أخبار السودان

فى السودان.. نظام غير قابل للبقاء

امينة النقاش

أدهشنى، كما أدهش كثيرين غيرى، حالة التباهى والفخر التى، يرد بها مسئولو النظام السودانى، على منتقديه، فى أعقاب انتفاضة الشباب فى مختلف المدن السودانية، التى بدأت فى الرابع والعشرين من سبتمبر احتجاجاً على زيادة أسعار الغاز والوقود، رافعة شعارات مطالبة بالخبز والحرية، ومازالت مستمرة بعد أن بات شعارها الرئيسى «الشعب يريد إسقاط النظام»، وهو الشعار الذى ابتدعه التونسيون أثناء ثورتهم، وردده المصريون فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو.

سبب الدهشة أن قادة حكم الإنقاذ يفتخرون بابتسامات شامتة، بأنهم باقون فى السلطة، منذ عام 1989، رغم قول معارضيهم فى أعقاب كل احتجاجات شعبية، إن النظام يترنح، ولم يعد قابلاً للبقاء، وهو فخر أشبه بتباهى الطبيب بنجاحه فى الإبقاء على حياة إنسان، دخل فى غيبوبة الموت الإكلينيكى، على قيد الحياة، عشرات السنين باستخدامه الأجهزة الطبية المساعدة، فى غرفة العناية المركزة، برغم أن النتيجة النهائية المؤكدة هى الموت أيضاً!

بقى نظام الإنقاذ فى سدة الحكم فى السودان نحو ربع قرن، رغم حنثه بكل الوعود التى قطعها للسودانيين، بأن يأكلوا مما يزرعون، ويلبسوا مما يصنعون، وبأن يسود السلام بين الجنوب والشمال، وبأن يتوقف تدهور الجنيه السودانى أمام الدولار، ليس بسبب قوته ولكن بسبب تدميره لكل مؤسسات الدولة، وهدمه للنقابات ومنظمات العمل المدنى، ومراكز البحث العلمى، وإضعافه للأحزاب، وملاحقته لكل أنواع الأنشطة الثقافية والسياسية الحية، وللمنخرطين فى أعمالها، وتحطيمه للمنظومة التعليمية فى المدارس والجامعات بدعوى أسلمتها وتأصيلها، وسيطرته على وسائل الإعلام والثقافة، بزعم تنفيذه لما أسماه «المشروع الحضارى» وادعاء تطبيق الشريعة الإسلامية، التى اقتصرت على ملاحقة النساء فى الطرقات العامة وجلدهم تطبيقاً لما سمى بقانون النظام العام الذى تلاحق به ميليشيات النظام المواطنين إمعاناً فى إذلالهم وإهانتهم، وقطع يد صغار السارقين، بينما يمرح كبارهم فى أروقة السلطة وفى حمايتها.

بقى نظام «البشير» فى السلطة 24 عاماً، بعد أن نجح فى عام 1999 من التخلص من شريكه الرئيسى فى الحكم، ومهندس انقلابه على نظام حكم منتخب، الدكتور «حسن الترابى»، ثم أخذ منذ تلك اللحظة فى التخلص من كل العناصر التى تشكل خطراً على بقائه فى السلطة، فطارد أحزاب المعارضة وقادتها حتى تركت السودان، وشكلت فى الخارج التجمع الوطنى الديمقراطى المعارض، الذى رفع السلاح فى مواجهة حكمه، لكنه نجح قبل نحو عشر سنوات، فى عقد صفقة بمساعدة نظام مبارك فى مصر، لإقناع المعارضة بالعودة إلى الداخل، حيث تمكن بالقوانين الاستثنائية، وبفرض الحصار على أحزابها، وتدبير الانشقاقات وسط صفوفها، ومنح الامتيازات لبعض رموزها، بما انتهى بتهميش دورها فى الحياة السياسية، أو تحييدها، بعد سلسلة من الملاحقات الأمنية لأعضائها وزعمائها واصطناع كيانات موالية لنظامه ليصبح الوضع فى السودان، صراعاً غير متكافئ بين ضعفين، هما السلطة والمعارضة المحاصرة بالمن والأذى!

