الشيخ تميم: قطر ستبقى في نصرة المظلومين وسياستنا ستقام على أساس الدول

في أول خطاب له بعد تعيينه أميرا لدولة قطر، أعلن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن بلاده ستحافظ على التزاماتها الإقليمية والدولية، وستسعى للارتقاء في علاقاتها مع دول الخليج العربية «لأعلى مستويات التكامل الممكنة».
وإذ أعلن الشيخ تميم أن قطر ستحافظ في عهده على استقلالية قرارها، وشدد على أن بلاده «سوف تبقى على العهد في نصرة المظلومين». وقال: «لقد انحازت قطر إلى قضايا الشعوب العربية وتطلعاتها للعيش بحرية وكرامة بعيدا عن الفساد والاستبداد».
وأكد أمير دولة قطر التزامه بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، حتى إقامة دولته المستقلة، مشددا على أنه لا تسوية من دون سلام عادل.
وفي تطور لافت، أعلن الشيخ تميم الخطوط العريضة لسياسة بلاده التي قال إنها تلتزم بناء علاقات على أساس الدول، وليس التنظيمات السياسية، مشددا على تجنيب المنطقة خطر الانقسامات الطائفية والمذهبية.
وقال أمير قطر: «نحن دولة وشعب متماسك، ولسنا حزبا سياسيا، ولهذا فنحن نسعى للحفاظ على علاقات مع الحكومات والدول كافة، كما أننا نحترم جميع التيارات السياسية المخلصة المؤثرة والفاعلة في المنطقة، ولكننا لا نحسب على تيار ضد آخر».
وأضاف: «نحن مسلمون وعرب نحترم التنوع في المذاهب، ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها، وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي؛ ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين والطائفة، ولأن هذا الانقسام يسمح لقوى خارجية بالتدخل في القضايا الداخلية العربية وتحقيق نفوذ فيها».
وقال الشيخ تميم: «إن قطر أصبحت دولة مؤسسات، وعلى كل وزارة ومؤسسة وهيئة عامة أن تقوم بدورها بموجب القانون بغض النظر عن الشخص الذي يديرها».
وأضاف: «إن معطيات الواقع لم تتغير، فما زال تحدي الاستثمار في صناعة النفط والغاز وفي البنى التحتية قائما، وما زال تحدي تنويع مصادر الدخل والاستثمار الواثق لصالح الأجيال قائما أيضا. ومازلنا نواجه تحدي التنمية، وأقصد أولا وقبل كل شيء تنمية الإنسان».
وقال: «سوف نواصل النهوض بالاقتصاد الوطني وتطوير الخدمات وبناء المرافق العامة وتطوير قطاع الشباب والرياضة، كما سوف نهتم باستثماراتنا للأجيال القادمة وتنويع مصادر الدخل».
وأضاف: «سوف نواصل الاستثمار في القطاعات، ولكننا سوف نكون أكثر صرامة ووضوحا فيما يختص بالمخرجات». وقال: «لا يجوز أن يعتبر أي أحد أن له الحق أن يتعين في منصب أو وظيفة عمومية دون أن يقوم بواجباته تجاه المجتمع والدولة».
وتابع أمير قطر: «لا حاجة للتأكيد أن قطر تحترم التزاماتها الإقليمية والدولية، ونحن قوم نلتزم بمبادئنا وقيمنا، لا نعيش على هامش الحياة، ولا نمضي تائهين بلا وجهة، ولا تابعين لأحد، ننتظر منه توجيها».
وأضاف: «لقد أصبح نمط السلوك المستقل هذا من المسلمات في قطر وعند من يتعامل معنا»، مضيفا: «نحن أصحاب رؤية». وزاد: «فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، ومستقبل الإقليم وعلاقات الأخوة وحسن الجوار والصداقة؛ ننطلق من مصلحة بلدنا وشعبه كجزء من أمتينا العربية والإسلامية».
