروع الوطني الحقيقي التي تحطم ذلك (العجل المذهب) وترسم للسودانين مسار رحلة الخروج من سنوات التيه المتطاولة. أول علامات غياب المشروع الوطني هو المحافظة على ذات البنيات المؤسسية والسياسية لدولة الإستعمار دون تغيير يذكر. الدولة الإستعمارية بالتعريف By definition هي دولة صممت خصيصا لخدمة مصالح غير مصالح مواطنيها. وهي مصالح المستعمر الإجنبي الذي كان يقبع في ما وراء البحار. وعلاقتها بسكانها هي علاقة مستعمر بمستعمر قائمة على الأوامر العسكرية وفرض الأمن والنظام العام لغرض تأمين خضوع هولاء السكان التام للإستعمار وسياساته وضمان إستمراره. الدولة الوطنية على العكس من ذلك هي أيضا بالتعريف دولة يعاد تصميمها لآداء وظيفة رئيسية مختلفة وهي خدمة مواطنيها وتحقيق رفاهيتهم. ولكن الذي حدث ان النخب التي تعاقبت على الحكم قد حافظت على ذات المؤسسات والسياسات لدولة الأستعمار التي استمرت دولة أمنية بوليسية هدفها قمع المواطنين وليس خدمتهم (دولة الأمن والنظام العام وليس دولة الخدمات والرفاهية الإجتماعية). لذلك حدث ذلك التضخم المستمر في أجهزة الأمن والجيوش والمليشيات وتضخم نصيبها من الدخل القومي الى حد جاوز كل المعايير الدولية. وبالمقابل حدث التضاؤل المستمر في خدمات الصحة والتعليم والغذاء والإسكان…الخ حد التلاشي وتضاءل الإنفاق عليها. وصولا الى حكم الإسلاميين الذي استمر فيه الإنفاق على الأمن والدفاع يستأثر بحوالي 75% من الموازنة العامة لطوال ما يزيد عن ربع القرن. واضعين في الإعتبارحقيقة أن السودان لم يخض منذ إستقلاله حربا ضد أي عدو خارجي. التفسير الوحيد هو أن بنية وسياسة هذه الدولة ذات الطبيعة الإستعمارية كتب لها الإستمرار لتخدم مؤسسيا مصالح مجموعة أقلوية حلت محل المستعمر في السيطرة على الحكومة المركزية بذات الطريقة التي كانت تخدم بها مصالح المستعمر. مما يفرض طغيان الأولويات الأمنية على أولويات التنمية وعدالة التوزيع.

كذلك تم افتراض ان هناك ثقافة ولغة جامعة سابقة على عملية الإستقلال (اللغة والثقافة العربيتين): وجود أمة ذات مكونات موحدة ومنسجمة سابقة لوجود الدولة الحديثة الموروثة عن الإستعمار. هذا محض افتراض وإختيار ايديولوجي لجيل الإستقلال من أبناء الوسط والشمال النيلي ولم يكن تعبيرا محايدا عن الواقع الثقافي والإثني في السودان . فالذي لا خلاف عليه هو واقع التنوع الثقافي واللغوي التاريخي والمعاصر. كذلك لم يعط إعتبار كافي لحقيقة أن هناك اجزاء من البلاد انضمت حديثا بإرادة الإستعمار للحدود الموروثة عن السلطنة الزرقاء (دارفور وجنوب السودان). حسب أمير ادريس (2013م)، فان الدولة هي التي تصنع الأمة وليس العكس. وصناعة الأمم الناجحة (خاصة في المجتمعات التي تمتاز بالتنوع الثقافي والعرقي كالمجتمع السوداني) تتم من خلال إعتماد برنامج بناء وطني يعترف بالتنوع ويبني عليه ويعطي بالتالي لكل المجموعات الوطنية أسهما وتمثيلا متساويا في الكيان الوطني. وليس من خلال الإنحياز لمكون ثقافي او ديني او لغوي واحد ومحاولة فرضه بالقوة على بقية المكونات كما في النموذج السوداني الفاشل. النتيجة المباشرة للتمسك بهذا المشروع الأحادي (او عبادة ذلك العجل الذهبي في التشبيه الذي أستخدمته) كانت فصل ثلث مساحة البلاد وفقدان حوالي ربع سكانها ويهدد استمرارذلك النهج بتقسيم ما تبقى منها على أسس عرقية وجهوية.

الحزبان الرئيسيان اللذان قادا الحركة الوطنية (الحزب الإتحادي الديمقراطي وحزب الأمة) قاما على دعائم الطائفية والقبيلة وتوظيف الدين لتحقيق الأجندة السياسية. وهي محددات على طائفيتها وتقليديتها محصورة بمكوني الإسلام والعروبة الذين لا يشملان بطبيعتهما بقية مكونات الدولة السودانية غير العربية او غير المسلمة. كذلك نجد أن شعار “وحدة وادي النيل” الذي شكل عصب برنامج الشق الأكبر من النخبة التي تزعمت الحركة الوطنية (الإتحاديين) لم يكن يعبر لا عن مصالح ولا عن تطلعات قطاع عريض من الشعب، إن لم يكن يتعارض معها في العمق. والمشكلة الأكبر ان الإرتباط بمصرعند هذه النخب الإتحادية كان (ولا يزال لدى البعض) مقدما على خلق روابط مع فرقاءهم السودانين. كذلك غاب عن أجندة الحزبين البرنامج التنموي الذي يستهدف تنمية الريف وبناء إقتصاد وطني حديث قادر على كفالة الحقوق الإجتماعية والإقتصادية للمواطنين. والذي كان يتطلب، كما سبقت الإشارة، إحداث تغيير هيكلي في بنية الدولة الموروثة عن الإستعمار لجهة تحويلها من دولة إستعمارية بوليسية هدفها الحفاظ على الأمن والنظام العام،لأجل تأمين مصالح الإستعمار وضمان إستمراره، الى دولة وطنية ديمقراطية أهدافها الأساسية هي خدمة مواطنيها وتحقيق رفاهيتهم وتطلعاتهم. ورفع بدلا من ذلك شعار “تحرير لا تعمير.” وأغرق الحزبان البلاد في وحل الصراع الطائفي فيما بينهما. وقد كان واضحا ان هم هذه النخب هو الحلول مكان البريطانين في قيادة الدولة الإستعمارية بذات بنيتها الإستعمارية البوليسية (والتي حافظت عليها كل الحكومات المتعاقبة بعد الإستقلال الى اليوم) وليس إحداث أي تغيير في بنية ومؤسسات وسياسات هذه الدولة.

