بعد اعتذاره لعلماء السعودية? متى سيعتذر القرضاوي للأمة

يقوم القرضاوي بدور المفتي والمحرض والسياسي والراسم لحياة الناس بكل تفاصيلها، فلا يتوقف عن التدخل في كل قضية عرفها أو سمع عنها على شاشة منبر الجزيرة أو مما تلقاه من تعليمات من ولي نعمته.

بقلم: عبدالعزيز الخميس

قبل أعوام أخرج يوسف القرضاوي ما في صدره من هتافات مندداً بمن يتخلف عن الوقوف في صف حزب الله ومحور «المقاومة والممانعة».

قضت السنين ما قضته من مماحكات واتهامات وتجييش للعواطف واستغلال لمنابر إعلامية كالجزيرة وغيرها، وظل منطق أنصاف الرجال والقاعدين عن الجهاد وأصحاب الخطاب المتصهين يلف شبكات إعلامية عديدة.

لم يتخل القرضاوي عن دوره وقيادته وزعامته لهذا التوجه العدائي، لمن غلّبوا المنطق وأثبتت الأيام أنهم يعرفون ويخبَرون حزب الله وبشار الأسد جيداً، ويعلمون أن وراء الأكمة ما وراءها، بينما اندفع القرضاوي وولي أمره وغيرهما في صف حسن نصرالله، واستُثمرت الأموال في دمشق وبُنيت البيوت والطرق والخدمات في جنوب لبنان.

دارت الأيام واعترف القرضاوي أخيراً، وفي خطبته ليوم الجمعة، بأن علماء من السعودية كانوا أكثر نضجا منه.

وهذا الاعتراف محمود بل ومحبذ، فلا ينقص من قيمة الإنسان اعتذاره وتراجعه ومراجعاته للحقيقة وتسليمه بها.

لكن الخطر هو أن للشيخ رأيا يحظى بشيء من التقدير والتبجيل، يصل عند البعض حد الانقياد بعمى وراء تعاليمه وتوجيهاته التي يقول إنه يستمدها من الكتاب والسنة.

ما يلفت النظر في هذا الصدد هو؛ هل أن الوقوف وراء حسن نصرالله وبشار سابقا هو الخطأ الوحيد للقرضاوي. ماذا عن الأخطاء الأخرى التي لم يعترف بها، ولم يعتذر عنها القرضاوي، ماذا عن الحض على القتال في معارك طائفية؟ ماذا عن توجيه الناس إلى الاحتراب الداخلي وإشعال نار الفتنة محلياً؟ ماذا عن الوقوف مع جيش الغزاة الأجنبي وهو يدمر منازل عرب ومسلمين؟

هل سيعتذر القرضاوي عن فتوى تحريم زيارة القدس، أو عن قوله: إن محمد رسول الله (ص) لو كان موجوداً لتحالف مع الناتو، أو تشبيهه لمن ينتقد الإخوان بقوم لوط؟ هل سيتراجع القرضاوي عن صمته حول قضية الأسرى، وعدم تطرقه لقضيتهم إطلاقا؟ وعندما يتعلق الأمر بخلاف فلسطيني- فلسطيني يستل سيفه لينحر طرفا لصالح طرف.

لا نهاية للمطبات التي سيقع فيها القرضاوي بل ستستمر والسبب بسيط، وهو أن رجل الدين حين يقتحم ميدان السياسة فهو يصبح معرّضا للخطأ بل ومجبرا عليه، فكلنا يعلم أن القرضاوي جزء من آلة أمير قطر الدعائية يسلطه على من يكره ويوقفه مطيعا لمن أحب.

لا يمكن عزل القرضاوي عن اللعبة السياسية في المنطقة، فهو يدير مؤسسة ضخمة تمارس الإفتاء والسياسة مع بعضهما البعض، ويقوم القرضاوي بدور المفتي والمحرض والسياسي والراسم لحياة الناس بكل تفاصيلها، فلا يتوقف عن التدخل في كل قضية عرفها أو سمع عنها على شاشة منبر الجزيرة.

