السودان : إتحاد الممالك ام الولايات المتحدة

يحتفل السودانيون هذه الايام بعيد الإستقلال وهم يحملون في حدقات اعينهم وصميم قلوبهم احلام الوطن الذي لم يأتي بعد وما زالوا علي درب الكفاح وليله الدامس ساهرون وسائرون بلا خوف ولا ملل، تمر علينا ذكريات الحركة الوطنية السودانية من اجل الحرية كأنها نسائم عابرة تتبعثر بها اوراق التاريخ وتكشف الأرض عن مأساتها وينسكب نجيع الفقر والجوع ويتصاعد دخان الحروب الدامية ولا نجد سبيل للهروب من الواقع المعاش بكل عذاباته، إنه عيد استقلال بلادنا جاء كالبرق في خريف اللواء الأبيض حيث أينع زهر رياض علي عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ وتلون الفضاء بشفق تضحيات عبيد حاج الأمين وسليمان كشة وغيرهم من رواد العمل الثوري والوطني لتحقيق استقلال شعب السودان في العهد الحديث ،
وسوف نغني بكل سرور “اليوم نرفع رأية استقلانا ويسطر التاريخ مولد شعبنا” لقد كانت دولة السودان سابقا في تاريخها القديم منطقة ممالك تختلف مسمياتها وتوجهاتها ونفوذها السياسية والعسكرية ولم تكن متزامنة النشئة بل كل مملكة تعبر عن حقبة تاريخية معينة وتعكس إرثها الحضاري، ولم تجد هذه الممالك فرص ممكنة لأن تشكل تحالفات سياسية وعسكرية او إقتصادية واجتماعية إلا ما ندر طبقا لوقوعها حول دوائر جغرافية متقاربة مع اختلاف تواريخها، ومع استقراء واقع السودان العصري والنظر إلي صراعاته الثقافية والسياسية وتجلياتها الإيجابية والسلبية واستصحاب مدخرات التاريخ القديم والحديث ، نستطيع ان نطرح سؤال دقيق يمكن أن يتم تطويره بالنقاش البناء وهو هل يمكن أن نشكل إتحاد الممالك حسب الإرث القديم ام أن الأفضل لنا أن نفكر في قيام الولايات المتحدة السودانية لتحقيق الإستقلال في وضع تكاملي متكافئ لضمان تحقيق السلام الدائم والمشاركة العادلة في السلطة والتساوي في توزيع الثروة بين الولايات المتحدة وحسم جدلية المركز والهامش وإيقاف الأصوات الإنفصالية التي باتت تتصاعد هنا وهناك وفقا للقهر والإستبداد الذي مورس علي شعوب السودان طوال فترات حكم الأنظمة العسكرية التي توالت علي البلاد منذ إستقلالها عن الحكم الإنجليزي المصرية ، ومع تراكم فشل النخب السياسية منذ ذلك العهد في بناء دولة المواطنة والحرية والديمقراطية بدأ الحراك الثوري التحرري يتذايد يوما تلو الأخر ما يؤكد أن السودانيين قد نالوا الإستقلال من الحكم الثنائي كمرحلة أولى وتبقى امامهم التحرر من الإستغلال الذي فرضته الحكومات البوليسية علي السودان ، واستمر كفاح دعاة التحرر الوطني لسنوات سحيقة أبيدت خلالها مجتمعات كثيرة بأسلحة الأنظمة السودانية الدكتاتورية وتم تدمير جل معالم التاريخ و الحضارات القديمة لصالح سياسات إعادة ترسيم خارطة السودان علي مفاهيم مشروع العروبة والأسلمة السياسية واجهاض حقوق الأخريين ، لذلك نلاحظ فشل النخب السياسية في تحقيق الإجماع الوطني وفشلها في تثبيت (8) دستور للدولة السودانية لغياب حقوق الأخريين وانتزاع الحكم بالبنادق وغياب الإستقرار السياسي والأمني وكانت مشاكل دستور النظام المايوي النميروي الاسلاموي احدى اسباب تجدد إندلاع الثورة في جنوب السودان والتي استمرت ل(21) عام حتي تم توقيع اتفاق السلام المعروف بنيفاشا في العام 2005م لكن اصرار النظام الإنقاذي الإسلاموي علي أوحادية الحكم وتقرير مصائر