هل تغير مصر خريطة المنطقة؟

الموقف الإماراتي – السعودي من تدهور الأحداث في مصر غير وجهة الموقف الأميركي المساند للإخوان وذكّر واشنطن بأساسيات الاستقرار في المنطقة.
بقلم: محمد أبو الفضل
لا يمكن النظر إلى ما جرى (ولا يزال) في مصر خلال الأيام الماضية على أنه شأنا داخليا محضا، فإقالة أو عزل أو خلع الرئيس محمد مرسي تمت بإرادة جماهيرية واسعة، وبمباركة ودعم من المؤسسة العسكرية الوطنية، ودون إرادة الولايات المتحدة الأميركية، التي رفضت ثم تحفظت ثم أيدت على استحياء ما حصل، كما أن ما حدث من تغيير في سدة السلطة حظي بردود فعل إيجابية من قبل عدد من القوى الإقليمية والدولية، ولقي اعتراضات من جانب جهات أخرى، وفي الحالتين سيكون للتطورات المصرية تأثير على كثير من التفاعلات في المنطقة العربية، وربما خارجها، فقد كانت هناك قوى أقامت حساباتها السياسية والأمنية على أساس استمرار نظام الإخوان المسلمين في السلطة لفترة طويلة، لكن الاجراءات التي تمت بطريقة ديناميكية، قلبت بعض التوازنات وخلخلت جملة من التقديرات الاستراتيجية.
الملايين التي خرجت مطالبة بإسقاط نظام الإخوان، لم تصدم المؤيدين والمتحالفين مع الجماعة فقط، لكنها أصابت الإدارة الأميركية تحديدا بالإحباط، ويمكن أن تؤدي تصورات وتصرفات الرئيس باراك أوباما حيال هذه المسألة إلى تعريض مستقبله السياسي للخطر، حيث ثبت أنه لم يراهن على الجواد الرابح، وهو عموم الشعب المصري، وسعى إلى تمكين جماعة الإخوان المنظمة من السلطة، تارة بتوصيل رسائل دعم مباشرة لقياداتها عن طريق آن باترسون السفيرة الأميركية في القاهرة، وأخرى من خلال ممارسة أقصى درجات الضغط على المؤسسة العسكرية لمنعها من الانحياز للمواطنين الذين خرجوا بعشرات الملايين يوم الثلاثين من يونيو- حزيران الماضي، وثالثة عبر حض بعض الأوساط الإقليمية على مساعدة الرئيس السابق محمد مرسي في مجال المنح والقروض المادية، وتحت وابل من طلقات المد الجماهيري، وتصميم من الجيش المصري قبلت واشنطن التسليم بالأمر الواقع مؤقتا، غير أنها لم تتخل على أمل الإمساك بزمام الأمور مرة أخرى، وقامت بتكرار سيناريو التطمين للإخوان وحرضتهم على مقاومة التفريط في السلطة.
من هنا، وجدت الجماعة ضالتها في حشد أنصارها ومحاولة تنظيم صفوفها للإيحاء أنها لا تزال تملك الشارع في مصر، لكنها فشلت في هذا الطموح، وأخفقت في أن تصل إلى نسبة تشي بحضور جماهيري يتناسب مع الضجيج الذي قامت به في وسائل إعلامية – أجنبية متباينة، وبالتوازي مع هذا الاتجاه لوحت بالعنف في محاولة بائسة لفرملة الزحف الجماهيري المقابل، حتى مارسته فعليا خلال الأيام التالية لعزل الرئيس مرسي، وفي ذهنها تحقيق ثلاثة أهداف محورية، أولها الحفاظ على صورة أوباما التي اهتزت، داخليا وعالميا، جراء دعمه المفرط لمشروع الإخوان، وبالتالي منحه الفرصة للتدليل على أن رهانه عليهم لم يفشل تماما، وهو ما يفرض عليه عدم التخلي عن دعم الجماعة، وثانيها لوقف حملات التأييد التي جاءت من دوائر متعددة، وتصوير الموقف على أنه لم يحسم بعد، طمعا في جلب تعاطف اقليمي ودولي، بذريعة أن ما جرى في حكم الانقلاب العسكري، رغبة في تشويه الصورة السلمية التي نجح المصريون وجيشهم في تصديرها للعالم، وثالثها إحداث فتنة مصرية، قد تفضي إلى خلط أوراق الجيش، الذي حسم موقفه في تأييد الشرعية الثورية، فحدوث ارتباك في المشهد الأمني يمكن أن تضطر معه المؤسسة العسكرية إلى التفاوض مع الجماعة، ليس لعودة رئيسها للسلطة، لكن على الأقل لتحاشي المحاكمات التي تنتظر قيادتها، بسبب تجاوزاتهم السياسية والأمنية.
