شرعية مرسي… وزيارة السيدة العجوز!

مرسي تحول إلى ورقة مساومة لدى قيادة الأخوان لإنقاذ ما يمكن انقاذه من كهنة الجماعة وأموالها. زيارة آشتون جاءت لتحسين موقف التفاوض على الأرض.

بقلم: علاء الدين حمدي

تذكرتها مع متابعتي لزيارة السيدة كاترين آشتون، مسئولة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي، إنها رائعة دورينمات “زيارة السيدة العجوز”، التي تحكي قصة فتاة غرر بها أحد شباب القرية، فتركتها هاربة لتعود اليها بعد 50 عاما شديدة الثراء، تنفق ثروتها في استمالة أهل القرية ودفعهم لقتل العشيق القديم الذي يتوارى حتى يموت وحيداً شريداً.

ومع إيماني الراسخ أن “اللي يجي من الغرب ما يسر القلب” كما علمتني جدتي غفر الله لها، ورغم اختلاف قصة دورنمات، نسبياً، عما يحدث في الواقع، اللهم إلا في تقرير نظرية إستخدام المال أو السطوة والنفوذ والدين أيضاً لتحقيق أهداف خاصة محددة دون إعتبار لقانون، رغم ذلك فقد راق للعبد لله الربط بين موقف السيدة العجوز في الرواية، وبين اللقاءات المتعددة التي أجرتها السيدة العجوز آشتون في الحقيقة مع مصر كلها تقريبا ما ظهر منها وما بطن، دارت حول التراجع عن المواجهة المتصاعدة مع جماعة الإخوان، حسب ما نقلت عنها وكالات الأنباء، حتى أن خيالي العبيط شطح فتفرغت جوار التليفون منتظراً مكالمة تدعوني للقاء نبحث فيه معاً أبعاد الأزمة المصرية! ولِما لا وقد تابعت نوعية كثيرين ممن تلقفتهم أو التقتهم السيدة للتباحث؟!

وحسب رأيي، فزيارة السيدة العجوز، ذات النفوذ والسطوة، جاءت بهدف الحياة وليس القتل كما صور دورينمات، نعم الحياة، بإخراج الجماعة من المأزق الذي وضعت نفسها فيه وإعادة خرطها داخل المنظومة السياسية المصرية إستكمالا لإتفاقات وعهود ومصالح سبق التفاهم عليها قبل أن يعلن الشعب إرادته في 30 يونيو، وذلك بتأكيد إعتراف الغرب بشرعية دكتور مرسي واستدراج مصر الرسمية لنفس الاعتراف، كما جرى بالفعل حسب تصوري، وذلك لتحسين موقع الجماعة الحليفة على الأرض ومنحها الكثير من أوراق التفاوض فوق الطاولة أو تحتها!

وأقول إعترافاً غربياً وإستدراجاً مصرياً تعقيباً على لقاء آشتون ـ مرسي، إذ لا يمكن معه إقناع طفل صغير أن كبار الدولة المصرية وسدنتها، أو السيدة آشتون ومن يقف ورائها، لا يدرك أحدهم أن زيارة رسمية من مسئول دولي كبير بحجم السيدة العجوز هي اعتراف صريح وواضح من الجميع بصفة المُزار وأهليته الرسمية للزيارة، فلقاء على هذا المستوى لا يمكن أن يتم، بروتوكولياً، مع رجل زالت عنه صفته الرسمية الرفيعة، بل أصبح سجيناً لقرار حبس احتياطي بتهمة الخيانة العظمى تستدعي زيارته استصدار إذن من النائب العام حسب ما أعرف، لا أظن السيدة آشتون حصلت عليه ولو من باب إظهار الاحترام للقانون المصري، ولو حتى “كده وكده” ذراً للرماد في العيون!

ولنتابع في هدوء ولنربط بين موقف الدكتور البرادعي، بمنصبه الفخيم وتوجهه المعروف واتفاق وجهة نظره مع الرؤية الغربية، وبين ما ورد في بيان المتحدث العسكري عن لقاء الفريق أول عبدالفتاح السيسي مع السيدة آشتون “وأنه تم خلاله تبادل وجهات النظر حول المستجدات في المشهد السياسي وعملية التحول الديمقراطي، ودور الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة الحالية والرؤية المستقبلية لدعم الاستقرار في المنطقة”، ولنتوقف، بعد هدوء المتابعة، وبتمعن لازم، عند تعبير “الرؤية المستقبلية لدعم الاستقرار في المنطقة”!

إذا فالجو غيم! وزيارة السيدة العجوز ربما جاءت لانتزاع الاعتراف بشرعية مرسي لتحسين موقف الحلفاء على الأرض أثناء المفاوضات القادمة حتما إن لم تكن قد بدأت بالفعل من خلف الستار، تلك التي يعد لها بمظاهرات التأييد وبطش القوة وغشمها والآلة الإعلامية الهادرة الجبارة من طرف، وبمسرحية أكفان الصغار وبدماء الكبار وعداء المجتمع وإرهاب من بعض المغرر بهم وتضحيات كثيرة من الطرف الآخر، مقابل، ليس عودة مرسي كما يتوهمون، فمرسي باعته الجماعة عند أول تقاطع ليلقي مصيره مقابل بقاءها، ولكنها مفاوضات لفض الاعتصامات ولوازمها مقابل إعتاق رقاب “ملالي” الجماعة وكهنتها الكبار وعدم مصادرة أموالها، عدا بعض من ستتم التضحية بهم طبعاً لإتمام الصفقة، ولنتمعن جيدا في نصوص مبادرة دكتور هشام قنديل أو الدكتور العوا وكيف أن كل منها تعامل مع الموقف الجديد على الأرض فلم تذكر إحداها دكتور مرسي من قريب أو بعيد.

