مقدمات انفصال جنوب السودان

يطرح احتمال أو ترجيح – انفصال جنوب السودان عن شماله في الاستفتاء العام المقرر إجراؤه قريباً التساؤل عن طبيعة المتغيرات التي سوف تطرأ على معادلات القوى في شرق افريقيا وتحديداً في باب المندب.
فالسودانيون الجنوبيون أعلنوا مبكراً جداً أنهم عندما سيعلنون دولتهم المستقلة فإنهم لن يترددوا في الاعتراف بإسرائيل. ومنذ سنوات تتمتع إسرائيل بوجود سياسي وعسكري في أثيوبيا المجاورة لجنوب السودان. وهي تتطلع الى إقامة قواعد عسكرية تمكنها من الإشراف على الملاحة في باب المندب. ومع استمرار الحرب الأهلية في الصومال.. ومع تصاعد الحراك الجنوبي في اليمن ذي النزعة الانفصالية من جهة، وتصاعد الصراع بين الدولة وفصائل تنظيم القاعدة من جهة ثانية، وفشل التسوية مع جماعة الحوثيين من جهة ثالثة، ترتفع علامة استفهام من نوع آخر. تتعلق علامة الاستفهام هذه بمدى قدرة أو فعالية الدول العربية في جنوب البحر الأحمر على التصدي للمشروع الإسرائيلي الذي يجد في انفصال جنوب السودان قوة دفع جديدة سيستقوي بها.
في عام 2008 جرى إعداد مشروع عربي يتعلق بباب المندب. يقول المشروع ببناء مدينة جديدة باسم "نور" على الشاطئ اليمني المطلّ على باب المندب، سعتها 4،5 ملايين إنسان. ومدينة ثانية توأم لها على شاطئ جيبوتي المطلّ على المضيق أيضاً تكون سعتها 2،5 مليوني إنسان.
وإضافة الى ذلك، يقام مطار دولي يخدم المدينتين بسعة مئة مليون مسافر في العام. ويقضي المشروع أيضاً ببناء جسر متحرك فوق باب المندب يربط المدينتين الجديدتين يبلغ طوله 29 كيلومتراً. كما يربط بينهما خط مزدوج للسكك الحديدية للركاب والبضائع. ولهذا المشروع مرحلة ثانية تربط مدينة النور على باب المندب بالعمق اليمني، مدينة تعز في الجنوب وصنعاء في الشمال، وامتداداً حتى دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما أن له مرحلة ثالثة تربط المدينة بأديس أبابا عاصمة أثيوبيا وبالعاصمة الكينية نيروبي.. وتصل شمالاً حتى العاصمة السودانية الخرطوم، ومن ثم القاهرة.. إضافة الى خط سكة الحديد هناك مشروع لمد خط لأنابيب النفط والغاز، ما يحقق تكاملاً اقتصادياً وسياسياً بين منطقتي شرق افريقيا وغرب آسيا العربيتين. كما أنها تشكل نقطة استقطاب لشمال ووسط وجنوب افريقيا من خلال الجامعات والمستشفيات والمصانع والمراكز التجارية التي ستُقام في شطري مدينة النور على جانبي باب المندب. ومن شأن هذا المشروع أن يثبت الحضور العربي في افريقيا ويعززه اقتصادياً واجتماعياً، ومن خلال ذلك يقطع الطريق أمام التغلغل الإسرائيلي. أما نفقات المشروع "الحلم" فتبلغ 200 مليار دولار.
وقد أعدت المخططات الفنية اللازمة وقدمت حكومة جيبوتي قطعة الأرض لبناء المدينة عليها تبلغ مساحتها 500 كيلومتر مربع. كما قدمت حكومة اليمن قطعة الأرض لبناء مدينة النور. وعقدت اتفاقات العمل مع الشركات المنفذة العربية والأميركية، وقدمت حكومتا اليمن وجيبوتي، إضافة الى الأراضي، التسهيلات اللازمة للمشروع. وفجأة انفجرت سلسلة الأزمات الأمنية في المنطقة، وكأن يداً سحرية أعطت الإشارة بالتفجير لتعطيل التنفيذ، الذي كان يُفترض أن يبدأ في العام الماضي 2009. فتصاعدت الحرب الأهلية في الصومال وحشية ودموية..
وكشرت القاعدة عن أنيابها في جنوب اليمن..
وأطلق "الحراك" الوطني اليمني شعاراته الإنفصالية..
وأعلن قياديو جنوب السودان تطلعهم للانفصال واستعدادهم للتعاون مع أثيوبيا وإسرائيل.
ونتيجة لذلك تراجع المستثمرون وعلى رأسهم مؤسسة اسامة بن لادن السعودية (الأخ غير الشقيق لأسامة بن لادن) ومؤسسة محمد أحمد الحمد السعودية أيضاً.
