ربيع السودان أم صيفه

حامد إبراهيم حامد
تحير المراقبون في تسمية ما حدث بالسودان خلال الأيام الماضية، هل هي ثورة شعبية كما حدث في أكتوبر 1964 وأبريل 1985 أم هي رفض شعبي لقرار الحكومة رفع الدعم عن السلع؟. من المؤكد أنها كانت بداية ثورة شعبية وانتفاضة شبابية أجهضتها الأحزاب المعارضة لا الحكومة، فرغم أن الحكومة السودانية قد واجهت هذه المظاهرات بعنف غير مسبوق أدى إلى مقتل أكثر من 200 روح بريئة إلا أن الفشل لا يعزى للحكومة وإنما للمعارضة السودانية المتشتتة، حيث فضل بعض منها التفرج بل التخذيل والتحذير من عواقب إسقاط النظام وكانت مواقفها أكثر سلبية حتى من مواقف الإصلاحيين داخل المؤتمر الوطني، ولذلك فإن مواقف هذه الأحزاب خاصة الكبرى منها منحت الحكومة وآلتها الأمنية المبرر لمواجهة المتظاهرين الذين وجدوا أنفسهم في الساحة وحدهم دون غطاء سياسي.
فرغم أن تحالف المعارضة السودانية كان قد حدد أطرًا وسياسات لإسقاط الحكومة ومن بينها تحديد فترة مئة يوم إلا أن المظاهرات الأخيرة قد عرّته وجعلته في مواجهة مكشوفة مع الشعب وأثبتت أنه غير مؤهل لمواجهة الحكومة السودانية التي أثبت الشباب مدى ضعفها وقلة حيلتها بحيث لم تجد إلا القتل والتنكيل في مواجهة هؤلاء الشباب من طلاب الجامعات والثانوي.
فالمواجهة لا يجب أن تكون مع الحكومة السودانية فقط لأنها تدرك أنها لا تملك البديل في الاستمرار في الحكومة إلا مواجهة كل من يحاول منازلتها وإنما يجب أن تكون مع المعارضة السودانية نفسها التي تدّعي أنها تعارض، ولكنها في الحقيقة تخذل الشباب، فعلى عكس ما حدث في ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985 اللتين كان للأحزاب والنقابات الدور البارز فيهما فإن ما حدث مؤخرًا بالسودان لم يكن للأحزاب أي دور فيه بل هي كانت تنتظر أن تجني ثماره.
فجميع المراقبين يتساءلون عن حقيقة ما حدث للسودان والسودانيين؟ بعد فشل هذه التظاهرات ومن الذي أفشلها، هل الحكومة التي استخدمت سياسة العصا الغليظة ومارست القتل والتخويف أم قادة المعارضة الذين تخلوا عن هؤلاء الشباب الذين مهدوا الطريق لثورة ثالثة جديدة بالسودان يلحقه بالربيع العربي خاصة أن أوضاعه أسوأ من أوضاع جميع بلدان ثورات الربيع العربي، فالسودان بلد مزقّته الحروب والصراعات وتمزق معها نسيجه الاجتماعي بعد فقد ربع مساحته وثلث سكانه بذهاب الجنوب، فهو البلد الوحيد الذي تفجّرت فيه نزاعات مسلحة قادت إلى تدويل الأزمة ووضع البلاد تحت قرارات وعقوبات دولية طالت حتى الرئيس. الأمر الذي قاد إلى وضع كارثي خاصة بذهاب البترول إلى الجنوب وتدهور الاقتصاد فكان لابد للحكومة أن تبحث عن أسهل وسيلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية ولم تجد إلا المواطن الذي أصبح ضحية للحكومة مثلما هو ضحية للأحزاب التي تدّعي المعارضة.
رغم أوضاع السودان الكارثية إلا أن صلف حكومة المؤتمر الوطني وحركتها لم تجد سبيلاً لمعالجة الأمور أو تسعى لمواجهة الحقيقة ولكنها اختارت أسهل الطرق بدلاً من الاستجابة لمطالب الجماهير، التي عندما ثارت لم تجد سوى مزيد من القمع باستعمال ترسانات الأمن وميليشيات الحزب لقمع صوتها بكل ما أوتيت تلك الأجهزة من قوة وبطش، فكانت الاغتيالات للعشرات من أبناء وبنات الشعب، واعتقال المئات من الشبان والشابات الذين رفضوا قرارات رفع الدعم ولكن الغريب ليس موقف الحكومة وآلتها الأمنية وإنما موقف أحزاب المعارضة السودانية التي اختبأ معظمها خلف هؤلاء الشباب ولكن عن ساحة الوغى تخلت عنهم بدعاوى واهية، فحزب الأمة بقيادة الإمام الصادق المهدي الذي كان من المفترض أن يكون الملاذ لهؤلاء تخلى عن دوره بمبررات واهية، بينما هرب زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغي إلى الخارج تاركًا قادة حزبه المشارك بالحكومة لاتخاذ قرار ورفع التوصية إليه بخصوص فض الشراكة، ورغم أن التوصية قد رفعت إليه منذ مدة إلا أنه لم ولن يتخذ القرار بفض الشراكة.
