فض مؤتمر صحفي لطلاب المناصير ببورتسودان واعتقال ثلاثة ناشطين

بورتسودان:
فضَّت السلطات الأمنية بمدينة بورتسودان مؤتمراً صحفياً لطلاب المناصير بجامعة البحر الأحمر، واعتقلت ثلاثة من الناشطين من داخل دار الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل أمس، وكان من المقرر عقد مؤتمر صحفي لطلاب المناصير بالدار إلا أن تدخل جهاز الأمن واعتقاله لعمر يسين ومالك عمر والحاج قيلي، حال دون قيام المؤتمر.
الميدان
الكبت لا يولد الا الانفجار المدوي
وقريبا سيحتاج كلاب الانقاذ الى الالف الامنجية لتكميم الافواه وللاعتقال ولكن هيهيات لستم اقوى من امن فرعون مصر حسني وساعتها اعرفوا لكم بلد امشوا لها
والا فالتصفيات الجماعية في انتظاركم يا اوغاد يا كلاب
هذه مجرد مجموعة من الآراء والملاحظات التي أردت أن أسهم من خلالها بالكشف عن جوانب في العلاقات المعقدة التي تربطنا نحن المسلمين الإرتريين بشكل خاص بالسودان، علها تثير النقاش حول هذا الموضوع المطروح هذه الأيام بمناسبة ما تم مؤخرًا في السودان الرسمي من اعتقالات وتسليم أفراد إرتريين إلى السلطات الإرترية.
* بداية أود أن أوضح بأن ما أقصده في الكثير من المواقف في هذا الاستعراض معنية به الأنظمة السودانية المتعاقبة، والقوى السياسية المعارضة لها، وكيفية تعاملها مع الإرتريين.
* ما يثير الغضب وخيبة الأمل في ملف العلاقات السودانية-الإرترية هو أن المسكوت عنه لأسباب شتى هو الأكثر من المحكي عنه، وذلك بحكم التواجد الكثيف للإرتريين في السودان، وتوطنهم هناك، والخوف على مصالحهم واستقرارهم فيه.
* ما يجهله الكثيرون من أهل السودان وسطًا، وشمالاً، وغربًا هو أن شرق السودان هو امتداد ثقافي، وقبلي، وعرقي، ومذهبي، ولغوي، وجغرافي، وتاريخي لأجزاء هامة وكبيرة من إرتريا، وبالتالي لدى حديثنا عن هذه العلاقات فإننا نتحدث عن جسم واحد يكمِّل بعضه بعضًا، ولا تهتم الشعوب كثيرًا بالخارطة الاستعمارية فلا هي شاركت في صنعها، وليس من مصلحتها بالأساس الدفاع عنها، أو الحفاظ عليها.
* يتحمل المسلمون الإرتريون جزءًا من جهل السودانيين بهم، وأيضًا جزءًا كبيرًا من تجاهلهم لهم، لأنهم ظلوا يخشون من تقديم أنفسهم إما كإرتريين بصريح العبارة، وإما كسودانيين من أصول إرترية، ويلوذون بالفرار إلى المنطقة الرمادية التي يتحصنون فيها، ويتمسكون بالهوية الباهتة التي لا تنتمي لا إلى هذا ولا إلى ذاك، في وضع يمكن وصفه بساطة بأن فيه إضعاف للشخصية، وهدم للحقوق، وهدر للكرامة بصورة لا تليق بشعب مناضل.
* النتيجة المأساوية لكل ما سبق ذكره هو تحول المجتمع الممتد بين إرتريا وشرق السودان إلى رهينة في يد نظام طائفي ديكتاتوري لا يرحم، يستخدمه ككرت حسب مزاجه وحاجته إليه، ولا يخلو الأمر من وجود مخطط
مستقبلي لنقل ما تبقى من المسلمين الإرتريين إلى شرق السودان، وإحلال أناس آخرين في مناطقهم الواسعة والخصبة في الخارطة الإرترية. هذا المشروع يتم العمل فيه على قدم وساق، والقوى السياسية الإرترية الإسلامية منها وغير الإسلامية لا نرى لها تحركًا واضحًا لفضح هذا المشروع وإفشاله بصورة واضحة من خلال الحديث عنه في ندوات مفتوحة، والتنبيه إلى مخاطره الديمغرافية المستقبلية، وتكتفي بالإشارة إليه في بعض المواقف والبيانات التي تصدر عنها في مناسبات معينة.
