تعلّم العرب من أخطاء كارتر… ولم يتعلّم أوباما!

تعلّم العرب أن التحالف مع الولايات المتحدة لا يعني في الضرورة اللحاق الاعمى بسياساتها، خصوصا أنهم يعرفون المنطقة أكثر منها بكثير.

بقلم: خيرالله خيرالله

لا بدّ من العودة، بين حين وآخر، قليلا الى خلف للتأكد من الاخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الادارات الاميركية المتلاحقة بسبب جهلها للشرق الاوسط. ففي الولايات المتحدة أفضل الذين يعرفون المنطقة ولكن فيها أيضا كميّة لا بأس بها من السذّج الذين يخلطون بين الديموقراطية وحقوق الانسان من جهة والتنظيمات الفاشية التي تتطلع الى نشر البؤس والتخلف والتطرّف للسيطرة على الناس العاديين من جهة أخرى.

في أواخر السبعينات من القرن الماضي، خصوصا في الأشهر التي سبقت اندلاع الثورة الايرانية وخلال الثورة وبعدها، لم يكن هناك أي فهم أميركي لما يدور في ايران وأهمية ذلك ومدى انعكاسه على المنطقة كلّها.

اخطأت وقتذاك ادارة جيمي كارتر، التي كانت لا تزال تعاني من عقدة حرب فيتنام، في كلّ شيء. أخطأت خصوصا عشية الثورة الايرانية، وكانت ثورة حقيقية بكلّ معنى الكلمة. بدت ادارة كارتر ادارة جبانة ومفلسة عاجزة عن استيعاب ما هو على المحك في الشرق الاوسط، خصوصا عندما استسلمت لاحقا أمام الجناح المتطرف في ايران، أي الجناح الذي خطف ديبلوماسيي السفارة الاميركية وموظفيها واحتجزهم طوال اربعمئة واربعة واربعين يوما في ظروف مذلّة.

اعطت ادارة كارتر، التي تشبهها الى حد كبير ادارة باراك اوباما، كل الاشارات الخاطئة الى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة… بما في ذلك انها مستعدة للتعاطي وبكثير من التفهم مع كلّ من يذلّها ويعتدي على الذين ينظرون الى اميركا كشريك استراتيجي في كلّ المجالات.

من الواضح أن ادارة أوباما لم تتعلّم شيئا من تجربة جيمي كارتر التي توّجت بفشله في الحصول على ولاية ثانية بمجّرد ان النظام الايراني قرّر عقد صفقة مع منافسه رونالد ريغان. قضت تلك الصفقة بعدم اطلاق الرهائن الاميركيين من موظفي السفارة قبل موعد الانتخابات الرئاسية. هذا ما حصل بالفعل فانتصر رونالد ريغان على جيمي كارتر…

قد يكون الفارق الوحيد بين جيمي كارتر وباراك أوباما أنّ الاخير نجح في الحصول على ولاية رئاسية ثانية. اعتمد أوباما بشكل خاص على التحولات الداخلية التي تشهدها الولايات المتحدة من جهة والنظرة السلبية التي كانت، ولا تزال، لدى المواطن الاميركي العادي تجاه ادارة سلفه جورج بوش الابن. انها الادارة التي أخذت الولايات المتحدة الى حرب عراقية، كلّفت الكثير، لم يخرج منها سوى منتصر واحد هو ايران!

كان كارتر أوّل من تحدّث بطريقة ايجابية عن القضية الفلسطينية، اذ وردت على لسانه عبارة “وطن” للفلسطينيين لدى تطرقه في بداية عهده الى تلك القضية. بعد ذلك، لم يفعل شيئا يذكر لهم، اذ اصطدمت كل المبادرات التي قام بها وزير خارجيته سايروس فانس بالتعنت الاسرائيلي والرهان الفلسطيني، الذي كان يشجعه النظام السوري، على مزيد من التورط في الحرب اللبنانية. فقد كان الفلسطينيون في عهد كارتر مهتمين بلبنان أكثر بكثير من فلسطين. لم يدركوا في أي لحظة أن كلّ ما يفعلونه كان يصبّ في تمكين النظام السوري من وضع يده على الوطن الصغير!

