الحل في العدل ..!

شمائل النور
بالوقوف عميقاً على حجم كارثة السيول والكم الهائل من الخسائر والتكاليف التي بُذلت لدرء آثار السيول بالخرطوم، إن كان من قبل السلطات الحكومية أو المنظمات الطوعية،وحجم الرهق النفسي طويل المدى الواقع على المتأثرين، وحجم الرهق الذهني الواقع على السلطات بحثا عن حلول،هناك درس مهم للغاية لا بد من الاستفادة منه،وأعني هنا الحكومة، نعم هناك حديث الآن حول منع البناء في مجاري السيول وكذلك منع البناء بالجالوص ذلك الحديث الذي نفاه معتمد الخرطوم،كما أن هناك أصوات داخل البرلمان تنادي بمحاسبة من تسبب في الكارثة ببيع أراضي في مجاري السيول،كلها اجتهادات لإيجاد حل جذري حتى لا تتكرر الكارثة،لكن كل هذا ليس حلاً جذرياً، مشكلة العاصمة الأولى والأخيرة هي تمركز السكان فيها،ولو أن والي الخرطوم أقر بأنها كارثة لكان كفى نفسه المساءلة وتحمل المسؤولية كاملة،لأنها مسؤولية نظام كامل وليس مسؤول واحد… بصراحة الكارثة بجانب أنها قصور سلطات، فإنها كذلك أكبر مما هي أمامنا.
سياسة الإنقاذ جعلت أن تكون الخرطوم العاصمة هي كل السودان والسودان هو الخرطوم، الحكومة في الخرطوم، فرص العمل في الخرطوم، التعليم في الخرطوم، العلاج في الخرطوم..الخ، وهو ماجعل كل الولايات تنزح نحو خرطوم الخضر، وقطعاً ليس حبا فيها إنما بحثا عن حياة معقولة وخدمات أفضل مما في الولايات، هذه هي مشكلة الخرطوم، فإن كان هناك بحث جاد من قبل الدولة عن حل فالحل في توزيع التنمية توزيعاً عادلاً على كل الولايات، توزيعاً يقى سكان الولايات النزوح للخرطوم والسكن بمجاري السيول، ويقي الخرطوم شر الازدحام.
منتصف 2011م كشف تقرير أعده خبراء في الحكم المحلي، أن (13) ولاية تعتمد في ميزانيتها على الخرطوم، و78% هي نسبة صرف المركز على الولايات، حسناً،نسبة أكثر من معقولة، وبالنظر للرقم ينبغي أن تكون الولايات في مجال التنمية في مرتبة واحدة مع ولاية الخرطوم، لكن انظروا كيف تُقسم هذه النسبة، يذهب 4% منها فقط للتنمية أي للمواطن مباشرة، ويذهب ما نسبته 68% مرتبات وأجور لحكومات الولايات.. والمسافة بين نسبة الصرف في التنمية ونسبة الأجور غير قابلة للمقارنة لأنه في الأساس لا علاقة تربط النسبتين. هذا ما كشفه تقرير واحد،وهناك آلاف التقارير التي تحمل أرقاماً تئن من ثقلها لكن أين تذهب، غير معروف،كثيراً من الدراسات والتقارير العلمية تصوب على موطن الخلل بكل دقة لكن لا تستطيع علاجه، وفي هذا الخلل ذاته، وهذا هو الحال عندنا نعلم تماماً أين تكمن المشكلة لكن نعجز عن حلها، الأسباب التي تجعل العاصمة تئن من الكثافة السكانية القادمة من الولايات واضحة وضوح الشمس، ويا للظلم،هناك ولايات منتجة بل هي من تسير الاقتصاد القومي، لكنها دون أن تدري تجد إنتاجها يذهب إلى المركز لينعم به آخرون….مدن تحتضن النيل وأهلها عطشى ومدن أظلمت شوارعها ومنازلها لتضيء سماء الخرطوم، فكيف للولايات أن يعيش مواطنوها وأنتم تخصصون مالها للولاة والمعتمدين،أعدلوا في القسمة.