حزب الله… ربما خطأ في موقف الحاضر يصنع كارثة في المستقبل

ثمة تساؤل يستحق إجابة إيران عليه: لماذا ترك التدخل في سوريا لحزب الله في حين ترتبط طهران باتفاقية دفاعية مشتركة مع دمشق لا لبس ولا غموض فيها؟
بقلم: د. عادل رضا
أن الإحداث السورية المتسارعة وكثافة المعلومات الإعلامية الدعائية من جهة وقلة المعلومات الحقيقية من جهة أخرى وتناقضات المواقف الدولية بازدواجية بين ما يقال وما يجري في الخفاء تجعل من الصعب والصعوبة تفكيك ما يجري حقيقة على الأرض. ومما يزيد المشهد تعقيدا أن الدول المشتركة في الحرب العالمية الحالية الجارية في سوريا تعيش حركتين متناقضتين. الأولى إعلامية، وهي تهدف إلى خلق الوهم لدى من يستهلكون السياسة وأيضا لتزوير تاريخ لا يريد الأشرار إن يتم توثيق شرهم وأن يكتب التاريخ عن الشرير بأنه طيب وعن الطيب بأنه شرير!
أما الحركة الثانية فهي ما يتم تداوله في الغرف المغلقة ومن تحت الطاولات إذا صح التعبير، وهذا ما تم تداوله في أكثر من مرحلة على أنه سعي لتسوية ما بين أطراف النزاع الدولي الجاري على أرض سوريا.
أذن هي صراع “مشاريع ضد مشاريع” والمنتصر هو من سيرسم مناطق نفوذ جديدة وحدودا أخرى لما يعرف بالشرق الأوسط الجديد.
هنا في ظل هذا الصراع قاد خطاب السيد حسن نصرالله الأخير نحو الكثير من خلط الأوراق وتعقيد المسائل حيث الإعلان عن المشاركة العسكرية الفعلية لكوادر الحزب في الشأن الداخلي السوري وهو أيضا في نفس الوقت ملعب لقوى إقليمية وتصارع مشاريع هيمنة ونفوذ دولي وبالفعل فأن حزب الله أحد أطراف هذا التصارع.
كاتب هذه السطور لديه وجهة نظر في مسألة تدخل حزب الله في الوضع السوري بشكل عسكري وكاتب هذه السطور قبلها أعلن في أكثر من موقع ومناسبة وبشكل متكرر أنه محايد تمام الحياد في الوضع السوري وما يجري فيه وليس مع أي طرف ضد أي طرف أخر، وهذه قناعتي الشخصية وما أعتبره تكليفي الشرعي الديني إذا صح التعبير.
من هنا ننطلق لنقول: إن تدخل حزب الله في الوضع العسكري في سوريا خطأ كبير وتداعياته خطيرة على المقاومة الإسلامية بشكل مضر وغير مفيد بل ويدمر المقاومة على المديين المتوسط والبعيد، لوجود أكثر من عامل سنتناولها بشكل سريع.
قلنا في أكثر من مناسبة أن لا واقعية لتدخل حزب الله عسكريا في الصراع السوري لأنه بكل بساطة لا يملك الإمكانيات الواقعية لذلك التدخل. فهو بالنهاية تنظيم حزبي وليس دولة، ولا يستطيع تحمل ولا الاستمرار في صراع مثل الصراع الجاري لأن إمكانياته محدودة وهو حزب تابع لمشروع إقليمي يتحرك بالمنطقة كما هو معروف.
لا يمكن وضع المشاكل الاجتماعية التنظيمية السياسية التي ستواجه الحزب وخط المقاومة بشكل عام كنتيجة للتدخل العسكري المباشر جانبا. فأحد النقاط المؤثرة المعروفة هي أن المقاومة تتحرك في ظل أوضاع اقتصادية خانقة جدا للمجتمع اللبناني ككل ناهيك إن النظام السياسي في لبنان فاشل بامتياز ولا يمثل الناس بقدر ما يمثل مخلفات الحرب الأهلية وبقاياها التي استمرت بصناعة مأساة لبنان وخلقت منه جحيم للشرق.
