حتى لا يختاروا الرحيل!ا

تراسيم
حتى لا يختاروا الرحيل!!

عبد الباقي الظافر
[email protected]

سألني ابني الصغير بنصف عين أين البلد يا أبي؟.. قبل أن أرد عليه كان قد أسلم نفسه إلى نوم عميق.. سخرت من سؤال الصغير وأنا أقود سيارتي في طريق شريان الشمال صباح الأثنين الماضي .. بعيد نحو أربع ساعات كنت أيقظه من النوم مجيباً على سؤاله ها نحن قد وصلنا يا ولدي.
كلما هممت بزيارة قريتي عند منحي النيل تذكرت التاريخ.. التاريخ المعني ليس سوى الصفحات الماضية من حياتي.. أذكر جيداً قبل عقدين من الزمان ماذا كان يعني السفر.. اللوري العتيق يشق القرية قبل يوم ليتأكد من زبائنه.. في اليوم الموعود.. كل مسافر يكون قد أعد زاده لرحلة يبلغ طولها يوماً أو يزيد.. من المسافرين من اختار زاداً مكوناً من القمح والتمر.. الأثرياء يتوسعون قليلاً.. شيء من اللحم وبعض من حلوى الطحنية.. الماء البارد مجلوب على جانب السيارة في ثلاجة بدائية مكونة في الغالب من جلد عجل سمين.. دائماً هنالك تحوط للكارثة.. لهذا قيادة العربة توكل لرجل خبير بدأ التدرج من مساعد صغير إلى كبير مساعدين إلى قائد كامل الأهلية.. لعلكم أدركتم الآن كيف يختزل ساستنا المشوار الطويل.
قريتي يا سادة مثل غيرها من القرى المتناثرة في منحي النيل شهدت تطوراً.. شبكة المياه بدأت تمد أهلي بماء عذب سلسبيل..حالهم مع الماء ليس كحال سكان الخرطوم في عهد واليها الخضر.. من قبل كانت أمي وأخواتها يردن الماء صباحاً ومساءً..الرجال يتولون نشل الماء من الآبار.. الركشة احتلت بجدارة مكان الدواب..الهواتف الخلوية وجدت متكأ في الجيوب الخاوية.
سر نهضة قرى الشمالية كانت في تقديري في شبكة المواصلات ..الطرق المعبدة مقرونة مع التطور الطبيعي غيرت حياة الإنسان في تلك البقاع..الآن بعض سكان بحيرة سد مروي يفرغون شباكهم السمكية في الخرطوم..المنتجات الزراعية تصل بين غمضة عين وانتباهتها إلى الأسواق الرئيسية في المدن البعيدة..الباحثين عن الذهب تمكنوا من قهر صعاب الصحراء مستفيدين من الطرق العابرة لخطوط العرض والطول.
ما حدث في الشمالية يجب أن يكون قصة نجاح تروى..الطرق ليست مجرد استثمار مادي.. بل استثمار مباشر في الوحدة الوطنية..الأمم الرائدة اكتشفت هذه المقاصد من قبل.. الولايات المتحدة عندما عم الكساد جعلت من صناعة الطرق مخرجاً لدعم الفقراء والباحثين عن العمل..الاتحاد السوفيتي جعل من تشييد الطرق استراتيجية مرسومة بعناية وبقيود زمنية غير قابلة للتأجيل..عبر الانصهار الاجتماعي والتواصل بين المكونات السكانية احتلت واشنطن وموسكو الصدارة بانفراد إلى وقت قريب.
واحدة من الأخطاء الكارثية التي جعلت الجنوب يمضي بهذه السلاسة إننا فشلنا في خلق تواصل بين الشمال والجنوب ..الى وقت الانفصال كان الوصول إلى القاهرة أيسر من إدراك جوبا.. جموع الشماليين التي تدرك سوريا في رحلة الشتاء والصيف وفي أفواج سياحية كانت تقابلها مجموعة (سائحون) العسكرية التي تهدف إلى أسلمة الجنوب قسراً.
على ولاة أمورنا تصويب النظر إلى دبلوماسية الطرق.. علينا أن نتجه إلى إعادة وصل غرب السودان بالمركز.. سنجني فوائد اقتصادية أكبر من التي تعود إلينا من مزارع الشمالية المحدودة.. ولكن الأهم من ذلك سنتجنب الوقوع في الخطأ الاستراتيجي الذي جعل الجنوب يختار الرحيل.

