قصائد إنكليزية على صحون الطعام تنقذ الشعر من عزلته

نسبة البرامج المهتمة بالشعر في التلفزيون لا تشكل أكثر من 1 إلى خمسين بالمئة بالنسبة إلى برامج الطبخ وإعداد الطعام.

بقلم: كرم نعمة

يطبع قصائده على 250 ألف طبق طعام للأطفال

شرع الشاعر روجر ماغو (75 عاما) بطباعة مجموعة من قصائده الموجهة للأطفال على 250 ألف طبق تباع في متاجر “سينسبري” و”موريسون”، في محاولة لإخراج الشعر من عزلته في متون الكتب.

وقال الشاعر الذي يعد من مؤسسي جماعة ليفربول الشعرية في ستينيات القرن الماضي، إنه استلهم فكرته بعد أن شاهد الأطفال وهم يلهون بأجهزة “أي باد” في المطاعم أكثر من التحدث مع أفراد أسرهم أثناء وبعد تناول الوجبات. وتوقع أن يكون الحديث عن الشعر وطرح الأسئلة حول معانيه أثناء اجتماع الأسرة على مائدة الطعام أكثر جدوى من الكلام المكرر، وقد يساعد على جعل وجبات الطعام العائلية أكثر متعة، لأن الأفراد يشتركون في شيء آخر غير تناول الطعام.

واختار روجر ماغو الذي سبق أن شارك في دعم حملة تشجيع القراءة التي قادتها صحيفة “ايفينيغ ستاندير” مع نخبة من المشاهير، سبعا من قصائده الجديدة عن الطيور لتطبع على 250 ألفا من أطباق الطعام مع لوحات تشكيلية.

ويعتقد ماغو أن قراءة الشعر يجب ألا تقتصر على المدارس فقط، لأن تجربته الخاصة علمته أن الأشياء تصبح أجمل عندما تأتي بطريقة غير متوقعة.

ولا تشكل نسبة البرامج المهتمة بالشعر في التلفزيون أكثر من 1 إلى خمسين بالمئة بالنسبة إلى برامج الطبخ وإعداد الطعام.

وروجر المولود في ليفربول في التاسع من نوفمبر عام 1937، يعد من بين أكثر الشعراء الإنكليز المهتمين بالترويج للقصيدة عبر الكتابات المسرحية وأدب الأطفال، ويعرض للقصائد في برنامج إذاعي من هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي 4” وهو زميل فخري في جامعة ليفربول، وعضو في الجمعية الملكية للأدب ورئيس جمعية الشعر. وبرزت أهميته الشعرية منذ أن نشر مختارات من قصائده مع اثنين من شعراء ليفربول هما براين باتن وأدريان هنري عام 1967، ووزعت المجموعة آنذاك 500 ألف نسخة من الكتاب. وارتبطت قصائد الشعراء الثلاثة آنذاك بالموجة الصاخبة من الحياة وظهور فرقة البيتلز.

? شعب لا يقرأ

وتتزامن فكرة الشاعر الإنكليزي مع تعالي أصوات أدباء وكتاب بريطانيين لحماية مئات الفروع من المكتبات المحلية المهددة بالإغلاق بسبب الضائقة المالية، في بلاد عرفت على مر تاريخها بولعها بالقراءة وأنجبت مئات المبدعين والمؤلفين.

وكشفت أرقام لمؤسسات تراقب عمليات الإغلاق في المدن البريطانية عن وجود 245 مكتبة محلية مهددة بالإغلاق من قبل المجالس المحلية من أصل 4000 مكتبة. وتقود الروائية البريطانية زادي سميث حملة لمواجهة عملية الإغلاق المتصاعدة لفروع المكتبات المحلية، بمشاركة ناشطين ومتطوعين من أجل المحافظة على إرث أسهم في صنع معرفة أجيال من البريطانيين.

وقالت سميث الحاصلة على جائزة “أورانج” للرواية النسائية عن روايتها “عن الجمال” قبل تغير اسمها العام الماضي إلى جائزة المرأة للرواية “إنها تقاتل من أجل منع إغلاق مكتبة في البلدة التي تعيش فيها، بعد أن تم إغلاق ست مكتبات من قبل المجلس المحلي”. وأكدت على أهمية المكتبات المحلية خصوصاً لأبناء الطبقات المتوسطة في بريطانيا.