بقى «البشير» فى السلطة نحو ربع قرن، بعد أن حول المجتمع السودانى إلى كيانات أمنية، فى كل موقع ومكان بتشكيل التجمعات الشبابية الجهادية الموالية لنظامه والتى أغرقها بالامتيازات المالية والوظيفية ومدها بالسلاح، ومنحها تفويضاً بالنيل من معارضيه فى أى وقت أو مكان، وكان من النتائج المنطقية لهذه السياسة الرعناء أن انتشر السلاح بكثافة فى أنحاء المدن السودانية، وأصبحت تجارته رائجة بين أركان النظام وأعوانه فى المراكز الإدارية المختلفة، وبات النظام يخصص ما يقرب من 70% من ميزانية الدولة للصرف على أجهزة القمع الأمنية التى تعزز بقاءه فى السلطة منفرداً!

بقى نظام البشير فى السلطة طوال تلك المدة، لكنه لم يسلم من أكثر من محاولة انقلابية تسعى لإطاحته فأعدم قادتها من شباب العسكريين، ولفق لآخرين تهماً مشابهة وأطاح بهم وفصلهم من الجيش والشرطة، وأغرق المؤسسة العسكرية بأنصاره وأقاربه ومن القبائل التى تناصره، بعد أن أشعل الصراع العرقى والدينى والمذهبى بينها، أذا ماعجز عن استمالتها!
أما النتائج التى خلفها نظام حكم «البشير» على امتداد ربع قرن، فهى خير شاهد على الفشل الذريع والإخفاق المدوى لكل الأنظمة التى تتدثر برداء دينى وتزعم بأنها إسلامية ترمى إلى تطبيق الشريعة، باتهام كل معارضيها بالكفر، وكراهية الشعوب التى تتحكم فى مصائرها بسياسات التمكين والإقصاء والاستعلاء.

فقد شجع «البشير» الجنوبيين على الانفصال، بعد أن تعمد بأن يدفعهم دفعاً بالتصويت على الموافقة على حدوثه، لأن الانفصال سيجعل السودان ? كما قال الرئيس السودانى مبتهجاً ? «متجانساً لتطبيق الشريعة»، وهذا الفهم المختل للتجانس هو نفسه الذى دفعه إلى تذكير معارضيه بأنه جاء إلى الحكم بالسلاح، وأن من يريد السلطة عليه أن يرفع السلاح، فبدأ الصراع المسلح فى دارفور قبل عشر سنوات ولم يتوقف حتى الآن، وانتشرت النزاعات المسلحة فى كردفان والنيل الأزرق، فضلاً عن المناوشات شبه اليومية مع دولة الجنوب الناشئة.

25 عاماً من حكم يزعم بأنه إسلامى، أسفرت عن وضع السودان على لائحة الدول التى ترعى الإرهاب، وأحاطته بعزلة عربية وأفريقية ودولية، بعد تحالفه مع صدام حسين وإيران وإيوائه عناصر من تنظيم القاعدة، ودعمه لمعارضى نظم أفريقية مجاورة، وأصبح «البشير» ملاحقاً من محكمة العدل الدولية، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وانتهى مشروعه الحضارى الذى بدأه وكان الدولار يعادل 13 جنيهاً سودانياً، فأصبح الآن يساوى 8 آلاف جنيه، وتبددت الأراضى الصالحة للزراعة، بعد أن تم تقسيمها ومنحها لأعوان النظام وأنصاره الذين استولوا على شركات ومؤسسات القطاع العام بعد خصصتها لصالحهم، ليصبح الفساد المالى والإدارى نظاماً مؤسسياً ينفق من موارده لثبيت دعائم النظام، حتى لو كان الثمن، نهب موارد الشعب السودانى وتبديدها وإراقة دمائه.

التجربة السودانية تلخص الدرس التاريخى الذى أصبح معروفاً، وهو أن البقاء فى السلطة مهما طال ليس مؤشراً على نجاح الحكم أو رشادته أو رضاء الشعب عنه، بل هو قد يكون مؤشرا على طبيعته القمعية الأمنية، وطبيعة الطبقة الحاكمة الفاسدة التى تسيطر على شئونه، وهى نماذج عرف العالم منها مستبدين كباراً أزاحتها من سدة الحكم أصوات شعوبهم الغاضبة، وهذا فى الغالب هو ما سوف تفعله ثورة الشعب السودانى الذى كان رائداً فى استخدام العصيان المدنى لإسقاط الأنظمة القمعية.

الوفد

تعليق واحد

  1. حفظك الله ورعاك…….فما قالته الاستاذه امينه النقاش صورة واقعيه مجسمه في السودان…ندعو الله ان يزيح عنا البلاء ويجنبنا شر الطغمة الحاكمة بالجبروت وينزل علينا رحمته ويزل عنا الغم والهموالحزن.

