السّودانُ : انشغال بالحَوَاشَي دوْنَ المُتون ..

(1)
قبل وبعد انفصال السودان الجنوبي عن البلد الأمّ، ظلتْ مسألة هوية السودان تأخذ بعداً متصاعداً، تتجلى مؤشراته في انتشار النزاعات في أطراف السودان، بما يشي باحتمالات تشظٍ قادم. صراعات الطوائف سادتْ في عدد من البلدان العربية..
فيما يدور حوار في أروقة الخرطوم لرسم خيارات لإدارة البلاد، نجد أن الحوار الوطني قد اعتمد ضمن مداولاته، لجنة تختصّ بالحوار حول محددات الهوية. يعجب المرؤ أن يسمع أسئلة تطرح حول الهوية في بلدٍ نال استقلاله قبل ستين عاما ، ويعتبر من قدامى الدول التي التحقت بالجامعة العربية (1956)، ومن مؤسسي “منظمة الوحدة الأفريقية” (1963)، “الاتحاد الأفريقي” حالياً..
(2)
إن أوصافاً جزافية قد أطلقت على “السودان”، الذي كان يدار وفق اتفاقية للحكم الثنائي بين مصر وبريطانيا ، من 1898، وحتى نيله الاستقلال عام 1956. عبّر إداريون بريطانيون شاركوا في حكم السودان آنذاك، عن عجزهم في إيجاد توصيفٍ دقيقٍ لهوية السودان: هل يعدّ جزءاً من الشرق الأوسط، أم يحسب بلداً أفريقياً محضا. ثمّة من قال عن السودان: أنه “جسر التواصل بين العالم الأفريقي والعالم العربي”، أو هو – وفق مدارس فكرية في السودان- يمثل لقاءاً بين ” غابة وصحراء”- في إشارة رمزية للشمال الأقرب للعالم العربي، والجنوب الأقرب إلى العالم الأفريقي، أو هو في توصيف ثالث، “مصهرة للعنصر العربي والأفريقي”. تلك تعبيرات تمسّ الواقع ولكن لا تمثله بالكامل.
(3)
يظلّ التداول الفكري يراوح مكانه، فيما يشهد العالم تحوّلات كبرى، من أثر العولمة، وانكشاف الثقافات على بعضها، إثر ثورة الاتصالات والتواصل. لقد اقترب العالم من اعتماد صيغ جديدة ، يقدّر لها أن تتجاوز مفاهيم “الدولة القطرية”، التي شهدت بروزاً قوياً، خلال عقود القرن العشرين الوسيطة. بل يكاد يجمع أغلب المراقبين أنّ الدولة القطرية إلى تآكل واندثار، خاصة وأن المجتمع الدولي الذي نرى، يملك أسناناً تعضّ وأنياباً تنهش، عبر مسوغات قانونية للتدخل في شئون البلدان، والتحكّم في أقدار شعوبها بمبرّرات إنسانية، أو تتخفى للسيطرة على مقدراتها .
لو نظرتَ إلى مرامي الحرب على الإرهاب الدولي، سترى كم هي هشّة أقدارنا، يتلاعب بها مهووسون في كيانات هيّأت نفسها لذلك، مثل “داعش” و”القاعدة”، وكم صرنا جميعاً أهدافاً لتآمر متسع الأبعاد، من أطرافٍ في المجتمع الدولي، تترصّد خطانا وتحصي أنفاسنا. منح المهووسون أطرافاً طامعة، مبرّرات التدخل لإنهاك مجتمعاتنا وإدخالها “بيت طاعة” قسريّ..
(4)
إن الانشغال بحوارات حول الهوية- على أهميتها- في المرحلة الماثلة التي يمرّ بها العالم- قد يراه أكثر المراقبين، تمريناً لامتهان السفسطة، في وقتٍ تتهدّدنا فيه المخاطر الحقيقية، بفناءٍ مقبل وزوال محتمل. حدّثنا مفكّر مثل “هنتنجتون” في كتابه “صدام الحضارات” (1996)، حديثاً مُسهباً عن تورّط دولٍ وشعوبٍ في صراعات وحروب حول “خطوط التقسيم الحضاري” ،يقدّر أن تحترق في أتونها الطوائف والإثنيات والقوميات الضعيفة، في صورة أشبه بالانتحار الحضاري. ولكن ألمح ذلك المفكر إلى إشاراتٍ بتضعضع الحضارة الغربية نفسها وتلاشيها ? وقد يخالفه البعض في ذلك- لكنه أشار أيضاً إلى فكرة “سراب الخلود”، تلك التي قال عنها المؤرخ البريطاني “توينبي”: حين يزيغ بصر حضارة ما، فتحسب أنها آخر الحضارات، سيغشاها عندئذ “سراب الخلود” فتتداعى. ذلك ما حدث لإمبراطوريات عديدة: الرومانية والعباسية والمغولية والعثمانية، وما حسبوا أن الفناء قريب ..!
(5)
فيما يشهد العالم تحوّلات عارمة، في الشرق الأوسط وفي أفريقيا ، بل وفي مجمل أنحاء العالم الثالث، علينا أن نتحرّى مواطئ أقدامنا، وأن نتجاوز الانشغالات بملفات داخلية، وكلّ ما يشغلنا عن المهام الجسام التي في انتظارنا في المنحنى. علينا أن نلتفت لبناء القواسم الإنسانية المشتركة التي تحمي تماسك مجتمعاتنا، وتقينا شرور الهوَس الدينيّ الذي يتهدد البقاء الإنسانيّ بكامله. نحن جزءٌ من حربٍ تدار ضدّ الإرهاب الدوليّ ، ولكن علينا اتباع الحذر، حتى لا تكون تلك الحرب مصوّبة نحو مقدراتنا البشرية والحضارية .
+++++++
[email][email protected][/email]
كله تمام وصحيح ياسعادة السفير كفيت ووفيت ولكن من يفتح الاعين مالبصائر المغلقة . ياجمال انا على بعد خطوات من منزلكم العامر طمعان فى شوفة وطلة
على