مفاوضات لابد أن تتم لتعاود الجماعة إنخراطها من جديد في الحياة السياسية بنفس عقيدتها ومبادئها وشيفونيتها ولكن بلون آخر ووجوه مختلفة، مستندة إلى قواعدها القوية التي تراقب صامتة في القرى والنجوع، وبضمانة غربية أدواتها ذهب المعز وسيفه هدفها تأمين مصالحها وتفعيل اتفاقاتها، ولافتقار البلاد لتنظيمات سياسية قوية يمكنها المواجهة الحقيقية من خلال الصندوق، كما توقع العبد لله قبل 30 يونيو عن مأزق الجيش إذا انحاز للشعب وأسقط النظام وعاد للصندوق متجرداً فلم يجد تنظيمات قوية تملك كوادرَ مؤهلة تحمل مسئولية ذلك، مما لا بديل معه إلا استنساخ نظام مبارك تلقائياً وسطوة المال خاصة في تشكيل البرلمان وبمعرفة الأحزاب التي سيتحول أغلبها إلى بوابات ملكية تسمح بمرور أصحاب المال إلى أقداس الدولة، وإما الفوضى إذا لم يضطر الجيش للإمساك بزمام الأمور لحين الإعداد الجيد للعودة إلى الصندوق، لنعود كما قلنا إلى نظرية العبد لله حول النموذج الباكستاني المطلوب قولبة مصر داخله.. يومان ديمقراطية، ثم يومان لجماعات الإسلام السياسي، ثم يوم للفوضى، ثم يومان للجيش، ثم يومان ديمقراطية، ثم يومان لجماعات الإسلام السياسي، ثم يوم للفوضى، ثم يومان للجيش، ثم يومان ديمقراطية.. وهكذا، لنختتم النظرية برأي متواضع.. أن التنظيم السياسي لا يواجه إلا بتنظيم سياسي، وذلك ما تفتقده مصر حالياً.

مفاوضات يدفع اليها التراخي الملحوظ غير المبرر في المواجهة، ذلك الذي يمكن ان يتم ببساطة دون عنف أو قتل أو دماء أو إقتحامات، مفاوضات يعززها ثبات الجماعة غير المتوقع على مبدأها وإن كان خطأ كما نراه، أو موقفها وإن كان عدائياً حسب رأيي، الأمر الذي مع اختلافي الكامل معه، إلا أنه يجبر على الإحترام، ويدفع الطرف الآخر إلى فخ الاعتراف كما حدث، والى التفاوض للخروج من المستنقع، بما لا نستبعد أن يتبع التوقيع على خطوطه العريضة براءة مرسي وإعلان عاطفي مؤثر من منصة رابعة، من طرف واحد لن يتوقف أحد عنده، أنه يستقيل عن منصب رئيس الجمهورية بمحض إرادته حقنا لدماء أهله وعشيرته، تكبير.. ثم يغادر المعتصمون رافعين رايات النصر واثقين في قرارات قادتهم التي صاغت بهم ملحمة وطنية من الإيثار والمحبة كما استقر في يقينهم، وليستعدوا لما هو أهم من مقعد الرئاسة اذا استوعبوا الدرس كما نصحناهم من البداية.. أعني المحليات والبرلمان، ذلك.. وإما هي النهاية لقوة تنظيمية كبيرة كنا نأمل أن تدور ماكيناتها لصالح الوطن، رغم أن ذلك كان يستلزم من البداية الاعتراف بوجود الوطن!

ضمير مستتر!

“ليست وظيفتي أن أُرضِي الناس بكلامي، بل وظيفتي أن أقول ما يجيش بصدري وما أراه نافعا لبلادي، ولا شأن لي بعد ذلك بالغضب أو الرضا” ـ سعد زغلول

علاء الدين حمدي

كاتب وباحث سياسي مصري

[email][email protected][/email] ميدل ايست أونلاين

تعليق واحد

  1. المرأة العجوز اكثر جراة من الاخوه العرب .. الذين مازالون في تعلم حروف اللعبة السياسية واولهم الشعب المصري بقيادته الجديده بما فيهم الاخوان المسلمين
    وما بالك بدول الخليج ذات المذهب الواحد ان خرجت منه كفرت ..
    البجي من الغرب ما بيسر القلب ..
    ماذا قال المتنبي : من نكد الدنيا علي الحر ان يري عدوا له ما من صداقته بد
    هذا ما ينطبق علينا نحن الذين نعرف عداوة اهل الغرب .. اما برادعي وامثاله فانهم يثقون في هذا الغربي وان كان عجوز شمطاء كاشتون

  2. روسيا والصين وايران فاهمين جيدا النفاق الغربى للديمقراطية والخداع العنصرى حيث الانقلاب العسكرى ليس بانقلاب والقتل للابرياء ليس ارهاب مادام يحقق مصالح ال1% الذين يتحكمون فى المال والقرارات التجارية فى العالم الغربى.لذلك وقفت هذه الدول بحسم شديد لصد الاعلام المفبرك والعملاء المحليين لهذة الهجمة الخادعة باسم كلمة الديمقراطية.حان الان للعرب والمسلمين بعدما انكشف نفاق الديمقراطية ان يرجعوا الى نظام الخلافة الاسلامية العادلة كبديل للنظام الغربى الديمقراطى العنصرى الذى يكره ويحارب الاسلام العادل. الاسلام هو العدل ولو كره المنافقين الغربيين والمحلييين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..