فإذا كان هذا موقف الحزبين الرئيسين من تطورات الأوضاع بالسودان فإن مسألة ذهاب حكومة البشير عبر المظاهرات ربما يكون مستحيلاً، وقادة المؤتمر الوطني يدركون ذلك رغم أن المظاهرات الأخيرة قد كشفت حقيقة ضعف الحكومة ولكن عدم التنسيق بين الأحزاب المعارضِة قد قاد إلى وأد ثورة الشباب رغم الخسائر البشرية الكبيرة.
لقد وضح للجميع أن الأحزاب السودانية غير مؤهلة لمواجهة المؤتمر الوطني وأنها أيضًا غير مؤهلة لما بعد المؤتمر الوطني، فالشباب فعلوا ما استطاعوا وواجهوا التحدي ولكن واقع الأحزاب المؤلم خذل الجميع، فأصبح ربيع السودان الذي كان مرتقبًا صيفًا أو أصبح صيف الإنقاذ ربيعًا، فقادة الإنقاذ ليس لديهم البديل إلا الحكم، والمعارضة السودانية لاتزال في مرحلة توقيع المواثيق، فالتحالف الوطني للمعارضة كان قدر مئة يوم لإسقاط الحكومة ومرت المئة اليوم بل مرت معها مظاهرات الشباب ولكن المعارضة بدلاً من أن توحد كلمتها هاهي تدخل في خلافات من جديد بين حزب الأمة وبقية تيارات المعارضة.
إن القوى المعارضة للنظام بالسودان عليها أن تدرك مدى إصرار النظام على المواجهة لأنه لا يملك البديل وعليها واجب تاريخي أن ترتفع فوق طموحاتها الحزبية والشخصية والسياسية الضيقة، لصالح أصوات الجماهير التي قالت لا للحكومة عبر المظاهرات الأخيرة رغم القمع والبطش، فالسودان ليس سوريا ولا الصومال ولا حتى مصر أو ليبيا ويكفي في تاريخه أن شعبه قاد ثلاث ثورات الأولى المهدية ضد الأتراك في القرن التاسع عشر والثانية عام 1964 والثالثة 1985، فالنظام رغم إدراكه أنه فقد جميع مقومات البقاء إلا أنه لن يذهب إلا بالضغط الشعبي المسنود سياسيًا، وهنا تنبع أهمية دور قادة الأحزاب، فتجربتا أكتوبر وأبريل ليستا بعيدتين ولكن المشكلة أن الإنقاذ تدرك أن أحزاب المعارضة ضعيفة ومتشتتة وهي تصب المزيد من الزيت على نار خلافاتها الداخلية تارة عبر الإغواء للمشاركة وتارة أخرى عبر التخذيل بنشر معلومات مضللة عن بعضها البعض. وقد نجحت الحكومة السودانية فيما فشل فيه الآخرون حتى الآن ولذلك تحول صيفها إلى ربيع بدلاً من قيام ربيع السودان الذي كان مرتقبًا.
الراية
ده خريف نيفاشا وافلاس المركز واحزاب السودان القديم…كلم العرب ديل بالله
هذه هي معارضة البودة (والبودة نبات خبيث لا ينبت إلا مع الذرة ويتغذى من جذورها) وجميع الأحزاب قديمة وحديثة, كبيرة وصغيرة , رجعية وتقدمية كان لها دور في حكم السودان منذ الإستقلال وحتى الآن ولذلك نطلق عليها إسم الليق السياسي, فالمستني الحنيطير يطير وكان الله في عون السودان الوطن الواحد ما قد كان وما سيكون
إذا لم يبتعد الصادق الميرغني الترابي عن العبث بهذا الوطن فلن تقوم للسودان القائمة
شيوخ هرمه لم يعيها كيد الليل والنهار
ولكن أعياها أن ترى شعباً أبياً يختار وخيوط اللعبة تتفلت من بين أصابعها المتيبسة
تقام الولائم وتنحر الذبائح في القصور والضيعات بإسم الله زوراً في حين ترزح أسر الشهداء تحت وطأة الحزن والألم والهوان
كيف لفرحة العيد أن تدخل لقلوب من أصبحن ثكالى
كيف لفرحة العيد أنت تدخل لقلب من فقد إبنه، بنته، أبيه أو أخيه
أما هذا اللا عمري فقد أمعن في إذلال الشعب بما لم تستطعه الجيوش الغازية
عشمنا في أنه قد تحاذق على الله جل وعلا فعلا وقولا وهو عند الله مقيت، فليأخذه أخذ عزيز مقتدر