مقالات سياسية

تعويم الجنيه ورفع الدعم يفاقمان ارتفاع الدولار والغلاء

د. محمد عبدالقادر سبيل

يبدو أن الهم الأول لوزير المالية الدكتور ابراهيم البدوي مدعوما من جانب دكتور عبدالله حمدوك هو استرضاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عشماً في الحصول على مساعدات قد تبلغ مليار دولار سنوياً.. ويعتقد أن اهم وسيلتين توصلانه الى الانخراط فيما يسمى بمجتمع التنمية الدولية IDC الذي يؤهله للحصول على المساعدات هما: تحرير سعر صرف الجنيه السوداني ليتحدد وفقا لقوى السوق/ العرض والطلب (يعني تعويم الجنيه) بجانب رفع الدعم كلياً عن جميع السلع.
السيد الوزير يظن ان السعر الرسمي للدولار اذا ما اصبح مواكباً ومساوياً لسعره في السوق الأسود فإن ذلك سيدفع المغتربين تلقائياً الى تحويل مدخراتهم عبر القنوات الرسمية وسيمنع ظاهرة تهريب الذهب وغيره لتزول التشوهات
كما يردد دائماً، فهاهو يمهد لقراراته المرتقبة فيقول: (نتمنى أن نوفق في أهم إستحقاقين لاحقين في برنامج حكومة الثورة الإقتصادي، أولاً دعم الإنتاج والإنتاجية الأمر الذي يتطلب سياسة سعر صرف واقعية وإعادة تأهيل السودان في مجتمع التنمية الدولية، حتى يتسنى معالجة فجوة النقد الأجنبي التي أقعدت بالإقتصاد السوداني خلال حكم النظام البائد. حيث يمكن الحصول على تحويلات السودانيين المهاجرين عن طريق القنوات الرسمية والقضاء على تهريب الذهب وغيره من الصادرات فضلاً عن الحصول على التمويل الأجنبي.

ثانياً: تطبيق برنامج التحول الرقمي..الخ) …

السيد الوزير أنت تحتاج قبل كل شيء الى اعادة تأهيل بيئة اداء اقتصاد السودان للدخول الى مجتمع الاعمال المشروعة والمحترمة ككل دول العالم لأن بيئة قطاع الاعمال عندنا عشوائية واقرب الى انشطة العصابات.. والدليل على ذلك هو ان مخرجات الانتاج القومي كلها مختطفة من جانب عتاة تجار التصدير والاستيراد والسوق الأسود.. فهؤلاء هم امراء الحرب الاقتصادية يشنونها امام عينيك ضد مصالح هذا الشعب منذ تسعينيات القرن المنصرم حينما تم تبني سياسة التحرير الاقتصادي وتصفية الشركات الحكومية التي كانت تعتمد عليها الدولة وتتولى عمليات الصادر مثل (شركة الاقطان السودانية وشركة الصمغ العربي وشركة تصدير المواشي واللحوم وشركة الحبوب الزيتية وانضافت اليها شركة المعادن السودانية) فهذه الشركات الحكومية ظلت تتولى مسؤولية تصدير المنتجات السودانية كافة لتضمن الحكومة من خلالها تحصيل ما يزيد عن 10 مليار دولار سنويا تدخل بنك السودان المركزي.. ولكن دهاقنة الخصخصة واعداء الدولة عمدوا الى تصفيتها بحجة التحرير الاقتصادي وبحجة انها تعاني من الفساد ! .. وللعلم فإنه وفي ظل وجود تلك الشركات الحكومية العريقة فإن بلادنا كانت ضمن مجتمع التمويل والتنمية الدولية وتحصل بانتظام على المنح والمساعدات الدولية بأكثر من المليار الوحيد الذي ماتزال ياسيدي الوزير تلهث وراءه بشغف السائلين الناس الحافاً تاركاً وراءك 10 مليار دولار تذهب باردة لحفنة من تجار السوق الاسود يستحوذون على عصارة موارد البلد وكانها حقهم وحدهم دون ابناء هذا الشعب.

فما الفرق إذاً بينك وبين عبدالرحيم حمدي؟

إن مجتمع الاعمال المعافى الذي ندعوك لتأسيسه فوراً يقتضي أن تمتلك الدولة زمام المبادرة والفعالية في ادارة شؤون الاقتصاد الكلي وتمتلك زمام امر حصائل الصادر وتمتلك القدرة على التحكم في سعر صرف عملتنا الوطنية لا ان تجاري تجار الدولار وكأنما بنك السودان مجرد صرافة صغيرة في السوق.