يقتضي الحياد والموضوعية تثبت حقيقة أن هناك إستثناءات من أزمة غياب المشروع الوطني العامة (او عبادة العجل الذهبي في التشبيه المستعار). فيمكن الجدال بأن الحركة الوطنية الأولي التي تكونت بعد الحرب العالمية الأولى، والتي نجح الإستعمار في تصفيتها والقضاء على تركتها (حركة اللواء الأبيض)، كانت تملك مشروعا وطنيا جامعا inclusive Sudanese nationalism يقوم على رؤية توحيد جميع السودانين دون تمييز على أساس عرقي او ديني أو طائفي لمواجهة الإستعمار. وفي نظر الكثيرين، لو قدر لمجموعة اللواء الأبيض بقيادة علي عبداللطيف وعبيد حاج الأمين ورفاقهم ان تكون جزءا من قيادة الحركة الوطنية التي حققت الإستقلال السياسي، وأن يكون قادتها ورموزها من ضمن آباء الإستقلال، لأخذ تاريخ السودان مسارا مختلفا. ملامح هذا المشروع الوطني البديل الذي حملته حركة اللواء الأبيض ظلت أيضا حاضرة لحدود متفاوتة في برنامج اليسار والقوى التقدمية السودانية الحديثة. وفي رؤية السودان الجديد التي طورها القائد الوحدوي د. جون قرنق دي مبيور. إلا ان الحقيقة الهامة الأخرى التي يجب عدم إغفالها هي أن اليسار السوداني والقوى التقدمية الحديثة عموما ظلت تيارا هامشيا ومحدود التأثير في المجرى العام للتطور الوطني لطوال مرحلة ما بعد الإستعمار.

تجليات أزمة غياب المشروع الوطني: مسيرة الفشل السياسي المزمن للدولة السودانية
علامات هذا الفشل كثيرة وقد تجلت في غياب الديمقراطية والحريات العامة ومن ثم غياب دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وإستقلال القضاء وسيادة حكم القانون معظم سنين ما بعد الإستقلال. وذلك بسبب سيطرة الأنظمة الدكتاتورية العسكرية على مقاليد الحكم في معظم سنوات ما بعد الإستقلال. وتجلت كذلك في سياسات وممارسات منهجية ومؤسسية ارتبطت بالدولة السودانية منذ الإستقلال وإستمرت خلال كل الحكومات المتعاقبة المدنية والعسكرية مثل التهميش الإقتصادي والإهمال التنموي لغالبية السودانين وكذلك عنف الدولة المفرط ضد مواطنيها والفشل في صياغة دستور دائم للبلاد. وتجلت أيضا في حوادث وتجليات عديدة هامة ناتجة عن هذا الإختلال المؤسسي يمكن الأشارة الى أهمها كأمثلة دالة على هذا الفشل. ففي فترة الحكم الوطني الأول نشيرعلى سبيل المثال لا الحصر الي واقعة النكوص عن الوعد الذي قطع لنواب الجنوب بمنح جنوب السودان الحكم الذاتي او الفدرالية مقابل تصويتهم لصالح الإستقلال. ودور ذلك في إستمرار التمرد الذي انطلقت شرارته الأولى عشية إعلان الإستقلال. وكذلك ضئالة نصيب الجنوب ومناطق الهامش عموما في الوظائف التي تمت سودنتها. وفي ظل نظام الفريق إبراهيم عبود العسكري (1958-1964م) لا بد من الإشارة لبرنامج الأسلمة والتعريب القسريين للجنوب، وقرارات طرد الكنائس والإرساليات. وكذلك الإعتماد على الحل العسكري والعنف المفرط لحسم التمرد في جنوب البلاد، بدل مخاطبة مطالب الجنوبين المشروعة في الحكم الذاتي وحقوق المواطنة المتساوية. وفي فترة الحكومة المدنية التي اعقبت ثورة أكتوبر (1964- 1969م) يمكن الإشارة لحدثين هامين هما طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان وطرح مشروع الدستور الإسلامي 1968م. وفي فترة حكم دكتاتورية جعفر نميري (1969 -1985م)، نشير الى خرق الرئيس نميري منفردا إتفاقية أديس أببا 1973م التي اوقفت الحرب. وتطبيق قوانين ما عرف بالشريعة الإسلامية 1983م. وإندلاع التمرد الثاني بقيادة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان 1983م. ومن المحطات الهامة في هذا السياق في حكومة الديمقراطية الثانية بقيادة السيد الصادق المهدي (1986-1989م)، نشير الى الفشل في عقد المؤتمر القومي الدستوري. ورفض رئيس الوزراء الصادق المهدي لمبادرة السلام السودانية (إتفاقية الميرغني-قرنق 1986م). وتكوين قوات الدفاع الشعبي والإنحياز للقبائل العربية في دارفور وتسليحها. ومن الأحداث ذات الدلالة الهامة في هذا السياق أيضا أحداث الضعين 1987م التي شهدت تورط الحزب الحاكم في التحريض على أعمال القتل التي راح ضحيتها أكثر من 1500 من الجنوبين.

