الطريق إلي السلام العادل

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام هو إسم الله الأعظم ومن معانيه السلامة والسلم من كل آفة وعيب ونقص وإسم السلام يتضمن إثبات جميع الكمالات لله وسلب جميع النقائص عنه تحقيقا لمعاني سبحان الله والحمد لله وعندما نقول لشخص السلام عليكم بمعني عافاك الله من المكروه وأمنك من المحذور وسلمك مما تخاف فعاملنا بالسلام والأمان بمثل ما عاملناك والعدل كذلك من اسماءه تعالي وله ومعاني ودلالات كثيرة نأخذ من هذه المعاني علي سبيل المثال معني الموازنة بين الاشياء وأن نسوى بينها في مقام واحد وكذلك الذي يَعْدِل فلا يظلم أحدًا ولا يجور عليه .
والجميع في السودان ينشدون السلام العادل ومنهم من سمىّ مدينة بذلك ومنهم من سمىّ شارعا ومنهم من سمىّ حزبا والكل يتنادون به في الحكومة والمعارضة والشعب يتطلع إلي ذلك في وسطه و شماله وجنوبه و شرقه وغربه . وهنا نطرح عدة أسئلة لان الناس ينشدون السلام العادل. فما علاقة الحزب الحاكم بالسلام العادل؟ وما علاقة الاحزاب السياسية السودانية إسلامية كانت او علمانية جهوية كانت اوقومية مدنية كانت او مسلحة بالسلام العادل؟ وهل منبر السلام العادل يمثل راى الاغلبية الصامتة في السلام العادل؟ وهل هي كلمة حق أريد بها باطل عند البعض؟ وما هو الطريق إلي السلام العادل ؟وما هي مطلوباته؟
مما دعاني لطرح هذه الاسئلة والمحاولة للإجابة عليها هي الحالة المأساوية التي تمر بها البلاد فمنذ ثورة أبريل 1985المباركة والعقود التي سبقتها لم يشهد السودان إستقرارا سياسيا أوأمنيا فالوطن غارق حتي أخمس قدميه في الحروب والنزاعات والانقلابات ومازالت قضياه القديمة المعلقة تستجد وتتواري حسب النظام السياسي القائم فمنذ الاستقلال تطلع السودانيون لدستور دائم ينظم عملية الحكم في البلاد وكيفية الوصول اليه فمن الاحزاب من طرح الدستور الاسلامي وفلسفته تقوم علي أن السودان بلد مسلم وأن حقوق الغير والاقليات مرعية شرعا وعرفا ومنهم من طرح العلمانية بنظرية إشتراكية وفلسفتها تقوم علي فصل الدين عن الدولة ويتساوي الناس في الحقوق والواجبات أمام المشرّع مع التأكيد علي حقوق العمال والطبقات الكادحة في المجتمع ومنهم من طرح علمانية الدولة وفق رؤية مغايرة للإشتراكية وهي أن ترفع الدولة يدها من كلي شئ وتتركه للقطاع الخاص ويكون الافتصاد فيها حرا فيما عدا الشئون السيادية .
