أزمة الديون الخارجية ستظل تنهك اقتصاد السودان!

د. محجوب محمد صالح

تباينت الأرقام حول دين السودان الخارجي فبينما حددته جهات حكومية مسؤولة بواحد وأربعين مليار دولار قدَّره صندوق النقد الدولي بحوالي ستة وأربعين ملياراً يصلها في نهاية هذا العام، وأيا كان الرقم الصحيح فإن المديونية الخارجية تتجاوز نسبة الـ%80 من الدخل القومي الإجمالي للسودان، وهي مديونية تلقي بأعباء كبيرة على السودان وتضعف قدرته على الاستدانة بشروط معقولة كما تضعف فرص الاستثمار فيه ولا يبدو في الأفق أي مجال لتسوية لهذه المديونية الكبيرة أو الاستفادة من مبادرات خفض الديون إلا عبر تسوية سياسية ما زال السودان حتى الآن عاجزا عن تحقيقها.

المدخل لمعالجة مديونية السودان الخارجية هو الاتفاق مع نادي باريس الذي يضم خمسة وخمسين عضوا ولا تتم تسوية الأمور معه وجدولة المديونية إلا بالموافقة الجماعية من كافة الأعضاء الخمسة وخمسين على القرار وفي مقدمة هؤلاء الأعضاء الولايات المتحدة التي تخضع السودان إلى قوانين مقاطعة لا تسمح لها بالتصويت بالإيجاب في نادي باريس ومعارضة عضو واحد كافية لمنع صدور القرار، وستظل هذه الموافقة الأميركية هي القضية الأساسية التي تواجه حكومة السودان وتدفعها لأن تجري وراء تطبيع الأوضاع مع الولايات المتحدة وهو مطلب ظل أبداً سرابا عصي التحقيق.

السودان يردد دائما أنه استوفى الشروط الاقتصادية والفنية للاستفادة من مبادرات خفض الديون ولكن العقبة السياسية استعصت على الحل وهي التي ستحول دون معالجة قضية السودان دوليا وفق إعفاءات وجدولة معقولة، وسيظل من المستحيل تحقيق هذا الاختراق ما لم يسبقه (تفاهم) مع الولايات المتحدة والحكومة تردد أنها فعلت كل ما في مقدورها لتطبيع العلاقات مع أميركا وتتهم أميركا بأنها هي التي تمارس تغيير قواعد اللعبة كلما أنجزت الحكومة تعهداً والولايات المتحده تردد أن السودان كلما أغلق باباً فتح الباب لأزمة جديدة! وفي لقاءات أديس ابابا الأخيرة تم الاتفاق على القيام بجهد جنوبي شمالي مشترك تسعى من خلاله الدولتان لإقناع المجتمع الدولي بتسوية ديون السودان الخارجية باعتبار أن ذلك هو الوسيلة الأجدى لخلق دولتين قابلتين للبقاء بعد انفصال الجنوب، وهذا طرح سيجد تعاطفا من دول عديدة بحكم تعاطفها مع دولة جنوب السودان الوليدة ولكن ستظل عقبة الولايات المتحدة هي الصعوبة التي لا يمكن تجاوزها إلا باتفاق ثنائي مع السودان فشلت الحكومة في تحقيقه.

ولم تكن هذه الحقيقة غائبة عن المتفاوضين في أديس أبابا ولذلك فإنهم مع اتخاذهم قرار التحرك المشترك نحو المجتمع الدولي لحلحلة أزمة الديون اتخذوا القرار البديل وهو أنه إذا فشلت هذه الجهود سيتم تقاسم الديون بين الدولتين: دولة السودان وجنوب السودان بحيث تتحمل كل دولة نصيبها من الدين حسب استفادتها من تلك الديون.

ومهما كانت معايير القسمة التي ستلجأ لها الدولتان فإن نصيب السودان سيكون هو الأكبر ولن تتحمل دولة الجنوب شيئا يذكر من ذلك الدين باعتبار أن أكبر جزء من تلك المديونية عبارة عن أموال تم الحصول عليها إما للصرف الجاري أو لمشروعات تنموية قامت في الشمال ولم يكن للجنوب حظ فيها ونسبة كبيرة من المبلغ المطلوب عبارة عن فوائد تراكمت عبر السنين على مديونيات صغيرة لم يتم سدادها.