وكان لابد للديناميكيات التي اطلقتها مقدمات الفشل التي ناقشها هذا المقال أن تصل الى نهاياتها ونتائجها المنطقية بوصول الإسلامويين للحكم. بإعتبار أن تكوين الإسلامويين وسياساتهم يمثلان أقصى تجليات فشل المشروع الوطني وذلك بحكم عداءهم للديمقراطية وفاشيتهم الدينية وبرنامج التمكين العنصري الجهوي الذي طبقوه بل فرضوه بقوة السلاح. وخلعت الدولة في عهدهم (الحجاب الوطني) الذي كانت تغطي به سوءتها تقية، واسفرت عن وجهها الإستعماري القديم. تحت لافتات التمكين والجهاد المقدس، كادت الدولة أن تتحول بالكامل الى جهاز بوليسي أمني كبير اختفت معه اوتقزمت معظم الأجهزة الخدمية والعدلية. وعادت وظيفة الدولة الرئيسية كما كانت أيام الإستعمار هي حفظ الأمن والنظام العام والتنكيل بالمعارضين، بعد أن أخذ مفهوم النظام العام مضمونا أيديولوجيا فاشيا. فالهدف المعلن هو (تمكين) أقلية حزبية وجهوية لاتتجاوز المئات من الإستيلاء الحصري على كل السلطة السياسية ومعظم الثروة القومية بوضع اليد، مع فرض تصوراتهم الآيديولوجية وخياراتهم الثقافية على الجميع. مما ادى الى فصل الجنوب وزيادة تمزيق النسيج الوطني بما يهدد بمزيد من التقسيم لما تبقى من البلاد على أسس عرقية وجهوية. وشنت الحروب الجهادية على المهمشين من المواطنين الذي اعترضوا على أوضاع تهميشهم وإستتباعهم حد إرتكاب الإبادة الجماعية ومختلف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. الحديث في مثل هذا السياق عن دولة مدنية ديمقراطية وحقوق مواطنة متساوية ودولة خدمات وحقوق سياسية وإجتماعية يصبح غير ذي معنى و موضوع. فالعلاقة هنا هي علاقة رعية بإمتياز وليست علاقة مواطنة. وبالتعبير الذي يستخدمه ويحبذه الإسلامويون أنفسهم ويكثرون من ترديده هي علاقة (أمارة) وليست علاقة خدمة. فالأمير يخدم بالضم ولا يخدم بالفتح. ويأخذ ولا يعطي لأنه يملك. وإن أعطى فهي منحة منه واجبة الشكر وليست حق. وهو مسؤل أمام الله (وحده) وليس أمام (الناس). وهذا هو المنتهى الطبيعي الذي كان لا بد لمسيرة (العجل الذهبي) من أن تبلغه، حسب المجرى الطبيعي لقوانين التاريخ والإجتماع البشري.

حصاد الهشيم وضرورة صياغة مشروع وطني بديل
عودة الى بدء، في الذكرى الستين للإستقلال، يجد السودان نفسه دولة فاشلة وغير قادرة على القيام بفاعلية بكل وظائفها السياسية والإقتصادية والإجتماعية (الخدمية) وهي في حالة حرب مستمرة مع ذاتها ومنهارة إقتصاديا. وهو أيضا يرزح تحت الوصاية الدولية (بحكم الأمر الواقع وبالنظرلحجم الوجود العسكري الأجنبي على أراضيه وحضور السودان الدائم في أجندة مجلس الأمن الدولي وسائر الهيئات الأممية والأقليمية ذات الصلة). وصول الإسلامويين للحكم بنظامهم الديكتاتوري و برنامجهم التمكيني الجهادي وسياساتهم الإقصائية العنصرية (التي بلغت حد فصل جنوب البلاد وإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد شعوب الهامش) اوصل البلاد الى حالة الفشل وحافة الإنهيارالتامين. نظام الإسلامويين وسياساته لايمثلان تطورا منفصلا عما قبله وإنما حلقة متصلة تتميز بكونها تمثل حالة التجلي القصوي لذات الإختيارات الآيديولوجية والسياسية التي تبنتها النخب التي تعاقبت على السيطرة على السلطة المركزية منذ الإستقلال. هذه الإختيارت ظلت تمثل نمطا ثابتا مطردا من سياسات الإستبعاد والتهميش والهيمنة والظلم الإجتماعي طوال مرحلة ما بعد الإستقلال. لا فرق في ذلك بين نظام مدني اوعسكري الا في درجة الحدة والتكثيف ونعومة اوخشونة آليات القهر والتمييز والإستبعاد التي وظفت. في نظري، ان حالة الفشل السياسي والإنهيار الإقتصادي والتفكك المجتمعي الراهنة هي مؤشرات واضحة الى أن المشروع الذي تم تبنيه لمرحلة ما بعد الإستعمار قد وصل مع حكم الإسلامويين وما نتج عنه الي مرحلة إنسداد الأفق التام. ولم يعد من خيار غير صياغة مشروع وطني بديل لبناء دولة مدنية ديمقراطية موحدة وسودان جديد يعترف بالتنوع العرقي والثقافي والديني واللغوي وحقوق المواطنة المتساوية. فالتاريخ وتجارب بناء الأمم تعلمنا بأن الهويات المتصارعة التي انتجت العنف والإنقسام يمكن ان تصبح هويات مسالمة ومتآلفة اذا ما تمت إعادة تعريف وإعادة بناء الدولة بطريقة تجعل من إدارة والتعايش بين هذه الهويات أمرا ممكنا. وهو أيضا مشروع وطني بديل يقوم على تعاقد دستوري وسياسي طوعي يشمل الجميع دون إقصاء ويلتزم ليس فقط بحقوق المشاركة السياسية الديمقراطية المتساوية وإنما أيضا بالتنمية وبالتوزيع العادل للثروة بما يكفل تأمين كافة الحقوق الاجتماعية والإقتصادية للمواطنين سواسية. والإ فإن البديل هو ترك مسيرة التدهور تسير على ما هي عليه الى نهاياتها المنطقية: المزيد من الإحتراب والتقسيم والإنهيارات تماما كحال يوغسلافيا السابقة او الصومال.