وكل هذه الافكار والرؤى لدي القوي السياسية الوطنية كانت مجرد تطلعات وأشواق لم تكتمل صورتها في مخيلة أذهانهم ولم يعتادوا علي ممارستها في واقع حياتهم فالاحزاب الكبري منذ نشأتها إرتمت في احضان الطائفية البغيضة التي هي بالضرورة مسئولة مسئولية مباشرة عن هذه الصورة القاتمة في الحالة السودانية أما الاحزاب العلمانية مثل الحزب الشيوعي والبعث العربي الاشتراكي والناصريين والقوميين العرب وغيرهم فكانت أحزاب ذات دفع وقوة وتأثير بهرت الشباب والطلاب والقوى المستنيرة بادئ ذي بدئ. لكن شعور الطائفية المبكر بخطرهم جعلها تسرع في القيام بتعريتها وعزلها عن قواعد المجتمع ومؤثرات القوى فيه بحجة ان هؤلاء القوم افكارهم وافدة كما أنهم يمثلون أكبر أعداء للدين وإستغلت القوي الاسلامية الحديثة وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الدكتور حسن الترابي وسط القوى المستنيرة المنتشرة في الجامعات والمعاهد العليا وإتخذت منها مطية لمحاربة هذه الاحزاب والتنظيمات . وقد ظهر هذا الصراع بصورة واضحة في حكومتي اكتوبر الاولي والثانية وفي كفاح الاحزاب الوطنية ضد مايو ذات النهج الإشتراكي وما صاحب هذه الفترة من أحداث محزنة مثل مزبحة بيت الضيافة وضرب الجزيرة أبا وغذوة الجبهة الوطنية التي عرفت بالمرتزقة وكانت القوى الاسلامية الحديثة متحالفة مع الطائفية ومشاركة في هذه الغذوة مما دعي الرئيس النميري يندد بها قائلا في خطاب جماهيري عقب عودته لعل من أصعب المهام التي واجهت قولتنا المنتصرة تحرير دار الهاتف والتي كان للأسف الشديد يتولي إحتلالها بعض الطلبة الجامعيين من جماعة الإخوان المسلمين المجرمة. ثم ذهبت مايو بثورة شعبية عارمة كما هو معلوم وعادت الطائفية للحكم بأغلبيتها المعهودة التي تمكنها من الحكم مؤتلفة مع بعضها وهذا ما حدث بالفعل ولكن الجديد في الامر ان القوي الاسلامية الحديثة أحرزت نتيجة باهرة مكنتها من تشكيل معارضة قوية لحكومة الحزبين الطائفيين اللذان كانت حليفتهما لوقت قريب.فما الذي جعلها تتجاهل ذلك التحالف خصوصا أن كل من الحزبين ينادي بالدستور الاسلامي؟ اولا لانها رأت ان المناداة بالدولة الاسلامية عند الحزبين مجرد شعار لاستغفال الجماهير وضمان ولائها. ثانيا ليس لهذه الاحزاب أوعية ديمقراطيه تمكنها من إتخاذ القرار بصورة جيدة كما أن قاعدتها في ولائها مرتبطة بالقبيلة والمنطقة وليست بأسس دينية ثالثا : ليس لهذه الاحزاب تصور واضحة لماهية الدولة المسلمة؟ وكيف تدير اقتصادها وأمنها ؟ وكيف تحكم ؟ ولمن يكون الولاء فيها ؟ وهل يمكن إعتماد الديمقراطية نموزج صالح للوصول للحكم أم ان ذلك يتنافي مع تعاليم الدين ؟ كما أن بناء دولة إسلامية يدخلهم في متاهات ومواجهات غير محمودة العواقب وسيأزم من الاوضاع في الجنوب وربما يحول الحرب الاهلية الموروثة منذ خروج المستعمر الي حرب دينية تجعل البلاد في مواجه دولية غير محسوبة العواقب. لكن طموح الاسلاميين وتلهفهم لبناء دولة إسلامية تكون مركزا لهم ومنطلقا لافكارهم وارضية مساندة لكل الحركات الاسلامية في عالمنا خصوصا في شمال افريقيا ومصر جعلهم يستغلون ضعف أحزاب الطائفية وعجزها في تحقيق مطلوبات ثورة أبريل المباركة ويستولون علي حكم البلاد ضدالطائفية والعلمانية والقبلية وشعارهم في ذلك هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه. وقد عقدوا تحالفات مع كل الجماعات الدينية مثل الصوفية وأنصار السنة بل حتي الذين إنشقوا عن الترابي سابقا أصبحوا موظفين مخلصين في دولته رائدة المشروع الحضاري ولعل في إجماع هذه القوى وطريقة وصول حركة الترابي للحكم أكدت غياب الرؤية السليمة والوعي الحكيم وصورت هذه القوى علي أنها انتهازية .الغاية عندها تبرر الوسيلة وأخافت الكثيرين من أتباعها علي مستقبل الاسلام في السودان بحتمية فشل التجربة لأنها أسست علي غير هدي ولا كتاب حميد.
