هل ينفّذ السودان تهديده لوقف ضخ النفط بعد 10 أيام؟

التجربة أثبتت أن وقف ضخ نفط الجنوب أو التهديد بذلك لا يشكل عنصر الضغط الهائل الذي كانت تتوقعه الخرطوم،
د. محجوب محمد صالح
رغم التهديد القاطع الذي بعثت به الخرطوم رسمياً إلى حكومة الجنوب بأنها ستغلق خط أنابيب البترول في وجه بترول الجنوب في السابع من أغسطس القادم ما لم توقف الدعم العسكري الذي تزعم الخرطوم أن جوبا تقدمه لحملة السلاح من قطاع الشمال والذين يحاربون الحكومة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، رغم ذلك التهديد الحازم فإننا على قناعه بأن النفط سيظل يتدفق عبر الأنابيب وأن اتفاقاً ما سيتم التوصل إليه قبل ذلك الموعد في إطار الجهود التي تقوم بها لجنة الوساط الإفريقية.
هناك أسباب موضوعية تعزز قناعتنا هذه وهي أن التجربة أثبتت أن وقف ضخ نفط الجنوب أو التهديد بذلك لا يشكل عنصر الضغط الهائل الذي كانت تتوقعه الخرطوم، فحكومة السودان عندما ضغطت بكرة النفط في المرة الأولى حينما رفعت أسعار عبور النفط لأراضيها بصورة مبالغ فيها كانت تحسب أن الجنوب الذي يعتمد كلياً على النفط سيتراجع ويقبل السعر المرتفع لأنه لا بديل أمامه لتسويق نفطه سوى ذلك الخط الوحيد المتاح له. الجنوب اعتبر ذلك (ابتزازاً) وقرر أن يقبل التحدي ويوقف بنفسه ضخ النفط وليثبت أنه قادر على الحياة بدون أي عائدات من هذا المصدر وهم اليوم على قناعه بأنهم أثبتوا هذه الحقيقة، وكدليل على هذه القناعة بدأ ومنذ أول هذا الأسبوع تخفيض إنتاجهم النفطي ليرسلوا للخرطوم رسالة مؤداها: أغلقوا الخط إن شئتم فنحن جاهزون.
كلا البلدين يلعب بكرت (محروق) وهما يدركان أن هذه الممارسة تنطوي على مغامرة غير محسوبة النتائج وأنها لا تتعدى عمليه انتحار متبادل وكلاهما يواجه من التحديات الداخلية ما يهدد بانفجار الموقف في أي لحظة، وكلاهما في حاجة لنافذة أمل للخروج من أزماته الداخلية لا لمغامرة جديدة تزيد موقفه الداخلي خطورة؛ ولذلك فإننا نتوقع أنهما في إطار (المناورة) قصيرة النفس سيتجهان نحو حافة الهاوية ثم سيتراجعان عنها باتفاق جديد ربما يتم الوصول إليه خلال هذا الأسبوع يحفظ ماء الوجه ويسمح باستمرار تدفق النفط، وموضوع النفط وتدفقه لم يعد موضوعاً داخلياً يهم الحكومتين بل باتت له أبعاده الخارجية التي لا يستطيع أي منهما تجاهلها، فالنفط استثمرت فيه وتنتجه وتصدره ثلاث دول آسيوية ويهم كلا البلدين، وربما يهم الشمال أكثر من الجنوب، الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع الدول الثلاث وخاصة الصين الدولة الكبرى التي لها دورها في المجتمع الدولي وتملك حق النقض في مجلس الأمن وتقدم دعماً اقتصادياً في شكل قروض وتسهيلات ائتمانية لكلا البلدين، ولا يمكن أن تقبل أن يتم التلاعب باستثماراتها بهذه الطريقة وهي المستثمر الأول في نفط الجنوب وفي خط الأنابيب وقد أثار قلقها هذا التلاعب بمصالحها وهي ليس فقط المستثمر الأكبر في هذا النفط بل هي أيضاً المشتري الأكبر لذلك النفط، وقد أبلغت هذا القلق بصوره رسمية للطرفين ولكنها لم تعلن عن ذلك، ولا يستطيع أي من الطرفين أن يتجاهل في هذا الصدد الملاحظات التي أبدتها الصين والمستثمرون الآخرون في مجال النفط.
وهناك أيضاً المجتمع الدولي والإقليمي الذي يتوقع الالتزام بقاعدة بناء (دولتين قابلتين للبقاء) على أرض السودان ولتحقيق هذا الهدف لا بد أن تنبني العلاقة بين البلدين على أساس التعاون المشترك والاعتماد المتبادل وهو أمر تتطلبه مصلحتهما معاً وتحقق للبلدين فوائد اقتصادية جمة وتعالج الكثير من أزماتها الاقتصادية، بينما هذه المواجهات العبثية تزيد الموقف سوءاً وتعرض البلدين لمخاطر محسوبة وغير محسوبة خاصة وأن كلاهما يعيش اليوم في أزمة داخلية كبرى ويواجه تحديات لا قبل لها قد تقود للارتياب والتشظي.
كل هذه الحقائق ينبغي أن تؤدي منطقياً إلى تأسيس علاقة صحية بين البلدين، ولكن المنطق لا مكان له في السياسة السودانية ولذلك لن نستغرب إذ انتهى الأمر إلى مزيد من التصعيد المتبادل بدلا من الحلول السلمية التي يقتضيها الواقع الراهن على خلفية أن كلا منهما يريد أن يستثمر صراعه مع الدولة الأخرى في معالجه أزمته الداخلية وذلك بإيهام جماهيره أن بلاده تتعرض لمؤامرة خارجية يدبرها الطرف الآخر تقضي (توحيد) الجبهة الداخلية لمواجهة هذا الخطر، وهذا أيضاً سلاح تم استهلاكه تماماً وفقد صلاحيته وخير للبلدين التعامل الواقعي والمنطقي مع مستقبل هذه العلاقة الثنائية.
د. محجوب محمد صالح
[email][email protected][/email] العرب
I am in agreement with your point of view. no way other than good relations will save the two countries. also the notion of destructive actions towards each other has proven the contrary. I hope this will be the last lesson.
اتمنى ان يكون الدرس الاخير للبشير الذى لا تهمه معاناة شعبة طالما هو لا يحسها