وقال: «ترتبط دولة قطر بعلاقات الأخوة والتعاون مع الأشقاء العرب، وفي مقدمتهم دول مجلس التعاون التي نسعى للارتقاء في علاقاتنا معها بأعلى مستويات التكامل الممكنة، وفي هذا الإطار تلتزم قطر بواجباتها تجاه التضامن والتعاون العربي في أطر مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومؤسساتهما، وتفعل كل ما في وسعها لمساعدة الأشقاء العرب حين يلزم، وتلتزم بالقضايا القومية والأمن القومي العربي، وباحترام سيادة واستقلال وحدة الأراضي العربية كافة».
وتابع الشيخ تميم: «تلتزم قطر بالتضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله لنيل حقوقه المشروعة، وتعتبر تحقيقها شرطا للسلام العادل الذي يشمل الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحق العودة للاجئين»، مضيفا أنه «لا تسوية من دون سلام عادل».
وقال الشيخ تميم: «ستبقى قطر كعبة المضيوم». وأضاف: «سوف تبقى على هذا العهد في نصرة المظلومين». وأضاف: «نحن دولة وشعب متماسك ولسنا حزبا سياسيا، ولهذا فنحن نسعى للحفاظ على علاقات مع الحكومات والدول كافة، كما أننا نحترم جميع التيارات السياسية المخلصة المؤثرة والفاعلة في المنطقة، ولكننا لا نحسب على تيار ضد آخر».
وأكد: «نحن مسلمون وعرب نحترم التنوع في المذاهب، ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها، وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي؛ ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية، ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين والطائفة، ولأن هذا الانقسام يسمح لقوى خارجية بالتدخل في القضايا الداخلية العربية وتحقيق نفوذ فيها».
وقال: «لقد أسسنا علاقات تعاون قائمة على المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل مع العديد من دول العالم في الغرب والشرق، في أميركا وأوروبا وآسيا وأفريقيا، وفي الإقليم، ولا بديل عن المصالح المشتركة والاحترام المتبادل في العلاقات بين الدول، وهذا في النهاية مقياسنا الذي لا بديل عنه، فنحن ننطلق من مبادئنا ومصالحنا وكرامتنا، ومن مصالح الأمة التي ننتمي إليها وكرامتها».
وزاد: «لقد انحازت قطر إلى قضايا الشعوب العربية وتطلعاتها للعيش بحرية وكرامة بعيدا عن الفساد والاستبداد»، مضيفا: «نحن لم نوجد هذه التطلعات، فما يستدعي التطلع إلى الحرية والكرامة هو رفض الاستبداد والإذلال».
وأصدر الشيخ تميم بن حمد أمرا أميريا بتعيين الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني وزير الدولة الحالي للشؤون الداخلية رئيسا للوزراء خلفا للشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي كان يشغل أيضا منصب وزير الخارجية، وجاء تعيين الشيخ عبد الله بن ناصر في أعقاب تسلم الأمير الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم في البلاد، يوم الثلاثاء الماضي، وأصدر الشيخ تميم أمرا أميريا بقبول استقالة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء.
والشيخ عبد الله بن ناصر القادم من وزارة الداخلية أمضى نحو ثلاثة عقود في العمل العسكري، حيث تدرج في المراكز والرتب العسكرية حتى وصل لرتبة «عميد»، كما شغل مناصب عسكرية عدة، أبرزها مساعد مدير إدارة قوات الأمن الخاصة لشؤون العمليات، حتى أصبح مديرا لقوات الأمن الخاصة، وبعدها قائد قوة الأمن الداخلي، قبل أن يتولى وزارة الدولة للشؤون الداخلية.
