وأخيراً.. إلى جولة قادمة

رأي
وأخيراً.. إلى جولة قادمة
محمد عيسي عليو
يبدو أن الإتجاه في طريقه إلى رفع المفاوضات القائمة الآن بالدوحة ما بين حركة التحرير والعدالة والحكومة السودانية، تماما كما توقعنا في خاتمة مقالنا السابق، واستطيع ان اقول إن هذه الجولة كانت ناجحة لحد كبير، رغم ان الجميع يتوقع اتفاق سلام يمهر ما بين الطرفين، وهي توقعات مشروعة الا ان عقبات كثيرة كانت تعترض المسيرة، ولكنها ذللت بتوفيق من الله ثم بتعاون كافة الجهات المعنية. فحركة التحرير والعدالة كانت تواجهها مشكلة الانقسامات في بداية التفاوض في أواخر فبراير الماضي عندما بدأت الجولة التفاوضية، اكثر من عشر حركات اختلفت بينها الرؤى وبعدت بينها المسافات، ومن ثم تجاذبتها الأطراف الاقليمية والدولية، ثم وجدت نفسها وجهاً لوجه في تقارب إلهي لتجتمع «الأشتات» وكما قال الشاعر يجتمع الشتيتان، بعد ان ظنا كل الظن أن لا تلاقيا، فبمجهود مضني بذل تم التوافق على الانضمام تحت مظلة حركة التحرير والعدالة برئاسة د.تجاني سيسي، ثم بعد ذلك بدأ التفاوض ليتم توقيع بروتوكول وقف اطلاق النار وملحقاته، ثم توالت الاجتماعات بواسطة الوسيط المشترك مع وفد الحكومة ليتم الاتفاق على اللجان الست ليكون تحت مظلتها التحاور، وها هي الأشواط تمضي بعيدا على الاتفاق على بعض اللجان والبقية تأتي في مقبل الايام القليلة القادمة، أما من ناحية الوفد الحكومي بالطبع كان اكثر جاهزية من حيث اختلاف الوضع بينه وبين حركة التحرير والعدالة، بل ان عقباته التي كانت تواجهه حسمها قبل وصوله الدوحة، من حيث البرنامج والآليات المنفذة له، ومن ثم اختيار أفراد التفاوض.
لقد تعلمت الحكومة من أخطائها كثيرا، منذ بداية التفاوض في اواخر عام 3002م بدءً بأبشي (1) وأبشي (2) ومن ثم انجمينا وأديس ابابا ثم ابوجا فالدوحة. مرت الحكومة بسلسلة من التجارب والاحتكاكات، فبرنامج الحكومة في أبوجا مختلف تماما عن برنامج الحكومة في الدوحة، كانت ابوجا عبارة عن حشد حكومي جماهيري تأثيري على كل مجريات التفاوض، وان شخصية المرحوم مجذوب الخليفة الانفتاحية وتأثيراته القوية كانت لها بعدها في سير التفاوض، كما ان الوفد كان يمثل مرئيات المؤتمر الوطني، بقدرما كانت المطالب ان القضية هي قضية السودان في دارفور ولذلك كان النداء ضرورة مشاركة القوى الوطنية في مسار القضية، كما لا ننسى طريقة استضافة النيجيريين المختلفة تماما عن الاستضافة القطرية المحتكة احتكاكاً مباشراً مع كل الاتجاهات المؤثرة التي يمكن ان تفضي الى انجاح المهمة، كما ان سالم أحمد سالم لم يكن كباسولي من حيث الصلاحيات والقرب من الملفات المهمة، والوقت لم يحن بعد للمقارنة والتقييم للعملية برمتها منذ أولها الى آخرها، ولكنها اشارات أردت بها اعمال الذهن ومحاولة لاسترجاع الذاكرة للوراء للالمام بالماضي وحاضر الازمة.
