أخبار السودان

عيد الفداء: عيد بأي حال عدت يا عيد؟

د. محجوب محمد صالح

في تاريخ السودان الحديث كان لعيد الفداء مفهوم سياسي أصبح تقليداً راسخاً في أعوام الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي؛ إذ كان هذا العيد بعطلته الطويلة (5 أيام) يتيح الفرصة لقادة الحراك الوطني لكي يتجهوا نحو العاصمة الوطنية (أم درمان) ليشهدوا الاجتماع السنوي العام لمؤتمر الخريجين الذي كان هو الجبهة الوطنية الشاملة التي تضم كل القوى السياسية السودانية، لكي يديروا حواراً جامعاً حول حالة الوطن ومسار كفاحه من أجل التحرر من الاستعمار. ورويداً رويداً مات ذلك التقليد بعد أن أدى دوره التاريخي في التعبئة والتنظيم.

واليوم يعود عيد الأضحى والبلاد أحوج ما تكون إلى تجميع صفوفها مرة أخرى لإنقاذ الوطن من التحديات الخطيرة التي تحيط به والمهددات التي تواجهه والتي أوشكت أن تقوده إلى المهالك والتشظي وانفراط وحدته الوطنية بسبب حروب أهلية طال أمدها وانهيار اقتصادي يتهدده وغلاء طال جميع أوجه الحياة في وطن يعيش نصف أهله تحت خط الفقر بحسب الإحصاءات الرسمية، ويفتقر للحكم الراشد الذي يفتح كوة الأمل كما يفتقد الحريات والحقوق التي تضمنتها وثائق حقوق الإنسان.
من حق أهل السودان أن يتساءلوا مع تباشير عيد الفداء: بأي حال عدت يا عيد؟ وليس ذلك سؤال المستفسر الذي يبحث عن إجابة إنما هو سؤال المستنكر لحال يزداد تدهوراً كل صباح.

هل من أمل في أن تتضافر جهود كل القوى الراغبة في انتشال السودان من وهدته لكي تجمع صفوفها وتحدد مقاصدها وترسم خريطة طريقها لجهد جماعي، مستعيدة الإرث التاريخي لهذا العيد في مسار الحركة الوطنية السودانية في قرن سابق، خاصة وهذا العيد يأتي في أعقاب أحداث جسام شهدتها البلاد في جميع إنحائها وفي انفجار عفوي للغضب المكتوم في مواجهة أزمة اقتصادية تهدد المواطن في معاشه ومعاش أسرته؟

لا يمكن ولا يصح أن ينفرد فصيل واحد باحتكار السلطة والثروة ربع قرن من الزمان بينما يتحول المواطنون إلى رعايا يفرض عليهم عنف الدولة الاستسلام والرضا ولا يفتح أمامهم فرصة المشاركة في صناعة القرار الوطني ويكمم الأفواه فلا يعبرون سلمياً عن أرائهم وأفكارهم ويحاصر نشاطهم الوطني المتسول في سبيل إنقاذ وطنهم يدركون أنهم يملكونه على الشيوع مع كل الآخرين في مساواة كاملة وهم جمعياً مستولون عن إنقاذه من وهدته الحالية بحراك جماعي سلمي بعد أن عانت البلاد طويلا من أراقة الدماء وتجذير ثقافة العنف، وانتشار الحروب الأهلية والقبلية فالدماء المهدرة عبثاً لا تبني أمة ولا تحفظ وطناً.
وإذا افتقد الناس الجبهة الجامعة التي توحدهم والتي كانت تجتمع في كل عيد أضحية، فليكن هذا العيد تجديداً لذلك التقليد فخلال عطلته الطويلة التي ستمتد إلى قرابة العشرة أيام والتي بدأت بالأمس وستتواصل حتى الأحد بعد القادم، فلتكن تلك العطلة هي الفرصة المتاحة أمام أولئك الذين سيغادرون العاصمة إلى الإقليم، وأولئك الذين يفدون من الأقاليم للعاصمة وفي كل لقاءاتهم الأسرية والاجتماعية خلال العيد أن يديروا حواراً واسعاً أجندته الوحيدة: كيف تتوحد كل قوى الخير الراغبة في تغيير سياسي سلمي لإنقاذ الوطن وإحداث تحول ديمقراطي حقيقي؟

مثل هذه الحوارات هي التي تساعد في الوصول إلى اتفاق الحد الأدنى الذي يلتقي عنده الجميع ويمهد الطريق لبناء تنظيم مرحلي جامع يضم كل الراغبين في تحول سلمي وحقيقي وناجز لإنقاذ الوطن، يأتون من كل ألوان الطيف السياسي ويلتقون حول رؤية مشتركة لإحداث التغيير المطلوب لأن تجزئه العمل وانعدام التنسيق سيعيق تكامل الجهود ويؤدي إلى انعدام الرؤية المشتركة، وهذا هو الخلل الذي صاحب مثل هذا النشاط في دول أخرى من حولنا ولا بد أن نستفيد من كل تلك الدروس، فمسؤولية إنقاذ الوطن تتطلب تكاتفاً جماعياً واتفاقاً جماعياً لا ينفي الصراع السياسي الطبيعي بين تلك القوى ولكن يؤجله إلى مرحلة لاحقة تأتي بعد إنجاز برنامج الحد الأدنى الذي تتفق عليه كافة القوى وتجتاز به المرحلة الانتقالية ويسوى الميدان لكي يتبارى فيه المتنافسون على التداول السلمي للسلطة.

لتكن إجازة العيد فرصة لانطلاق الحوارات الجادة خلال اللقاءات الاجتماعية العيدية حتى تظهر نتائجها بعد عطلة العيد. وكل عام وأنتم بخير.

د. محجوب محمد صالح
كاتب سوداني
[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. هكذا انت دوما عميد الصحافه السودانيه معهود بمواقفك الانسانيه والوطنيه النبيله وكل سنه وانت طيب وبالف خير يا نبيل ويا كالنخله قامه…

  2. استاذنا الفاضل محجوب
    في تقدير بلهاء المؤتمرالوطني او الحركة الاسلامية ان طاولة المفاوضات لا تتسع لهم بقيادة التنظيم العالمي لحركتهم وعلي راسهم اوباما وشوية هلافيت من قوي ما يسمي بالمعارضة لا هم ولا تنظيمهم الدولي ولا القوي الغربية التي تقف ورائهم مقتنعين بالجلوس مع مع ما يسمي المعارضة السودانية ويجتمعو معاهم عشان شنو ما دام هم شاربين مخ الدوا زي ما بقولو

  3. إضافة إلى ما تفضل به الدكتور فليتذكر الشعب السودانى العظيم الذكرى التاسعة والأربعين لثورة أكتوبر المجيدة والتى ستحل فى يوم الثلاثاء 21/10/2013 بعد العيد مباشرة علها تكون ملهمة ومفجرة لطاقات شعبنا الفتى ليعيد الكرة مرة أخرى ويلقن الطغاة المفسدين دروسا قاسية فى مقدرة هذا الشعب على إسترداد حقوقه المسلوبة وكرامته التى أهينت وعزته التى مرغت فى التراب ..وأن للصبر حدود..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..