صراع الطبقات وتجليه في قضايا الخدمات الصحية(2)

د.صدقي كبلو
أذكر أنه في النصف الأول من التسعينات عندما كنت بجامعة ليدز أني قرأت إعلانا عن سمنار يقدم ورقته البروفيسور ديفيد بوثDavid Boot وكنت قد قرأت له مقالا رائعا عن مدرسة التبعية في كتاب له مع بارنت، ثم قرأت له نقداً للتبعية في مقال عن الماركسية وسوسيولوجي التنمية، وكان وقتها بجامعة هل، فقلت هذا صيد ثمين فلأذهب لأتعلم شيئا جديدا، ولكن للأسف فإن ديفيد بوث قدم ورقة له تعرض فيها عن دراسته عن رسوم خدمات الصحة في بوتسوانا وأصبت يخيبة أمل وذكرته بتاريخه وكيف يتخلى عن عقله النقدي. وكانت تلك أول تجاربي مع بعض يسار البريطانيين الذين أشتراهم البنك الدولي لتسويق أفكاره النتنة.
بدأ السودان منذ الستينات تطبيق مسألة المراكز الصحية، ولكن لم تعمم المراكز، بل أننا لم نمضي في تطوير نظاما للطبيب العمومي لتمييز الأطباء الأخصائيين على الأطباء العموميين وهذا خطأ كبير، فتأهيل الطبيب العمومي هو أكثر كثافة ويحتاج لوقت أطول، وأعباؤه هي الأكثر وهو قاعدة الخدمات الصحية، ونحن نطلق خطأ على الطبيب الجديد بعد أدائه لفترة التدريب أنه طبيب عمومي، بينما الطبيب العمومي تخصصاً قائما بذاته يحتاج تدريبا أكثر كثافة وله إمتحان خاص في بريطانيا.
· النظام الصحي العلاجي السوداني إلى أين؟
كان النظام الصحي العلاجي في السودان يرتكز على الممرض والمساعد الطبي والطبيب العمومي ثم حكيمباشي المستشفى (وهو طبيب عمومي) ومفتش طبي المستشفى( وهو الآخر طبيب عمومي) وكان هذا النظام قادر على تقديم الخدمات الطبية الأولية وعلاج أمراض منتشرة مثل الملاريا والدسنتاريا واليرقان والبلهارسيا والرمد والتريكوما وإجراء عمليات الزائدة وجبر الكسور غير المركبة (بل أن أطباء عموميين جبروا كسورا مركبة في مناطق نائية من البلاد) فلماذا تتدهور الخدمات الصحية العلاجية الآن بعد أن زاد عدد الأطباء والإختصاصيون والكوادر المساعدة من فنيي معامل وأشعة وأشعة مقطعية ووجود مناظير وأدوات فحص متقدمة إمكانيات إجراء عمليات بالليزر؟
صحيح أن هناك تدهورا في الخدمات العلاجية ولا بد لنا من البحث عن الأسباب لذلك، لكن تدهور الخدمات العلاجية لا يفسر ظاهرة زيادة المرضى أو زيادة أمراض بعينها مثل الملاريا والبلهارسيا والسل مثلا: تقول الأخبار:
? الخرطوم: 5مارس 2013- أعلنت مدير البرنامج القومي لمكافحة الدرن تسجيل العاصمة السودانية الخرطوم أعلى نسبة في إكتشاف حالات الدرن من بين الولايات بنسبة 100%، وبلغ عدد المصابين (6) الآف حالة بواقع 119 حالة بين كل 100الف مواطن.
?وقالت هبة كمال: إن نسبة إكتشاف المرض بالسودان بلغت (56%) منذ العام الماضي وعزت ثبات النسبة منذ العام الماضي وعدم إكتشاف حالات جديدة لعدم استقرار الكوادر الطبية وهجرة عدد منها خارج السودان.
?وأشارت لدي مخاطبتها الإجتماع التقييمي الدوري مع منسقي الولايات بودمدني الإثنين إلى سعي البرنامج لتقليل نسبة الغطاء العلاجي من (10%) من المصابين المنقطعين عن العلاج إلى 4 %. كما ذكرت د. هبه كمال أن عدد مراكز الدرن بالسودان بلغ 327 مركزاً بجميع الولايات منها 40 مركزاً بولاية الجزيرة.
?واكدت توفير معينات التشخيص والأدوية مجاناً بجميع المراكز، مشيرة إلى أن خطتهم في المركز إرتكزت على الوقاية بتطبيق إستراتيجية العلاج قصير المدى تحت الإشراف المباشر وهي الإستراتيجية العالمية التي تطبقها جميع الدول للقضاء على مرض الدرن تحت شعار:( لنقضي على الدرن(.?
وما قيل عن الدرن يمكن قوله عن الملاريا والكلازار والبلهارسيا، اما عن الأيدز فذلك حديث نعود له فيما بعد.