ولا ننسى حين تدخل في موضوع كردستان وكأنه مولود على سفوح جبال أربيل فوجه الشعب الكردي وكالعادة فصيلا ضد فصيل، وهل تجد القرضاوي إلا في مواقع الفتن، وهل يعيش دون أن تنازعه نفسه على نصرة قوم ضد أقوام، ودون أن يسبغ صفة الطائفة المؤمنة على طائفة دون أخرى خصوصاً إذا كانت إخوانية.

تدخل القرضاوي في شؤون دولة الإمارات العربية المتحدة، ودعم بالكلمة وبغيرها عصبة من الحركيين الإخوان ممن رفضهم شعب الإمارات، وحين وضعوا أمام منصة العدالة انتفض القرضاوي غاضبا وكأنه وصي الله في أرضه، وكأن القرضاوي وكيل على العرب والمسلمين يعلّمهم ما ينفعهم، وهو نفسه صامت على كل ما يحدث بجوار منزله من علاقات وثيقة بالغرب الذي يرفضه، وكأن بيريز لم يمر من أمام داره في طريقه إلى منبره الدائم ومنصة سلطته الجزيرة.

علماء السعودية الذين اعترف القرضاوي بنضجهم، هم من انتقدهم مرة تلو الأخرى وفي مواضيع مختلفة حين كان أمير قطر يكره ملك السعودية، وما أن تحسنت العلاقات حتى أصبح للعاطفة والرضى مجالاً في العلاقة مع السعوديين، ولكن بالطبع السعوديين يعرفون جيدا معدن القرضاوي ولن يلدغوا منه ومن تنظيمه مرتين.

تنتظر الأمة من القرضاوي الاعتذار وليس فقط علماء السعودية، وليس القرضاوي فقط بل كل المحسوبين على تنظيم الإخوان الذين عرفنا فيهم تملقهم وكذبهم وخداعهم، ولا أنسى أن نفاق الإخوان وتبدلهم يتضح في رسالة بعثها خالد مشعل، الإخواني الفلسطيني المعروف، والحمساوي الذي قرع يوما شيخه القرضاوي دفاعاً عن بشار الأسد حين قال في رسالته:

«إنني أدعو الشيخ القرضاوي أن يحكّم ضميره ويتحرر من الضغوط التي تمارس عليه من قبل جهات يعتبرها هو موثوقة» (في إشارة إلى حكام قطر حيث يقيم القرضاوي بشكل دائم ويحمل جنسيتها).

ويستطرد مشعل موجها خطابه للقرضاوي: «إن حكام السنة في العالم العربي باعوا قضيتنا، وأبرز شيوخ السنة تخلوا عن أهلنا، ولم تجد حركة حماس سوى الرئيس بشار الأسد ليحميها ويدعمها ويقف إلى جانبها، وحين طردنا الحكام العرب السنة آوتنا سوريا وبشارها، وحين أقفلت أبواب المدن في وجهنا فتحت لنا سوريا قلبها وحضنت جراحنا. لذا أقول للشيخ القرضاوي من منطلق المحب العاتب: إتق الله يا شيخ بفلسطين، فسوريا هي البلد الوحيد الذي لم يتآمر علينا، بل ويدعمنا وما تقوله عن وحدتها الدينية يصيب قلب كل فلسطيني بالحزن ويخدم إسرائيل ولا أحد غير إسرائيل».

وأضاف مشعل قائلاً: «إن الشيخ القرضاوي في سوريا يدعو إلى القتال بين السنة والمسلمين العلويين، سبحان الله? ما هكذا عرفنا الشيخ القرضاوي داعي الوحدة والمجاهد بالكلمة ضد اسرائيل وأميركا».

ولنا في الكلمات التالية وما تلاها من هروب مشعل من دمشق والتحاقه بالدوحة جارا للقرضاوي، حيث لحس كلامه على طريقة مايكل دوغلاس بعد أن صرخ ليرضي بشار وقال: «الشيخ القرضاوي إن لم يكن لديه معطيات حقيقية عن سوريا، عليه أن يستمع إلى الشعب السوري وإلى علماء الدين من أبنائه، ليعرف أن في هذا البلد يملك أهل السنة من الحرية والكرامة والعزة بالله ما لا يملكه غيرهم في بلاد يحكمها سنة». هل بعد هذا دليل على مدى نفاق الإخوان وتلونهم وتبدلهم، ورهنهم الدين والإسلام إلى الأجندات السياسية التي تتغير حسب مصلحة الحكام ووضع المنطقة وموازين القوى الدولية؟.