تعليق واحد

  1. مشكلة السودان و الانحطاط المستمر لهذا البلد منذ أن أستقل و حتى اليوم بسيطة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار لا تحتاج الى مقالات طويلة مملة او دروس تقوية أو دروس عصر كما يقول السودانيون .المشكلة تكمن في الطبيعة العنصرية والاستعلائية و الاستبدادية و الجشعة التي يتميز بها أولئك الذين ورثوا السلطة السياسية من لدن الاستقلال و الى اليوم .تلك النخب التي كانت ترى أن لها ولاية من السماء على الآخرين فبدأت أول ما بدأت بتصدير النواب من الوسط و الشمال الى مناطق الغرب كي يمثلوا شعوب تلك المناطق (سبحان الله)في عملية استغلال بشعة لا تليق بأبناء الوطن الواحد .أولئك النواب الذين ربما كانوا لا يعرفون أسماء المناطق التي كان عليهم تمثيلها في البرلمان (بالله عليكم كيف تريدون لأمة هذه عقليتها أن تنهض ؟؟؟؟؟؟).
    ذلك الفعل القبيح كان الهدف منه السيطرة و الاستحواذ و الظلم و هضم حقوق الغير .تلك العقلية التي صدرت النواب الى غرب السودان مازالت باقية و تحكم الى اليوم و لكن تغيرت عندها أساليب المكر و الخداع كي تناسب القرن الحادي و العشرين فبدلا من تصدير النواب صارت تعين من أبناء المنطقة من يدين لها بالولاء الاعمى و يطبق لها سياساتها بحذافيرها بل ويدافع عن تلك السياسات حتى إن كان فيها هلاك الحرث والنسل وهذا ما نراه الآن في ولاة دارفور وجنوب كردفان الذين يباركون أفعال النظام المشينة بحق أهاليهم و ذويهم .السؤال :كيف لوطن او كيف لأمة أن تنهض عندما يتم تجاهل نصف الشعب و تعطيله بالإهمال و التهميش و الإقصاء و تعطيل الموارد القابعة في تلك المناطق المغضوب عليها و تركيز الاهتمام بشريحة صغيرة كمايحدث الآن .لن ينهض وطن نصفه شعبه و موارده معطل و خارج المعادلة .

  2. الأخ الكاتب احترامي لما طرحته ولكن لم اجد فيه شيء من الحقيقة التي تؤدي الى النتائج التي توصلت اليها ولذلك اعتقد ان المقال نفى حقائق لمدة سبعة الاف سنة تمثل تاريخ السودان , عندما كان السودان الحالي يسمى اثيوبيا واثيوبيا الحالية هي الحبشة وقد حكم السودان او اثيوبيا مصر لمدة ثلاثمائة سنة استطاع فيها السودان ادخال طرق للري لم يعرفها الفراعنة في عهد تراهقا ومن بعده وقد كان نفوذ السودان حتى فلسطين وإسرائيل فقد كان السودان يحمي فلسطين وإسرائيل الحالية ومن خلال دفاعه عن فلسطين وإسرائيل هزم الجيش السوداني …

    لم يكن التعايش بين السودانيين الا نموزجا يحتزى به في كل الحضارات التي نشأت في السودان لم يكن النسب والعرق مشكلة في يوم من الأيام في السودان ولا أي مكان في الأرض لان الانسان له دم واحد من اول الخليقة ابونا ادم وامنا حواء ولذلك من حسن حظنا ويجب ان نمجد الله سبحانه وتعالى على هذه الاية التي تسمى الأنسان وكذلك سبب التعايش بين الناس بمختلف اعراقهم وبلادهم الامثلة في كل دولة موجودة على الأرض “سبحان الله ” والأخ الكاتب فالينظر الى اعظم حضارة صنعها الله سبحانه وتعالى في خلقه والاغراض وتجسيدها في الولايات المتحدة حيث ان سكان الأرض جميعهم يعيشون في سعادة وانسجام وقد استطاع هذا التنوع العرقي في خلق اعظم دولة في التاريخ , اذن تنوعنا في السودان تنوع إيجابي ولم يخلق أي مشكلة خلال الستين عاما .

