نسخة معدلة من القاعدة

لا يمكن النظر إلى صعود القاعدة في شمال أفريقيا إلا من منظار غربي يرى فشل الأخوان في مصر وترنحهم في تونس وليبيا. الحاضنة الجديدة تعد على وجه السرعة.

بقلم: فاروق يوسف

هل سلمت الولايات المتحدة ليبيا للقاعدة مثلما سلمت من قبل العراق لايران؟

لا يتعلق السؤال بما أثاره اعتقال (اختطاف) “ابو أنس الليبي” من تساؤلات، عجز الكثيرون عن الاجابة عليها، ومن ضمنهم الحكومة الليبية التي حاولت أن تحتج على ما جرى لكن باستحياء وبصوت منخفض.

فـ”ابو أنس الليبي” لم يكن عضو تنظيم القاعدة الوحيد الذي يعيش في ليبيا الجديدة بطريقة معلنة. هناك العشرات من قياديي ذلك التنظيم الارهابي لا يمارسون حياتهم الطبيعية في المدن الليبية، حسب بل وأيضا يتولون مناصب كبيرة وحساسة في الاجهزة الأمنية التي هي القوة الضاربة في دولة لا تملك سوى الميليشيات التي تؤدي دور الجيش في حماية المنشآت والشخصيات السياسية.

وهو ما يعني عمليا أن القاعدة هي التي تمسك بزمام الأمور في ليبيا.

كان وجود القاعدة العلني والمكثف في ليبيا هو سبب الحيرة التي وقع فيها الكثيرون. فالدول المحيطة بليبيا والتي تنظر بقلق وفزع إلى حدودها الشاسعة كانت قد صدمت حين وصلها نبأ اعتقال “أبو أنس الليبي” والذي يوحي بان الاجهزة الاميركية لم تكن على معرفة قبل ذلك الوقت بوجود الرجل في بلده منذ ثلاث سنوات.

وهو ما دفع بتلك الدول إلى الشعور بان شيئا ما قد وقع خطأ.

وكان اختطاف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان لساعات رد فعل جرى بطريقة عفوية. ولم يكن المقصود منه أن يلقن الرجل المخطوف درسا شخصيا، بسبب تقاعسه وضعفه. فالخاطفون يدركون جيدا أن الرجل الذي سبق له أن استنجد بالقوى الدولية من أجل أن تعين ليبيا في مسألة تأسيس جيش وطني لا يقوى على حماية أحد، حتى لو كان ذلك الأحد هو علي زيدان نفسه.

كانت رسالة الخاطفين تقول إن خطف “ابو أنس الليبي” انما يُعتبر خروجا على بنود صفقة بدأ تطبيقها واقعيا حين قام عبد الحكيم بلحاج بقيادة معركة طرابلس، وهي المعركة التي سقط اثرها نظام العقيد القذافي نهائيا.

يومها كانت قوات حلف الناتو تحكم الفضاء فيما كان تنظيم القاعدة يحكم الأرض.

كان خطف زيدان هو الآخر خروجا على صفقة وقعت بموجبها القوى السياسية تحت رحمة الميليشيات التي يدير معظمها أفراد تابعون لتنظيم القاعدة. ولم يكن ما يجري من تطورات سياسية في ليبيا ليخفى على أحد، وبالأخص الدول التي ساهمت في اسقاط نظام القذافي.

كان توزيع الأدوار يتم على أساس اقامة نوع من التوازن الوهمي بين القوى المدنية التي لا يزال وجودها في ليبيا افتراضيا وبين القوى الدينية التي صارت تتجه إلى التطرف من خلال وجود زعامات مرتبطة بالقاعدة.

غير أن ضربة قوية قد وجهت إلى ذلك التوازن حين اضطرت تلك الزعامات الى الاعتراف بانها تجهل ما الذي حدث وما أسبابه. طبعا سيكون مضحكا تصديق الرواية الاميركية حول العلاقة المفترضة بين الليبي وبين تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا. فالليبي سبق أن تم اعتقاله من قبل الولايات المتحدة ومن قبل دول صديقة لها مرات وتم الافراج عنه.

مع ذلك فان اختفاء “ابو أنس الليبي” لن يؤثر كثيرا على ميزان القوى الذي يميل لصالح الفكرة التي تؤكد إن وجود تنظيم القاعدة في ليبيا مقبول ومرضي عنه أميركيا.

ولكن أيعقل أن الأجهزة الاستخبارية الأميركية تفكر من خلال توطين عدد من قيادات القاعدة في ليبيا في اعادة انتاج التنظيم على هيأة نسخة معدلة؟

سيكون علينا أن نأخذ في نظر الأعتبار الفشل الذي انتهت إليه تجربة الاخوان المسلمين في مصر، اضافة إلى ما تعانيه حركة النهضة في تونس من مشكلات بسبب احتجاجات القوى المدنية المعارضة لنتوقع أن تسليم ليبيا للقاعدة، لن يكون مكافأة للتنظيم الارهابي على مساهمته في تدمير جزء كبير من الحياة المدنية في العالم العربي، بل سيكون بمثابة تمهيد لبناء حاضنة جديدة تتم فيها رعاية الارهابيين ومن ثم تصديرهم إلى الأماكن التي يكون فيها ضرب الاستقرار والأمن ضروريا للشركات الغربية.

فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..