الخليج : سياسات الفشل تحرم السودان من خيراته

تحليل إخباري
الخرطوم – ?الخليج?:
يظل الاقتصاد قاصم ظهر الحكومات السودانية، التي حبا الله بلادها بكثير من المقومات التي تجعلها متقدمة على رصفائها، بما خصت به من أمن غذائي وموارد طبيعية، لكن كل ذلك يذهب أدراج الرياح منذ قرن كامل من الزمان بفضل ظروف شتى، في مقدمتها الحرب الدائرة لأكثر من خمسين عاماً، بجانب أخرى طبيعية مثل الجفاف والتصحر وضعف الجانب الإداري، وعوامل أخرى أسهمت في ألا يبلغ السودان مكانته المرتقبة .
وظلت القضايا الاقتصادية أهم ما يشغل بال كثير من الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، وشغلها الشاغل لتوفير ما يجب من متطلبات المواطنين والقفز بهم إلى حالة الرفاهية التي ينشدها كل نظام، لكن العامل الاقتصادي ظل أحد أهم المتاريس التي توقف استرسال الأنظمة بحيث يتسبب في زوالها بعد أن تعجز عن توفير احتياجات الناس الضرورية .
وبات هم كل نظام يتقلد الحكم في هذا البلد أن يسعى في توفير تلك الاحتياجات، وقد أدركت حكومة الإنقاذ، وهو الاسم الذي أطلق على نظام البشير إثر انقلاب العام ،1989 أهمية هذا العامل وطوقته بشعارات ?نأكل مما نزرع? و?نلبس مما نصنع? و?من لا يمتلك قوته لا يملك قراراته?، وغيرها من الشعارات . بيد أن ظروفاً كثيرة، منها ما جوبهت به، ومنها ما أدخلت نفسها فيه، أقعدها عن تنفيذ أي منها، رغم أنها استماتت في أن تخرج من لعنة الحكم التاريخية، وعمدت إلى استنباط كثير من البدائل التي تحرك بها عجلة الاقتصاد، فاستخرجت النفط، الذي أصبح عاملاً مساعداً ليس فقط داعماً للخزينة، بل إنه مثل عامل ثقة لتطمين الشركات الأجنبية و?استدراجها? للاستثمار في إمكانيات البلاد المتعددة . إلا أن رياح الحظ، من جهة، وفساد النظام من جهة أخرى، حالت دون أن ينعم السودان ببتروله، فانفصل الجنوب وخرجت معه كثير من عائدات النفط، واستمرت المعاناة وأثرت في انسياب الحياة بالشكل المطلوب، مما دفع الحكومة إلى اللجوء إلى كثير من المعالجات والجراحات العميقة وآخرها تلك الإجراءات الاقتصادية، التي خلفت ردود فعل عنيفة ولم يتقبلها المواطن وعلى رأسها رفع الدعم عن المحروقات، ولم يقتنع برؤية الحكومة بأنها لها آثار إيجابية في المدى القريب .
وخرجت من رحم مجابهة المواطنين لتلك القرارات، حالة سياسية جديدة، وخرجت التظاهرات التي شابت بعضها مظاهر قتل وتخريب ونهب، ولا تزال الأطراف تتبادل التهم حولها، وكادت أن تفرغ خطوات التعبير الاحتجاجي عن محتواها وأهدافها، ودفعت الكثيرين إلى اعتزال التظاهرات، ما عده البعض عاملاً إيجابياً لمصلحة الدولة، خاصة بعدما غطت الأحداث على القضية الأساسية، بحيث ما عاد الناس يتحدثون عن الزيادات التي طالت السلع والمحروقات، وانشغلوا بالتنديد بتلك الممارسات التي صاحبت الأحداث وحولت مجراها . وسارعت الحكومة إلى إعلان إجراءات تخفيف وقع تلك القرارات، لكن خطاب المعارضة والنشطاء السياسين لم يحفل بذلك، ومضى يؤكد أن التظاهرات انتقلت من مطلبية العودة عن القرارات الاقتصادية إلى حتمية التغيير، وذهاب النظام الحاكم، بل إن قياديين في الحزب الحاكم استنكروا ما تفعله الحكومة تجاه التظاهرات وطالبوها بالتراجع عن القرارات وعن قمع مواطنيها وقتلهم .
هذا مجرد سرد تجريدي للأحداث أكثر منه تقرير صحفي (ريبورتاج) يعتمد على تحقيق صحفي مهني يتميز بالمصداقية. فلا هو تحقق من الوقائع المتنازع عليها بين الأطراف فيما يتعلق بقتل المتظاهرين وحرق المنشآت ولا هو تناول السياسات الانقاذية التي أدت إلى هذا المأزق بشيء من التدقيق والتحليل الصادق الأمين. لذلك لا يستحق قيمة الحبر الذي كتب به.