كما تضمن الأمر الأميري تعيين الدكتور خالد بن محمد العطية، وزير الدولة للشؤون الخارجية الحالي، منصب وزير الخارجية، وشغل أحمد بن عبد الله بن زيد آل محمود نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدولة لشؤون مجلس الوزراء، واللواء الركن حمد بن علي العطية وزيرا للدولة لشؤون الدفاع، عضوا بمجلس الوزراء، والشيخ عبد الرحمن بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني وزيرا للبلدية والتخطيط العمراني. في حين شغل الدكتور محمد صالح عبد الله السادة وزيرا للطاقة والصناعة، وعلي شريف العمادي وزيرا للمالية، والدكتور حمد عبد العزيز الكواري وزيرا للثقافة والفنون والتراث، وعبد الله خالد ناصر القحطاني وزيرا للصحة العامة، والدكتور غيث بن مبارك الكواري وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية، وصلاح بن غانم ناصر العلي وزيرا للشباب والرياضة. إضافة إلى تعيين الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني وزيرا للاقتصاد والتجارة، والدكتور حسن لحدان صقر المهندي وزيرا للعدل، والدكتور عيسى سعد الجفالي النعيمي وزيرا للتنمية الإدارية، والدكتورة حصة سلطان الجابر وزيرة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والدكتور صالح محمد سالم النابت وزيرا للتخطيط التنموي والإحصاء، ومحمد عبد الواحد علي الحمادي وزيرا للتعليم والتعليم العالي.
وعين الشيخ تميم كلا من عبد الله صالح مبارك الخليفي وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، وأحمد عامر محمد الحميدي وزيرا للبيئة، وجاسم سيف أحمد السليطي وزيرا للمواصلات، وألغى الأمر الأميري كل حكم يخالف أحكامه، وقضى الأمر بأن يعمل به من تاريخ صدوره.
وأدى الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، إضافة إلى الوزراء الذين شملهم الأمر الأميري، اليمين القانونية أمام الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر بالديوان الأميري مساء أمس.
الشرق الاوسط
على حسب تقديرى ان سياسة قطر تجاه السودان سوف تتغير خاصة تجاه النظام الحاكم وثبت ذلك جليآ عندما تم بث ندوة تحالف القوى الوطنية الديمقراطية بما يسمى تحالف قوى الاجماع التى اقيمت فى دار حزب المؤتمر الشعبى على قناة الجزيرة مباشرة وده يدل على ان نظام الخرطوم قد دنا سقوطه ويدل على ان سياسة تميم بن حمد تجاه نظام الخرطوم قد تتغير تارة بعد تارة يبقى علينا ان نقول وبالحرف الواحد ان تغيير الحكم فى قطر يصب فى مصلحة المعارضة السودانية والجبهة الثورية فى سعيها على اسقاط نظام الانقاذ فى الخرطوم ….
وقال الشيخ تميم: «إن قطر أصبحت دولة مؤسسات، وعلى كل وزارة ومؤسسة وهيئة عامة أن تقوم بدورها بموجب القانون بغض النظر عن الشخص الذي يديرها».
—————————————–
دولة القانون والمؤسسات
د.عمار قربي-
ربما كانت المؤسسية ودولة القانون من أهم معايير الانتماء إلى العصر الحديث .
صحيح أن المؤسسات قديمة قدم المجتمع البشري، ولكن تحول الدولة نفسها إلى مؤسسة من المؤسسات، أي انفصال سلطتها عن شخص الحاكم، واكتساب هذه السلطة لطابع قانوني لا شخصي، هو إنجاز كبير لهذه العصور الحديثة. ولهذا تتبوأ مؤسسة الدولة في عصرنا الحاضر مكانة سامية.
إن أكثر ما يميز الدولة الحديثة عن الدولة القديمة هو أنها دولة قانون، بينما ليس للدولة القديمة من مرجع سوى شخص حاكمها.
