أنيميا التعبير

وبينما ينفتح العالم على مصاريعه من جميع الإتجاهات….وتتسع رقعة التلاقح….وتمتد موائد التحاور…وتتاح إمكانية الوصول….وتتمازج الفئات… ويتسارع إيقاع الشبكة العنكبوتيه…. وتتعدد الرؤى الإعلامية….وترتفع الأصوات…. وتسهل المعرفة…. ،تضيق بالمقابل العبارة وتتراخى وتترهل!
نعم….نعانى من أنيميا التعبير….ترتقى كل الدنيا من حولنا ونرزح تحت وطأة الإبتذال….!
صفاقة فى الخطاب الإنسانى….أخطاء لغوية وإملائية…خلل فى التعبير….سطحية فى التناول… وإستهتار بقدرة الكلمات على الإتيان بالمعجزات والتأثير الإيجابى!
وكأننا لم نعد نحسن الكلام!…كطفل غرير غير ناضج تأتى خطاباتنا وتصريحاتنا السياسية والثقافية والرياضية والإقتصادية مربكة وغير مفهومة!… لاتثير سوى الضحك والتهكم…وتعجز عن تحقيق مراميها وإيصال مايلزم من معلومات أو توضيح بعض الأمور الخفية!
تأملوا الخطاب الإعلامى….وراقبوا المؤدين حاملى الرسالة…لقد أصبحت الفجاجة اللغوية سمة رئيسة حتى إعتدنا الأمر فلم يعد يثير حفيظتنا فى الإذاعات والفضائيات لاسيما موجات الأف أم القصيرة!
محاولات عمياء للتقليد تحولك لمسخ إعلامى لا هو قادر على التشبث بأذيال الغرب كما يجب لأن لغته الأجنبية ضعيفة جدا”ولاهو قادر على الإنتصار لعروبته لأنه لم يتلق مايلزم من أساسياتها ولم يكتسب مهاراته الخاصة بالإطلاع والإستماع إما من باب الجهل أو المكابرة !
سياسيون أقل مايوصفون بالسماجة….يقرأون خطابات ركيكة محشوة بالعبارات الجوفاء المفذلكة كتبها لهم آخرون فى محاولة لإظهارهم بمظهر العارف المفوه ولكنهم فى الحقيقة جعلوا منهم مدعاة للسخرية والتندر والإستهزاء…يرددون عبارات لم يكلفوا نفسهم عنت مراجعتها والإطلاع عليها…فيقعون فى فخ العجز عن القرأة وكثيرا”ما يغردون خارج سرب الموضوع المعين!
فى كل الدنيا…يحرص المسئول المعنى مهما كان حجم وظيفته وتأثيرها على التدقيق اللغوى وإختيار عباراته بعناية فائقة قبل أن يخرج إلى الناس….إلا فى بلادى…فأن السادة أصحاب النفوذ مولعون بالمايكرفونات…تعتريهم حالة من النشوة حالما عانقوها…فيبدأوون فى تشنيفنا (بكلام خارم بارم) ويطلقون وعودا” لن توفى يوما”!
كما أن لهم عبارات ثابته ومحدده وكأنها تسلم لهم ضمن تكاليفهم الوظيفية…يرددونها فى أى مكان…بذات الجرس والمضمون..حتى باتت وباتوا من الفجاجة والسماجة بمكان..يفقدون التأثير ويمعنون فى إرغامنا على الإنصراف عنهم غير عابهين بمقاماتهم الرفيعة!!!
أما على الصعيد الإجتماعى…فلغة الكراهية والحسد والأقاويل والفتن والبهتان أصبحت تسيطر فى الغالب أحاديثنا و وحواراتنا وكتاباتنا!
وغالبية الأجيال الأخيرة تفتقر للأدب الخطابى مع الوالدين والمعلمين وحتى فى مابينها….شباب وأطفال فى أعمار يافعة تحتشد عباراتهم بالتردى والإنحراف اللفظى الذى يندى له الجبين!
راقبوا الشارع العام…أصبحت عبارات سوقية مبتذلة تطرق آذاننا على الطريق ببساطة دون أن يحرك المصدر ساكن أويردعه رادع أو يرده حياء من المارة أو خشية من الله!
كل هذا وأكثر ستلحظونه حالما تمعنتم فى شكل الخطاب اللغوى الذى نستخدمه فى كل مكان وبمختلف الفئات…والسبب وراء كل ذلك ببساطة المنهج التعليمى المتردى….والبعد عن كتاب الله…المصدر الأول للغة والأدب والحصافة واللباقة والكياسة والتقوى !
تلويح:
كلما إتسع الإسفير….تراجعت القدرة على التعبير

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. مع الإعجاب الدائم بكل مقال لك أستاذتنا .
    رجاء ملاحظة التصحيحات التالية :
    القرأة – الصحيح القراءة
    يبدأوون – الصحيح يبدأون
    تسيطر في الغالب أحاديثنا – الصحيح تسيطر في الغالب على أحاديثنا
    عابهين – الصحيح عابئين .

  2. أظن أن هنالك أسباب موضوعية وراء إنحطاط القدرة على التعبير ووصولها السفح ، وأولها كما ذكرت هو البعد من القراءة عموماً ، والبعد من قراءة القرآن الكريم وهو الملهم الأول والأخير في اللغة العربية.

    هنالك شيء آخر معنوي يحط من التعبير عند كافة الأعمار ، وهذا الشيء هو الجمال الداخلي للفرد ، فجمال النفس دوماً ما يكون الدافع لإصدار مستحسن القول لا أسوأه. المدراس لن تفلح في تحسين التعبير بمنهج يدرس للتلاميذ مالم يتعلم التلاميذ حب الآخرين ونبذ الأنانية والتفكير في غيرهم من المحرومين.

    وضرب الله مثلاً بالكلمة الطيبة كأنها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها…ولله المثل الأعلى

  3. كما ختمت قولك إختطف الإسفير التعبير وحتى المشاعر وحده من نعبر له ويعبر عنا ونفتقد من يعبر لنا …. وازيدك من الشعر بيت كما يقولون الغذاء سبب رئيس بعد بحث وتمحيص قد لا تصدقي ولا يصدق من يقرأ لكنه الغذاء المؤثر القوي جدا في السلوك البشري ويقودنا رويدا رويدا نحو السلوك الحيواني أكرمكم الله عز وجل فكيف نوقف هذا الجرح الدامي إلا برفع المسبب أيا كان هو ومن خلفه

  4. لذلك أرض ملايين الأفدنة الخصبة تجوع وتدخلها التقاوي الفاسدة المفسدة والقطن المحور وراثيا وتدمير المشاريع الزراعية الكبرى وغلاء وجوع اهل الأرض مع فساد في الذبائح والأطعمة والمياه كلها مدعاة لتغير السلوك والبهيمية والشيطنة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..