أخبار السودان

لحظات صحفية مع سلفاكير رجل من صنيع الغابة والنار

عمر الحلاوي

كان من الصعوبة بمكان ، اجراء حوار مع سلفاكير ماردريت حينما حل ضيف بمدينة ابوظبي عاصمة دولة الامارات نائب للرئيس السوداني ، ولعبت ثلاثة دوائر في صعوبة اللقاء الذي اكتمل لصالح صحيفة الخليج التي كنت اعمل محررا عندها وقتذاك وهي السفارة السودانية ، وأجهزة الامن وطاقم مكتبه الخاص .
اقتحمت على الرجل مجلسه الرئاسي بعد خروج الوفد الحكومي الاماراتي برئاسة وزير الخارجية وساعدني في ذلك صديقي الاماراتي الذي يعمل في وكالة الانباء حينما دخلت معه القاعة وكأني من طاقمه ، ومن ثم فوجئت بالرئيس سلفا امامي وطلبت منه اجراء حوار معه فرفض بكل ادب وعبارات مهذبة بان اجري الحوار مع وزرائه الموجودين في الخارج كان من بينهم برنابا ومنصور خالد الذي دار بيني وبينه حوار جانبي طويل عن حكومة الانقاذ وقدرتها الفائقة في تحطيم الاحزاب ، وكان يستمع باهتمام بالغ .

عموما قلت لسفاكير ، سيادة الرئيس انني في عرين الاسد ولن ارضى بأقل من ضيافته فكيف لي وأنا عندك ان ابحث عن غيرك ، فتبسم ثم قال لي انتظر ، وظللت منتظرا قرابة خمسة ساعات متواصلة حتى جاءني سكرتيره الخاص ، وقال لي ان الرئيس دخل الى غرفة نومه ورجعت الى منزلي وكنت في غاية الاحباط لأنني لم استطيع اجراء الحوار الصحفي الذي كلفتني به صحيفة الخليج ، وكنت افكر في ذلك الرجل الذي اصبح رئيسا بالصدفة كما قيل عنه نتيجة وفاة القيادات الخمسة المؤسسة من قبله ، فكان على جون قرنق اعلانه نائبا له بالأقدمية العسكرية التي انتظمت جيش الحركة الشعبية بدلا عن القبلية فأصبحت عقيدة قتالية وعقيدة دولة توحدهم ، وكنت انظر للرجل وهو يعتمر طاقيته المشهورة بنفس رؤية الكثيرين من ابناء الشمال الذين يقارنون بينه وبين قرنق.

وفي بدايات الصباح الباكر وقبل ان اتوجه للمكتب جاءتني مكالمة من طاقم سلفاكير الخاص تسأل عني وتقول لي ان الرئيس سأل عنك منذ الصباح اين الصحفي السوداني ، بعدها لملمت افكاري المبعثرة وشتات نفسي مسرعا بقدر الامكان للوصل الى قصر الامارات محل اقامة الرؤساء في تلك العاصمة التي تزينها ابراج المباني الفارهة وناطحات السحاب الزجاجية ، ولم تكن هنالك معاناة في الدخول مع ابراز البطاقة الصحفية حيث وصلت في اقل من الزمن المعتاد متخطيا رادارات السرعة التي اصابتني بغرامة مالية عالية ، وحين وصلت جلست في قاعة الضيافة مدة لم تجاوز نصف ساعة اظنها كانت لترتيبات اللقاء نفسه ، اول ما فاجئني به نائب رئيس السودان ورئيس دولة الجنوب ان اللقاء بالغة الانجليزية وهنالك مترجم وهو صديقينا ” ميوم ” ذلك الصحفي الفذ الذي كان يعمل في وكالة الانباء الامارتية ويجيد الغتين العربية والانجليزية ، كان الرئيس سلفا مرتبا ومحددا سلفا ما يريد قوله يتحدث بكلمات واضحة ورؤية ويدري ماذا يريد ان يوصل من افكار ، وبرغم ان اللقاء استمر مدة خمسة عشر دقيقة ، ونشر حينها في صحيفة الخليج الاماراتية متزامنا مع نشره في صحيفة الصحافة السودانية ، ولكنني بعد خروجي من اللقاء قلت لصديقي معالي ابوشريف ان سلفا رجل دولة حقيقي ويتمتع بكل صفات رجل الدولة ، فقال لي كيف ، قلت لله ان مسيرتي السياسية والصحفية برغم بساطتها كلنها جمعتني بوزراء سودانيين من كل الاحزاب والحكومات ، بداية بأحمد خير المحامي والشريف زين عابدين وحتى اخر وزير اتحادي او حزب امة ، انه لا يشبه فيهم احد يذكرني بوزراء اخرين من دول اخرى .

كان مع الطاقم الذي يعمل معه كاملا ودقيقا وكان جناحه بالكامل يسكن فيه مع طاقمه بينما يتقاسم بقية الوزراء الجناح المجاور من منصور خالد وحتى برنابا مريال بنجامين ، لا يستطيع اي كان الاقتراب منه دون المرور بهذا الطاقم ، وكان حضوره الصحفي عالي جدا ودقيقا وبكامل زيه الرسمي وجدية ملامحه الصارمة التي خلقتها سنين القتال وإتقانه للبرتوكول بشكل مدهش وسلوك رؤساء الدول الغربية وحينما دخلت الغرفة وجده يجلس في كرسي فخم ومريح ووقف ليسلم علي ، ومن ثم جلس وبعد جلست بالقرب منه ومع صديقي ” ” ميم ” لم يكن هنالك تحديد مسبق للأسئلة اجاب خلالها على الاسئلة ، وتم قبله اعلامي بان امامي ربع ساعة فقط ، وهو ظل يتحدث ويجيب وكان الامر لا يعنيه ، بينما ظل مراقب التوقيت ينبهني لانتهاء الوقت ثلاثة مرات حتى استجبت لذلك ، وبعد خروجي ورغم الكلمات المحدودة التي ظفرت بها من براثن الاسد كما قلت له إلا انني اعترف ان سلفا رجل صنعته سنين الحرب والغابة ودهاليز السياسية وما كان لقرنق ان يتخطاه ، تلك العينين شديدي الاحمرار بهاء من الذكاء يصل الى حد الدهاء كعيون الثعلب صغيرة الحجم تجوب المكان في هدوء دون ان يؤثر ذلك في هيبته الرئاسية ، ذلك الرجل الذي قيل عنه خريج الصف الخامس الابتدائي يفهم العربية بطلاقة اذا جاز الوصف ، ويتحدث بلغة اهل جوبا وجيد الانجليزية .

كان واضحا على الرجل انه مقبل على ايام صعبة جدا في الخرطوم يريد كسب دول الخليج لصالحه لذلك كانت الدعوة له للحضور فكانت التلبية السريعة من قبله التقى فيها بكل رموز الدولة ، وضع انطباعا جيد لكل من حوله ليزيل كثيرا من علامات الاستفهام ، رجل بهذه المواصفات لا اظنه كان صنيعة الغابة والنار فقط بل ان الرجل كان يُعد نفسه بالكسر او كان ضمن من يُعَدهم قرنق لكنني اقول ان سلفا الذي تعرفونه في وسائل الاعلام ليس هو سلفا حاكم الجنوب وما كان يصدر قرار اقالة حكومته بالكامل لو لم يكن ممسكا بكل مصادر القوة وخيط اللعبة والدعم الدولي .

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..