استفادت الحكومة من كل هذه الممارسات، لتحاول اشراك المجتمع الوطني وكان مؤتمر كنانة الشهير الذي انعقد في أواسط العام الماضي، حيث شاركت فيه معظم القوى الوطنية المعارضة كحزب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي. اما الحكومة فرمت بثقلها في ذلك المؤتمر حيث سجل الرئيس البشير ونائبه سلفاكير وشركاؤهما الآخرون في الحكومة حضورا مكثفا، وأفضى هذا المؤتمر الى مبادرة اهل السودان تجاه قضية دارفور، ناقشت هذه المبادرة كل الاطروحات المطروحة الآن للتفاوض، وقالت فيها كلمتها التي لا تختلف كثيرا عن سير التفاوض في الدوحة، من حيث المبادئ العامة والاعتراف الحقيقي بالمشكلة والمعالجات اللازمة، كما أوصت المبادرة بضرورة مشاركة القوى الوطنية في المفاوضات، ثم تمت استجابة الحكومة لاشراك هذه القوى في التفاوض خاصة الحزبين الكبيرين، رغم ان هذه الاحزاب وافقت على المشاركة بل ان ممثل حزب الاتحادي الديمقراطي شارك في الجولة الأولى المنعقدة في فبراير الماضي، الا انه تراجع، وان حزب الامة القومي وافق على تمثيله الا انه تراجع عن ذلك، قبل انطلاق التفاوض بيومين، الا ان روح المشاركة الوطنية، كانت موجودة من خلال المبادرة التي انطلقت في كنانة، ومن التفاوت ما بين ابوجا والدوحة ان الوفد الحكومي لم يشجع الحشد الجماهيري الحكومي في التفاوض كما كان في أبوجا وتم حسم الاجتماعات الانفتاحية تجاه الحركات من غير طائل، حتى يبعد كل الشبه التي يمكن ان تحوم، بل ان هذه المرة تركت الحكومة الباب مفتوحا لحشد القوى الدارفورية لتقول رأيها بكل وضوح وصراحة وشجاعة، خاصة فيما يسمى بالمجتمع المدني الذي ظللنا ننادي بتمثيله منذ اندلاع الازمة، ولقد كان لحضور هؤلاء الاخوة اضافة حقيقية وتعبير ايجابي لتمثيل القضية.
اعتقد ان هذه التوجهات في مفاوضات الدوحة أعطت زخما جيدا ووضعت قاطرة الازمة في القضيب المعد لها.
يبقى شيء اساسي أرى ان الوساطة استلهمته ووعته الحكومة وأمن عليه القطر المضيف وهو قطر، وهو ان التفاوض صحيح قطع شوطا طيبا مع حركة العدالة والتحرير، ولكن ثمة اجسام حقيقية في القضية غائبة. وكانت كل الوصايا سواء قيادات القوى السياسية، أو توصيات المجتمع المدني، او غيرها ترى انه لابد من اعطاء فرصة للحل الشامل الذي لا يقصي احدا، بمعنى لابد من انتظار او اعطاء مهلة لحركة العدل والمساواة، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، وأعتقد ان هذا هو الذي سيتم، وفي هذا تقدير كبير لهذين الحركتين، وتقدير كبير للقضية، ويبدو ان الاشهر القادمة ستكون أشهر حاسمة لتسويق الاتفاق النهائي لكل الحركات، حتى تستطيع ان يلحق الجميع بركاب السلام، وهنا اناشد الاخوين الكريمين د.خليل والاستاذ عبد الواحد ان يعطيا هذا التقدير حقه، بل ان هذا هو رأي اهلهم في دارفور من خلال المجتمع المدني وايضا هو رغبة الحكومة، وكان يمكن ان تفعلها الحكومة كما فعلتها في ابوجا ولكن الاستفادة من الاخطاء قمة الدراية والشجاعة، ولكن مهما طال الوقت فسوف تحل مشكلة دارفور قبل نهاية هذا العام ان شاء الله، ووقتها لابد من حماية دارفور بعد ذلك وبأيدي اهلها مهما كان الثمن.
الصحافة