من هذا المنطلق ? تحديدا – تبدو الدول العربية دولا تعاني بقدر يكبر أو يصغر من الفوات التاريخي، فهي مازالت اقرب إلى دولة القوة منها إلى الدولة الشرعية، وأقرب إلى دولة القبيلة والحزب الواحد، منها إلى دولة المؤسسات. وهي اقرب إلى دولة الأشخاص، منها إلى دولة الدستور. وأخيرا وليس آخرا حتى على الصعيد الإداري والقضائي نجد أن الدول العربية اقرب إلى دولة الولاء الشخصي، منها إلى دولة الموضوعية القانونية. وبدلا من أن يكون الدستور في الدول العربية سابقا على شخص الحاكم، فإنه لا يزال في غالبية الأحوال يتبعه كظله، ويرتهن بإرادته، وغالبا ما يزول بزواله، أو وفاته.
والدولة التي لا تلتزم على أعلى مستوياتها بالمبدأ المؤسساتي لا يمكن أن تفرض تطبيقه حتى على المستويات الدنيا، وهذا هو السبب الرئيس للفساد الإداري، و القضائي في الدول العربية.
إن الدولة الحديثة تقوم على مبدأ تساوي المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات أمام القانون، وفيما بينهم مجتمعين مع الحكام، على اعتبار أن المفروض بالحكام في دولة المؤسسات أنهم أناس عاديون، يخضعون للقانون خضوع سائر المواطنين له. أما في دولنا العربية فتفتقد العلاقات الطابع الموضوعي المؤسسي، وتقوم على عصبيات تتناقض مع مبدأ المساواة أمام القانون في الدول الحديثة، ويصبح المتحكم فيها – بدلا من المساواة – العلاقات الشخصية والعائلية والقبلية والسلالية والتحزبية.
إن موضوع الدولة كرست له في الغرب العديد من الدراسات والأبحاث الجادة، بهدف تحليل طبيعة مؤسسة الدولة عبر التاريخ القديم والحديث، بغية الوصول إلى قوانين عامة تفسر وجود مؤسسة الدولة كضرورة اجتماعية، وكحارس للمصالح الاجتماعية والطبقية، وكانت نتيجة هذه الأبحاث ببساطة: الاتفاق على أن مؤسسة الدولة ضرورة للتقدم والتطور الإنسانيين، وهنا يبدأ الجدل حول العلاقة بين الدولة والطبقة المسيطرة اقتصاديا، وهل الدولة هي فعلا أداة للطبقة المسيطرة اقتصاديا ؟ وإذا كانت كذلك فهل تسيطر الدولة بالقمع الجسدي المباشر أم أنها تحتاج إلى نوع من (التقبل الاجتماعي) من خلال الخدمات العامة التي تؤديها إلى مواطنيها، ومن خلال السيطرة الأيديولوجية على كافة نشاطات المجتمع ؟ وهل هناك – فعلا – إمكانية لتحول مؤسسة الدولة من مفهوم الحارس لمصالح الطبقة المسيطرة اقتصاديا، إلى دولة كلّ الطبقات المشكلة للمجتمع ؟ وفي هذا الإطار أيضا هل يمكن التمييز بين سلطة الدولة ? السياسية ? وبين مؤسسات الدولة ؟.
إن فقدان الدولة المؤسسية هو من أبرز سمات الحياة المجتمعية العربية، وفي هذا الإطار يجب التفريق بين السلطة من جهة، والدولة من جهة أخرى، نحن في الوطن العربي لدينا سلطات أو جماعات تمارس السلطة، ولديها الجهاز العسكري والقمعي لكي تمارس هذه السلطة، لكن هذه الممارسة لا تعني أبدا أن الدولة موجودة، إن الدولة كمؤسسة لها وظائف معينة في حياة المجتمع، غير وظيفة القمع، إن الدولة العربية لم تكتف بممارسة القمع المادي المباشر فقط، بل تمارس القمع الفكري الإيديولوجي الذي تحتكر وسائله من صحافة وتلفزة وإذاعة، إضافة إلى المؤسسات التربوية والتعليمية….وهذا القمع قد يكون أهم من القمع المادي، لأن ردود الفعل على هذا القمع ظاهرة مجسمة، بينما مناهضة الهيمنة الأيديولوجية تصبح من الصعوبة بمكان، في ظل وعي سياسي واجتماعي محدود لدى أكثر الناس. إن انعدام الوعي لدى الفئات الاجتماعية المضطهدة حال دون ظهور أي رد فعل مجسم ضد هذا الاضطهاد.
