واشنطن بوست : ستواجه دارفور وضعاً أسوأ مع فقدان الجنوب ..ستسعى الخرطوم حتماً إلى فرض سيطرتها على بقية أنحاء السودان، ما يعني ارتكاب عمليات قتل عشوائية وأكثر فظاعة، وتنفيذ حملة أوسع لـ’تطهير’ البلاد.

واشنطن بوست : ستواجه دارفور وضعاً أسوأ مع فقدان الجنوب ..ستسعى الخرطوم حتماً إلى فرض سيطرتها على بقية أنحاء السودان، ما يعني ارتكاب عمليات قتل عشوائية وأكثر فظاعة، وتنفيذ حملة أوسع لـ’تطهير’ البلاد.
استفتاء جنوب السودان يطغى على مشاكل دارفور
Morton Abramowitz – Washington Post
عملياً، حتى لو سارت عملية الانقسام بين الشمال والجنوب بطريقة سلمية بعد الاستفتاء، ستواجه دارفور وضعاً أسوأ… فمع فقدان الجنوب، ستسعى الخرطوم حتماً إلى فرض سيطرتها على بقية أنحاء السودان، ما يعني ارتكاب عمليات قتل عشوائية وأكثر فظاعة، وتنفيذ حملة أوسع لـ’تطهير’ البلاد.
تفيض التقارير التي تشير إلى تزايد أعمال العنف المدعومة حكومياً ضد سكان دارفور، ما يؤدي إلى تدهور الظروف الإنسانية وانتشار موجات الاعتداءات ضد المجتمع المدني الذي تمزقه الحرب في دارفور. غير أن العالم لم يبذل الكثير للاعتراف بهذا الوضع الذي يتدهور بسرعة فائقة، وبالتالي العمل على معالجته، بل تطغى التحضيرات للاستفتاء السياسي في الشمال والجنوب على الأجواء العامة، ومن المتوقع أن يترافق هذا الحدث مع سفك الدماء، وحتى لو انقسم السودان سلمياً، تتجه دارفور نحو مأساة إنسانية وسياسية.
من بين أكثر الأحداث المروعة القائمة، نذكر ما يأتي:
● في الأسابيع الأخيرة، تجددت الاعتداءات التي تقودها قوى مسلحة سودانية وعناصر في ميليشيات «جنجويد» المسلّحة على القرى في جميع أنحاء دارفور، وتشير التقارير الإذاعية إلى حصول اعتداءات تستهدف المدنيين في مناطق يدعي متمردو دارفور أنهم لا يملكون أي قوى مقاتلة فيها، كذلك، يتوافد آلاف المهجرين من القرى المدمرة نحو الغرب، باتجاه المخيمات في دارفور، ما يعمّق المشاكل بالنسبة إلى المهجّرين الموجودين هناك أصلاً.
● من المتوقع أن تقفل دارفور مخيماً كبيراً يضم أكثر من 80 ألف مهجر في جنوب دارفور قريباً، وذلك بهدف تعزيز الأمن في مطار مجاور. يُعتبر «كالما» من أقدم المخيمات القائمة، وهو يضم أكثر متمردي دارفور تطرفاً. في السنوات الأخيرة، شكل مخيم «كالما» مسرحاً لاشتباكات عنيفة بين المتمردين وقوى الحكومة. لا توجد أماكن كافية لإرسال المهجرين إليها أو نقل المساعدات الإنسانية إليهم، ما يعني أن مستقبلهم يبقى غامضاً حتى الآن، وقد تؤدي الجهود المبذولة لنقل المهجرين من مخيم «كالما» إلى انتشار موجة عنف أكبر.
● أما أخطر ما في الوضع، فهو أن الحكومة السودانية تسعى، بحسب ما يتردد، إلى التواصل مع قوى إضافية تابعة لحركة «جنجويد» التي لطالما كانت ناشطة في دارفور، وذلك بهدف المشاركة في إيجاد «الحل النهائي». لا تزال المعلومات بهذا الشأن محدودة، لكن وفقاً لبعض المصادر في دارفور، ستبدأ العملية هذا الشهر وستنتهي قبل استفتاء يناير مباشرةً. على صعيد آخر، يتم تهريب مناصري الحكومة السودانية المسلحين إلى المطار المحلي في تلك المنطقة، وقد سُمع واحد منهم على الأقل وهو يعلن أنه ورفاقه المقاتلين جاؤوا لـ»تطهير» دارفور. وتشمل الجهود المبذولة لإسكات الصحافيين إغلاق مكاتب راديو دابانغا في الخرطوم. يخشى العاملون في مجال الإعانات الإنسانية الإفصاح عن المعلومات علناً خوفاً من طردهم من الخرطوم وحرمانهم من مورد رزقهم.