وقالت “إن لم يكن الآباء من المتعلمين، فإن أولادهم لا غنى لهم غير الذهاب إلى المكتبات المحلية القريبة من مناطق سكناهم”. وتعد المكتبات المكان الأكثر حيوية للمجتمع البريطاني المتعدد الأعراق، وطبيعتها لا تميز بين الفقراء والأغنياء من روادها، لذلك يسعى المؤتمر إلى بحث الخيارات لإنقاذ هذه المكتبات المهددة بالإغلاق في البلدات والقرى، بسبب الضائقة المالية. وترتبط غالبية الأدباء والكتاب الإنكليز بوشيجة حسية ومعرفية مع المكتبات المحلية في مدنهم أو بلداتهم.

فالروائية جينيات وينترسون كانت قد سألت أمها مرة “لماذا لا يكون لدينا بعض الكتب في البيت أسوة بغيرنا؟” فردت عليها “إنك لا يمكن أن تعرفي محتوى الكتاب إلا بعد قراءته، وعندها يكون قد فات الأوان”. وتذكر جينيات في كتابة سيرتها الذاتية “وبعد فوات الأوان، فعلا اكتشفت ذلك في وقت متأخر!”. وهكذا كانت تقرأ في طفولتها في الخفاء.

ولما سُمح لها بالقراءة في مكتبة المدينة، كان يفرض عليها كتب التاريخ والدين وغير مسموح لها بقراءة أي كتاب يقترن بالخيال.

وكان استطلاع لمؤسسة “ناشونال ليتراسي ترست” البريطانية الخيرية قد أظهر أن نحو 13 في المئة من الشباب البريطاني لم يتمكن من قراءة كتاب واحد في الشهر، ووضعت الشركة المسؤولية عن هذا الأمر على شبكات التواصل الإلكتروني. وتبين أن عددا كبيرا من الأطفال يفضل قراءة مجلات وجرائد وكتب إلكترونية، كما يتخالطون عن طريق تبادل رسائل نصية عبر الهاتف الجوال ورسائل البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.

ويقرأ زهاء 60 في المئة الرسائل النصية، ويفحص 50 في المئة البريد الإلكتروني، بينما يزور 49،3 في المئة مواقع مختلفة على شبكة الإنترنت للاطلاع على المعلومات. ويقرأ حوالي 16 في المئة من الشباب المدونات.

وأظهر الاستطلاع أن أقل من نصف الشبان يقدم على قراءة كتاب من خارج المناهج الدراسية مرة واحدة على الأقل في الشهر، بينما يفضل أكثر من نصف الأطفال قراءة مجلة، ولا يزيد عدد الذين يقرأون كتبا علمية خارج المنهج التعليمي عن الثلث فقط. وقال باحثون “إن أي نوع من القراءة خارج إطار الدراسة مفيد، شرط أن لا تقتصر مزاولة الطفل القراءة على مرة واحدة في الشهر”.

? تلاشي القراءة

وسبق أن دقت دراسة حديثة أجراس الخطر من تلاشي القراءة بين أجيال الشباب بعد إدمانهم على الرسائل النصية عبر الموبايل. ووفق أحدث استطلاع أجرته مؤسسة الصندوق الوطني للفنون الأميركية فإن نصف المراهقين اليوم لا يقرأون الكتب إلا إذا قدمت لهم.

وأشار الاستطلاع إلى أن 50،7 في المئة من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً لا يقرأون كتابا لا يشترط في المدرسة أو في العمل، وتنخفض النسبة بالنسبة إلى الأعمار الأكبر ما بين سن 59 و75عاماً.

ووصف تقرير الأخبار بالسارة عندما نتحدث عن تصاعد القراءة والكتابة بين المراهقين، لكن هذه الأخبار تصبح سيئة عندما نعرف أنهم لا يقرأون ولا يكتبون غير الرسائل النصية القصيرة المتبادلة عبر الموبايل. ووصف الكاتب نيال فيرغسون الملايين من الشباب برشيقي الأصابع الذين يتبادلون رسالة “تافهة” عبر الموبايل لا تمت بصلة إلى طقوس الرسائل وحسها في الكتابة. وقال “إن طقوس القراءة التي كانت (معششة) في عقول الصغار قبل شيوع الهواتف النقالة قد تلاشت تقريباً اليوم”. وأكد أن عادات القراءة في الجامعات قد انخفضت بنسبة واحد لكل ثلاثة طلاب منذ 13 عاماً، وأن ثلث طلاب الجامعة لا يقرأون أكثر من ساعة أسبوعيا.