إن الدول العربية أخذت من مؤسسات الدول الحديثة مظاهرها فقط، إضافة إلى استعمالها بشكل منحرف، مما أدى إلى تقوية أصحاب السلطة في المجتمع، بينما المطلوب تأمين ضوابط عدم استعمال السلطة بشكل مؤذ وعشوائي على المواطنين، فالدولة عندنا وسيلة لفرض المزيد من الاستعباد، بينما – في الحقيقة – الدولة هي تحرير المواطن من الاستعباد
إن التقاليد الموجودة في المجتمعات العربية هي تقاليد سلطوية عميقة الجذور، ترجع إلى أيام الجاهلية، في الهيكلية القبلية الموجودة عند العرب ? وربما لازالت موجودة حتى اليوم ? فالحاضر ما هو إلا تراكم للماضي. وفي هذا السياق نرى نزول الأديان السماوية التي أتت لتحرر الإنسان من وطأة السلطة المطلقة النابعة من القبيلة والعائلة، بحيث يصبح الإنسان حرا يمارس مسؤوليته الشخصية بحرية، وليحيا حياته الاجتماعية حسب معتقده الشخصي، لا حسب تقاليد القبيلة والعائلة.
ثم أتت المبادئ الديمقراطية لتكمل مع الأديان تحميل الفرد – بصفته الشخصية – مسؤولية إدارة شؤونه، والمساهمة في حياة المجتمع. ونشأت الدولة بشكلها المؤسسي الحديث الديمقراطي، والتي بدورها خلقت ضوابط داخل المجتمع لمنع تسلط فئات اجتماعية معينة على مقاليد الحياة الاجتماعية، وهذا هو مفهوم الدولة الحديثة، أي دولة “المجتمع المدني “الذي لا يكون الفرد فيه عبدا لروابط عائلية، أو قبلية، أو سلطوية معينة تنبع من إقليمية ما، أو من مصدر طائفي. “المجتمع المدني” إذن هو الغاية التي يجب أن تحميها الدولة الحديثة.
إن إشكالية وجود الدولة في المجتمع العربي معقدة للغاية، ولها جوانب متعددة، فحتى الآن لا توجد دولة واحدة يتفق عليها الجميع، فالبعض يراها دولة الأمة الإسلامية، والبعض يراها دولة الأمة العربية، والآخر يراها دولة الكيانات القطرية…، وتعود هذه الإشكالية إلى اختلاف عميق بين تقاليد العالم العربي وتقاليد العالم الغربي، وهو اختلاف ينبع من حقيقتين:
أولا” : إن الفكر السياسي الغربي يختلف عن الفكر السياسي العربي من حيث أن الأول لم يجاوز كونه عملية ضبط للسلطة في تعسفها إزاء المواطن، ونلاحظ أن كل الفكر السياسي الغربي تمحور حول قضية منع الدولة من الاعتداء على المواطن ، وكيفية جعل الدولة ممارسة لسلطاتها دون الجور على المواطن. فتاريخيا ومن أيام العصر الروماني نرى أن الرومان أدركوا أن التعدد يمنع الانفراد بالسلطة ، وبالتالي يمنع التعسف، ولهذا أعطوا صلاحيات واسعة – نوعا ما – لما يسمّى بمجلس النبلاء آنذاك، أيضا اليونانيون القدماء أدخلوا مفهوم القانون إلى مجتمعهم، وحققوا “المجتمع المدني” من خلال تطويره عمليا، وكانوا سباقين في تحقيق “المجتمع المدني” عن طريق إنشاء “القانون المدني”، بعدها جاء مونتسيكو ليقول بثلاث سلطات، سلطة تنفيذية، وسلطة تشريعية، وسلطة قضائية، انطلاقا من مبدأ أن السلطة توقف السلطة، وهناك قول له:”كل من له سلطة يميل إلى إساءة استعمال السلطة”. فهو يعتبر أنّ إساءة استعمال السلطة سمة عامة في طبيعة الإنسان البشرية، ومن هذا المنظار لا يمكن أن نتصور دولة أو نظام حكم لا يتسلط فيه أحد على أحد آخر، لذا تنبع الحاجة إلى إيجاد نظام دولة يقف إلى أقصى حد من تسلط الحاكمين على المجتمع ، بحيث تكون وظيفة الدولة هي إنشاء ضوابط على سلطة الحاكم. أيضا لا ننسى الثورة الفرنسية والثورات الماركسية، ورغم كل ما ارتكب بعهدهم من استبداد باسم قيم التحرر، إنما كان هناك حس ديمقراطي يتمثل بأن الإنسان بكيانه الشخصي له قيمة بحد ذاته، ويجب أن يستقل عن تسلط الحاكم…كل هذا أسس لما نشاهده الآن من مبدأ “سيادة الدستور”.
أما العالم العربي فلم يعرف هذا المبدأ لأسباب يطول شرحها، و أما السلطة في الفكر العربي فكانت، ولازالت، تعني “الهيبة “أو “السيادة “. ومن هنا نرى أن صاحب السلطة هو صاحب السيادة، فننادي الحاكم بسيادة الرئيس، كل هذا يعني أن الإنسان في المجتمع العربي لا وجود له كفرد، و لا حماية له كشخص بشكل مستقل عن الدولة ” العربية “، لذا بسهل علينا تفسير عدم وجود معارضات منظمة بشكل جماعي في تاريخنا العربي لأن المعارضة – كتنظيم – لم تقبلها ، ولم تعرفها – أصلا”-النظم السياسية العربية *.
ثانيا” : إن تاريخ الدولة في الوطن العربي يختلف عن تاريخ الدولة في العالم الغربي، فتاريخ الدولة في الأول هو تاريخ الطبقة الحاكمة ، أما تاريخ الدولة في الثاني فهو تاريخ المجتمع المحكوم .
إن الدولة في العالم الغربي هي شخص معنوي، و بهذا المفهوم المجرد نضع أيدينا على أسّ الفكر الغربي
أما تراث الدولة في وطننا العربي فهو تراث “السلاطين”، والقواعد التي تأسست عليها الدولة العربية كانت – في معظمها – هي “الأحكام السلطانية” التي تحكم بمقتضى الحاكم، وتؤسس حكمه، وتضمن رفاهيته دون اعتبار كبير لحقوق الرعية، أو مصالحها، ودون أن تسمح بوجود أي مؤسسات أخرى تصون هذه الحقوق وتدافع عنها ولذلك فالدولة عندنا تتبع لشخص الحاكم، لأن دولتنا ليست حقيقة مجردة.
يقرّر ابن خلدون ثلاثة أنواع للحكم:
( 1- نظام “الملك الطبيعي ” الذي يناسب العمران البدوي ، ويبنى على القهر والتغلب، وتكون الأحكام فيه جائرة، لأنها تمثل أغراض الحاكم وشهواته.
2- نظام ” الملك السياسي” الذي يحمل الناس على مقتضى مصلحة الحاكم و رفاهيته، ودوام ملكه حتى وإن شاب هذا الحكم بعض العدل في الرعية.