اذا وضعنا جانبا الانجاز الوحيد الذي حققه جيمي كارتر، وهو التوصل الى اتفاقي كامب ديفيد اللذين أفضى أحدهما الى معاهدة السلام المصرية-الاسرائيلية في 1979، فان كلّ ما يمكن قوله أن الفضل في ذلك عائد الى انور السادات أوّلا. لولا السادات لما تحقّق هذا الانجاز الذي جعل التاريخ يأتي على ذكر جيمي كارتر بشكل ايجابي… في احد المجالات.

الملفت أن باراك اوباما يتصرّف حاليا بالطريقة ذاتها التي كان يتصرّف بها كارتر. انه يبذل جهودا مشكورة لتحقيق تسوية ما. لكن اندفاعه يفتر كلّما اصطدم بجدار العناد الاسرائيلي الرافض لايّ تسوية معقولة ومقبولة. قد يكون هذا التقويم للجهود التي يبذلها اوباما ووزير الخارجية جون كيري خاطئا. لكن كلّ تجارب السنوات القليلة الماضية تشير الى أن الادارة الاميركية تراجعت في كلّ مرة اصطدمت فيها بحكومة بنيامين نتانياهو.

بالنسبة الى مصر، التي هي الموضوع الشرق اوسطي الاهمّ في هذه المرحلة، والى سوريا الى حدّ كبير أيضا، يتصرّف اوباما بالطريقة نفسها التي تصرّف بها كارتر حيال احداث ايران. لا وجود لاستيعاب اميركي لما هو على المحكّ، لا في مصر ولا في سوريا.

ليست هناك ادارة قادرة على تقدير الانعكاسات السلبية التي سيخلفها الموقف الاميركي الضائع من مصر وسوريا على الشرق الاوسط كلّه. بكلام أوضح، لا فهم أميركيا لمعنى سقوط مصر في يد الاخوان المسلمين، اي في يد “المرشد” السنّي على غرار سقوط ايران في يد “المرشد” الشيعي. ولا وجود لأيّ تقدير للمخاطر المترتبة على اطالة الحرب الاهلية الدائرة في سوريا، التي أصبحت ايران طرفا مباشرا فيها، بدل الانتصار باكرا للشعب السوري في ثورته على الظلم والقهر.

ربّما من حسن حظ الشعبين المصري والسوري أن معظم العرب رفضوا السير في ركاب ادارة باراك اوباما في موقفها من مصر ومن سوريا. رفض العرب السير في الضياع. على رأسهم كانت دولة الامارات التي بادرت الى دعم مصر وتلتها المملكة العربية السعودية حيث لا يتوقّف الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن اتخاذ المواقف الشجاعة والصادقة الواحد تلو الآخر، ثم الكويت والمملكة الاردنية الهاشمية.

تعلّم العرب من تجارب الماضي القريب فيما يبدو أنّ ادارة أوباما لا تريد أن تتعلّم… أو أن تعلم شيئا عن ما يدور حقيقة على الأرض. تغيّر العرب في اتجاه أفضل. تعلّموا أن التحالف مع الولايات المتحدة لا يعني في الضرورة اللحاق الاعمى بسياساتها، خصوصا أنهم يعرفون المنطقة أكثر منها بكثير.

هل يعود ذلك الى أن الاجندة الوحيدة التي لدى ادارة أوباما هي أجندة اسرائيلية. كلّ ما تسعى اليه هذه الاجندة هو تفتيت الشرق الاوسط بما يخدم سياسة تقوم على الاحتلال من جهة وعلى تشجيع كلّ ما من شأنه اثارة النعرات الطائفية والمذهبية من جهة أخرى؟

لو لم يكن الامر كذلك، لماذا يكرّر باراك أوباما في مصر وسوريا كلّ اخطاء جيمي كارتر في ايران؟ لماذا لا يتعلّم من هذه الاخطاء التي تعلّم العرب منها… ومن الاخطاء التي ارتكبتها أيضا ادارة جورج بوش الابن في العراق!

خيرالله خيرالله
ميدل ايست أونلاين

تعليق واحد

  1. لو تعلم العرب شيئا لما اقدم الاسد على استخدام الكيماوي في هذا الظرف، مما جعله يبقى وحيدا ينظر الى الافق. بعد ان تخلى عنه بسبب هذه الرعونه حليفه القوي روسيا، حيث شعرت بحرج وقلق بالغ، بعد هذا التهور أليس هذا هو اتباع سياسة صدام الحافر بالحافر ..؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..