    السودان ليس دولة فاشلة في يوم من الأيام ولا اماني هذا الشعب كذلك ولكن فالنحسب السنين التي حكم فبها دستور السودان لسنة 1956 وهي الثلاثة الأولى ثم انقلاب عبود على السلطة الدستورية , ثم بعد ستة سنوات خرج الشعب السوداني معلم الشعوب بثورة أكتوبر 1964 ثم جاء انقلاب الشيوعيون والاشتراكيون لمد ستة عشر سنة ثم قام الشعب السوداني بكافة تنوعه العرقي بثورة ابريل 1984 وأعاد حكم الدستور وبدأت الفترة الدستورية من نجاح الى نجاح ثم قام الاخوان بمليشياتهم بانقلابهم على سلطة دستورية لمدة ستة وعشرون عاما حتى الان ولذلك فان الفترات الغير دستورية كانت ثمانية واربعون عاما مقابل تسعة سنوات , اذن مشكلة الدستور هي المشكلة الأولى التي يجب ان ينتبه اليها الكاتب , من ثم فترة التدمير لتقدم البلاد كان سببه الأنظمة الغير دستورية وهي تقريبا الستين عاما التي حكمت فيها بلادنا بانظمة لا تملك السلطة الدستورية وهي السبب الرئيس في الفشل الذي قصده الكاتب , لم يكن الشعب السوداني وامانيه العظيمة مشارك في هذه الأنظمة ومن ثم ينسب الفشل الى هذه الأنظمة ويتحمل كل من شارك فيها ما حدث لبلادنا .

    تخيل أيها الأخ العزيز لو استمر السودان منذ الاستقلال بحكم الشعب والى الشعب تحت الدستور الأنتقالي لسنة 1956 لقد تم كتابة الدستور الدائم سنة 1968 ومر بالقراءة الأولى والثانية وقبل اجازته قام انقلاب نميري على السلطة الدستورية , ثم تخيل اخي لو ان في يوم 30 يونيو والجمعية التاسيسية مجتمعة حتى الساعات الأولى لاجازة اتفاقية المرغني قرنق لكان السودان على اعتاب حلم الشعب السوداني حيث ان صادرات البترول بلغت اكثر من مائتان بليون دولار وقام الشعب من خلال حكومته بصرف هذا المبلغ على بناء السودان الذي كان سيشرف افريقيا والعالم العربي و لكان السودان اغنى من دول الخليج مجتمعة ولتوفرت الخدمات التي يحلم بها شعبنا ان ما كتبته ليس له علاقة بالشعب السوداني واحلامه القومية .

    اما حديثك عن ان دارفور كانت دولة منفصلة عن السودان في التاريخ لم تكن دارفور دولة وما كان يقوم به السلطان على دينار هي خصوصيته والتاريخ المروع الذي كتب خلال هذه الفترة ونقول لك ان ما يسمى الان بشاد ماهي الا السودان الفرنسي وهي داخلة في حدود السودان ولكن نسبة لصراح الاستعمار الفرنسي مع الإنجليزي سمي السودان الحالي بالسودان الإنجليزي والسودان الفرنسي , واوكد لك سياتي السودان يوما ويستعيد مايسمى بشاد الى الوطن الام .

    اما جنوب السودان فهو يعني من جبل أولياء الى نمولي الحبيبة وانه لا يوجد انفصال ولن يحدث ما حدث بين الاخوان والحركة الشعبية غير دستوري وليست له اثار وباطل بطلان مطلق ومن ثم مازال السودان تسعة مديريات , وحلايب تمثل السودان بأكمله ولن تكون لنا علاقة مع مصر الا بعد استرجاع أي شبر من ارضنا والله المستعان على ماتصفون

  3. شكراً الأستاذ ناصف .. فقد طرحت في مقالك مقاربة لأوضاعنا قل ما تيسر لغيرك من المثقفين على الأقل في جانب التسبيب وإن اختلفنا معك في بعض ما أوردت في مقالك القيم ..

    المؤسسة الدينية (الصوفية ثم الحديثة)هي التي تسببت في إنعدام مشروع سوداني للنهضة .. وحسب إعتقادي لن يستطيع توليد مقاربة نهضوية ذات مصداقية للسودان إلا المثقفين الذين لم يقعوا تحت أسر المؤسسة الدينية .. ولقد رأينا كيف قدم المفكر السوداني الزعيم الدكتور جون قرنق ديمابيور مشروع السودان الجديد الذي إرتكز فقط على واقع السودان والسودانيين ماضياً وحاضراً .. ولا شك أنه هو المشروع النهضوي الوحيد الذي أنجبته الرحم السوداني في الساحة .. وهو سر عظمة هذا الرجل الذي كان الأمل للسودان ..

    المؤسسة الدينية في السودان نشأت في كنف العنصرية .. ثم إستمرت في بناء وجودها على أساس ترسيخ الثقافة التي تفرق بين السودانيين على أسس العرق واللون والدين بأساليب ناعمة .. وتلك الأسس هي أسس وهمية لا وجود لها في الحقيقة لأن كل السودانيين في الوسط النيلي يحملون دماء النوبة – السكان الأصليين لوادي النيل الأوسط .. فالمؤسسة الدينية الصوفية بنيت على تكريس العنصرية عن طريق ممارسة العبودية على السودانيين .. والسخرة على العربي وغير العربي إلى اليوم .. وهي إلى اليوم تحيا وتعيش على أسس العنصرية والسخرة والغش الرخيص عن طريق استغلال الدين وإدعاء خوارق العادات ..

