التجربة الإماراتية في مواجهة الإخوان

أسهم مندوبو الإخوان منذ ثمانينيات القرن الماضي في جعل قيادات التنظيم الدولي وأعضاء مكتب الإرشاد الإخواني ينظرون للإمارات باعتبارها موطن ثروة فقط. تناسوا أن في الإمارات دولة معنية بحماية ثرواتها التي تخص الشعب الإماراتي وأجياله المستقبلية.

بقلم: د. سالم حميد

لابد من التذكير بأن التآمر الإخواني عندما بدأ يكشّر عن أنيابه لم يستهدف الإمارات وحدها، وإنما جاء استهداف الإمارات عندما قام التنظيم الدولي لـ«لإخوان» بتفعيل أجنداته، عبر تشجيع التنظيم السري المحلي للجماعة، بعد أن حصل تيار «الإخوان» في بعض الأقطار العربية على الضوء الأخضر من واشنطن وعواصم غربية، إثر تقديم «الإخوان» لأنفسهم كبديل يحل محل الأنظمة التي انهارت، عقب مواجهة الاحتجاجات التي اندلعت في عواصم دول كانت تعاني أزمات اقتصادية، وارتفاعات في معدلات خط الفقر ونسبة البطالة، إلى جانب انسداد أفق أنظمتها السياسية التي لم تحقق نهضة ملموسة لشعوبها، كما هو حال جماهيرية القذافي التي لم تكن فيها دولة تعمل على استثمار ثروات ليبيا لخدمة مواطنيها.

وإضافة إلى تلك الأسباب الداخلية الكامنة التي أسهمت في حدوث موجات الفوضى، لم تكن الأحداث في البلدان التي شهدت الاضطرابات بمعزل عن تدخلات وتمويلات خارجية سبقت الاحتجاجات أو صاحبتها ودعمتها. فكانت المحصلة النهائية لما حدث هي صعود «الإخوان» إلى الواجهة بمباركة أميركية وأوروبية، سعياً من قبل الغرب لتمرين وترويض التيارات المتطرفة على خوض لعبة السياسة.

لكن التجربة أثبتت أن السياسة عند «الإخوان» لها أهداف أخرى تتصل بتحقيق أطماع جماعتهم أولاً وأخيراً. أما في الإمارات فقد سعى مندوبو «الإخوان» إلى تفعيل تنظيمهم السري، وحاولوا اختبار إمكانية الوفاء بتعهداتهم للجماعة ولمكتب الإرشاد، وهؤلاء كانوا يعتبرون الإمارات غنيمة سهلة وحصالة نقود قابلة لتمويل حكومات «الإخوان» الفاشلة التي نشأت في البلدان الضعيفة اقتصادياً، وبصعودهم ازدادت أوضاعها ارتباكاً.

وأسهم مندوبو «الإخوان» منذ ثمانينيات القرن الماضي في جعل قيادات التنظيم الدولي وأعضاء مكتب الإرشاد الإخواني ينظرون للإمارات باعتبارها موطن ثروة فقط، لأن التبرعات المالية التي كانوا يحصلون عليها من الإمارات آنذاك كانت تسيل لعابهم. وتناسوا أن في الإمارات دولة معنية بحماية ثرواتها التي تخص الشعب الإماراتي وأجياله المستقبلية، أي أنها ليست مجرد منبع ثروات أو حصالة نقود، ولن تكون متاحة لأطماع «الإخوان»، وتنظيمهم الفاشل، والعاجز عن إدراك قوة الإمارات وطبيعتها التي رسخت نظام الحكم الاتحادي، عبر العلاقة المتينة التي تربط قيادة الدولة بالشعب من جهة، ومن جهة أخرى عبر الوحدة التي شملت الكيان الجغرافي والمواطن الإماراتي ونخبة الحكم القريبة من الشعب والحريصة على رفاهيته، بكل ما للرفاهية في اللحظة الراهنة من تجليات وحاجات لابد من توفيرها للإنسان في هذا العصر الذي يعمل «الإخوان» عكس دوران ساعته.

وحتى لا نعطي لهذه الجماعة أهمية تفوق حجم من يمثلون امتدادها في الإمارات، ينبغي القول إن وصف خططهم بالتآمر مبني على ما كانوا يحلمون به فقط. لكنهم وجدوا أمامهم دولة ذات أسس ثابتة الجذور ولا يمكن إلا لغبي أن يفكر في التطاول على استقرارها وأمنها.

