أحلامي في الجمهورية الثانية

أحلامي في الجمهورية الثانية

أ.د.الطيب زين العابدين

من أروع خطب الزعيم الزنجي الراحل مارتن لوثر كنج خطبته العصماء بعنوان (لدىّ حلم) التي ألقاها من منصة الرئيس لنكولن أمام أكثر من 200 ألف مشارك في مسيرة الزحف على واشنطن في 28 أغسطس 1963، والتي طالب فيها بإلغاء التمييز العنصري ضد الأمريكان من أصول أفريقية وبالمساواة والحرية وبتوفير وظائف العيش الكريم لهم. واعتبرت فيما بعد أعظم خطب القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنها لم تزد عن 17 دقيقة ولكنها غيرت أوضاع الزنوج في أمريكا! وليس هناك ما يمنع شخص ضعيف مثلي أن يتشبه بعظماء الرجال الذين غيروا مسيرة بلادهم بعمل سياسي دؤوب وناضج وفقاً لرؤية مستقبلية وأحلام ما كانت تخطر ببال مواطنيهم في ذلك الوقت، ولكنها أصبحت واقعاً يعيشه الناس بعد سنوات ليست كثيرة من مقتل الرجل الكبير على يد أحد المتطرفين البيض في أبريل 1968 وهو لم يتجاوز التاسعة والثلاثين من عمره. وساعد في تحقيق أحلام الزعيم الزنجي أنه عاش في مجتمع ديمقراطي مفتوح يسمح بحرية التعبير والتنظيم والتظاهر السلمي إلى أسوار البيت الأبيض، وفيه أجهزة تشريعية راسخة وقضاء مستقل لا يفلت من أحكامه أحد، وصحافة قوة فاعلة ورأى عام منظم ومؤثر على قرارات الحكومة. لذا تحققت أحلام القسيس الأسود الطموحة بصورة سلمية وديمقراطية سلسة إلى أن انتهت بأحد مواطنيه الزنوج أن يصل إلى سدة البيت الأبيض في العشرة الأولى من الألفية الثالثة.
والجمهورية الثانية التي أطلقتها الحكومة على عهدها القادم بعد انفصال الجنوب، لا يبدو أنها ستكون أفضل مما عهدنا منها في الماضي، نفس عقلية التمكين القابضة ونفس منهجية القطع بالسيف لمن يتطاول على الثوابت السياسية والبشرية، ونفس الشخوص الذين يحركون كل أطراف الملعب منذ عشرين سنة. ورغم المناخ السياسي الراكد والمحتقن الذي لا يبشر بانفتاح سياسي أو إعلامي، إلا أن هذا الحال لا يمنعنا أن نحلم بغد جديد يخرج من بين فرث ودم الحاضر المأزوم، فأهل السودان الطيبين يستحقون أفضل من هذا الواقع، وأملنا في الله واسع أن لا يجمع علينا الحجاج والطاعون لسنوات أخر قادمات، ونطفة الخير موجودة في رحم هذا الشعب تنتظر فقط من يلقحها من أبنائه الميامين. لذا يحق لنا أن نحلم وأن نشطح في الحلم فليس هناك من حلم أعلى من رحمة الله ورضوانه.
أنا أحلم أن يسود في وقت قريب السلام والأمن كل أنحاء السودان في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وعلى الحدود بين الشمال والجنوب، وأن لا يخوض الجيش السوداني بعد اليوم حرباً أهلية داخل حدود الوطن فقد أنهكته تلك الحروب التي بدأت قبيل الاستقلال واستمرت إلى يوم الناس هذا، وقضت على الأخضر واليابس من موارد البلاد المحدودة وعطلت تطورها السياسي ونموها الاقتصادي والاجتماعي وذلك بسبب الفشل الذريع في حل المشكلات السياسية التي تفاقمت إبان الحكومات العسكرية. وبحلول السلام أتوقع أن تقوى التنظيمات السياسية والجمعيات المدنية وتضعف العصبية القبلية التي صارت وقوداً لحركات الهامش المسلحة، وأن تخرج القوات الدولية من بلادنا بعد أن حشرت أنفها في كل مشكلة كبيرة أو صغيرة بسبب الإدارة الوطنية الفاشلة لشؤون البلاد.