ومن دفتر الصراع للوصول للسلطة بين هذه الاحزاب والقوي يتأكد لنا إفتقار الكل لمنهج مؤسس يوصلها إلي الحكم بسلاسة فكل هذه الاحزاب ساهمت في عودة الجيش للحم مشاركة في الانقلاب او متواطئة معه أو مؤيدة فيما بعد ثم مشاركة لتضمن بقاء نفوذها او نكاية في الاخر كما أنها تشترك في أن ليس لديها رؤية واضحة لكيف تحكم البلاد؟ وماهية ملامح الدستور الدائم للبلاد؟ وشكل العلاقة بين مكونات الشعب أهي علي اساس المواطنة ام علي أساس الدين؟ وكيف تستفيد من التنوع الإثني والديني وتجعله ميزة لخلق وطن واحد متحد رقم تنوع وتعدد الثقافات الاعراق. بيد أن هذه الاحزاب جميعها تشترك في خلوها من الاوعية الديمقراطية في داخلها وإعتمادها علي قرار الزعيم أو الشيخ أوالسكرتير العام من ما مهد الطريق أمام تعرضها جميعا للانشقاق والاختلاف والتشرزم وضياع الرؤى والافكار الكلية والمرحلية.
والشاهد أن منذ ثورة أبريل ظلت القوي الاسلامية المختلفة طائفية كانت او حركة اسلامية تساندها الطرق الصوفية والجماعات الدينية الاخري ظلت هي الحاكمة ولم تقدم نموزج حكم راشد يستجيب لتطلعات الجماهير وأشواقها في الحرية والكرامة والعيش الكريم ولم تحقق السلام العادل الذي أوضحنا معانيه في بداية مقالنا هذا ولم تكن الجماعات العلمانية بمعزل عن هذا فقد شاركت في الحكم بطرق مختلفة أما المعارضون منها لم يستطيعوا أن يحركوا الشارع أو يؤثروا في الاحداث الجسام التي مرت بالوطن وأكبرها إنفصال الجنوب وإندلاع الحرب في دارفور من هنا يتضح لنا أن هذه الاحزاب ليس لديها أي علاقة بتطلعات الجماهير في السلام العادل الذي ننشده كما انه ليس لديها رؤية للخروج بالوطن من عنق الزجاجة. وهذا كان كفيلا بنشاة الحركات الطرفية المسلحة المطلبية المتخاصة مع المركز والشاعرة بمرارة مظلمة تجربة الحكم في السودان بيد أنه ليس لديها أفكار ورؤى يعتد بها كما أنها تفتقر للمنهج السليم في اتخاذ القرارات والمواقف مما جعلها عرضة للإستقطاب محليا ودوليا.
فهل منبر السلام العادل إستثناء من ذلك لعل الناظر والمتأمل الي الكيفية التي نشأ بها منبر السلام العادل والاشخاص والرموز التي تسيطر عليه وما ينشره من أفكار عبر إصدارته المدللهة صحيفة الانتباهة يتأكد أنه أحد روافد المؤتمر الوطني وجماعات الاسلام السياسي وهو تنظيم عبارة عن واجهة وليس له شعبية واجهة أنشأها الحاكمون لإمتصاص صدمة إنفصال الجنوب ليس إلا . كما أن طرحه للإسلام للإستهلاك السياسي وفيه من العنصرية للعروبة ما ينسف أمن وإستقرار البلد ويوقف حركة المد الاسلامي في إفريقيا فالاسلام الذي نعرف آخي بين شعوب وقبائل وبلدان مختلفة في الثقافات والاعراق والحضارات والعادات والتقاليد ولكل منها موروثاته التي يعتد بها وجمع بين العرب والعجم وساوى بينهم في الحقوق والواجبات كما آخي بين الانصار والمهاجرين في نشأته الأولي ومن هذا التحليل يتضح لنا أنه لا علاقة لمنبر السلام العادل بالسلام العادل الذي ننشده ولا بالاسلام الذي نعرفه.
