إحتجاجات الشارع .. بين الخضر والاخرين..!ا

إحتجاجات الشارع .. بين الخضر والاخرين..!!
جمال علي حسن
[email protected]
أمس الاول ..كنت كغيري من مواطني احياء الخرطوم أقضي ليلتي بالقرب من(موتور الموية) او الحنفية .. انتظر (دمعة ماء) .. أو كما قد يقول الشعراء و(الحنفية) كقطعة معدنية ليس بها اية ابعاد جمالية تغري بالصبر على الجلوس بجوارها بل هي ليست ملهمة حتى لأولئك الذين يزعمون ان المعاناة تولد الابداع لذلك كانت تلك ليلة (مملة) جدا على الرغم من اعتدال الجو وهدوء الليل ..ثم قررت الذهاب الى السرير بعد صلاة الفجر وبعد ان اصبت بالاحباط وفقدان الامل في ذلك الجسم المعدني القبيح ..
وما ان فارقني الأرق واستسلمت للنوم حتى فوجئت بشخص يحضر الى المنزل باكرا وكان مطلوبا مني أن استيقظ لمقابلته فوجدته شاب انيق يحمل حقيبة ويطلب مني دفع فاتورة (الموية)..
ولا داعي لان احكي لكم ماجرى بيننا ولكن على كل حال غادرني هذا الشاب ربما مفكرا بجدية في تقديم استقالته من هذه الوظيفة ..!!!!
قضية مياه الشرب بالنسبة للمواطنين ليست قضية يمكن قبول الإعتذار والاسف فيها من الحكومة كما انها ليست قابلة بان تتغطى بأغطية الولاء السياسي و(بطاطين) الانتماء التنظيمي وتقديرات المواطنين لمالات ارتفاع موجة الاحتجاجات ..
وفي تقديري الخاص ان والي الخرطوم دكتور عبد الرحمن الخضر كان في غاية الذكاء السياسي والوعي حين تحدث عن الحق المشروع للمواطن الذي لم يجد الماء في الاحتجاج وفي تقديري ايضا انه وعلى الرغم من مظاهر العنف التي صاحبت عملية قمع التظاهرات في بعض احياء امدرمان ثم في جبرة والصحافة مؤخرا إلا انه وفي اعتقادي ان والي الخرطوم لو لم يكن هو دكتور عبد الرحمن الخضر لكان القمع اعنف لان من بين قيادات المؤتمر الوطني من لايتخيل فكرة إستخدام المواطنين لهذا الحق المنصوص على الورق والغائب عن الممارسة طوال عهد الانقاذ .. فالدماغ الامني لايستوعب مثل هذه الحقوق بل ويراها ضربا من ضروب اللعب بالبيضة والحجر ..او قل اللعب بالنار..
وبرأيي ان أمثال هؤلاء الان لن يكونوا راضين عن حديث والي الخرطوم وإقراره إعلاميا بحق الاحتجاج أدنى مستوى الفوضى لأنه في تقديرهم يفتح الباب امام ثقافة الاحتجاجات الشعبية وهذا مايزعج السلطة بل وقد يهدد استقرارها بمرور الوقت..
ولكن لو تعاملت السلطات مع احتجاجات العطش بصورة أعنف اسقطت جرحى او قتلى فإن الانقاذ ستكون قد احضرت سكين ذبحها بنفسها مثلما احضر النظام السوري سكينه بيده فانقلب الشارع السوري بين ليلة وضحاها مائة وثمانين درجة ضد نظام بشار الأسد..
لاتستهينوا بالشارع السوداني ولاتستهينوا باحتجاجات مدن مثل مدينة الصحافة وجبرة فتلك هي الدائرة الانتخابية الأشرس والأعنف بعد نميري حيث اسقط فيها تحالف الاحزاب مرشح الجبهة الاسلامية وقائدها وشيخها حسن الترابي عام 1986
وقد كنت قريبا جدا من ماحدث في شارع محمد نجيب بالصحافة قبل يومين وفي تقديري ان الشرطة لم تكن تحتاج لإطلاق كل تلك الكميات من القنابل المسيلة للدموع والتي سقط بعضها داخل المنازل المطلة على الشارع العام وهذا مؤكد بالنسبة لي لان احدى تلك القنابل سقطت بدخانها الخانق داخل فناء منزل أسرتي بالصحافة .. وربما حدث ذلك للمنازل المجاورة ومن بينها بالمناسبة منزل الاستاذ حسب الرسول عثمان محمد طه الاخ الاكبر للسيد نائب رئيس الجمهورية ولاادري هل كان مقصودا ان يتجمع الناس بالقرب من ذلك المكان تحديدا ؟! ..
ولكن هذا لايهمنا كثيرا المهم ان احتجاجات المياه يجب ان تكون مشروعة خاصة وان المواطن يصبر هذه الايام على حالة من الغلاء غير المعقول في اسعار كل السلع ويصبر على الجبايات التي لانهاية لمسلسلها لكنه لايستطيع الصبر على العطش وليست من قضية في اولويات الحكومة يجب ان تكون سابقة لقضية توفير مياه الشرب النقية للمواطنين مهما كانت الاسباب إذ ليس من المنطق ان تعتمد ولاية كبيرة مثل ولاية الخرطوم على موقف الطمي في النيل ونسبة الطمي القادم من الهضبة الاثيوبية وووو ..
تعلموا من درس المياه كيف تضعون قائمة الاولويات بشكل علمي وصارم وتعلموا من احتجاجات المياه ان حق الاحتجاج ليس نصا دستوريا على الورق ..
وقد كنا قد نبهنا عبر هذه الزاوية قبل عدة اشهر من خطورة استمرار ازمة مياه الشرب بولاية الخرطوم وكتبنا مقالا بعنوان (موية مافي ..كل شئ وارد) ونكرر هذا العنوان الان الف مرة..!!