* لنأخذ على سبيل المثال إثارة موضوع أن وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ هو إرتري، وهو الوزير إبراهيم حامد محمود. هذا الموضوع يسيء للسودان والسودانيين أكثر مما هو عيب أو مشكلة للوزير. معنى هذا الكلام أن من يردده يقول بصريح العبارة أن شرق السودان هو إرتريا، وهذا ما لا يقوله أو يقبل به السودانيون أو الإرتريون، لأن شرق السودان هو اليوم بحكم الأمر الواقع هو إقليم سوداني، وغرب إرتريا هو إقليم في الدولة الإرترية، رغم أن الفصل بين هذين الإقليمين لا يتجاوز عمره أكثر من 123 عامًا بالتحديد. فمن لا يريد الوزير إبراهيم حامد في السودان يعني بوعي أو دون وعي منه يعترف بأن شرق السودان ليس سودانيًّا. والعيب كل العيب أن تثار مثل هذه الموضوعات من قبل قوى سياسية معارضة، أو شخصيات ثقافية رفيعة المستوى لكنها تكره أو تعارض حكومة الإنقاذ، ويريدون إتيانها من خلال الوزير إبراهيم، وهذا أيضًا أحد مؤشرات ضعف أهل الشرق في السودان في أنهم لا يتصدون لمثل هذه الأقاويل والتشكيكات بصوت عالٍ يصم آذان الخرطوم.
* الأمن، والسلام، والديمقراطية، والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي مرهون بالتعامل السلمي الديمقراطي والعادل مع تداخلات شعوب المنطقة، فالعفر، والبني عامر، والحباب، والتجرينيا، والساهو، والكوناما، والصومال، وغيرها من قبائل جنوب إثيوبيا وجنوب السودان هي قبائل، ومجموعات قومية، وعرقية، ولغوية عابرة للحدود. ولم تجلس يومًا، ولم يستشرها أحد في رسم الخرائط السياسية القائمة اليوم. قد لا نتمكن من تغيير الخارطة السياسة للإقليم لكننا قادرون على تفهم هذه التداخلات واحترامها، ووضعها في الحسبان في أي خطط تنموية واقتصادية مستقبلية، إذا قدر الله لهذه الشعوب أن تحكم من كل أنظمة تختارها بنفسها، وهذه هي المعضلة.
* التهميش الذي طال شرق السودان وأهل الشرق دفع الإرتريون أيضًا ثمنه مع إخوانهم في شرق السودان، فكل شخصية بارزة من أهل شرق السودان كانت تخشى من إثارة هذا الملف، وكان أسهل الطرق للحفاظ على
المصالح هو التشبه بالقدر المستطاع بأهل الشمال والوسط، والاندماج في شخصيتهم لبسًا، وحديثًا، وثقافة. ولم يبرز في هذا المجال الكثيرون ممن يدافعون عن شخصية أبناء الشرق المتميزة، وحقهم في التميز والدفاع عن مصالحهم في إطار سودان ديمقراطي وموحد يحترم التنوع ويحافظ عليه، وهذه مهمة نضالية مستقبلية لأبناء هذا الإقليم وأقاليم السودان الأخرى أيضًا. كما ينطبق هذا الحديث على دول القرن الأفريقي كلها التي لها مجموعات عرقية وقبلية عابرة للحدود.