لعل أخطر ما يعترض الدين وأضخم تحدي يواجهه الإسلام هو وجود شيوخ مثل القرضاوي يرهنون الدين وسماحته ووسطيته لأغراض سياسية بحتة، ومن نتائج ذلك ما نراه الآن من ابتعاد الناس عن الدين بعد انكشاف النفاق والمصالح الضيقة لرجال الدين.

عبدالعزيز الخميس
ميدل ايست أونلاين

تعليق واحد

  1. للاسف رجال الدين في جميع الدول العربية تسوقهم الكراهية بدلاً عن الاخلاق والحب للبشرية وتقودهم مصالحهم الشخصية بدلا عن مصالح الامة … بسبب لكراهيتهم للاسرائيلين وبكائهم على الفلسطينين والارض التي طاعت سوف يسلمون اوطانهم للايرانيين بكل غباء وكلها بسبب الكراهية للاخر لانه مجرد اخر .. وفي النهاية ستبكون على الاطلال يوم تكتشفوا الى اين قادتكم الكراهية والعنصرية والطائفية وبعد فوات الاوان تدركون بأنه لا فلسطين كسبتم ولا وطن حفظتم

  2. نحن عرفنا الشيخ القرضاوي في السودان عندما زار البلد عقب اعلان قوانين سبتمبر 1983 وأفتى بجواز أخذ زكاة المال من رواتب العاملين ثم أنكر هذه الفتوى وتخلى عنها عند زيارته للسودان بعد الانتفاضة
    الغريبة ان علماء السعودية الذين يصفهم بأنهم كانوا أكثر نضجا منه قد تخلوا عن فتواهم بجواز الاستعانة بغير المسلم في قتال المسلم وهي الفتوى التي كان قد أصدرها عالم الدين السعودي الراحل عبد العزيز بن باز ثم تخلى عنها قبل موته
    اذن القرضاوي هو مفتي السلطان ولو تابعتم في اليوتووب ستجدون فيديوهات تكشف هذا العالم. في أحد هذه الفيديوهات يسأل مشاهد الشيخ عن حكم وجود القواعد الاميركية في قطر وكان الشيخ قبلها قد كال السباب للملكة السعودية بسبب وجود القواعد الاميركية فيها فتظاهر بعدم السمع وظل يردد في بلادة (آ؟ آ؟..) والمشاهد والمذيعان يعيدان عليه السؤال وهو يتظاهر بعدم السمع
    وكما قال أحد المشاهدين إن الشيخ لم يترك مسألة من مسائل الدين لم يتحدث فيها ما عدا موضوع (عقوق الوالدين) لكيلا يغضب الأمير الذي انتهز ذهاب والده للحمام فانقلب عليه واستولى على الحكم
    هذا السلوك ليس مقصورا على الشيخ بل على كل التنظيم الاخواني فانظروا كيف كان يتحدث الجبهجية عندنا في السودان أيام نميري عن الحريات (جامعة حرة أو لا جامعة) ومحاربة الغلاء وغيرها من الشعارات التي استمروا يرددونها ليل صباح ايام الديمقراطية وحتى بعد (التمكين) لعل أشهرها نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع (الشعار الذي أغلقت بعده مصانع النسيج ومعاصر الزيوت والمطاحن) وحتى شعارهم الأهم (شريعة شريعة ولا نموت الاسلام قبل القوت) وكانوا هم من ألغى قوانين سبتمبر (الشريعة) التي قالوا انهم سيموتون من أجلها
    وانظروا الى الجيران كيف كانوا يتحدثون عن العلاقات مع اسرائيل وكامب ديفيد والغاز لاسرائيل وماذا فعلوا بعد الوصول للحكم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..