3- النظام الثالث والأخير هو نظام “الخلافة”. وهو أرقى تصور يطرحه الفلاسفة المسلمون، وأكثرها مثالية وتعاليا على المصالح الدنيوية للحاكم والمحكومين على حد سواء، إنه النظام الشرعي الذي يحمل الجميع حكاما ومحكومين مسؤوليات على أساس مصالحهم، في الآخرة كما حدّدها الشر ع الإلهي.).
هذه النماذج الثلاثة كانت تتراوح وتمتزج عبر تاريخنا الإسلامي، ولكن حقيقة في معظم الفترات كان النظام الذي يعتمد مصلحة السلطان، والذي تأسس في كثير من الأحيان على المذهبية القبلية أو العرقية، كان هو النظام الغالب، أما النظام الأمثل فللأسف لم يستمر سوى فترة الخلافة الراشدة، ولفترة قصيرة جدا في عهد عمر بن عبد العزيز.
أيضا يجب علينا أن نميز بين نظام الخلافة و الدولة التي تطبق الشر ع، فالدولة الأموية أو العباسية مثلا كانت تطبق الشر ع وتحرص على إقامة الحدود الشرعية، ولكن هذا لم يمنع الفقهاء من جهة ، والمؤرخين من جهة أخرى من اعتبارها دولة جائرة وظالمة، بل ومغتصبة للحكم ، يجب التمييز إذاً بين التطبيق الشكلي أو المظهري للشر ع، و نظام الخلافة الذي يتوخى مضمون الشرع وتعاضده، فالدولة “الشرعية**” كانت تستخدم الشرع لتثبت حكمها، وتطلب الطاعة من الرعية ، وتقمع المعارضين إن وجدوا .
أخيرا”: إن المثقفين العرب مسؤولون بشكل كبير عن هذا التقصير، حيث لم يكن لهم دور فاعل في هذه القضايا، فهم – في معظم الأحيان- أقرب إلى “فقهاء السلطان” منهم إلى المفكرين الأحرار المستقلين ، حيث كان كل همهم التبرير لتقلد السلطة، ومن ثم تبرير كل تصرفاتها وسلوكها مهما كان، أو السكوت عنها، وهو أضعف الإيمان. لذلك كانوا أعواناً “للسلطة الاستبدادية”، صحيح إن الكواكبي اهتم بقضية الحريات العامة، وبمكافحة الاستبداد إلا أن أغلب المفكرين من بعده ركزوا جهودهم على محاربة الاستعمار، ولم يعطوا قضية الحريات العامة أهميتها الموضوعية.
إن أزمة الحرية والديمقراطية وإقامة ما يسمى بالمجتمع المدني هي أزمة تاريخنا، ومهمتنا اليوم إيجاد البدائل لكل ما هو مطروح، ولكل ما هو أحادي، يجب أن نغير التصورات المعلبة والقوالب الذهنية الجاهزة، وإذا كنا نطالب بالحوار مع أعدائنا، فالأولى أن نتحاور فيما بيننا. فلم تعد الديمقراطية ترفا يهم المثقفين، أو سلعة نستوردها من الخارج، بل هي ضرورة حيوية لخروج الأمة من عنق الزجاجة، وهي السبيل لاستعادة النظم الحاكمة شرعيتها، ومصداقيتها، وهي السبيل لاستعادة الإنسان العربي لدوره وكرامته وعزته بعد أن فقدها.
* عندما أتكلم عن الفكر العربي أو عن تاريخ الدولة عند العرب فأنا أستثني فترة الخلافة الراشدة حيث كانت القيم الإسلامية الناظمة للمجتمع آنذاك تحمي المواطن من تسلط شخص الحاكم وتعسف السلطة .
** المقصود هنا بالدولة الشرعية، الدولة التي تدعي أنها تطبق الشرع ولا علاقة لها بالمفهوم الشرعي الديمقراطي الذي يعبر عن انسجام النظام الممثل للدولة مع اتجاه التطور التاريخي للمجتمع وتمثيله للقوى الاجتماعية الأوسع بطرق انتخابية ديمقراطية.