بساتين ود المكي

أفق بعيد

فيصل محمد صالح
[email protected]

بساتين ود المكي

كانت ليلة محضورة مساء الخميس الماضي حين دعانا اتحاد الكتاب السودانيين لمؤانسة مع الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم، تحدث ود المكي وقرأ شيئا من شعره، وتحدث عنه كثير من الكتاب والأدباء مقدمين شهاداتهم عنه، إما من مجايلة و”ندادة”، وإما تأثر ومشاركة في حقل الإبداع، وإما من موقع من ساهم ود المكي في تشكيل وجدانهم، وقد أوفى الدكتور النور حمد عن هذه الفئة وأفاض.
لا يمكن لمن تعلم القراءة، من بابها الواسع، خلال سنوات السبعينات والثمانينات، أن يتخطى أو يجهل أثر محمد المكي إبراهيم، فقد كان ديوان “أمتي-الوعي والحلم والغضب” بمثابة إنجيل ذلك الجيل، مثلما كانت “بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت” بمثابة المعلّقة التي نتبارى في حفظها وترديدها. يروي صديقنا أبوبكر الامين؛ أنه ورفيقا له كانا على سفر ينويان ركوب القطار من محطة السكة حديد، حين عثرا على نسخة من ديوان “أمتي” في مكتبة المحطة، وكانا قد سمعا شيئا من شعره، لكن دون قراءته كاملا. كانت الميزانية شحيحة على قدر تذكرتين درجة ثالثة، أو الكتاب، فتوكلا على الله واشتريا الكتاب، واتجها لسطح القطار، حيث الركوب المجاني. وظلا يغالبان التراب و”الكتاحة” على سطح القطار وهما يلتهمان، بالتناوب، صفحات الديوان. ويختم ابوبكر روايته قائلا “كانت تلك أربح صفقة عقدتها في حياتي”.
دخلنا عالم ود المكي ونحن طلبة على أعتاب مرحلة الثانوي، كنا نحفظ ونردد من الأكتوبريات النشيد الأول “من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر” التي كانت بمثابة الدستور الثوري للطلاب في سنوات المواجهة مع نظام نميري. ثم حين توغلنا أكثر ، كانت هجائيته العاطفية “إهانات شخصية لقيس ابن الملوح” هي دستورنا العاطفي، كانت قصيدة مختلفة، تهجو ضعف قيس بن الملوح وتسوله باسم الحب ..” لأنك عند باب الرعب أحنيت الجبين رضى، قبلت شهادة الكتب القديمة و الرواة الخائنين عن الهوى و الفن، و نمت على وسائدهم قرير العين محتقبا غثاثة مجدك المخدوع”، انقلبت صورة قيس ابن الملوح، بفعل ود المكي، وتحولنا، كلنا من التعاطف معه، للحنق عليه والغيظ منه.
ثم كانت قصيدة “بعض الرحيق” بمثابة فتح جديد، واختصر الدكتور النور حمد القول حين قال “كنا نحفظها ونتبارى في ذلك”، ولعلها صورة مشتركة بين أجيال من الطلاب. كنا نفعل ذلك في مدرسة البحر الأحمر الثانوية ببورتسودان، ولا يحلو فول الفطور بدون أن يردد أحدنا ما حفظه من شعر ود المكي.
لست ناقدا لأفصل كيف كان شعر ود المكي مختلفا، لكننا كنا منبهرين ومأخوذين بجوانب عديدة فيه، الصور والأخيلة الشعرية، الموضوعات المتنوعة، اللغة البسيطة والعادية، والعبقرية في الوقت نفسه. يعطيك شعر ود المكي كيف كان الزمان مختلفا، حين ذهب لأوروبا في الستينات، كان يقف مفاخرا الخواجات في بلادهم” رياحكم ماسخة عجوز، في بلدي نعطر الهواء بالمديح، روائح الطعام والضيوف من بلادنا تفوح”. كان يجوب أوروبا ممتلئا ببلاده وبالآمال والأحلام الكبيرة التي يحملها، وحين تخرج الأجيال الجديدة إلى بقاع العالم، تخرج منكسرة ومهزومة، وقد تعجز حتى عن تخيل أي صورة إيجابية للوطن.
ولود المكي التحية على الساعات الجميلة التي منحنا إياها.

الاخبار

تعليق واحد

  1. هذا الشاعر الكبير بقامة الوطن لم ينجو من مقصلة الاحالة للصالح العام في بدايات التسعينات مثله مثل المئات من الشرفاء الذين شردتهم حكومة المؤتمر اللاوطني تحت برنامج مايسمي التمكين الذي من خلاله تم الاجهاز علي الخدمه المدنية بالسودان .

  2. هذا الشاعر الفحل المعطون بسودانيته النقيه قال فيه حسين خوجلى ما لم يقله مالك فى الخمر عندما أختلف مع هذا النظام و هاجر فى بداية التسعينات

  3. أنا قلت حسين خوجلى المخنث فى تعليقى ليه مسحتو كلمة مخنث. انتم أيضا بدأتم فى ممارسة السنسره، خلى بالك فيكم كيزان غواصات.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..