السجينة رقم (1183) بسجن أمدرمان (1)اا

بلا انحناء

السجينة رقم (1183) بسجن أمدرمان (1)

فاطمة غزالي
[email protected]

أحاول جاهدة أنّ أقدّم كل خميس شيئاً من تجربتي التي بدأت بمحكمة الخرطوم شمال في شهر مايو الماضي وانتهت بشهر بالغرامة أو السّجن بسجن النّساء بأمدرمان، فكان السّجن أحب إليّ مما يدعونني إليه.
في ظلّ زحمة العمل الصّحفي المرهق جداً أرسل رئيس التّحرير الأستاذ سعد الدّين رئيس تحرير صحيفة “الجريدة” من يدعوني لمقابلته في مكتبه المفتوح دوماً للجميع، وحينما حضرت إليه خاطبني مبتسماً هذه شكوى مقدمة من قبل جهاز الأمن ومفروض نمشي بكرة لنيابة الصّحافة، استلمت الورقة الخضراء اللّون التي تحمل في مضمونها إشارات حمراء “إعلان محكمة” للمثول أمام نيابة الصّحافة، وكان هذا في شهر مارس الماضي للتّحري معي في شكوى مقدمة من جهاز الأمن والمخابرات بدعوى إشانة السّمعة بتناول قضيّة الفتاة النّاشطة صفية إسحاق “التي ادعت اغتصابها من قبل أفراد تابعين لجهاز الأمن، أمسكتُ بالإعلان دون أن أدخل في طور الدّهشة مع قناعتي بأنّ ما طرحته في مقالي تحت عنوان “مع صفيّة إلى أن يحصحص الحق”، لم أوجه فيه اتهاماً أو إساءة إلى جهاز الأمن، ولكن قلتُ في سريرة نفسي “النّاس في بلدي يُشردون يُحاكمون.. يعذبون.. وهلم جرا، وأنا لستُ بأفضلهم” ، ويقيني أنّ الأشياء في بلدي ليس فيها ما يستفز الذّات البشريّة ويرهقها من وجع السّؤال وعليه لم أطرح أي تساؤلاتي على ذاتي أوعلى الذين من حولي في الصّحيفة بشأن الإعلان، ولم أقل لماذا أقف أمام النّيابة والقضاء بل قلتُ “لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم”.
في السّاعة الثانية ظهراً من التّاسع من شهر مارس الماضي بدأت ملامح المعاناة النّفسية والرهق الجسماني في رحلة البحث عن البراءة من تهمة جهاز الأمن، ليس خوفاً من الجلاد بل للتأكيد على أنني أمارس مهنتي “الصّحافة” في وطني “بلا انحناء” لأنّ المسؤولية الاجتماعية تُفرض علينا إبداء الرأي والنقد، وطرح التّساؤلات ووضع الاستفهامات، ولكن تبدو تقديراتنا للأشياء ليس كما نتطلع، كأنّما كتب علينا البقاء في محطة هامش الحرية إلى حين إشعارِ آخر.
نعودُ إلى التّاسع من مارس الذي كان مشحوناً بتفاصيل أشياء كثيرة، فبعد أن تجاوزت السّاعة الرابعة عصراً بدأت نيابة الصّحافة التّحري معي في جو حفه التّوتر من كل جانب بسبب مطالبتي لوكيل النّيابة ببدأ التّحري باعتبار أنّنا أخذنا وقتاً طويلاً في النّقاش حول الموضوع ومواضيع أخرى، ويبدو أن الطلب أزعج وكيل النّيابة الذي تغيّر حديثه (180) درجة ، وصار حاداً في لغته، بالرغم من محاولة أستاذي سعد الدين تلطيف الجو بروحه الشّاعرية الشّفافة التي لا تميل كل الميل إلى التّصادم؛ بل يتطلع إلى تحقيق الأشياء بسلاسة كإنسياب الماء في جدوال الروض. في تلك الحظات أدركتُ جيداً أنّ سعد الدين أصبح مشفقاً علىّ جداً، كلما طلب وكيل النيابة من المتحري أن يتعمق في التّحري معي، وظللنا في حالة ذهاب وإياب من مكتب التّحري إلى مكتب وكيل النّيابة حتى الثامنة مساءً، بعدها غادرتُ النيابة بالضّمان الشّخصي كما يحدث لكلِّ صحفي.
ونواصل …
الجريدة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..