وأحلم أن تنتشر ثقافة القانون ويقام العدل على كل الناس حتى يؤخذ الحق من القوي للضعيف، وتختفي الحصانات المصطنعة التي تتدثر بها كل العناصر النافذة التي تنتهك حرمات الناس وتنجو من المحاسبة، وأن تكون الأجهزة العدلية (قضاءً ونيابة) مستقلة ومقتدرة لا تشوبها انحيازات السياسة ولا مطامع المال؛ وأن يشمل العدل جوانب الحياة كافة فيزول الضيم والتهميش والتمييز والفوارق الطبقية التي بدأت تغزو المجتمع السوداني بصورة طفيلية بشعة. وأن تعم الحرية فلا يحاسب شخص على رأي أو نقد أو فكر إن لم يشكل إشانة مقصودة لسمعة آخر دون أساس، وأن يسمح لكل تنظيم سلمي أن يمارس حرية النشاط والحركة والعمل في وسط الجماهير دون عوائق تنفيذية أو إدارية، وأن يكون من حق كل جماعة أن تعارض السلطة القائمة بكل الوسائل السلمية وأن تسعى لإسقاطها عبر التفويض الشعبي الحر والنزيه. وأن يحدث توافق سياسي بين كل القوى السياسية على صناعة دستور السودان القادم الذي يضع الأساس المتين للحكم الديمقراطي الراشد وللنظام الفدرالي الذي يقوم على اقتسام السلطة والثروة بصورة عادلة ومرضية لكافة أقاليم البلاد، وأن يكون ذلك مدخلاً لاستقرار سياسي طويل المدى. وأن يتضمن الدستور ليس فقط مبادئ حقوق الإنسان ولكن الأليات التي تحمي تلك الحقوق أياً كان المعتدي عليها.
وأحلم أن تنبري الدولة بكل قوتها لمحاربة الفساد المالي والأخلاقي في أداء المسئولية العامة، وتتصدى للرشوة التي أصبحت سلعة رائجة في دواوين الحكومة بحجة ضعف المرتبات وهي ضعيفة بالفعل لمعظم العاملين ما عدا لمؤسسات الدولة المتنفذة التي تحمي ظهر السلطة، وأن تحارب البذخ واستغلال النفوذ والصرف السياسي على وسائل وآليات التمكين والمحسوبية في التعيين والترقي لوظائف الدولة. وأن تحارب الفقر الذي أذل أعناق الرجال وجعل البعض منهم يتسولون ويحتالون ويتزلفون، وأن تخفف من ضائقة المعيشة على متوسطي الحال الذين يتعففون ولا يجدون ما ينفقون على الأكل والمأوى والصحة والتعليم. لقد تنازلت الدولة عملياً عن دورها في توفير العلاج والتعليم على عامة الناس. ويرتبط بالفقر الاهتمام بوسائل الرزق من توفير الوظائف في القطاع الخاص والعام، ومن النهضة بالزراعة والصناعة والحرف الصغيرة وما تحتاجه من موارد مالية وحماية وتدريب وتشجيع للاستثمار. ولا سبيل لكل ذلك ما لم يحدث إصلاح هائل في الخدمة المدنية المتردية يوماً بعد يوم حتى ما عاد أحد يؤدي واجبه في العمل دون رشوة أو حافز مقبوض أو علاقة خاصة بصاحب المعاملة، وزاد الطين بلة على ضعف التأهيل والتدريب والمرتب أن أصبحت كل الوظائف القيادية في الدولة حكراً سياسياً على عضوية الحزب الحاكم أو المتحالفين معه.
وأخيراً أحلم أن تتغير الحكومة القائمة من قمتها إلى أسفل مواقعها بأخرى أفضل منها تتعامل بالصدق مع الشعب في خطابها السياسي والإعلامي، وتملك الإرادة السياسية لتنفذ ما تراه صحيحاً في مصلحة البلاد ولو تضرر منه الأقربون بولائهم وعصبيتهم، وأن تكون أمينة على المال العام فلا تنفقه إلا في وجهه المشروع وبالطريقة المشروعة، وأن تسعى بالشورى والمشاركة في لم الشمل وتسيير شؤون البلاد، وأن تطبق القانون على كافة الناس دون محاباة. ولا يقولن أحد أني شططت في أحلامي فأنا لا أطلب شيئاً من أحد، أنا أتوسل لرب العالمين أن يحقق أحلامنا في هذا الشهر الفضيل ولجماهير الأمة أن تحلم بالتغيير وتسعى إليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