الشعوب بالعنف واتباع نهج نظام مايو أدى ذلك إلي قيام الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بعد انفصال دولة جنوب السودان، وهنا تستوقفنا بعض الظواهر التي تعبر عن غضب بعض المثقفين الذين ضاق بهم التفكير في حلول ناجعة لمسألة السودان فأنتج بعضهم رسالات تدعو للعودة إلي احضان المستعمر ورغم أن هذه الظاهرة ليست غريبة في السودان او حتي افريقيا إلا اننا نلاحظها تطفح بشكل سريع علي خضم الصراعات القائمة في بلادنا المنكوبة، حيث أثار عمار السجاد جدلية واسعة وسط محافل المثقفين عندما توجه بدعوته لإنتداب السودان من قبل الحكومة التركية وهو باحث معروف في الشؤن الإفريقية ومحلل بهيئة الإذاعة البرطانية وارتكز في طرحه لإنتداب السودان علي نظرية “الإستعمار الحميد” التي اطلقها المفكر والكاتب الإفريقي البروفيسور علي مزروعي مدير معهد الثقافة العالمية بجامعة بنغامتون الأمريكية كما نلاحظ أن ذات الطرح تقدم به السيد عثمان رزق عبر حزب تقدم السودان والذي يرى ضرورة عودة الحكم البرطاني إلي السودان كما طرح الأستاذ الإسلاموي حسين خوجلي أراء مشابهة لمسألة الإنتداب الخارجي وكانت الدكتورة احلام حسب الرسول التي اتهمها النظام الإنقاذي بالجنون وتم حبسها في مصحة للمجانين قبل تصفيتها تقول أنه لا بد من قيام حركة المطالبة بإنتداب دولي حميد لدولة السودان يستمر مدى الحياة واجرت مقارنات مبسطة بين حكم المستعمر والحكومات الوطنية نجاحاتها وإخفاقاتها. ونلاحظ أن الكثير من الناس يسمعون اجدادهم يرددون عبارة “حليل زمن الإنجليز” وتشاع ايضاع عبارة “مواعيد خواجات” في إشارات لتيسر الحياة المعيشية والإنضباط في المواعيد في عهد الإنجليز وهي ملامح ضمن معطيات كثيرة قد تكون لها دور في بروز تيارات الإنتداب او اعادة الإستعمار رغم انها ضئيلة، لكن بالمقابل ظل التيار الأقوى والمؤثر علي ضمائر واذهان السودانيين هو ذاك الداعي إلي التحرر الوطني بعد استقلال السودان ، ولهذه التيارات اطروحات تنادي بتحرير الدولة من الأسلمة السياسية وبناء دولة مواطنة وديمقراطية تستوعب كافة مكونات العمل السياسي وتعترف بحقوق المواطنين الثقافية والمدنية وسياقة دستور قومي يضمن تلك الحقوق والإنفتاح علي المجتمع الإقليمي والدولي لبناء شراكة متكافئة وتعاون سياسي واقتصادي بإستراتيجية متقدمة تستطيع أن تطور العلاقات السودانية الخارجية ، و لهذه التيارات الثورية التقدمية فرص الصعود لكونها تعكس تطلعات واشواق الجماهير للتغيير والتحرر وبناء وطن يسع الجميع وهذا ما يجب ان ان يكون لإنتشال السودان من التدهور الإقتصادي واستمرار الحروب والإنقسام………….؟

سعد محمد عبدالله

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرن الأخ سعد على المقال المريح..نحن نرى استحالة تنفيذ طرح اعادة “الترك” والتركية القديمة..أو الإنجليز..لكننا ندعو الى دولة اتحادية او اقاليم فدرالية..بحيث يمكنها التعاون حسب الدستور مع الإنجليز وحتى الاتراك وكل دول العالم بلا استثناءلبلوغ غايات اقتصادية وتعليمية محددة..مثلا فتح فروع للجامعات البريطانية في كل اقليم..60 عاما من الفشل تكفي كتجربة..

  2. لا يمكن العودة الى مربع الممالك المتجاورة فالأمم تمشي نحو الاتحاد وليس نحو التشرزم ولكل عصر مقوماته

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..