قبل أن يظهر تآمر جماعة الإخوان المتأسلمين على الإمارات وغيرها من الدول، ظلت المؤامرات في ما بين الدول تدار من قبل الحكومات والجيوش وأجهزة المخابرات والضغوط الاقتصادية، الأمر الذي أسهم في إضعاف العديد من الأقطار العربية التي دخلت في صراعات وحروب لا طائل منها، ولم يكن من ثمارها سوى توطين الفوضى واستمرارها، وغياب التنمية وتهجير المواطنين بحثاً عن لقمة العيش، أو بحثاً عن تقدير يليق بخبرات أصحاب العقول المستنيرة. لكن الإمارات نجحت بحكمة قيادتها في تجنب هذا النوع من المؤامرات والفتن الداخلية والخارجية.

وما يعرفه الآخرون عن هذا البلد الآمن والمسالم هو أنه البلد العربي الاستثنائي الذي انشغلت قيادته وحكومته وشعبه بتنمية الذات، وتأسيس تجربة يعتز ويفتخر بها كل مواطن حر يحب العزة والشموخ لبلده وللإنسان العربي، وعدم الرضوخ للفقر والانقسامات التي خلّفها الاستعمار الأجنبي في بلدان العالم الثالث.

وما جعل الإمارات حاضرة في قلوب الأشقاء العرب على مستوى الحكومات والشعوب، ليس لأنها مثلت نموذجاً مشرفاً لحلم الوحدة والنهضة فحسب، على يد قائدها ومؤسسها الكبير المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، بل إن استمرار الحضور الإيجابي للإمارات في الوجدان العربي والإسلامي تعزز بامتداد خير الإمارات ونهضتها إلى العديد من أشقائها الذين تنتصب في بلدانهم مآثر ومعالم جسدت حكمة وكرم ومحبة زايد لوطنه وشعبه وأمته العربية، الأمة التي كان حبه لها ولعقيدتها يمثل عنواناً لحضوره الحكيم والمؤثر كقائد وزعيم عربي لدولة تحقق لشعبها ما يجعل كل مواطن فخوراً بهويته ووطنه ووحدته. لذلك تمكنت الإمارات بعد تأمين وحدتها ورسم خطة نهضتها من الالتفات لأشقائها العرب منذ وقت مبكر.

وها هو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، يواصل قيادة مسيرة الإمارات مع أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، وإلى جانبهم أنجال زايد، الأب والقائد الذي أورث أبناءه الحكمة ومحبة الشعب والعمل على حماية مصالح الإماراتيين وتحقيق كل ما من شأنه ازدهار هذا الوطن الشامخ.

ولم تتدخل الإمارات منذ نشأتها في الشؤون الداخلية لأي دولة، لكنها مدت يدها للتعاون مع الأقطار الأخرى ومساعدتها من دون شروط. وهذا ما جنب الإمارات الدخول في الصراعات العربية الثنائية والإقليمية التي لم يتوقف الجدل على خلفيتها حتى اليوم، الأمر الذي جعل المؤامرات والدسائس لا تكف عن تفتيت وإضعاف العلاقات العربية الثنائية، نتيجة للاستقطاب المتبادل، ونتيجة للتدخلات التي نأت الإمارات بنفسها عن الخوض فيها أو الانحياز لطرف من أطرافها المختلفة، إلا في حدود ما كان يتوافر من إجماع عربي داخل أروقة الجامعة العربية، كما هو الحال مؤخراً مع المحنة السورية، وغيرها من المحن والأزمات العربية التي أعاقت العديد من الدول عن التفرغ لخدمة شعوبها ونهضة اقتصادها.

ويبدو أن الجماعة تستعير مبدأ السرية والتقية من نظام دولة ولاية الفقيه في إيران، إذ يستمر قادتها وأتباعها في إظهار غير ما يكتمونه وما يسعون لتحقيقه، رغم أن الزمن كلما تقدم يفضحهم ويكشف نواياهم، كما أن الممارسات الإخوانية في الدول المنكوبة بصعودهم إلى الحكم أصبحت مكشوفة، وتدل على أن منهج الأخونة واحتلال مفاصل ومؤسسات الدول هو الهدف الأسمى لدى هذه الجماعة المتأسلمة التي تتخذ من الدين قناعاً ووسيلة لتحقيق أطماع عصاباتها وتنظيمها الدولي السري.

د. سالم حميد

كاتب من الإمارات

ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..