وهذا يعني أنه مهما كانت المعايير التي تتخذ للقسمة بين الدولتين سيقع النصيب الأكبر من المديونية على عاتق السودان.
كان في مقدور السودان أن يشترط على الولايات المتحدة وهي تتلهف قبل عامين لإجراء الاستفتاء على مصير الجنوب في موعده أن تعالج قضية المديونية أولا لكي تساعد السودان -شمالا وجنوبا- على التخلص من أعباء الديون قبل أن يجري الاستفتاء إسهاما منها في قيام دولتين قادرتين على البقاء لكن السودان أضاع تلك الفرصة الذهبية رغم أن كل الظروف كلها كانت مهيأة لإحداث الاختراق المطلوب وهو يحاول الآن بمسعى جديد دون أن يملك من أدوات الضغط شيئا، بل إن الأوضاع الراهنة المأزومة تجعل موقف الولايات المتحدة أكثر تشدداً.. ولذلك فإن أزمة الديون الخارجية مرشحة لأن تظل قائمة كمصدر إنهاك للاقتصاد السوداني وستظل تلقى بظلال سالبة على المشهد السوداني وتزيد في معاناة المواطن السوداني الذي يواجه اتساع دائرة الفقر كل صباح!!

د. محجوب محمد صالح
كاتب سوداني
[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. الجنوب علاقته شنو بالقروض الربوية البتجي السودان والتنمية اﻹنتقائية في مثلث حمدي؟! وحتى دارفور والنيل اﻷزرق وجنوب كردفان والشرق ماعندها شغله بهذه الديون.

  2. ألأخ د. محجوب

    لك تحياتى.. و ارجو ان تسمح لى يا اخى بإضافة بعض الحقائق و المعلومات الآتيه المتصله بديون السودان الخارجيه، و المساعى المبذوله لمعالجتها لدعم مقالك الموضوعى:

    1- ليس صحيحا على الإطلاق ان السودان قد إستوفى الشروط الإقتصاديه و الفنيه لإلغاء ديونه، كما تدعى حكومة الكذب و التضليل. ذلك لأن الهدف الأساسى من مبادرة ال”هيبك”(1996)، و هى المعنيه بإلغاء ديون الدول الفقيره، و التى يأول عليها السودان، الهدف منها هو خفض الفقر فى هذه الدول بألأساس، و ليس تقديم المساعده و الدعم المالى للأنظمه الشموليه المتسلطه فى العالم الثالث. يمكن تلخيص هذه الشروط فى 3 نقاط اساسيه:
    * إعداد ورقه علميه عن إستراتيجية الدوله المعنيه و سياساتها تجاه خفض الفقر(PRSP). بالضروره ان يشارك فى إعدادها منظمات المجتمع المدنى كلها، و كذلك المنظمات غير الحكوميه(NGOs).
    * إجراء إصلاحات فى سياسات الإقتصاد الكلى(Macro-economic Policy Reform)، بما يدعم إستراتيجية خفض الفقر، و متابعة هذه الإصلاحات و تقييمها لمده اقلها عام.
    * إجراء إصلاحات فى السياسات الماليه، و الإحتفاظ بسجل كامل للديون الخارجيه و مراقبة ذلك لمدة عام بهدف التحكم فى هذه الديون و عدم تكرار ازمتى الديون و الفقر مستقبلا.

    2- نادى باريس لا يلتفت لطلبات الدول لإلغاء ديونها، ما لم يتم إخطاره و تفويضه من قبل البنك الدولى بإستيفاء الدوله المعنيه الشروط الإقتصاديه و الفنيه الوارده فى مبادرة ال”هيبك”. وزارة الماليه و الإقتصاد هى نقطة الإرتكاز بالنسبه للبنك الدولى، و هو لا يتعامل مع وزارات الخارجيه بطبيعة الحال. كما ان دور وزارة الخارجيه بالأساس، هو علاقات عامه، قد يكون مفيدا فى مرحلة لاحقه، و ليس الآن.