    والمؤسسة الدينية الحديثة (الكيزان) لا تختلف عن الصوفية إلا من ناحية أن قادتها يلبسون ربطات العنق بدل الجلبان والعمامة .. بجانب استخدامها الوسائل الخشنة والناعمة معاً لترويض السودانيين واستعباد الناس ..

    وهذا الحديث طويل وغني إلى حد لا يمكننا الخوض فيه في تعليق .. وليتنا رأينا لك بحثاً في هذا ..

  4. تحليل عميق لحقائق مازالت تبعاتها ماثلة أمامنا ولاسبيل للفكاك منها إلا بإجماع وطنى يرتكز على مشروع وحدوى نهضوى قائمة على دولة المواطنة وحقوق الإنسان فقط إشارة بسيطة لأهم أسباب التردى السياسى وحالة الإحتقان الحادثة اليوم وهى التهميش والإقصاء لجغرافيا المناطق المقفولة تحديدا دون إستصحاب بعض المناطق والتى لاتماثلها فى الظلم والتهميش وظلت حالات نادرة لطبيعة حياة ساكنها الزراعية والرعوية والتى يشوبها التوتر والإحتكاك فى جميع المجتمعات . إقفال الحقوق المدنية والسياسية والحكم الذاتى للجنوب نظرا لخصوصية أقاليمه من أهم مسببات إندلاع الثورة فى الجنوب عقب الإستقلال مباشرتا وظلت تلك هى مطالب الثوار الجنوبيين المستعصية على الحكومات المتعاقبة وكان بالإمكان تفادى الإنفصال وعقد المصالحة الوطنية فى سبتمبر 89 لولا ثورة الجياع الكيزانية البغيضة ..

    الحرية لوليد الحسن وكل المعتقلين فى سجون الطغاة .

  5. لاترموا على الحقب المواطنة ،الأستقلال أخذ بالمواطنة والقومية الحقة ثم توالت الأحكام العسكرية بالمواطنة ولكن دخول الأحزاب السياسية والتفكك السياسي الناشيء المتبع السيادة وسيدي فلان وسيدي علان هي ذات المخاض الوطني الذي يبحث عن الديمقراطية المخادعة المقلدة ثم الأحزاب والتمكيين المتاسلم الكاذب والنفاق الذي اتى به الأخوان والأحزاب الفاشلة والتى خدعت الشعب المغلوب على أمره بالأنتفاضات الكاذبة فالمواطنه تذعزعت فى التعليم والصحة والمجتمع وتلاشت من الجيل الحاضر ولكن حوا السودانية والدة وقوميتها مندثرة ونسأل المولى عاجلاً وغير أجل أن يعيد السودان برجاله وقوميتة ووطنيتة وعاش السودان حراً أبيا.

  6. قد أصبت كبد الحقيقة بهدا التحليل الواقعى و الصادق و المنطقى وقد بينت فيه الحقائق المرة التى نتهرب منهاو التى تحتاج لعلماء النفس لتفسير ظاهرة تهربنا من هذه الحقائق.

  7. ستون عاما من الاستقلال والاستغلال
    مابين الحكم الديمقراطي والعسكري
    ضاق الشعب بفوضى وانحلال الحكم الديمقراطي فخرج يهتف .. العذاب ولا الاحزاب ..
    فاستجاب الله الدعاء فجاءت الانقاذ وسامت الشعب السوداني بسياط العذاب وانعمت الحريات وفقدوا حتى حق الدعاء وسلبت الحريه حتى لايعودوا يهتفوا .. الاحزاب ولا العذاب
    – جاء الشيوعيون مع مايو 1969م فحكموا وانقلب عليهم العسكر فصارت شموليه ولكنها وطنيه وشريفه لم يعرف عنها فسادوكان لها قدرا مقدرا في التنميه واكتشفت البترول
    – جاء الاخوان المسلمين مع الانقاذ 1989م وانقلب عليهم العسكر فصارت شموليه فرعونيه واستشرى الفساد ولم يعرف الا بعض الكباري والسد .. وهذه الحقبه تعتبر الاكثر سوادا وقتامه وما زال الشعب السوداني يحاول الخلاص ولا يستطيع
    اكثر من مئة حزب وما يقارب الاربعين حركه مسلحه و70 وزير و18 والي بحكوماتهم واكثر من 400 عضو برلمان وجيوش جراره من الدستوريين و 3 حروب اهليه ونعرات قبليه بغيضه نتيجة لموازنات الحكم في اسوأ تطبيق لسياسه فرق تسد وكلها تاكل الاخضر واليابس وتفسد وتمارس الفساد وهي امنه من الححسيب والرقيب والعقاب كما تتنفس تماما والشعب مقيد بلا حريه حتى اصبح الشعب كقطيع من الاغنام لا وجهة له ولا اراده وهو مكبل ولا حرية ولا كلمة له ويبطش به بطشا لم يبطشه المستعمر التركي او الانجليزي وتجبى امواله بفظاظه وجلافه دون ان يقدم له ولو النذر اليسير مما يؤخذ منه عنوة
    وما زال الشعب السوداني بين المستعمر الاجنبي والوطني تائها حيرانا
    نسال الله له الاستقلال والحريه