تعليق واحد

  1. . ابنك دا عمرو كم وينوم بالسرعة دي كيف وما علاقة نومو بالموضوع ..يا اخي ابنك واحد من ابناء السودان وما عندنا عليهو عتب لكن انت تدخلو في سجم موضوعك ليه ….الاراء التانية يمكن نتفق أو نختلف مافي مشكلة ,

  2. اقتباس : "ما حدث في الشمالية يجب أن يكون قصة نجاح تروى" …وأقول : كما ان قصة تدمير مشروع الجزيرة يجب ان تكون قصة أكبر فشل فى تاريخ السودان .. مالكم كيف تحكمون ؟؟؟!!! تدمير الغالبية وما هو قائم اساسا من اجل اقلية مسنودة بمحسوبية ابنائها الحاكمين . والله ناس الكتاب الاسود معاهم حق

  3. ياخى الطرق وحدها لاتملا البطون الخاوية. هل سالت نفسك كم من المليارات نهبت ودخلت بطون الوحوش الانقاذيةلاقامة سد مروى.ولعلمك التام شريان الشمال لم تدفع فيه هذه الحكومة جنيها واحدا. فهو قد بدا العمل فيه بالعون الذاتى قبل وصول هذه العصابة المجرمة الى سدة الحكم واكتمل بالعون الذاتى. اماسدمروى فسوف تكشف الايام بعد زوال هذا الكابوس كم من الاموال قد سرقت على يد هذا اللص اسامة وعصابته لاقامة السد فليس كل بريق هو الذهب.

  4. الذى دفعه الشعب يبنى افريقيا كها بتعرف تحسب ولا اعدد ليك بس شوف الاكلوه عيالهم فقط خليك من الكبار
    يا حبيبى نحن ندفع لهم حتى يسرقونا ويقولون لقد تبرع الوالى بكذا وهو اتى لهذه الحكومة
    فقران يائس حتى من رحمة الله
    و اخيرا اقول لك الشوارع مش ليك انت لانك انت البنيتها وبرضك بتدفع رسوم عبورها وهم امن اتفضل يا شيخ — يا اخى اى شوارع بدون تنمية تتكلم كأن هذه الطرق جلبت الخير و الرفاه — فكونا سرطانات وملاريات لا طبيب لا دواء — جياد قال

  5. بالرغم من أني من المعجبين بكتاباتك فإن ألومك هنا لأنك لم تذكر هنا لماذا انشأت الحكومة الطرق عندكم في الشمالية ولم تنشئ مايوازيها في بقية مناطق السودان المهمش الآخر .
    ذكرك للجنوب الآن لافائدة منه فالجنوب مضي إلي سبيله والآن تمضي القافلة جنوب كردفان والنيل الأزرف فلو تم التعامل معها بنفس القدر لما نحن في هذا الحال الآن.
    عدد سكان الشمالية لايوازي عدد سكان مدينة واحدة في تلك الاصقاع المهمشة
    الحكومة أطلقت فرية المشاريع المصاحبة للسد ولكن الناظر لحقيقة التنمية في الشمالية سيجد أن السد هو المصاحب .
    هذا الوضع سيجر السودان إلي دويلات .
    مشكلة السودان يا أخي
    – التنمية المتوازنة
    – العدالة في توزيع السلطة
    وإلا فإن السودان لن يصيح سوداناً

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..