  2. والله يالمصريين عرفتوها وربنا حفظكم وسلمكم من حكم الأخوان المسلمين، بل هم أخوان الشياطين، الذين سوف يذيقونكم المر لو أنهم نجحوا في تثبيت حكمهم في مصر. وربنا إن شاء الله سيعيننا على إقتلاعهم من السودان إلى الأبد كما تنبأ الأستاذ محمود محمد طه بذلك حيث قال: أجدر بالسودانيين أن يجربوا حكم الأخوان المسلمين ليعرفوا زيف شعارات هذه الجماعة وخوائها، إنهم سوف يحكمون السودان ولو بإنقلاب عسكري وسوف يذيقون الشعب الأمرين وسيختلفون فيما بينهم وسوف يُقتلعون من أرض السودان إقتلاعاً. نحن الآن في مرحلة الإقتلاع إن شاء الله.

  3. اعجز عن تفسير احساسك بالشعب السوداني المسحوق والمغلوب على امره ليت حكام السودان يطلعوا على هذا المقال ليعلموا ان روائحهم الكريهة تخطت الحدود فكل الصحافة العالمية والعربية لا يتخطاها فسادكم وطغيانكم فهل من متعظ ؟
    ولاستاذتي امينه اقول : لا فض فوك

  4. لكأنك بيننا منذ ظهورهم الكالح على صبح وطننا المضىء … من عام 89م ما عملوا حاجة للوطن أو الشعب فقد كان حكمهم لمصلحتهم الشخصية وسرقوا عرقنا وقتلوا أهلنا فى دارفور والشرق وجنوب كردفان والنيل الأزرق وفى كجبار والمناصير والجزيرة … الشعب السودانى شعب ترهبه كل الأنظمة الدكتاتورية
    التى تعاقبت عليه لأنهم يعرفونه جيدا صبورا حتى لتظنه راضى ولو وصل الحد بجلجل العروش وبكسر الرؤوس .
    ثورته لهيب على كل ظالم مهيب وإنشاء الله سنجعل منهم عبرة لكل مغامر يظن الظنون السيئة بهذا الشعب الأبى الكريم الشامخ الذى لا يلد إلا الشوامخ من الرجال أمثال الشهيد صلاح سنهورى .

  5. الله عليك الله عليك والله كانك مولوده وعائشة بيننا نفس الحقائق ونفس الانطباعات انك تتحدثين بلساننا والله سخر لكم السيسي لانقاذكم من براث وانياب الضباع كننا بنندهش للاخوة المصريون كيف يختارون جلاديهم والتجربة السودانية امامهم حية ترزق وهي ثورة كرامة وحرية اولا وليس جوع كما يعتقد بعض المجللين والكتاب الوقود زادها اشتعالا وكان السبب لانه ليس لدينا شئ ندفعة

  6. خبر النظام وما فعله بهذا الشعب بات من البديهات للخارج قبل الداخل الناس العاديين من الأجانب بيتكلموا بمخازي النظام ولكن جلدهم أتخن من جلد الكفار في النار

  7. ان شاء الله اعضاء التنظيم الدولي للأخوان المسلمين الحاكمين في السودان تجار الدين عبدة المال والدولار يقروا الكلام دا؟ ديل قسموا السودان شيع واحزاب وازكو روح القبلية بعد ان ماتت في عهد نميري والديمقراطية الاخيرة.. ديل احتكروا كل الوظائف من الغفير الى المدير وسافروا في البلاد الدنيا سياح بقروش السودانيين وياكلون ويتمتعون ثم يتحدثون عن الدين .. اللهم عليك بالظالمين تجار الدين الذين اكلوا حقوق البسطاء وحرموهم من ابسط مقومات العدالة .. الله عليكم بالتنظيم الدولي للأخوان فرع السودان

  8. سؤال هل الاستازة امينة سودانية ؟طبعا لا لذا اشهد لها بالمعرفة عن احوالنا اكثر من بعضنا؟؟؟؟؟

  9. يا عينى يا ستهم على النظام المصرى.(مش حرام عليكم).خلاص يعنى انتو حلحلتو بلاويكم فى ام الدنيا؟؟؟؟

  10. روعة في سرد جرائم الاخوان المتاسلمون في السودان وجعل الله كيدهم في نحرهم
    الشكر موصول لك يا استاذه امينه النقاش