فما هو الطريق إلي السلام العادل؟ وما هي مطلوباته؟
إن الطريق إلي السلام العادل هو إقامت الدولة المدنية علي أساس المواطنة وسيادة القانون الذي يكون الناس في سواء في الحقوق والواجبات و الحرية في الاعتقاد والتعبير والتنظيم مع مراعاة خصوصية المجتمعات الصغيرة وإحترام موروثاتها الثقافية والإجتماعية . وإذا نظرنا الي دولة الاسلام في المدينة المنورة نجدها نشأت علي هذا الاساس فوثيقة المدينة المنورة حددت الحقوق والواجبات بين كافة فئات المجتمع الذي كان يتشكل من المسلمين بشقيهم أنصار ومهاجرين ومن اليهود بطوائفهم المختلفة ومن سائر الاعراب الذين لم يسلموا بعد وغيرهم فالوثيقة نظمت العلاقة بين هؤلاء القوم وساوت بينهم دون التعدى علي حقوق أحد أو الحجر عليه. أما مطلوبات السلام العادل فكثيرة أهمها علي سبيل المثال لا الحصر أولا:إعتراف القوي السياسية السودانية بالأخطاء والفشل الزريع الذي لازم إدارتها لشئون الحكم في البلاد بمختلف مواقعها ومسمياتها . ثانيا : التراضي علي المنهج الديمقراطي في الوصول للسلطة وفق عملية إنتخابية نزيهة وشفافة .ثالثا: حماية الحريات العامة وإتاحة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء للجميع . رابعا : إعتماد منهج للحكم المحلي علي أساس الكفاءة والقدرة علي تحمل المسئولية والتوزيع المركذي للقوي العاملة في الدولة. خامسا قومية التعليم العام والعالي بل توزيع المقبوليين قوميا. سادسا: دعم منهج الوسطية والاعتدال في الطرح الفكري والتلاقح الثقافي .سابعا محاربة الافكار الهدامة مثل العنصرية والتكفيرية وعقد حوارت هادفة مع عرابوها لتحجيم دائرة ثأثيرهم علي المجتمع خصوصا الشباب والطلاب ثامنا : إحداث تنمية حقيقة في البلاد وتفجير لطاقاتها ومخذوناتها من الثروات الطبيعية مائية بترولية معدنية . تاسعا محاربة الفقر بإستحداث طرق إنتاجية جديدة للكسب وتوظيف العاطلين عن العمل. تاسعا الانفتاح علي المجتمع الخارجي والتعاون معه في كافة القضايا الانسانية والحياتية التي تهم بني الانسان علي أساس من الندية والاستقلالية النابعة من مبادئنا والمحافظة علي مصالحنا. تاسعا : البناء الحزبي المتين المتشبع وطنية والمتطلع لإسعاد البشرية. عاشرا تقوية القوات المسلحة وتمكينها من القيام بواجباتها في المحافظة علي أمن وسلامة الوطن وحماية ثقوره وخلق تحالفات لها مع القوي الدولية تساعد في تطويرها وتنمية قدراتها. ختاما أدعو وفدا التحاور الحكومي والمعارض في أثيوبيا إلي الوصول لصيغ و تفاهمات تؤثر إيجابا علي مناخ التحول الديمقراطي وتنصف المناطق الثلاث في استفادتها من مكاسبها المتحققة بإنفاذ توصيات نيفاشا وأن يكون السودان أولا في تفكيرهم متذكرين كل معاناة الوطن من جراء الاحتراب والاقتتال وإنعدام الامن والحرية و إستشراء النزاع القبلي. فلن يكون هنالك سلاما عادلا دون الحوار البناء والتنازل عن العنتريات والعجرفة والتواضع علي إحترام الاخرين في خيارتهم ومناهج تطلعاتهم.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..