حمدي بوند

أفق بعيد

حمدي بوند

فيصل محمد صالح
[email protected]

لا زال الفيلم البوليسي الذي رواه وأخرجه وزير المالية الأسبق عبد الرحيم حمدي يلقى نجاحا منقطع النظير، وتتكاثر عليه التعليقات من كل ناحية وصوب، ولو فكر السيد حمدي في إعداد هذا الفيلم قبل رمضان بفترة كافية، لربما التقطه أحد كتاب السيناريو وجعل منه مسلسلا رمضانيا قويان يعيد لدراما السودانية ألقها، الذي لم يكن، وربما ننافس به للمرة الأولى على شاشات الفضائيات العربية.
أحد كبار الدراميين السودانيين قال مرة إن معظم كتاب الدراما لم يجدوا حتى الآن مدخلا يجعل البيئة والقرية السودانية مصدرا للحكي ويكشف غنائها وثرائها بالأحداث، لذا تبدو البيئة السودانية في دراما السودان ضعيفة وفقيرة وعاجزة عن مد المشهد الدرامي بالأحداث والحكايا. ها نحن نكتشف أن ماقاله الدرامي السوداني صحيح نسبيا، لكنه يحتاج لتصحيح بسيط، فكتاب السيناريو والدراما السودانيين لم يكتشفوا ثراء الواقع السوداني بالحكايا لأنهم لم يبحثوا ولم يجلسوا مع أمثال السيد حمدي، وإلا كان جيمس بوند نفسه في خطر.
روى السيد عبد الرحيم حمدي للزميلة “السوداني” قصة أول تغيير للعملة في عهد الإنقاذ، الذي قامت به الحكومة السودانية في ظل الدولة السودانية التي تسيطر تماما على كامل أجهزتها الشرطية والأمنية والعسكرية، السرية والعلنية منها، كما تسيطر على حركة الاقتصاد. لكن لو قرأت القصة التي رواها حمدي ستظن أنهم قاموا بتغيير العملة في بلد أجنبي معادي، وصمموا العملية باعتبارها واحدة من العمليات الجاسوسية الكبرى، التي تتضاءل أمامها قصص الجاسوسية في الحرب العالمية الثانية وما بعدها.
عملية تغيير العملة التي قامت بها الدولة تمت في الظلام، حتى من أجهزة الدولة الأخرى، واكبتها عمليات تهريب وتسريب سرية، قامت بها الدولة، وفيها شخوص كبار مثل الرئيس البشير والشيخ الترابي يظهرون في بعض المشاهد وهم يتسللون تحت جنح الظلام، وفيها تكسير حوائط واستخدلم مباني تعليمية لأغراض تخبئة العملة، بجانب قطارات وشاحنات سرية …الخ.
فيلم بوليسي كامل الدسم رواه السيد حمدي على صفحات “السوداني” بشكل جعل الزميل الطاهر ساتي يصرخ ” حكومة هذه أم عصابة”، وواصل الصحفي المجتهد ماهر أبو الجوخ أمس في مراجعة القصة وكشف جوانب خفية منها ذات صلة بعملية “التمكين” التي أدخلت السودانيين للمساجد، كما قالوا، وأدخلت أهل النظام للسوق.
ليس لدي شك في أن الرجل الكبير قد سرح، وربما أخذته متعة الحكي، وربما يقول آخرون أنه “أداها كوز” بلغة الشباب، لكن في كل الأحوال تبعث القصة على الحيرة، وربما تؤكد أي تفسيرات كانت ما تزال في مرحلة الشكوك عن ما تعرضنا له خلال السنوات العشرين السابقة، وعن من كان يحكمنا بالضبط، ولا مانع من تصديق حكايات التنظيم السري والمجلس الأربعيني، والمنظمة داخل النظام.
ورغما عن خيالية بعض جوانب القصة، لكنها تعطي فكرة كاملة عن الطريقة التي كانت تدار بها الدولة السودانية، وربما لا تزال، وكيف أن مقادير دولة وشعب كانت بأيدي قلة يمكن أن تصنع بها ما تريد بلا حسيب أو رقيب. وستفهم تماما كيف تمت عملية الخصخصة، وتستوعب تماما مسلسل أحمد وحاج أحمد الذي كتبه الشيخ الناظر إبراهيم منعم منصور على صفحات الزميلة “الحرية” طيب الله ثراها، في النصف الأول من الألفية الثالثة.

الاخبار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..