الصحافة

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيرا .. و لكن متنفذي الجمهورية الاولى الذين غيروا جلدهم و وسعوا حلوقهم و جيوبهم و يستعدون للجمهورية الثانية…… اهل السلطة ذوي الذمم الخربة و الضمائر الميتة و الكذب على الله و الاساءة الى الاسلام لن يدعوا مناصبهم و لا امتيازاتهم و لا سلطتهم التي ادمنوها كما ادمنوا الفشل… لن يتغير الواقع و لن ينصلج الحال ما لم يحدث طوفان و سيل هادر يكسح كل هذه الوجوه القميئة المسودة و يكنس كل الذيول و يرمي بها – ميتة- في آخر محطات معالجة الصرف الصحي عسي ان يستفاد من بقاياهم كسماد و ان كنت موقنا ان مخلفاتهم ستضر الزرع و الضرع لانهم سموم مذرة.لن يتحقق سلام و لا امت و لا تطور اقتصادي و لا اجتماعي و لا اي في اي مجال بوجود حفنة من اللصوص المتسلطين الذين لا يهمهم شئ غير جيوبهم و كروشهم و فروجهم

  2. الفرق بين الحلمين كبيرا والفرق في تحقيقهما اكبرا ………
    نحسب الاول لدي حلم نضال عند اليقظة جهارا نهارا والثاني عند المنام يتستر باليل ويخشى من كوابيسه ……..

  3. الأستاذ البروف لك التحية,,
    الفرق بين حلمك وحلم مارتن أن مارتن لوثر كنج قال خطابه (لاذان واعية وقلوب حية) بينما فى المقابل أنت اسمعت إذ ناديت (ولكن لا حياة لمن تنادى) فأبشر بطول نومة أهل الكهف إذا اخترت أن تحلم,, السيف الذى أختارة نائب الرئيس لقطع رقاب الخلق هى العملة التى يمكن أن تشترى أو تبيع بها مع رموز الحكم, لأن فى حده الحد بين الجد واللعب,, فهل لديك خيار اخر؟؟ أفتينا ( فى خارج نطاق الحلم),,,

  4. ومعاك يادكتور … نحلم بيهو يوماتي::

    وطن شامخ
    وطن عاتى
    وطن خيّر ديمقراطى

    وطن مالك زمام أمرو
    ومتوهج لهب جمرو
    وطن غالى
    نجومو تلالى فى العالى
    إراده
    سياده
    حريّه
    مكان الفرد تتقدم..
    قيادتنا الجماعيّه
    مكان السجنِ مستشفى
    مكان المنفى كليّه
    مكان الأسري..
    ورديّه
    مكان الحسره أغنيّه
    مكان الطلقه
    عصفوره
    تحلق حول نافوره
    تمازج شُفّع الروضه
    حنبنيهو
    البنحلم بيهو يوماتى

    وطن للسلم أجنحتو
    ضدّ الحرب أسلحتو
    عدد مافوق ما تحتو
    مدد للأرض محتله
    سند للإيدو ملويّه
    حنبنيهو..
    البنحلم بيهو يوماتى
    وطن حدّادى مدّادى
    ما بنبنيهو فرّادى
    ولا بالضجه فى الرادى
    ولا الخطب الحماسيّه
    وطن بالفيهو نتساوى
    نحلم..
    نقرا
    نتداوى
    مساكن
    كهربا ومويه..
    تحتنا الظلمه تتهاوى
    نختّ الفجرِ طاقيّه
    وتطلع شمس مقهوره
    بخط الشعب ممهوره
    تخلي الدنيا مبهوره
    إراده
    وحده شعبيّه