صحيح أنّ المجتمع الدولي عبر عن مخاوفه العميقة من تأزم الوضع في دارفور، لكن لم يُبذَل الكثير لمعالجة الأزمة، وما يزيد الوضع سوءاً هو الفشل في التصرف لحل المشكلة. بعد زيارة مسؤولين من مجلس الأمن للمنطقة، في الشهر الماضي، سرعان ما اعتُقل الأشخاص الذين تحدثوا مع هؤلاء المسؤولين. صحيح أن البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي العاملة بدارفور كانت مكلفة بمراقبة المنطقة، وقد دعت قرارات مجلس الأمن الخرطوم مراراً وتكراراً إلى تغيير سياساتها، لكن لم يشهد الوضع أي تغير فعلي.
منذ أن بدأت الإبادة الجماعية في دارفور، عام 2003، قدم المجتمع الدولي كماً هائلاً من المساعدات الإنسانية، لكن لم تتوقف المجازر المرتكبة قبل سقوط عدد كبير من القتلى، ثم عادت بعض الدول لتركز على ضرورة إقامة سلام بين شمال السودان وجنوبه، كما يحصل راهناً.
في غضون ذلك، لم تحقق المفاوضات المدعومة من المجتمع الدولي بين متمردي دارفور والخرطوم أي نتائج ملموسة، فقد بقيت الخطابات والتهديدات الغربية ضد الخرطوم، خلال السنوات السبع الماضية، مجرد كلام في الهواء. قد يكون للتهم التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثر مهم على المدى البعيد، ولكنها لم تُنتج شيئاً على المدى القريب، بل يرى البعض أن هذه الخطوة قد صعبت من عملية إيجاد حل في دارفور. يتمثل أكبر إنجاز دولي تحقق حتى الآن بالحفاظ على حياة ملايين المهجرين في المخيمات طوال سنوات، وهو إنجاز مهم طبعاً، ولكنه لم يساهم في معالجة المشاكل من جذورها.
نتفهم التركيز الدولي على خطر حصول مجازر مع اقتراب موعد الاستفتاء في شهر يناير، لكن بينما يتزايد القلق بشأن الأثر الذي قد يخلّفه انقسام السودان على بقية دول العالم، تصل دارفور إلى شفير الهاوية. منذ أسبوعين، أبلغت واشنطن القادة السودانيين برغبتها في شطب السودان عن اللائحة الأميركية بأسماء الدول التي ترعى الإرهاب من دون ذكر الإبادة الجماعية في دارفور. قد تدل هذه النزعة إلى فصل الوضع في دارفور عن بقية الأحداث على اتخاذ أخطر قرار بشأن دارفور حتى الآن، قد لا يكون هذا العرض كافياً لضمان نشر جو سلمي لإجراء الاستفتاء، ويُعتبر توقيت هذه المبادرة الإيجابية الأسوأ على الإطلاق، فهي تتزامن مع سعي الخرطوم إلى تشديد قبضتها على دارفور عن طريق أعمال العنف. من خلال استعمال هذا الخيار، فقدت إدارة أوباما أداة مهمة لتجنب تكثيف عمليات القتل الحتمية في دارفور.
عملياً، حتى لو سارت عملية الانقسام بين الشمال والجنوب بطريقة سلمية بعد الاستفتاء، ستواجه دارفور وضعاً أسوأ بعد، فمع فقدان الجنوب، ستسعى الخرطوم حتماً إلى فرض سيطرتها على بقية أنحاء السودان، ما يعني ارتكاب عمليات قتل عشوائية وأكثر فظاعة، وتنفيذ حملة أوسع لـ»تطهير» البلاد، وشن اعتداءات إضافية على يد عناصر ميليشيا «جنجويد» المدعومة من الحكومة. في حال لم يتنبه المجتمع الدولي الآن إلى ما ستؤول إليه الأمور، فلن تكون نهاية الصراع في السودان وشيكة، بل إنها ستكون بداية فصل مروع جديد. لسوء الحظ، يصعب أن نأمل في أن تجد الدول الوسائل الفاعلة لتجنب هذه الأحداث المؤلمة.
الجريدة
انا من المتابعين بصورة يومية لصحيفة الاندبندت للأربع سنوات السابقة
واشنطن بوست