وعزا فيرغسون وهو أستاذ جامعي أسباب هذا العزوف إلى تصاعد فجوة القراءة في المجتمعات وفق نتائج دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي. وقال “إن الأطفال اليوم يغادرون حضارة أجدادهم في الجلوس بالمنازل والقراءة، إلى الخروج واللهو خارج البيت”.

? طعام بطعم الشعر

وعرض نيال فيرغسون قائمة بمجموعة من أشهر الكتب الموجودة في رفوف جامعة كولومبيا وكيف أن استعارتها قد انخفضت بنسبة مخيفة. وقال “إن من بين كتب الكوميديا اللإلهية لدانتي والملك لير لشكسبير ودون كيشوت لسرفانتس وفاوست لغوته والجريمة والعقاب لديستوفسكي والحرب والسلام لتولستوي، لم تتم الاستعارة إلا للكتاب الأخير ولعدد متواضع”. وسبق أن وضع الكاتب البريطاني سايمون جنكينز “تصورا” لمرحلة ما بعد الرقمية دون أن يلغي قيم القراءة التقليدية وطقوس زيارة المتاحف ودور العرض والمكتبات.

وأشار في مقال تحليلي في صحيفة “الغارديان” إلى أن العصر ما بعد الرقمي سيكون بمثابة معادل تاريخي لأزمنة الراديو والتلفزيون والفاكس والصحيفة الورقية وبعدها الإلكترونية، دون أن يقلل من مستقبل قيم القراءة الشائعة والاستماع والمشاهدة الحية للحفلات الموسيقية والغنائية.

وطالب جنكينز الذي سبق أن أصدر مجموعة من المؤلفات التي تعالج الهندسة المعمارية والصحافة والسياسة، بعدم الوقوع في خطأ إلغاء القديم من أجل التجربة الحية التي يبثها العصر الرقمي. وقاد عدد من المشاهير تجمعات أسبوعية لتشجيع القراءة في الأماكن العامة بمشاركة قراء من مختلف الأعمار، فيما تضاعف جمهور دور السينما والأوبرا والمتاحف. وقال إن تصاعد جمهور المتاحف والصالات الفنية كما يحدث في متحف اللوفر والمتروبوليتان في نيويورك، يمكن أن يعوض عن نسب القراءة المتواضعة في المهرجانات الأدبية وانحسار القراءات الشعرية. وتوصل جنكينز إلى أن أحد أسباب هذه العودة يرجع إلى الملل والفرار من شاشة الكمبيوتر والتلفزيون مساء إلى أجواء طبيعية وفي عطلات نهاية الأسبوع. فالإنسان بطبعه يسعى إلى الرقي بذاته وعدم الوقوع أسيرا في واقع افتراضي.

وتوصل الكاتب الذي يكتب عمودين أسبوعياً في صحيفتي “الغارديان” اليومية و”ايفنيغ ستاندر” المسائية، إلى أن العصر ما بعد الرقمي، لن يجعل من شبكة الإنترنت مقصدا في حد ذاتها ولكنها ستكون خارطة طريق إليه. وقال “كلما ازدهرت فرص التعامل الجماعي كلما خف الشعور بالوحدة، وهذا لا يقدمه الجلوس الدائم أمام شاشة الكمبيوتر”.

وأوضح “أن الرسائل النصية الهاتفية تمثل نافذة على العالم وليس باباً”.

واختتم مقاله بالقول “لست من أعداء التكنولوجيا، فالإنترنت تعد أكبر مكافأة مبتكرة في حياة الإنسان، إلا أن العودة إلى الكياسة تبدو مبهجة، ولن أقبل بالقول إن الإنترنت ستدفع بأدمغتنا إلى الهرولة، بل تخسرنا فرصة القدرة على قراءة جمل طويلة أو التعامل مع المعلومات المعقدة للغاية، والكثير من التحديق في الشاشات يكون سيئا للعينين وللظهر”.

ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..