وهذا يقودنا إلى سؤال آخر هل يمكننا أن نقلل من حالة الاصابة ببعض الأمراض (الملاريا، البلهارسيا، الاسهالات ?الخ) ونقلل نسبة الوفيات وسط الأطفال والأمهات، حتى نقلل الاعتماد على الطب العلاجي؟
· نحو إستراتيجية صحية متكاملة
السؤال يطرح قضية استراتيجية الخدمات الصحية وهل تعتمد الطب العلاجي أم الوقائي وما هي العلاقة بين الإثنين؟
وتأتي الصحة الوقائية بأوجهها البيئية والتحصينية والاجتماعية والمهنية في أولية أية سياسة صحية، ليس تمشيا بالقول المعترف به عبر العصور ?الوقاية خير من العلاج? ولكن لأنه من ناحية إقتصادية فالوقاية أرخص من العلاج، وبينما الصحة البيئية تستهدف مجمل السكان وبالتالي هي تحميهم من الأمراض البيئية والمستوطنة والأمراض المعدية المنقولة عبر ناقل كالباعوض والذباب ويرقات البلهارسيا وغيرهم من الناقلات الطبيعية والرقابة على المبيدات والتخلص من النفايات والاشعاعات الضارة وتعبئة وإعداد الطعام والمشروبات والمياه من الناقلات الحديثة والمرتبطة ببيئة الزراعة او الصناعة او التعبئة او التوزيع.
والوقاية التحصينية تحصن الصغار والكبار معا من الأمراض المعدية وغير المعدية، الموسمية وغيرها، سواء تحصين الأطفال من أمراض مثل الحصبة والبرجم والتهاب الكبد الفيروسي وغيرهم وتحصين العجائز من النزلات الشتوية، ومدهم بمكملات التغذية لتفادي أمراض كثيرة من بينها الزهايمر، والتحصين ضد السحائي الذي يشمل الجميع.
والصحة الاجتماعية تتعلق بالتوعية والثقافة الصحية بما في ذلك الثقافة الغذائية وثقافة التحصين وثقافة الاسعافات الأولية وتفادي الحوادث والتعرض للأخطار وتنظم الكشف الدوري على أمراض مثل سرطان الثدي وسرطان الرحم وسرطان القولون بحيث يتم علاجهم مبكرا، ونشر الوعي ضد الممارسات الضارة مثل الختان، وتشجيع تنظيم الأسرة.
وتستكمل الصحة الاجتماعية بالصحة المهنية التي تهتم بمكان العمل وللأخطار الصحية للمهن. وكلها معا تهتم بأمراض العصر كالسرطان والأمراض التي تسببها الاشعاعات، وأمراض مثل الأيدز التي تنتقل عبر الممارسات الاجتماعية ومن بينها الممارسات الجنسية.
وبهذا يكون الهدف الأساسي هو استئصال الأمراض البيئية والمستوطنة والمعدية. والهدف الثاني هو التطعيم ضد الأمراض خاصة وسط الأطفال، والهدف الثالث مقاومة أمراض سوء التغذية وفي مقدمتها الدرن والأمراض التي تصيب النساء الحوامل والمرضعات وأطفالهن وحالات النقص في النمو في الاطفال حديثي الولادة والأطفال حتى سن الخامسة. فقد نقلت نقلت الصحافة الخميس الثامن والعشرين من فبراير 2013 ان منتدى الأمن الغذائي بمجلس الوزراء كشف عن تزايد وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية وأن ثلث أطفال السودان تحت سن الخامسة يعانون سوء التغذية وأن 13 مليون سوداني يعانون نقصا في الغذاء وأن وزير الصحة بحر أبو قردة قال في المنتدى الذي عقد أمس 99 % من النساء يعانين فقر الدم الانيميا.
والهدف الرابع هو منع والوقاية ضد حوادث المهن والأمراض الناتجة عن بيئة العمل. والهدف الخامس هو الرقابة على الزراعة والصناعة والتعبئة والتوزيع بحيث تفادي الآثار الضارة على المستهلك من المبيدات والمضافات الصناعية والسلع الفاسدة أو المعبأة بشكل خاطئ أو المقدمة بشكل يحمل إحتمالات الخطر على الصحة.