* العلاقة السودانية?الإرترية، وكذلك علاقة أهل شرق السودان بالحكومات المركزية التي تعاقبت في الخرطوم، وعلاقتهم أيضًا بالمكونات السودانية الأخرى ليست أكثير تعقيدًا من سائر التشابكات والتعقيدات التي تعاني منها دول المنطقة بأسرها. لكن الذي يميزها ويجعلها ذات خصوصية هو قبول الإرتريين وأهل الشرق بأن يستغلوا من قبل الأنظمة التي تعاقبت في السودان، ومعارضيها كذلك. فعندما تثير شخصية ثقافية وسياسية بارزة مثل الدكتور محمد جلال هاشم، وهو نفسه من المجموعة النوبية في شمال السودان، والتي تعاني حسب رأيه من تهميش ثقافي، بأن الوزير إبراهيم حامد إرتري، وأنه يقوم بتجنيس الإرتريين في السودان لصالح مشروع حكومة الإنقاذ للسيطرة على الحكم بالاعتماد على مجموعات غير أصيلة في السودان، وتهميش وإقصاء المجموعة الناطقة “بالتبداويت” في السودان. الدكتور محمد جلال بقوله هذا يرتكب مجموعة من الأخطاء الموضوعية، ويزرع بذور الفتنة بين مكونات مجتمع شرق السودان، ويمارس استعلاءً ثقافيًّا يرفض هو نفسه أن يمارس عليه. هذا الموضوع قد يحتاج إلى مقالة منفردة لوحده، لكن ما واجهه الدكتور محمد جلال هاشم من اعتراضات قوية في ندوة “شبكة القرن الأفريقي” في السويد يكفي لجعله يتراجع عن الكثير من المفاهيم المسبقة والجاهزة التي لديه حول هذا الموضوع. أنا شخصيًّا أكن احترامًا للدكتور محمد جلال، واعتبره شخصية أكاديمية مرموقة، لذا أطلب منه وأتمنى عليه أن يراجع قراءته للسودان عمومًا، ولشرق السودان بشكل خاص بصورة أفضل، وسيجد بالتأكيد كمناضل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان أن تشابك العلاقات بين أجزاء كبيرة من المكونات الإرترية وأهلنا في شرق السودان معقدة للغاية، والحديث عنها دون تعمق في الجغرافيا والتاريخ يجعل المتحدث سطحيًّا، يلامس فقط مشكلات التذمر والشكوك التي تثيرها المكونات ضد بعضها البعض، وتستغلها الأنظمة وضعاف النفوس لحاجات في أنفسهم.
* يمكن إجمال كل ما سبق ذكره في عبارة واضحة وبسيطة وهو ان العلاقة بين الإرتريين وسكان شرق السودان من جهة، وبين أهل الشرق والإرتريين معًا بالحكومات المركزية المتعاقبة على السودان، هذه
العلاقات يمكن اختزالها بأنها علاقات غير سوية وفيها الكثير من الاعوجاج. فمن ناحية نرى أن قدوم المسلمين الإرتريين إلى شرق السودان كلاجئين هربًا من القتل والتدمير الذي لحق بمناطقهم كان أمرًا طبيعيًّا. كما أن اندماجهم في المجتمع المحلي واستحالة الفرز بينهم وبين سكان شرق السودان، كان أيضًا أمرًا طبيعيًّا. ما لا يفهمه الكثيرون من أهل مناطق السودان الأخرى، وخاصة أهل الشمال والوسط، هو درجة التداخل القائم بين المجموعتين. فعندما قدم الإرتريون من منتصف السبعينيات وحتى يومنا هذا من مدن مثل كرن، وأغردات، وتسني، وعلي قدر، وأسمرا، ومصوع إلى المدن السودانية مثل كسلا، وبورتسودان، والقضارف، لم يتجه معظمهم إلى معسكرات اللاجئين، كما حدث للاجئين من الريف الإرتري في الستينيات، بل استقروا في المدن السودانية لدى أقارب لهم إما جاؤوا إلى السودان في الستينيات أو قبلها، أو هم أصلاً من سكان شرق السودان. لذا فإن اندماج الإرتريين بمختلف قبائلهم في هذا المجتمع المحلي لم تكن فيه أية غرابة بأي حال من الأحوال.
* وأخيرًا، وليس أخرًا هو أنه وبمناسبة عمليات الاعتقال والإبعاد للسياسيين الإرتريين أو تسليمهم إلى النظام الديكتاتوري الذي فروا منه أو الذي يناضلون ضده من قبل السلطات الأمنية السودانية في الماضي والحاضر كان ينبغي أن يعرِّض كل من يمارسه لنتائج كارثية، بحكم أن أهل هذه المناطق وأبناءهم هم المتضرر الأول من هذه الممارسات الغريبة، وتعبر هذه الممارسات عن الاعوجاج الذي ذكرته في الفقرة السابقة، ففي هذه المناطق التي تعيث فيها أجهزة أمن النظام الإرتري فسادًا، وتتعاون في ملاحقة المناضلين والشرفاء مع الأمن السوداني، كان ينبغي أن تخاف فيها على نفسها، لكن ما يحدث الآن هو العكس، فهي الآمر الناهي فيها، وتزرع فيها الرعب، وتتحرك فيها دون خوف أو وجل أو حياء. أليس هذا تعبير صارخ عن مدى هواننا، وضعفنا، وعدم قدرتنا على التصدي لهذا التخريب الذي طال حتى الإرتريين الذين خرجوا من بلادهم فرارًا بأرواحهم؟