  5. على العموم الله يحقق احلامك

    لكن الفقره الاخيره فى المقال تدلل انك لا تذال لا تفهم

    فبعد ان اثنيت على النظام والممؤسسات فى امريكا

    رجعت تانى تتطالب بحكومه ما عارف ايه تكون كويسه

    احنا ما عايزين حكومه كويسه

    احنا عايزين دستور محترم وحقوق ومؤسسات

    عشان البيسوى الاعوج يقتص منه مباشرة

    بعدين يوم قال مارتن لوثر ( لدى حلم ) كان عمره 34 سنه

    وانت لما كان عمرك اربعين سنه كنت بتتامر مع جماعتك على الانقلاب على

    الشرعيه وسلب اموال السودانيين وقهرهم وهتك اعراضهم بالصالح العام

    اقول ليك

    ليس لديك الحق ان تحلم

  6. أما أن تتغير "أن تتغير الحكومة القائمة من قمتها إلى أسفل مواقعها بأخرى أفضل منها" فمما لا يتحقق بالأحلام و إلا لما مكث القذافى أربعين عاماً

  7. التوبة كويسة خليه يحلم التربي برضو بكون بحلم عشان يجي يقودها تاني

    بعدين يوم قال مارتن لوثر ( لدى حلم ) كان عمره 34 سنه

    وانت لما كان عمرك اربعين سنه كنت بتتامر مع جماعتك على الانقلاب على

    الشرعيه وسلب اموال السودانيين وقهرهم وهتك اعراضهم بالصالح العام

  8. يا بروف لك منا التقدير .. من حقك ان تحلم وتتمني كما تشاء .. وكل ذلك مشروع .. ولكن آلا تتفق معي بان .. من اراد ان تتحقق أحلامه ليس أمامه من طريق .. غير العمل .. والا سوف يظل أسير .. احلامه وأمانيه .. ولكن متي أكتفينا بالحلم وحده .. نكون بذلك ..مجرد واهمين .. يحرثون في البحر ..ويحصدون فقط في ثمار الخيبة…مع أحترامنا لك..

  9. ليس لاي كوز الحق ان يحلم او يحكم او حتي يعيش بيننا بعد ان تامرتم علينا وكبيركم..
    سيبونا في حالنا وقوموا………………لا غفر الله لكم ولا رحمكم دنيا واخرة…
    قال احلم قال

  10. hنت اخذت فرصتك وجبت الناس ديل ودة كان حقيقة مش حلم يا دكتور يعنى تانى ماحنديك فرصة ولا تحلم لينا ارجوك

  11. مقال ممتاز يا بروف ويدل على تعافيك من مرض الحركة الا اسلامية و ربنا يعافى بقية ناس هذه الحركة المشؤومة لان فى بقائها فى السلطة ما ح تتحقق اى من هذه الاحلام بل ستعيش و يعيش الوطن فى كابوس و محن!!!

  12. We cannot turn back.

    There are those who are asking the devotees of civil rights, "When will you be satisfied?" We can never be satisfied as long as the Negro is the victim of the unspeakable horrors of police brutality. We can never be satisfied as long as our bodies, heavy with the fatigue of travel, cannot gain lodging in the motels of the highways and the hotels of the cities. We cannot be satisfied as long as the negro’s basic mobility is from a smaller ghetto to a larger one. We can never be satisfied as long as our children are stripped of their self-hood and robbed of their dignity by signs stating: "For Whites Only." We cannot be satisfied as long as a Negro in Mississippi cannot vote and a Negro in New York believes he has nothing for which to vote. No, no, we are not satisfied, and we will not be satisfied until "justice rolls down like waters, and righteousness like a mighty stream

    This is our hope, and this is the faith that I go back to the South Kurdufan with.

  13. الفرق كبير بينك و مارتن لوثر كنج ……….. فأنت من جلدتهم بتحلم مالك ما كان ممكن دا يتحقق اذا كنت صادق لما كنت مفكرهم ………………. والحلمين متباعدات، حلم مارتن رؤي مستقبلية سعى و غيره لتحقيقها و حلمك خلم الطفل الرفاقته ما أدوه قطعة حلوى معاهم.

  14. شكرا يا بروف لانك عبرت عن احلامنا ايضا، ولا ننسي ان نحلم ان تعود للوطن سمعته الطيبة و احترامه اما العالم ولمواطنيه الهائمين علي وجوههم في مختلف بقاع العالم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..