بيانات - اعلانات - اجتماعيات

السـلطة والوطـن ومسـتقبل البلاد «3»

.رأي

السـلطة والوطـن ومسـتقبل البلاد «3»

د.محمد الشريف سليمان

تحدثت في الجزء الأول من المقال عن مفهومي السلطة والوطن، وأوردت في الجزء الثاني الظواهر التي تحكم وطن السلطة، وليس وطن الشعب، حتى الوصول إلى: الملاحظ أن دول العالم النامي «السودان جزء منها» لديها أزمة دولة وأزمة علاقة بين الدولة والمجتمع، وأزمة بين مكونات المجتمع الإثنية والإقليمية، بمعنى أنها تعاني أزمة وجودية، وهذا ما يتطلب عقداً اجتماعياً جدبداً يؤسس لمشروع وطني جديد.
أورد الكاتب عرفان نظام الدين في مقال له بجريدة «الحياة» اللندنية، خلال شهر أبريل الماضي، عن الديمقراطية السودانية: انتهت اللعبة الديمقراطية وبدأ الجد مع قرب اكتشاف خطورة السياسات المتبعة على مختلف الصعد، فالنظام لم يحصل على صك براءة ذمة بعد عشرين عاماً من التفرد والأخطاء والخطايا التي أدت إلى إشعال نار حروب وفتن في الجنوب والشرق وفي دارفور بالذات، أسفرت عن مصرع وإصابات عشرات الآلاف وتشريد الملايين من السودانيين الذين يكتوون بنار الفقر والمرض في ديار الله الواسعة بعيداً عن وطنهم الغني الذي أحبوه وضحوا من أجله، لكنه سرق منهم في غفلة من الزمن على متن دبابة تسللت في الفجر.
وتابع الكاتب بقوله: لقد تسلم أركان النظام السودان بلداً موحداً آمناً مستقراً، على الرغم من كل ما يجري في الجنوب من مناوشات وما يحاك من مؤامرات. والحكم يقوم على أسس ديمقراطية، صحيح أنها لم تكن مثالية، بل أنها تبقى أفضل ألف مرة من الديمقراطية المتولدة عن انتخابات مشكوك في صدقيتها وصحتها وشرعيتها. وكان الشعب حراً في إبداء رأيه واختيار قياداته بلا تهديد ولا إرهاب ولا سجون ولا بيوت أشباح وسهرات تعذيب، وكان القضاء حراً عادلاً يضرب به المثل. وكانت جامعات السودان ومدارسه تتمتع بدرجة متقدمة ومستوى مشهود له في العالم.
ويتمنى الكاتب المذكور لو اتخذت الانتخابات الأخيرة منهج تغيير وإصلاح، وحملت شعار تعزيز الوحدة الوطنية والمشاركة والحوار وقبول الآخر والاعتراف بمبدأ تداول السلطة والإقرار بالنتائج، والرضوخ لإرادة الشعب وخياراته بتسليم المقاليد لفريق يحكم ويمارس الإدارة والتشريع وفريق يعارض ويراقب ويحاسب.
لكن الخطأ الذي وقع فيه النظام السوداني أنه سار على نهج أنظمة أخرى تبني الديمقراطية العرجاء، التي تستند الى مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان» أو أنا أو لا أحد، والمتجاهل الذي ينظر بعين واحدة الى الحقائق والواقع ويغمض العين الثانية رافضاً الاعتراف بالطرف الآخر، والحمقاء التي تظن أن الناس أغبياء، وأن العالم أحمق نستطيع خداعه بصناديق وأوراق معدة سلفاً، ثم نتربع على عرش الحكم مستندين الى شرعية لم يقبضها أحد.
ويتابع نظام الدين السرد بأن التجربة السودانية أبقت القديم على قدمه، ووسعت الشرخ بين السلطة وأحزاب المعارضة وقوى أخرى في دارفور والجنوب، ومهما اتخذت من خطوات وعمليات تجميلية، فإن الاستقرار سيبقى بعيداً، بل إن الخوف، كل الخوف أن يسفر الاستفتاء في الجنوب العام المقبل عن تأييد الانفصال مما سيفتح باب حرب جديدة طاحنة، وانتشار عدوى التفتيت والانفصال في بلد ظل موحداً منذ نيل الاستقلال، وتوفر فيه المحبة والوئام والتمازج لمواطنين ينتمون إلى أديان وأعراق وإثنيات وقبائل وعشائر مختلفة على امتداد أرض الخير والمحبة والسلام المزروع في قلب كل إنسان سوداني حر.
في كل الحالات لم ينجم عن هذه التجارب الديمقراطية «شهد العراق قبل السودان تجربة انتخابات أسفرت عنها توازنات رعب طائفية وعرقية تحمل في طياتها بروز التفتت مهما حاول البعض تجميل الصورة» سوى التشكيك لأنها أهملت رغبات وآراء الرأي العام، وأولها تأمين الحقوق المشروعة للموطن. كما أنها تحمل في طياتها بذور فتن قد تؤدي، لا سمح الله، الى الدمار في حال تفاقمت الانتهاكات والارتكابات بدلاً من تحقيق النمو والرخاء وإحقاق الحق وكسب ثقة المواطن والدفاع عن أمنه واستقراره، وضمان العدالة وفق متطلبات مبادئ الحقوق والواجبات.
ويرى الكاتب عدم تبرئة القوى الإجنبية وتدخلاتها السافرة، بل لا بد من وضع النقاط على الحروف بحيث لا تُحمل المسؤولية الكاملة للسلطة الحاكمة، وإنما تتحمل القوى المعارضة معها هذه المسؤولية، خاصة لتقاعسها وتشرذمها وابتعادها عن الأساليب القويمة في بعض الأحيان، إضافة إلى المطامح الشخصية والأنانية والصراعات في داخلها، لدرجة حتى يقترب القول من أن المعارضة لا تقل سوءاً عن الحكومة.
وبعد تناولي لمقالة نظام الدين، اختتم الجزء الثالث من مقالتي «السلطة والوطن ومستقبل البلاد»، بما أتى به الدكتور الواثق كمير في صحيفة «الرأي العام» عن الأوضاع الناتجة عن الانتخابات في السودان: يضع هذا الوضع السياسي المتأزم وضرورة تجاوزه عبئاً ثقيلاً ومسؤولية ضخمة على رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب، خاصة والبلاد على استحقاق مصيري على بقائها موحدة، بينما تظل الأزمة في دارفور تراوح مكانها، وقرار المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس مازال يلقي بظلاله على وضع السودان برمته. فسيطرة الشريكين المطلقة على الحكم في الشمال والجنوب يجب ألا تغريهما بالتخندق الحزبي الضيق والاندفاع لإزاحة معارضي كل طرف، والإجهاز عليهم بدون اعتبار للمصالح الوطنية العليا، وإحلال وطن السطة مكان وطن الشعب.
/ برلين

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..