كان المشروع يخطط لإقامة محطات لتحلية مياه البحر. ذلك أن المنطقة جافة وتفتقر الى المياه. فسكان جيبوتي مثلاً الذين يقل عددهم عن المليون إنسان، تعاني نسبة عالية منهم (150 ألفاً) من المجاعة. ثم ان المجاعة منتشرة بل ومستوطنة في أثيوبيا المجاورة حيث عجزت منظمة الأغذية والزراعة عن توفير الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية الضرورية.
ولو تحقق المشروع الطموح بما يتضمنه من مخططات طموحة للتنمية وبما يوفره من فرص عمل لغيّر جذرياً من هذا الواقع.
ولكن يبدو واضحاً أن هناك قوى لا تريد أن يقوم مشروع يكرس عروبة باب المندب بشاطئيه الآسيوي والافريقي. بل إن هناك قوى تريد أن تقطع التواصل العربي الافريقي ليس فقط من خلال تعطيل مشاريع التكامل الاقتصادي والاجتماعي، ولكن من خلال اختلاق عداوات ذات طابع عنصري على النحو الذي جرى بين موريتانيا والسنغال في السابق، وعلى النحو الذي يجري في دارفور في السودان، وكذلك على النحو الذي سوف تكرسه نتائج الاستفتاء العام حول تقرير مصير جنوب السودان.
ولا شك في أن أكبر التحديات التي يواجهها مستقبل العلاقات العربية الافريقية تتعلق باستغلال مياه النيل للضغط على مصر كبرى الدول العربية، ومحاولة ابتزازها في لقمة عيشها وفي شربة مائها. وكلما ضعفت العلاقات العربية الافريقية أو تراجعت، يشتد الضغط الابتزازي، وعلى العكس من ذلك كلما قويت وتعززت وتكاملت، تتراجع الضغوط وتنحسر.
حتى الآن، أطفئت الأنوار في مشروع مدينة النور. وعمّ ظلام الفقر والجوع شرق افريقيا.. وتوسعت الاضطرابات الأمنية في جنوب اليمن وشماله. وانطلقت عجلة الانفصال في جنوب السودان بالسرعة القصوى.
أما الانشغالات العربية فإنها تتراوح بين مواجهة تجدد الصدامات المسلحة في الصحراء بين المغرب والبوليساريو (الجزائر ضمناً) وتداعيات تعميق الانفصالات العنصرية والدينية في العراق، وغرق لبنان في دوامة المحكمة الدولية أو شهود الزور؟ وخلافة الرئيس حسني مبارك في مصر بالرئيس حسني مبارك، واستمرار الانقسام الفلسطيني الفلسطيني فيما تواصل إسرائيل مخطط التهويد بشراً وحجراً!!.
عندما احتلت إسرائيل العقبة في عام 1949 أثناء مباحثات رودس التي أدت الى اتفاق الهدنة، أقامت مدينة ايلات، وقطعت بذلك التواصل البري بين عرب آسيا وعرب افريقيا في شمال البحر الأحمر.. واليوم تحاول إسرائيل أن تمنع التواصل بين عرب آسيا وعرب افريقيا في جنوب البحر الأحمر.
وبدلاً من أن تكون إسرائيل تحت رحمة تثبيت وتكريس السيادة العربية على الممرات المائية الستراتيجية من مضيق جبل طارق حتى باب المندب، مروراً بقناة السويس، فإنها تحاول أن تضع العرب عند رحمة تحالفاتها التي ترفع القبضة العربية عن هذه الممرات: من حلف الأطلسي في الشمال حتى أثيوبيا، وغداً جنوب السودان، في الجنوب.
إسرائيل توسع دائرة تحالفاتها الستراتيجية والدول العربية (بعضها على الأقل) توسع دائرة صراعاتها الصغيرة التي تستنزف قدراتها وإمكاناتها.. وتصرفها عن مواجهة الأخطار الحقيقية الزاحفة اليها من الخارج.
لقد وصف القرآن الكريم المؤمنين بأنهم "أشداء على الكفار رحماء بينهم". فماذا حدث حتى أصبح العرب "بعضهم على الأقل" رحماء على الكفار أشداء بينهم؟!.
محمد السمّاك
المستقبل
يا اخى اهل القضية الفلسطينينة اعترفو باسرائيل ا قالو عاوزين دولة فلسطينية فى حدود 67 ده ما اعتراف كرهتونا
كفا ية نظرية المعامرة دي ملينا منها ,اي حاجة حاصلة كل من اسرائيل ؟؟؟ انسو اسرائيل و شوفو شغلكم بالحلول الناجحة و شوفو النتيجة .