فحماية المقاومة هي بتفعيل المقاومة الاقتصادية إذا صح التعبير وخلق دورة اقتصادية للناس تقويهم وتعطيهم مناعة الانهيار النفسي والاجتماعي بما يقوي الحاضنة الاجتماعية للمقاومة ككل في عموم المجتمع اللبناني، وفي نفس الوقت أصلاح النظام السياسي في لبنان لكي يصبح نظاما يمثل الناس وحاجاتهم الحقيقية وليس انعكاسا لنفوذ أحزاب تعيش دور البيك القديم.
فالتدخل العسكري إنما يبعد الحزب عن خلق دائرة اقتصادية تحمي بيئته الحاضنة من جهة ومن جهة أخرى قد تعمل على تدهور الحالة الاقتصادية التي هي بالأساس مدمرة وميتة.
ومن باب التحليل والتفكير بصوت عال أيضا نقول: لنفترض أن هناك تأمرا وحركة عسكرية غادرة ستنطلق ضد المقاومة الإسلامية في لبنان من داخل الأراضي السورية وأتصور أن هذا صحيح ومنطقي، فلماذا لا يتدخل النظام الإسلامي المقام على ارض إيران عسكريا من خلال الحرس الثوري الإسلامي لحماية ظهر المقاومة بدلا من حزب الله؟
إيران دولة في تحالف رسمي معلن وموثق مع الدولة السورية ويحق لها التدخل قانونيا لأن بالأساس هناك أتفاق حلف استراتيجي قديم بين الدولتين وفي كل الأحوال لدى النظام الإسلامي جيش محترف وحرس ثوري عقائدي واستخبارات تتحرك بحرفية. بمعنى أخر هي دولة تستطيع التدخل ولديها غطاء قانوني.
فلماذا يتدخل حزب الله وهو بلا غطاء قانوني وليست له إمكانيات الدولة في نفس الوقت.
من هنا أتصور أن من واجب النظام الإسلامي المقام على أرض إيران إن يحمي ظهر المقاومة الإسلامية بمعزل عن تدخل حزب الله في الصراع العسكري.
تبقى نقطة استخدام ورقة مقام السيدة زينب عليها السلام في تبرير التدخل العسكري. وهذه الورقة دعائية بحتة ولا علاقة لها بحقيقة ما يجري من صراع مشاريع إستراتيجية متداخلة على الأرض السورية.
وهنا نكرر: فليتدخل النظام الإسلامي المقام على ارض إيران بحماية المقام بدلا من الحزب لنفس الأسباب التي ذكرناها أعلاه.
أن التدخل العسكري يعني أن هناك ضريبة دم وهذه الضريبة غالية جدا ومقدسة وأيضا تداعيات الأمر على مجمل تماسك تنظيم الحزب من خلال المشاكل الاجتماعية التي قد تترتب.
بالنهاية علينا أن نقر ونعترف أن هناك من لديه وجهة نظر أخرى تقول أن في لبنان ليس هناك دولة حقيقية وحزب الله يدافع عن وجوده لأنه بسقوط الدولة في سوريا سيتم إسقاط وجود حزب الله في لبنان كتتمة لمشاريع التدخل الاستكباري بالمنطقة التي تمنع أي تحرك خارج نطاق السيطرة وخارج خط خدمة بقاء الكيان الصهيوني على الخريطة، ولأن حزب الله بقيادته مجموع الأحزاب اللبنانية والفعاليات والشخصيات في خط مضاد ومناقض للاستكبار وهو خط أذل الكيان الصهيوني وهزمه بأكثر من موقع ومناسبة بصورة مهينة أعادت الكرامة العربية فهو لذلك مستهدف لتدميره وقتل خطه النهضوي المقاوم. وبناء وتأسيسا على ذلك أصبح واجبا عليه حماية نفسه من التدمير والتآمر القادم. وهذه وجهة نظر بالتأكيد مهمة وتستحق التفكير فيها.
تبقى هذه وجهة نظر قد تصيب وقد تخطيء وقد تكون هناك أشياء خافية عن كاتب هذه السطور تنسف ما قلناه ولكن بكل الأحوال المهم أننا نتحرك بخط التكليف الشرعي بما يرضي رب العالمين.
د. عادل رضا
[email][email protected][/email] ميدل ايست أونلاين