  8. (وبدون اغناءالمضمون الاقتصادى والاجتماعى لمفهموم المواطنة تصبح مفرغة من اى محتوى مواطنة حقيقية )وهنا مربط الفرس والعقبةالتى وقف عندها حمار الشيخ عاجزا وهو ما يعكس واقع الصراع السوداني فى ابسط صوره وهو الخلاف (العرقى الثقافى )وهذا العجز الاحتماعى هو ما يعبر عنه بعبارات الاستعلاء والتعنصر والاستبعاد والعزل والتهميش التى تصم اذاننا صباح مساءوجميعها تعودالى الاصل المشترك وهو الفارق العرقى وتابعه الثقافى .. لا توجد فى السودان قوانين عنصرية مكتوبة كما كان الحال فى جنوب افريقيا او امريكا سابقا والجميع متساوون فى فرص الممارسة السياسية والكسب الاقتصادى والثقافى والاجتماعى فالفرص متكافئة للجميع الا ان المشكلة تعود الى عوامل نفسية تعود الى موروث العقل الباطنى المرتبط ببمارسات عهود الرق والاستعباد السالفة والتى استعصى اخماد جذوتها نتيجة لانتقالها بالتوارث من جيل الى جيل ولا تزال تمارس خفية من داخل العقل الباطنى… ولو ان الاباء المؤسسين للدولة قد استوعبوا ذلك لكن تم حسم الامر منذ البداية باستبعاد الاجزاء التى انضمت الى البلاد خلال فترة الاستعمار بعرقيتها المختلفة عن بقية البلاد لان المفاهيم والقناعات الاجتماعية لا يمكن التحكم فيها وتوجيهها حسب رغبات السلطة الحاكمة منفردة دون استصحاب رغبات المجتمع ولا اعتقد ان هناك حلا لما نعانى منه سوى الفصل التام بين العرقين حيث سيستحيل الجمع بينهما دون طغيان وغلبة احدهما على الاخر وذلك كما حدث فى يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتى واندونيسيا والهندرغم عدم وضوح فوارق عرقية كما هو الحال فى السودان فلماذا الاصرار على امر اثبت التاريخ عدم جدوى الاستمرار فيه ورغما عن تكاليفه الباهظة من جميع النواحى الاجتماعية والاقتصادية والامنية … لا ادرى !!!

  9. الاخ الكريم ناصف اولا اشكرك علي طرح الموضوع بهذه الجدية وهذا الوضوح وثانيا تقدير لوعيك واثارتك هذا الموضوع الهام والحيوي وحقيقة اصدقك القول شخصيا لم انتمي لاي حزب رغم المغريات هنا وهناك ولكن كانت نظرتي دائما اننا نفتقد للمشروع الوطني الذي يقوم علي بناء الدولة الوطنية ولقد وقعنا في خلط شائه وهو ما ادي الي ما نحن فيه الان حيث اعتبر البعض الاحزاب والهيئات والايدولوجيبات هي المشروع ونسوا ان هذه الاشياء هي ادوات واذرع الصراع علي السلطه مما اورثنا ما نحن فيه وحقيقة ان الاسلاميين حين محاولة تجنيدهم لي عام 1975 غداة التخرج من لجامعه اغروني ولكني رفضت بحجة ان حزبهم ليس به ديمقراطية شانه شان اليسار والتقليدية وهذا من عثرات الصراع وبالتالي من محطات اجهاض المشروع الوطني البنيوي لللدولة وهنا تكمن المحنة وشخصيا حاولت عمل جمعية او منبر لكي نلتقي ونتبني فكرة المشروع الوطني لبناء الدولة لكني لم اجد اذنا صاغية بسبب غلواء ما وقعنا فيه من خلط من ناحية وفهم ان استلام السلطه هو المشروع مع المشروع هو الاطار والمحتوي الذي يؤمن استمرار الدولة ويؤمن علي مبدأ الصراع ويحيده من نهش جسد الدولة كما حدث الان وشخصيا اؤيدك فيما ذهبت اليه ولا اري ان الحوار الوطني سيثمر شيئا ايجابيا لانه من الاساس لم يمس جوهر القضية وهو بصورة اخري صراع علي السلطه ان لم يكرسها وهو حل عاجل للازمة ولكنه ليس بنيويا.طبعا هناك ملاحظات بالاضافة والحذف للبلورة من اجل مشروع وطني وهذا هو الاهم .اتمني ان يجد الموضوع اذنا صاغية واهتماما كبيرا وشكرا لك علي هذا الجهد والفكرة

  10. أرجو أن أشير أن هنالك مشروع غير وطني يسير بخطى حثيثة منذ منتصف القرن التاسع عشر في إتجاه قيام سودان ضعيف مفكك لصالح أجندة دوائر ( و ليست دول )غربية

    أرجو عدم تبسيط الأزمة أو استعجال الحلول و الأحكام كما هو دأب الكثيرين منا

  11. تحليل عميق من صاحب أخلاق ..أبسط دليل لانحياز الدوله لثقافه واحدة انو منذ ستون سنه وحتي الآن لا توجد أية مذيعه سمراء او سوداء في أكثر من عشره قناة تلفزيونيه سودانيه ..وحتي الآن أعتقد انه ليست هنالك مؤشرات لوحدة ما تبقي من السودان والسبب الأساسي في ذلك ان الساحة السياسيه المعارضه لا تزال يتحرك فيها نفس الأحزاب االتقليديه التي بنت الدوله السودانيه الفاشله العنصريه مثل الأحزاب الطائفيه والإسلاميون والشيوعيين وجميعهم لا يزالون يؤمنون بعروبه الدوله السودانيه ول ذلك فرصه بناء سودان موحد ضئيلة جدا”جدا”….

  12. استاذ ناصف .. و ضعت يدك على الجرح (تماماً)

    لا يوجد مشروع وطني !!
    هذه هي المشكلة بالضبط .