الواقع أن التطورات الأخيرة في مصر، تجعل المراقب يتوقف عند حزمة من المعطيات التي يمكن أن تؤدي إلى سلسلة من التغيرات الإقليمية، في مقدمتها، وقف التمادي في الصراع المفتعل بين السنة والشيعة في المنطقة، الأمر الذي أشارت إليه بعض التقديرات الإسرائيلية عند فحصها لخسائر تل أبيب من وراء عزل محمد مرسي، الذي لعبت تصريحاته حول ضرورة فتح باب الجهاد في سورية دورا في تغذية هذا الصراع، فهناك جماعات اتخذت من دعوته مبررا للذهاب إلى سورية والانضمام لصفوف الجهاديين، على أساس أن هذه حربا تقودها إيران وحلفاؤها من الشيعة العرب ضد السنة هناك، بالتالي فرحيل هذه القيادة يمكن أن يطفئ هذه النار، أو على الأقل يساعد في الحد من الانزلاق إلى هذا المربع المخيف، وربما يوجد مدخلا للتسوية السياسية، أضف إلى ذلك أن إسرائيل التي تفاءلت بتوجهات الإخوان المسلمين من الممكن أن تجد نفسها أمام دولة عفية، إذا سارت خريطة الطريق التي رسمتها القوي الوطنية في مصر إلى هدفها النهائي، وهو ما يستلزم القيام بدورها العربي – القومي.
الشاهد أن هناك عاملين مهمين أجبرا الولايات المتحدة على تخفيف دعمهما المعلن للإخوان، الأول دخول الدب الروسي على الخط، عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين استعداد بلاده لتقديم كل وسائل الدعم العسكري للجيش المصري، بلا قيد أو شرط، وهذه الإشارة جعلت الأميركان يتذكرون ما فعله الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، عندما اتجه شرقا وقام بخطوة استراتيجية لتنويع مصادر السلاح في ستينييات القرن الماضي، وفي كواليس المناقشات السياسية في مصر لم يعد من المستبعد التفكير في قرار استراتيجي على هذا المستوى، خاصة أن الإرادة السياسية تبدو جاهزة، للتخلص من المساومات الأميركية إزاء قضية استمرار وقطع المعونات العسكرية للقاهرة، ويمكن القول أن التلويح بهذه الورقة كان له دور في ردع واشنطن ومنعها من اتخاذ خطوات تصعيدية ضد الخطوات المصرية التي أدت لعزل مرسي، لأنها أدركت أن تحول بهذا الحجم، أو حتى الاقتراب منه، لن يهدد مستقبل أوباما السياسي فقط، بل أيضا سوف يتسبب في تغيير خريطة العالم، فامتلاك موسكو ورقة من هذا النوع كفيل أن يضعف نفوذ الولايات المتحدة، ويكبدها خسائر استراتيجية كبيرة.
أما العامل الثاني، فهو يتعلق بردود الفعل العربية الايجابية التي تلقتها القاهرة، بعد التخلص من حكم الإخوان، وكان للموقفين السعودي والإماراتي، دورا مهما في تجاوز حلقة الاحتقان السابقة، التي وصلت إليها مصر مع بعض الدول العربية في عهد مرسي، كما كان لموقف كل من أبوظبي والرياض، مساهمة فاعلة في جانبين، أحدهما يخص الشق الاقتصادي، فإعلان كليهما تقديم مساعدات مادية عاجلة، أشاع أجواء من التفاؤل بتخفيف سحب التدهور المعيشي لدي قطاع كبير من المصريين، والآخر على صلة وثيقة بأدبيات الموقف الأميركي، الذي كان منحازا للإخوان، فاستعداد هاتين الدولتين وغيرهما تقديم مساعدات لمصر أرخى بظلاله على سياسات واشنطن التي بدا أنها ستتجه نحو التشدد للتعامل مع الواقع الجديد في مصر، لاسيما بعد تردد معلومات حول مناورة السعودية بما تملكه من سندات في الولايات المتحدة، ومع أن هذين العاملين ساهما في زحزحة الموقف الأميركي، إلا أن واشنطن تخشى تداعي حلفائها في المنطقة، إذا غيرت القاهرة توجهاتها الاستراتيجية، ساعتها سوف تحدث تحولات درامية، في ملفات سوريا وإيران والقضية الفلسطينية والخليج العربي.
نحن إذن أمام مشهد ساخن ومعقد، بدأت فصوله الدرامية الأولى مع ثورة 30 يونيو- حزيران الماضي، ومن الممكن أن تكون فصوله التالية أشد إثارة، وهو ما يتوقف على قدرة النظام الجديد في مصر على التحكم في المفاتيح الأمنية، بعد تهديدات معلنة لجماعة الإخوان وحلفائها بالانتقام من الجيش، وعلى العملية السياسية القادمة ودرجة نجاحها في تلبية طموحات الجماهير الغفيرة، واستيعاب جميع الأطياف والقوى الحزبية داخلها، وفي حالة النجاح، كما هو متوقع، أو الفشل لا قدر الله، سوف تكون هناك ارتدادات على الأوضاع الراهنة في المنطقة وقضاياها المختلفة، ودور كل لاعب فيها.
محمد أبو الفضل
ميدل ايست أونلاين
حفظ.الله.الشعب،المصرى،بان،يحدث،تغييرعلي،يدالجيش،الوطني، حتي،لاتوصلهم،الاداره،الامريكيه،مرحلة،السودان