صُنع في الصين..!ا

صُنع في الصين..!!

شمائل النور

صُنع في السودان، عبارة ظللنا نُمني بها أنفسنا منذ وقت طويل والقائمون على أمر الصناعة يترجمونها عبر معارض صناعية تقوم كل عام ويتوقف الحال، لكن النشاط الذي يحدث الآن في قطاع الصناعة نتمنى ألا يكون مجرد شعارات رنانة كما تعودنا ثم يعقبها النوم السرمدي الذي لحق بكل القطاعات التي كان من شأنها أن ترفع اسم السودان عالياً وتقيه شر العوز والإنهيار الإقتصادي المريع الذي نحصده الآن، والزراعة واحدة من أسباب الغبن الشعبي الحاصل الآن.. لكنها لعنة النفط لحقت بالسودان وأقعدت اقتصاده. من منكم لا يتذكر تلك الشعارات الباهرة التي رفعتها الإنقاذ عند مجيئها.. نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع.. ولم يكن هناك مستحيل أن يتحقق هذا الشعار إن أرادوا له ذلك، فالدول التي هي أقل موارد من السودان تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع.. وخير مثال جمهورية مصر العربية.. أما نحن فلنأكل مما تزرع الصين ونلبس مما تصنع الصين.. فلينظر أحدنا إلى نفسه من رأسه إلى رجليه، فكله على بعضه عبارة عن منتج صيني باسم سوداني..الصين أغرقت أسواق السودان لدرجة الوحل، تفتقد إلى أدنى درجات الجودة، هذا إن كان هناك معيار للجودة داخل السودان، وللأسف عملياً ليس من العسير أن نُصنّع ما يأتينا من الصين صناعة محلية تحمل عبارة صُنع في السودان، لأن ما يأتينا من الصين أقل جودة بكثير مما كان يأتينا من مصر في سابق الأزمان. نعم، نحن نستورد كل شيء وكما يقول تجار الـ 1000 صنف من الإبرة للصاروخ، ولعل من أفضح المفارقات التي تحدث في السودان أننا نستورد الأثاث من ماليزيا والصين ولدينا أفضل وأجود أنواع الخشب الذي يُعمّر بعمر الإنسان.. في تقديري محنة الصناعة في بلادي هي الصين، سياسة الدولة العليا ترتكز على فتح السوق السوداني على مصراعيه للصين وإغراقه بالمنتج الصيني، هذه ليست صدفة أو لأن المنتج الصيني في متناول الفقير هذه سياسة سيادية تتبعها الدولة لأجل سياسات أخرى. ليت كل من يهتم بأمر الصناعة يزور المنطقة الصناعية ببحري، وينظر إلى العدد المهول من المصانع التي كانت تحمل اسم السودان في الأربعينيات الآن هي مساكن آمنة للحمام والقمري والعنكبوت، فلماذا توقفت هذه الطاقة الهادرة عن العمل، بالتأكيد ليس بسبب حب أصحابها للعطالة، لكن السياسات الطاردة ما بين فتح الأسواق للدول الأخرى أو بسبب الرسوم والضرائب والجبايات التي لا تشبع منها الحكومة. محنة الصناعة كبيرة لكنها ليست عصية على الحل، وليس مستحيلاً أن تُطبع عبارة صُنع في السودان على منتج يُباع في الصين، لكن الصناعة كغيرها من القطاعات تعاني الإهمال المميت غير المبني على أي منطق إقتصادي مقنع، فكل المقومات والموارد الطبيعية متوفرة فقط تحتاج إلى خبرات توظف وتدير هذه الموارد، كما تحتاج في الأساس أن يتوقف جشع الرسوم والجبايات القادر على إغلاق منطقة صناعية بكاملها.

التيار