السيد الوزير.. من قال لك إنك اذا قمت بتعويم الجنيه فسيختفي سوق الدولار الاسود؟ ثق انك اذا اعلنت سعر الدولار ب 150 جنيه فسيرفعه امراء حرب الاقتصاد الى 200 جنيه وسيتجه المغتربون الى السوق الاسود مرة اخرى ولن تثمر سياستك حينها سوى حنظل اضافي يزيد معدلات التضخم/ الغلاء بوتيرة اسرع واكثر بشاعة من ذي قبل. لأن جشع امراء حرب الاقتصاد الوطني لا حدود له ولا اخلاق له سوى المصلحة وابتلاع المزيد والمزيد خاصة في ظل سياسات رسمية رخوة وربما متواطئة معهم في اطار نموذج الدولة الاوليغارشية.

إن تجار الصادر هؤلاء هم انفسهم تجار الدولار ألأسود فهل تتوقع ان يقلعوا لك عن عادة الاحتفاظ بالدولار تحت ايديهم والمضاربة به لمجرد انك رفعت سعر الصرف الى مستوى سعرهم اليوم؟ كيف تتوقع ذلك وانت قد قبلت بأن تكون مجرد منافس لهم.. ترفع فيرفعون والفورة 1000 كما يقولون!.

ثم من قال إن مجتمع التنمية الدولية الذي تحلم به سيرحب بك قبل رفع اسم السودان من قائمة الارهاب الامريكية؟ واذا كنت تحلم بأن موعد الخروج من هذه القائمة قد اقترب فاعلم بأن الليل مايزال طويلاً فواشنطون سوف لن تخرجنا من القائمة مالم تتأكد من ان الاسلاميين سوف لن يعودوا بانقلاب وشيك او بانتخاب قريب حتى ولو كان ذلك تحت عباءة السيدين.. فهل تضمن لهم نفي ذلك ام تظنهم سذجاً يعيشون على الأمل؟. هذه احلام يقظة مهما كانت الوعود قوية فامريكا هي امريكا.
السيد الوزير ان قرارك المرتقب بخصوص رفع الدعم كلياً عن السلع انما هو قرار بتعمد رفع معدلات التضخم الى مستوى الجموح Hyper inflation الذي لا سيطرة عليه خاصة انه سيترافق مع زيادة الانفاق العام بصورة ضخمة عبر هيكل الرواتب الجديد مما رفع حجم وضغط الطلب الكلي بشدة فضلاً عن رفع سعر الدولار الذي تنتويه بما يؤدي الى تآكل قيمة الجنيه واضعاف قوته الشرائية. وهذا كله من شأنه ان يؤدي الى انهيار اقتصادنا بسرعة تفوق التوقعات…

فما الحل؟

الحل يكمن في الخروج عاجلاً من ليل الاحلام والعشم في المساعدات الدولية التي إن أتت فستأتينا بالفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.. فعلينا ان نعود الى احياء الشركات الحكومية التي اشرنا اليها ولكن على أسس الحوكمة بما يضمن كفاءتها وجدواها.

وثانيا يتعين ان نوجد صيغة تضع مدخرات المغتربين في الفنوات المصرفية بسعر صرف مشجع مع تحديد حد ادنى من التحويلات لا يقل عن 10% من الدخل السنوي للمغترب فضلاً عن سداد جميع التزاماته بعملة دخله في الخارج. مع توفير حوافز تشجيعية لزيادة التحويل. وكذلك اتاحة فرص استثمارية مجزية بصورة كبيرة ويكون راسمالها مودعاً في بنك السودان بالعملة الاجنبية.

ثالثاً يجدر بنا ان نتجه الى التركيز على القطاع التعاوني بصورة اقوى وان نخصص ما تم توفيره لدعم الانتاج والانتاجية لدعم التجمعات التعاونية ( الاستهلاكية والانتاجية) في اطار خطة استراتيجية تهدف الى الاكتفاء الذاتي من جميع السلع الاستهلاكية وهذا يتطلب حصر وظيفة وزارة التجارة لتختص فقط في النهوض بالقطاع التعاوني ودعمه وتطويره وتوسيع قاعدته ودوره.

هذا هو الطريق السوى المؤدي الرشد الاقتصادي والوطني والخروج من النفق. بدلاً من الاجتهاد في تلبية شروط مؤسسات التمويل الدولية والاستسلام لنفوذ تجار الصادر والسوق الاسود.

د. محمد عبدالقادر سبيل
الامارات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..