    كانت هناك 4 مشاريع وطنية اصيلة ولكن لم تجد حظّها والسبب : تمت تصفيتها
    – مشروع الامام المهدي ، انتهى بوفاة قائد الثورة المبكّر في ظروف غامضة
    – مشروع على عبداللطيف (السودانوية) تمت تصفيته ومحاربته من السيدين (عبدالرحمن المهدي والميرغني الكبير)
    – (فكرة) الاستاذ محمود تمت تصفية صاحب الفكرة بواسطة الاسلامويون
    – مشروع الدكتور جون قرنق (السودان الجديد) تمت تصفية القائد في ظروف غامضة

    غير ذلك كافة المشاريع (دخيلة) على البلاد من فكرة الاخوان المسلمين التي استجلبت من مصر مروراً باحزاب القومية
    العربية (البعث ، الناصري .. الخ ) والتي فشلت في دولها وصولاً للشيوعية .
    أما الحزبين الكبيرين فقاما على التوريث والطائفية الاول (الاتحادي) وكيل لدوله جارة (مصر) و الثاني (الامه) انشغل
    بصراعات اجنحته مع انه اقرب لان يكون امتدادا لمشروع الامام المهدي الوطني ولكن نخبه فشلت في ذلك .

  13. انتم ياجماعة ناس الانقاذ ديل وأوجهم دائما كالحة ومسودة كده ليه ولا ما ملاحظين الحكاية دي

  14. بقراءة موضوعية علمية متأنية, لخطاب البعث السياسى – الفكرى لقضايا النضال الوطنى فى السودان من خلال وثائقه التى صدرت , ابتداءاَ من وثيقة ” البعث و قضايا النضال الوطنى فى السودان” و مروراَ بوثيقة “عجز الحكومة و مخاطر الردة على الديمقراطية” التى صدرت فى فترة التجربة الديمقراطية الثالثة فى ثمانيات القرن الماضى ,وثيقة” نحو مخرج ديمقراطى لأزمة النضال الوطنى ” التى صدرت فى التسعينات , وغيرها من وثائق و بيانات سياسية صدرت له خلال هذه الفترة . والندوة السياسية الكبرى بجامعة الخرطوم 2005, عقب اٍتفاقية نيفاشا, و البيان السياسى للحزب فى مؤتمره القطرى الخامس , و غيرها من وثائق وبيانات و لقاءات صحفية مع قيادته بمستوياته المختلفة . و اِنتهاءً بالبيان السياسى لمؤتمر القطر السادس للحزب فى الحادى و الثلاثين من أغسطس 2013 بقاعة مركز أمدرمان الثقافى تحت شعار :”البعث و الجماهير المتحفزة على طريق الاٍنتفاضة و النهوض”.
    نلحظ من خلال هذه الوثائق لحزب البعث العربى الاِشتراكى”الأصل” التماسك و المبدئية العالية لخطاب البعث السياسى ? الفكرى , و علمية و سلامة التشخيص لقضايا التطور الوطنى منذ الاٍستقلال السياسى للسودان فى 1956 حتى الان . و كان ذلك نتيجة منطقية لقوة فكره , يقول القائد المؤسس للبعث أحمد ميشيل عفلق , عليه رحمة الله: (الفكر قوة تاريخية) . التى عبر عنها بالرد على وحدة تناقضات الواقع (التخلف , التجزئة القومية , الهيمنة الأجنبية) بوحدة النظرة ” النظرية القومية”(الوحدة , الحرية, الاشتراكية). و يتضح أنها ليست شيئاً ينتقى بمزاجية , و اٍنما هى محصلة تطبيق المنهج العلمى الثورى للبعث على الواقع القومى . الامر الذى مكنه من اٍمتلاك الرؤية العلمية الثورية للقضية الوطنية و القومية و الاٍنسانية , بمنظار كلى شمولى , فامتلاك التصورات و الرؤى بات أكثر ضرورة من أى وقت مضى, حيث أصبحت سمة أساسية من سمات هذا العصر .
    ويمكن القول بأن مبدئية و علمية و سلامة تشخيص الخطاب السياسى ? الفكرى للبعث , لواقع النضال الوطنى, هى نتاج صياغة البعث لمنهج فكرى جديد ( المنهج العلمى الجدلى التاريخى) أعطاه فرصة الاٍستقلالية الفكرية ,و اٍكتشاف الذات القومية .

    كما حقق له مسائل أساسية مكنته من :
    *اٍعادة ترتيب حقائق التاريخ , و كشف الجوهر الحضارى فى الحركة التاريخية للواقع القومى و الوطنى.
    *اٍكتشاف التناقض الجوهرى للأمة مع الواقع الحاضر و القوى الفاعلة فيه , فكشف أثر التناقض فى النمط الحضارى فى خلق تناقضات مرحلية تاريخية .
    * كشف عجز المستوى الشائع من المعرفة التاريخية .

  15. هذه سياسة الكيزان …تعميم الفشل والفساد لكل الجهات التى شاركت فى حكم السودان…يعنى الكيزان يريدوا ان يقولوا لسنا نحن وحدنا الفاسدين….ومقال ناصف يصب فى هذا الاتجاه….لا فليست كل الحكومات الديمقراطية التى حكمت السودان فاشلة او مجرمة…الفشل والجرائم ارتبط فقط بالنظم الدكتاتورية…و99% من الفشل والجرائم كانت من نصيب الانقاذ…لا يا من تسمى ناصب ان تساعد فى تعميم الفساد على الجميع حتى يخرج الكيزان من الجريمة كالشعرة من العجين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..