لنقولها بوضوح : لا للحرب

التحذيرات من تكرار النموذج العراقي الذي صنعته أميركا لا تأتي من الطرف المعارض للضربة الأميركية لسوريا فقط؛ بل تأتي من الطرف المؤيد لهذه الضربة.

بقلم: د. خالد محمد غازي

منذ اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما استعداده للقيام بضربة عسكرية على سوريا،حتى حُبست الأنفاس، وعاش العالم العربي في حالة ترقب وانتظار لما سيحدث، في استعادة مؤلمة لذكريات قريبة، فيما فعلته أميركا في العراق. ومع تأجيل أوباما للضربة العسكرية، وتوارد أنباء مختلفة عن نوعها بين أن تكون ضربة سريعة، أو إنزالا بريا مدته تسعين يوما للتخلص من نظام الأسد أو نوعية الأسلحة والصواريخ المستخدمة ماتزال كل الاحتمالات مفتوحة.

لكن هل علينا أن نصدق ونقتنع أن ما تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها لصالح العرب؛ ولتخليصهم من الحكام الطغاة حقا؟ هل علينا أن ننسى ما فعله الأميركان من غزو وتدمير للعراق.. واليوم تطلب أميركا من حلفائها العرب أن يضعوا أيديهم معها لتدمير سوريا.. كما دمروا العراق؛ ودمروا ليبيا بزعم القضاء على الديكتاتور المستبد الذي يستخدم الكيماوي!

الأمر لا يتعلق بإسقاط طاغية بقدر ما هو رغبة في إسقاط الانسان العربي والأوطان التي هي مرادف لوجوده. في الاستراتيجية الأميركية عندما يسقط الطغاة وتسقط النظم الحاكمة؛ تتحول الأوطان إلى دمى ومسوخ بلا هوية تلعب فيها أميركا ومصالحها دور البطولة.

علينا أن نسأل: لمصلحة من تذهب أميركا لحرب سوريا؟ ومن الذي سيدفع فاتورة الحرب؟ أليس هذا هو نفس سيناريو العراق وليبيا وإن اختلفت وجوه القادة وأشكال وذرائع الحرب.

مر عامان ونصف على الأزمة السورية.. وفشلت المساعي الدولية والعربية ? حتى الآن ? لحلها سياسيا؛ بسبب تعنت النظام السوري في الخروج من الأزمة.. وكل يوم تزداد الأمور تعقيدا على أرض الواقع.. لقد نجح النظام في تدمير سوريا وصنع بها مالم يصنعه أشد أعدائها.. نجح في بث الكراهية والاقتتال والعنف بين مختلف طوائف ومذاهب الشعب.. نجح في أن يجعل الجيش السوري حامي الدولة في أن يكون حامي النظام من السقوط وأن يكون أداة قتل وانتقام من الشعب. تقارير الأمم المتحدة تفيد أنَّ أعداد السوريين الذين نزحوا إلى الخارج، قد وصلت إلى نحو مليونين.. هذا غير أعداد النازحين إلى الداخل، بعد أن دمرت قراهم ومدنهم.. شهادات الناجين تؤكد أن حلب وحمص وحماة قد صارت أطلالا، وأن البنية التحتية في دمشق شبه مدمرة.

لم يتعلم بشار الأسد من أخطاء صدام حسين؛ بل تجاوزت أخطاؤه أخطاء صدام.. وهاهو يقدم رأسه ونظامه ودولته على طبق من فضة لأعداء سوريا وأعداء العرب.. وهاهو يكرر السيناريو العراقي.. هاهو يهدد إذا ضربت سوريا سيفعل كذا… وكذا.. ويشعلها حربا إقليمية؛ فبدلا من البحث عن مخرج للأزمة يهدد ويتحدى ويتمادى في ارتكاب المزيد من الجرائم والخطايا والحماقات؛ معتقدا أن تحالفه مع ايران وحزب الله وتحييده لكثير من دول العالم سيحمي سوريا من العدوان.

خرج نظام الأسد عن التوافق الدولي والعربي الذي يحمله مسؤولية ما يحدث.. وكان آخرها استخدامه السلاح الكيماوي في الغوطتين بدمشق.. هذا الاجماع يحمل الأسد ما يجري من حرب أهلية واقتتال وتحالفات نتيجتها تفتيت الدولة السورية واستنزاف مقدرات شعبها وجيشها.

الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها يستندون على مبدأ المسؤولية عن الحماية الذي تم إقراره في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 والذي تتحمل الأسرة الدولية بموجبه مسؤولياتها حيال جرائم العنف الجماعي أينما ارتكبت. وتأتي في مقدمتها ضرورة توفير الظروف اللازمة لحماية أرواح المدنيين عندما يتم انتهاكها، سواء كان ذلك من جانب الأنظمة التي يفترض أن تحميهم أو من جانب قوى خارجية تعتدي عليهم؛ حيث قال تشاك هاغل وزير الدفاع الأميركي: إن هناك قناعة تامة لدى معظم حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في أن النظام السوري خرق أبسط حدود السلوك الإنساني المقبول باستخدامه أسلحة كيماوية ضد شعبه. كما أن أي رد من جانب الولايات المتحدة سيكون بالتفاهم مع المجموعة الدولية وضمن حدود القانون الدولي.

إن التحذيرات من تكرار النموذج العراقي الذي صنعته أميركا لا تأتي من الطرف المعارض للضربة الأميركية لسوريا فقط؛ بل تأتي من الطرف المؤيد لهذه الضربة؛ حيث يرون أنه لو فشلت أميركا في ضربتها ستقدم أميركا هدية قيمة لإيران لبسط سيطرتها على سوريا ولتغلغل وجودها في المنطقة.. ناهيك عن تفاقم الحرب الأهلية وتضاعف وجود الجماعات الارهابية المسلحة تحت مسميات شتى وشعارات مختلفة وأهداف غايتها انهيار الدولة السورية.

من المؤكد أن الحل العسكري الخارجي أو الداخلي لن يحل الأزمة بل سيفاقمها؛ لكن على عقلاء العرب أن يرفضوا صراحة الضربة العسكرية المزمع توجيهها لسوريا والتشديد على أن الحل السياسي هو المخرج.. وأمام كل هذه الملابسات والضجيج العالمي على العرب (الشرفاء) من أجل انقاذ سوريا شعبا ووطنا أن يقولوا “لا.. للحرب” ألا يوجد خيار عربي يؤكد للعالم أننا قادرون على تسوية أزماتنا بعيدا عن التدخل الدولي المغرض؟

د. خالد محمد غازي

رئيس تحرير وكالة الصحافة العربية

[email][email protected][/email] ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..