  11. تحيه طيبه للدكتوره امينه النقاش واحي قلمك الذي تدفق بغزاره عن ما يعانيه هذا الشهب من قتل و سلب للحقوق و و التهميش على سبيل ارضاء مؤامرتهم صد الوطن
    و نشكرك على اهتمامك بشأن السوداني و بدى مقالك واضحا ينبع عن عمق معرفه و مراقبه لهذا النظام الفاشي ..والله ما قلت الا الحق في تاريخهم الاسود المظلم
    حفظك الله و رعاك

  12. نحيي الكاتبة الكبيرة على هذا الإدراك و الوعي الكامل لمشكلة السودان فقد أوفيت و كفيت ، لك الشكر

  13. لو وجدنا هذا الفهم الراقى والرؤية الثاقبة للسودان
    من اخوانناالعرب منذ الفترة الاولى من حكم هؤلاء الهمج
    لما وصل السودان الى هذا الدرك السحيق ..
    ويبقى دم السودانيين فى دارفور وغيرها فى ربوع السوداع
    وصمة عار فى جبين العرب اولا والعالم ثانيا
    لان الشعب السودانى الان يواجه نظاما شرسا لايعرف الرحمة
    او الشفقة وما نريده من اخواننا العرب هو الموقف الدبلماسى
    وقطع التعاون معه وكشف اموالهم بالخليج

  14. مع احترامى الشديد للكاتبة ولكل ما سطره قلمها لكنى أصبحت لا أثق البتة فى أيى تحليل أو أيى حديث يأتى من قبل المصريين للأسف هذا احساس تأصل فى دواخلى أن كل شيىء يكتبوه عن السودان يكون من وراءه شيىء يعود اليهم بالمنفعة من خلال تجاربهم الكثيرة معنا وأتمنى أن يخيب احساسى هذه المرة فى مقال الأستاذة فاعذرينى هذا شيىء خارج عن ارادتى والشكر لك

  15. خالص الشكر يا دكتورة ويا ريت لو اطلعتى على البيان الاول للخروف المشير .سوف تزدادين معرفة بشعب السودانى المسكين

  16. اكتر حاجة هزتني في المقال ده”تشكيل التجمعات الشبابية الجهادية الموالية لنظامه والتى أغرقها بالامتيازات المالية والوظيفية ” يا حليل شبابنا نحنا الراح وما عرفنا ليه طعم25 سنة من الجري والتعب وما حصدنا غير ضياع العمر والمعاناة … ما محظوظ كلكو العاش شبابو في الانقاذ الله يجازيك يا بشير الشوم هو شبهك ده شبه رئاسة ما خليت لينا غير الحسرة الله يفقع مرارتك يا فقر

  17. أشهد أنك لرائعة …
    رائعة في صحة المعلومات وربط الحقائق ودقتها وترتيبها …
    ورائعة في سلاسة السرد وانسيابه …
    ورائعة في قوة الكلمات وجمال التعبير …
    يا لك من كاتبة ! عالمة بما تكتبين ، حازقة في التعبير عنه..!
    من الآن سوف أبحث عما تكتبين لأستزيد بما يجود به بنانك .. فلا تتوقفي عن الشأن السوداني رغم السموم التي يبثها مدسوسو الأخوان ، سواء كانو من مصر أو من السودان ، في ردودهم الجبانة على ما تكتبين ..
    فاليخسأ الجبناء السفلة الذين يسيؤن الإدب للنساء الشريفات الماجدات العالمات.

    حفظك الله ورعاك ونحن فداك.

  18. كل الذى أوردتها الكاتبة صحيح 100% وحبذا لو تكلمت عن مايحدث فى مصر بنفس الشفافية والمنطق والرصانة … مايحدث فى مصر هو الخطر الحقيقى على الأمة العربية والأسلاميةأما السودان فشعبه قادر على الخروج الآمن على هذه الحكومة الظالمة أهلهاأما اهلنا فى مصر فهم سذج فى تناولهم السياسى لذا سوف تطول الأزمة فى رأيى الشخصىوهنا تكمن الكارثة

  19. قال مصر .والله تلحق تكتب في الشأن المصري او الخليجي والله يقطعوك حتت.فبالله كل زول يعاين لورقتو.وانتو يالسودانيين رئيسكم مرمطكم طيران ابو يخلوه يطير .دا جابنا الواطه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..