    * الحقيقه الماثله ان السودان لم يعد ورقة إستراتيجية الفقر كما هو مطلوب. فهو ليست لديه منظمات مجتمع مدنى بالمعنى المعروف لتشارك فى إعدادها، و لا يعترف بها أصلا و لا يشجعها. و ليست به منظمات غير حكوميه، بل يطردها. و ليست لديه سياسات تهدف لخفض الفقر، ليتنامى الفقر حتى وصل 96%. بل ان الفقراء هم مصدر دخل “لخزينة الدوله الصحابيه” من خلال الضرائب و الجبايات الكثيره المقرره على ألإنتاج و السلع و الخدمات، و التى تتوسع مواعينها كل فجر جديد . و من النواحى الأخرى، فالسودان ليست لديه سياسات ماليه واضحه، كما يعلم الجميع. و ليس سرا” ان تنابلة السلطان( بما فيهم رئيسهم)، من امثال مصطفى عثمان و وزير الماليه و كرتى، و حتى ولاة الولايات، ما إنفكوا يطوفون بدول العالم سعيا وراء المزيد من القروض الربويه. فالكل يعتقد ان له القدره، و السلطه، و التفويض من مجلس الصحابه على فعل اى شئ، و فى اى زمان و مكان خارج إطار المؤسسيه، طالما كان هو “القوى الأمين”. و طالما خلصت “النوايا و التوجه”، “فهى لله” ، و ستكون فى ميزان حسناته بإذن الله، غض النظر عن النتائج!

    * إذا”، السودان لم يستوف الشروط المطلوبه كما شرحنا بأعلاه، و لن يتمكن من إستيفائها مستقبلا، فى ظل الظروف السياسيه المعروفه. و للمفارقه، فان السودان هو من بين ثلاث دول لم ينظر فى امر ديونها ابدا”، و الأثنين الأخريين هما إرتريا و الصومال!! و قد إستفادت حتى الآن 36 دوله إفريقيه و دول امريكا اللاتينيه من هذه المبادره بنجاح.
    * و كل الذى حدت ان السلطان على كرتى قرر لنفسه إجازه فى منتجعات مدريد الخاصه بإسبانيا. فإصطحب معه 4 تنابله آخرين من سفراء السودان فى الدول الأوربيه، بما فيهم زوجته “الجديده” سفيرة السودان فى إيطاليا بعد الزواج. الهدف المعلن من الزياره هو السعى مع اعضاء نادى باريس لإلغاء ديون السودان. اما الحقيقه المخجله، فهى ان السلطان كرتى قرر قضاء شهر عسل آخر، على ان يدفع تكلفة هذه “الخلوه الشرعيه” كامله الشعب السودانى المراد تخفيف فقره!! و لم لا؟ اليس هو القوى الأمين؟ و اليست هى لله؟ فماذا تعنى المؤسسيه، و مثل هؤلاء الصجابى لا يحق مساءلتم ابدا!!

    * و عند عودته من إجازته بإسبانيا، يهرع الإعلام المأجور و المغيب فى مدح السلطان، واصفا رحلته الميمونه بالنجاح، و كيف استطاع السلطان إقناع الدول باحقية السودان فى إلغاء ديونه، و الوعود و المكاسب التى خرج بها السودان من هذه الرحله. و أكاد اجزم ان هذا هو السيناريو بالضبط، برغم اننى لم اطلع على ما قد يكون قد ورد فى اجهزة الأعلام، و انا لا اتابعها اصلا”.

    * و مع التقدم الذى طرأ على تقنية المعلومات، و التطور المذهل الذى يحدث فيها متسارعا، فقد ولى بلا رجعه عهد الكذب و تضليل الشعوب. فمن اراد الإطلاع على موقف السودان من الديون، او الفقر، او أداء إقتصاده، او اوضاعه الإجتماعيه و السياسيه، او حقوق الإنسان فيه، او الشفافيه و حكم القانون، و ما إلى ذلك من القضايا العصريه، يمكنه الحصول على معلومات مذهله من المواقع الإلكترونيه الخاصه بالبنك الدولى و صندوق النقد الدولى و وكالات الأمم المتحده المتخصصه، و هى متوفره يعدة لغات، بما فيها اللغه العربيه. فلماذا يكذبون ، حتى يصدقون كذبهم؟ و لماذا تنافقهم اجهزة السلطه الرابعه؟

    لعنة الله على تجار الدين الكاذبين المجرمين، و تابعيهم من المنافقين الى يوم الدين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..