إذا حققنا الأهداف الأساسية للإسترتيجية للوقاية الصحية فإننا نكون قد حققنا وضع صحي أفضل لمجتمعنا وفي نفس الوقت نكون أن حققنا توفيرا في إقتصاديات وتكلفة الطب العلاجي. وهذا لايعني عدم تطوير الطب العلاجي. فكيف نعمل ذلك؟
الصحافة
نسبة انتشار الأيدز ١٠٠%فالكارثة قادمة
لااعتقد الحديث عن الصحة ذو فائدة لان الانقاذ ليس لها هدف او اولويات للاهتمام بها!! او تطويرها!!!قبرامج الوقاية الصحية التي تتحدث عنها تعثر الكثير منها لغياب الرغبة والدعم المالي لها حتي الامراض التي تلقي دعم من الخارج او من الصحة العالمية يتم تحويل تلكم الاموال للصرف علي امور اخري تسميها الصحة الاولويات وذلك لغياب دور الدولة في الصرف الصحي!!!! اذا اضفت اليها التشريد المنظم الذي تم ويتم للكوادر الصحية تدرك حجم المعانات التي تعيشه
ا الصحة ولم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان!!!!فالصحة الان تدير مراكزها ومعظم مشافيها عن طريق عمال القصب!!! او عمال اليومية وتفتقت تلكم العبقرية من زيادة عدد خريجي الكليات الصحية والطبية!!فاوكلت لمنسوبيها التعاقد لسد النقص عن طريق التعاقد المباشر!دون عقد او مدة زمنية بحيث يغادر العامل متي ماشاء او عند تذمره او مطالبته باي حقوق!! ويتم رفد عامل اليومية بمايسمي مخدمي الخدمة الوطنية وهؤلاء يمكثون في المرافق الصحية لمدة عام اذا ارتضوا الوضع!! ثم يغادروا للالتحاق بركب عمال الموسم!!لفترة محددة اخري قبل التوجه للوكالات والتي اضحت هي المخدم الحقيقي لكل العاملين بالقطاع الصحي!! ورفعت الصحة يدها عن تعيين او تاهيل تلكلم القطاعات بالكادر البشري!! مما جعل مسألة الجودة والتدريب وتحسين الخدمات امر صعب المنال!! وفي تلكم التوجهات طبعا خدمة سياسية اكثر من كونها خدمة لقطاع المواطنين والمرضي! والثابت الوحيد في متغير الصحة او دولابها هو الاخصائي الذي سبق عهد الانقاذ وحصل علي وظيف وقلة قليلة محظوظة تعمل في الاقاليم تدعمها حكومات الولايات بعدد ايضا لرفع العتبshow !!
اما التدريب الطبي بانواعه فتلك قصة بمفردها! ولعلك سمعت باضراب النواب الشهير والذي حاول فيه النواب تحسين شروط التدريب الماليه والعملية!! فاتت بنتائج ايجابية للدفع السابقة المتدربه وكارثية علي من تلاهم!! فقد تفتقت عقول الشر في ايقاف التدريب وفتحه فقط علي النفقة الخاصة!! ثم للمبعوثين من الولايات بعد ان يمضوا او يقدموا طلبا بالسماح لهم بالتدريب للمده المحدد علي ان تسمح لهم الوزارة بذلك دون التزامات ماليه!!! اي يؤدي النائب تدريبه دون زيادة ودون وظيفة نائب!! بحيث لايتعدي مرتبه مرتب الطبيب العام الذي كان عليه!! ودون التزام من الوزارة بمليم احمر!! فيكفيها فخرا انها سمحت لك بالتدريب علي راتبك القديم!! بينما اسيادنا الذين وضعوا القوانين وكبلوا الطب والاطباء تدربوا في اوربا بالدولارات علي نفقة الشعب السوداني!! مضافا اليه رواتبهم المحلية والتي يصرفها اهلهم او اسرهم او حتي والديهم!!! اما مواعين التدريب فهي اقرب او اقل مما في جامعات التجهيل التي انتشرت كما النار في الهشيم!!! فمن سيدرب وعلي ماذا سيدربوا وقد هج كبار النطاسين المراكب الي ديار الاغتراب!!!! وفي اي ظروف والمشافي تعاني الامرين وتفتقد الاماكانيات!!! وحتي المحظوظين في بعض التخصوصات التي مازال بها علماء اجلاء يساعدون في التدريب تقف الحاجة وقلة الراتب وتفاقم الاوضاع المعيشيه امامهم في ان ينهلوا كما يجب ويتفرغوا كما يفترض للتدريب والتاهيل!!! لذا فمخرجات التدريب لاتقل سؤا عن مخرجات الجامعات المنتشره!!! هذا اذا لم نذكر انشغال كبار المدربين بين المشافي والعيادات والطلبة!! فالقلة الباقية تدبر عيشها باللهاث وراء عدد من الوظائف !!والاعمال فكيف لها ان تدرب !!!!!! وقد اردت بتوضيحي هذا ان اعكس لك الحال الذي بعانيه الوضع البشري للعامل بوزارة الستر الصحي وليس الصحة اكانت علاجيه او وقائية!!!!فهل بعد هذا يمكن وضع خطة للاصلاح دون هدم كامل الصحة بصورتها الحالية وقبلها كل الدولة التي لاتهتم لامر صحة مواطنيها فبل تحقيق اي خطوة للتحسين والتطوير!!!