خطاب الواقع والأوهام

أفق بعيد

خطاب الواقع والأوهام

فيصل محمد صالح
[email protected]

أخطر ما يمكن أن يفعله أي شخص هو أن يبني خططه على أوهام، وتزداد الخطورة عندما تكون هذه الخطط متعلقة بمصير وطن بكامله. وفي خضم المعارك الدائرة في النيل الأزرق وجنوب كردفان تصاعد خطاب يتحدث عن اتحاد ثورات الهامش لتغيير النظام في السودان، وبناء دولة علمانية ديمقراطية، ويبشر بهذا الخطاب كثير من قادة الحركات، وعبر عنه عبد العزيز الحلو في بعض مقابلاته التليفزيونية الأخيرة.
أظن أن هذا الخطاب مبني على أوهام كثيرة لا بد من مواجهتها بوضوح شديد، تعدد الحركات المسلحة في أطراف السودان المختلفة سينتج عنه تمزق ما تبقى من الدولة، وتزايد معاناة سكان تلك المناطق من استطالة أمد الحرب سيقود للمطالبة بتقرير المصير والانفصال. هذه هي الحقيقة التي يجب مواجهتها، وعلى قادة الحركات أن يكونوا امينين مع أنفسهم ومع جماهير هذه المناطق إن كانوا يريدون فصلها وتكوين دويلات صغيرة هنا وهناك.
امتلك الدكتور جون قرن رؤية واضحة لما يريده وتوفرت له لحظة تاريخية مناسبة، وظروف اقليمية ودولية مساعدة، بجانب قدراته وامكانياته السياسية والفكرية والعسكرية وشخصيته الكاريزمية الطاغية، كما كان من مصلحته أنه أول من يجرب على الأرض ما يحمله من أفكار حول بناء دولة السودان الجديد على أنقاض الدولة القديمة. خاض جون قرنق، بناء على كل هذا، حربا استمرت عشرين عاما، لكنه في النهاية اكتشف أن الحرب التي خاضها لم توصله إلى أهدافه، بل إلى مائدة التفاوض، وخرج منها بمساومة تاريخية أتاحت فرصة جديدة للوحدة على أسس جديدة، وليس ذنبه إن من تحملوا المسؤولية من الجانبين في تلك الفترة (2005-2011) أضاعوا الفرصة وفرطوا في الوحدة وقسموا السودان لبلدين.
يفترض في من يجئ بعد جون قرنق، ويفترض أنه يحمل نفس أفكاره وأهدافه، أن يمتلك جوهر الفكرة، لكن مع استنباط آليات جديدة تناسب المرحلة، لا ان يتشبث بنفس الآليات القديمة المجربة والتي لم تعد صالحة. كما أن كل الآليات والوسائل يجب أن تناسب الهدف، ولا تحيد عنه أو توصل لنتائج مختلفة.
حمل السلاح من الأطراف مناسب لمرحلة إعلاء الصوت ولاسماع الناس بالقضية، لكنه، وبالتجربة، لا يحقق الأهداف المرجوة، بل يحول المناطق المراد الدفاع ورفع المظالم والتهميش عنها إلى ساحة حرب وعراك تقضي على الأخضر واليابس، وتزيد من بؤس الناس ومعاناتهم. وقضية المركز والهامش، اختلف الناس حولها ام اتفقوا، صارت مسموعة ومعروفة ومطروحة للنقاش في كل المحافل وعلى كل المستويات. ما يتبقى الاتفاق حوله هو وسائل العمل والنضال للانتصار للمناطق المهمشة والمظلومة، وهي وسائل لا بد أن تتفق مع الهدف، لا أن تتناقض معه.
يستسهل الناس العمل المسلح لأن بدايته سهلة ولأنهم لا يتذكرون كلفته الباهظة، و يستصعبون العمل السلمي المدني لصعوبة البداية ، لكنه السبيل الوحيد لبلوغ الأهداف، هذه هي المعادلة السليمة التي يجب أن يتعامل بها الناس، إن لم تكن الوسائل صالحة لبلوغ الأهداف، فلم يتبناها الناس ويعملون بها؟

تعليق واحد

  1. ما قولك يا أستاذ فى من يجبر على حمل السلاح رقم عدالة قضيتة فلا يترك له خيار سوى حمل السلاح أو يقبل العيش كمستضعف ومواطن درجة ثانية فى دولة العروبة وألإسلام… أطرحو الموضوع بجوانبه المختلفة يرحمكم الله ولاتدعونا نفقد فيكم الثقة فى ماتكتبون

  2. الاخ / فيصل

    عندما تتم المناده بثوار الهامش المقصود وجود اتفاقيات وتحالفات وقيادات غير عسكرية لادارة الصراع لسرعة اسقاط النظام للتعجيل بالمحافظة على ما تبقى من السودان طبعا هنالك عدة تخوفات منها ان يقيم ثوار الهامش دكتاتورية افظع من القائمة نتيجة لانهيار الجيش كليا لذا نرى طريق النضال السلمي طويل بالرغم من تايدنا المطلق له اذ اننا ننطلق من ارضية ثابته وهي التغير السلمي المتكئ على ارضية ديمقراطية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..